ندا.. التي شاهدها العالم تلفظ أنفاسها.. تتحول إلى «ملاك إيران» ورمز «الثورة الخضراء»

صورها ملأت مواقع الإنترنت وباتت رمزا يُرفع في التظاهرات وقد يكون موتها نقطة التحول

متظاهرون في لوس أنجليس يحملون صورا لندا التي أصبحت رمزا لـ«الثورة الخضراء» (أ.ف.ب) 3 صور مختلفة لندا وضعت على يوتيوب والصورة الاولى لها بعد مقتلها (أ.ف.ب)
TT

مشهد الفتاة الإيرانية ندا، وهي تسقط على الأرض مضرجة بدمائها، كان أقسى من أن يمر كغيره من الصور المرسلة من إيران. صراخ والدها المنحني بالقرب منها على الأرض، وهو يهزها ويرجوها أن لا تغمض عينيها، كان يملأ المكان. دقيقتان صارعت خلالهما ندا الرصاصة التي أصابتها في قلبها، ثم استسلمت... ولكن عينيها بقيتا تحدقان.

قُتلت ندا في الساعة السابعة من مساء السبت الماضي خلال مشاركتها في تظاهرة مع والدها في ساحة كاريكار بطهران، كما نقل شهود عيان كانوا بالقرب منها. شوهدت في شريط صوره أحد المتظاهرين، قبل دقائق من إطلاق النار عليها، كانت تتمشى بالقرب من والدها. وفي شريط ثانٍ بدت وهي تسقط على الأرض بعد أن أصيبت بطلق ناري. كانت تحرك عينيها متابعة حركة المصور وهو يلتقط اللحظات الأخيرة لها. سقط والدها إلى جانبها وهو يناديها. وركض رجل آخر ـ قال في ما بعد إنه طبيب ـ يحاول إنقاذها. ضغط على إصابتها محاولا وقف النزيف. ولكن بعد ثوان بدأت تنزف من فمها وأنفها.

كتب رجل قال إنه الطبيب الذي حاول إنقاذها على مواقع «تويتر» و«فايسبوك»، يروي كيف قُتلت ندا. قال: «أصيبت امرأة شابة كانت تقف بالقرب من والدها تشاهد التظاهرة، بطلق ناري صادر عن عضو في قوات الباسيج كان يختبئ على سطح منزل مدني... صوب على قلبها مباشرة. أنا طبيب، لذلك أسرعت لكي أحاول أن أنقذها، إلا أن أثر الرصاصة كان قويا لدرجة أن الرصاصة اخترقت صدرها وتوفيت في أقل من دقيقتين». صباح الأحد، كانت صورة، بعينيها المحدقتين ووجهها المضرج بالدماء بعد أن فارقت الحياة، قد طُبعت على لافتات كبيرة وإلى جانبها كُتب «كلنا ندا»، وأصبحت تُرفع إلى جانب صور مير حسين موسوي في التظاهرات التي ينظمها الإيرانيون اعتراضا على نتائج الانتخابات الرئاسية. فصارت ندا، «ملاك إيران» ورمزا لـ«الثورة الخضراء». «أشعر بالغضب، أشعر بالظلم، لم أستطع أن أنام أو آكل أو أفعل شيئا غير التفكير في صورتها في ذهني. أشقائي وشقيقاتي في إيران، عندما رأيت الشريط توقف قلبي عن النبض. لقد شعرت بالصدمة، لم أستطع أن أبكي أو أفعل شيئا آخر، لقد توقف بي الزمن...». هذه الكلمات كتبها أحد الإيرانيين على موقع «فايسبوك» في صفحة أُنشئت خصيصا لـ«ندا.. ملاك إيران». رسائل كثيرة تبادلها مئات الإيرانيين وآخرون تضامنوا معهم من العالم، بعد أن شاهدوا صور ندا. كتب من أنشأ الصفحة أنه أراد إظهار الظلم الذي يلحق بالإيرانيين. وكان آخرون يتبادلون رسائل على الصفحة حول ترتيب موعد لجنازتها.

كتب أحدهم: «هناك تأكيد بأن السلطات منعت تأبينا كان نُظم لندا سلطان في مسجد نيلوفار في ساحة عباس أباد بوسط طهران، خوفا من أن يتحول موتها إلى رمز للمعارضة. ويبدو أن السلطات سلمت جثتها لأهلها فقط شرط أن يتم دفنها على الفور، ومنع المساجد الأخرى من إحياء تأبين بها».

وقد أكدت السلطات الإيرانية حتى الآن مقتل 17 شخصا خلال التظاهرات، علما أن البعض يرجح أن يكون عدد القتلى قد وصل إلى 150 شخصا. ولكن مشهد سقوط تلك الفتاة الجميلة التي كانت تتمشى بين آلاف المتظاهرين مع والدها، وحده شكل صدمة كافية لكي تتحول رمزا للثورة التي يقودها الطلاب في إيران. كتب روبن رايت في «تايم» أمس أن موت ندا، قد يكون غيّر كل شيء. قال: «على الرغم من أنه لا يزال من غير الواضح من أطلق النار على ندا (شرطي، عنصر من ميليشيا مدعومة من السلطة، أو حادث)، فإن موتها قد يكون غيّر كل شيء». كتب يقول إن «دورات الحداد لدى الشيعة باتت تضع جدولا زمنيا للمواجهات السياسية، طريقة لإحياء أو توليد الزخم. الشيعة يُحيُون ذكرى موتاهم في اليوم الثالث ثم السابع ثم بعد 40 يوما. وهذه الأيام هي أيام محورية في تاريخ إيران الغني». خلال الثورة الإسلامية قبل 30 عاما، كان نمط المواجهات بين قوات الشاه والمتظاهرين، تحدده الأيام التي يحيي فيها المتظاهرون ذكرى أحد شهدائهم. في يناير (كانون الثاني) عام 1978، سقط أول قتيلين في التظاهرات، وبعد 40 يوما كان موعد لمواجهات ثانية. تحول هذا الموعد بدوره إلى يوم دموي، وتجمع المتظاهرون بعد 40 يوما ليحيوا ذكرى القتلى... واستمرت هذه الدورة على هذا المنوال طوال العام كله تقريبا: تظاهرات وقتلى وإحياء لذكرى الشهداء... حتى هرب الشاه في يناير (كانون الثاني) في عام 1979. قال رايت إن الدورة نفسها بدأت تتكرر في التظاهرات في إيران اليوم. ويوم الخميس الماضي كان اليوم الأول الذي نزل فيه مئات آلاف المتظاهرين حدادا على القتلى الذين سقطوا قبل ثلاثة أيام. وأشار إلى أن «أيام الحداد على ندا والقتلى الآخرين ستأتي في إيران وستحمل تجمعات حاشدة». وقال إن قادة الثورة الإسلامية استثمروا معنى الشهادة للإطاحة بالشاه محمد رضا بهلوي، واليوم مع موت ندا، قد يجدون أن الظاهرة نفسها تُستثمر للإطاحة بهم. في تاريخ الاحتجاجات، أشخاص كثيرون تحولوا إلى رموز لحركاتهم. صورهم جيّشت مشاعر الكثيرين وخلقت زخما للحركة، ولعل أشهرهم، الصبي الفلسطيني محمد الدرة الذي قُتل في الأيام الأولى لانتفاضة الأقصى الثانية، عندما أطلق جنود إسرائيليون النار عليه وعلى والده جمال الدرة بشكل متواصل طوال 45 دقيقة. كان الوالد يؤشر إلى الجنود لكي يتوقفوا على إطلاق النار وهو يختبئ خلف برميل ويحاول أن يخبئ ولده. لكن محمد سقط على حضن والده قتيلا برصاص الجنود الإسرائيليين. صور محمد الدرة هزت العالم، وحولته إلى رمز الانتفاضة الثانية. فهل تتحول ندا إلى محمد الدرة؟