خامنئي يمدد مهلة النظر في الطعون الانتخابية 5 أيام.. ومراجع قم يتدخلون وأنباء عن 50 رسالة إلى المرشد حول الأزمة

أعضاء بمجلس صيانة الدستور زاروا قم لنيل دعم آيات الله.. وآية الله كلبيكاني دعاهم لأن يكونوا «فوق السياسة»

TT

وسط ضغوط ومشاورات لم تتوقف من وراء الستار بين مسؤولين كبار في الجمهورية الإيرانية وعلى رأسهم رئيس مجلس الخبراء هاشمي رفسنجاني ومراجع تقليد وآيات الله في قم، وافق المرشد الأعلى لإيران آية الله على خامنئي على طلب من مجلس صيانة الدستور تمديد مهلة النظر في الطعون الانتخابية لمدة خمسة أيام إضافية. ويأتي ذلك فيما قالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن مراجع التقليد الكبار في قم يمارسون ضغوطا على السلطات في طهران لبحث حل وسط للأزمة السياسية الحالية التي تعصف بإيران. وأوضحت المصادر أن وفدا من أعضاء مجلس صيانة الدستور زار كبار المراجع الدينية وآيات الله في قم من أجل أن يأخذ منهم دعما علنيا لشرعية الانتخابات وانتخاب الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد لولاية ثانية. إلا أن مصدرا إيرانيا أوضح لـ«الشرق الأوسط»: «لكن بحمد الله لم يؤيد مراجع التقليد مطالب» مجلس صيانة الدستور، موضحا أن كثيرا من مراجع التقليد في قم خلال هذه الأزمة شكلوا صوتا «محايدا» وأنهم بسبب ميلهم لأن يكونوا «فوق السياسة» يمكن أن يلعبوا دورا مهما خلال هذه الأزمة التي تعصف بإيران. وتحدث مصدر إيراني عن أنباء مفادها أن نحو 50 من مراجع التقليد العظمى وآيات الله ورجال الدين في قم أرسلوا إلى المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي رسائل تدعوه إلى النظر في شكاوى الإصلاحيين وبحث ما تردد عن مخالفات. وأوضح مصدر إيراني من التيار الإصلاحي لـ«الشرق الأوسط» أن أعضاء بمجلس صيانة الدستور، الجهة المشرفة على الانتخابات، زار الحوزة العلمية في قم والتقى مع مراجع التقليد في الحوزة، وأن من بين الذين التقاهم أعضاء مجلس صيانة الدستور آية الله العظمى صافي كلبيكاني أحد أهم مراجع التقليد في الحوزة. وأوضح المصدر، الذي لا يستطيع الكشف عن هويته، أن آية الله كلبيكاني، دعا مجلس صيانة الدستور «إلى أن يكون فوق السياسة وأن يمارس دوره كقاض محايد بين الأطراف السياسية، لا أن يميل لطرف على حساب الآخر». وأوضح المصدر أن موقف آية الله كلبيكاني يجب التوقف عنده بسبب التأثير الكبير لكلبيكاني الذي كان رئيس مجلس صيانة الدستور في السنوات الأولى بعد الثورة. وأوضح المصدر: «مقارنة بآية الله جنتي، الرئيس الحالي لمجلس صيانة الدستور، يعد كلبيكاني رجل فقه متمكنا، وهو له تاريخ في الثورة واحترام»، موضحا أن مجلس صيانة الدستور تعرض لضغط كبير من قبل الإصلاحيين وآيات الله لأن المجلس تصرف كداعم لأحمدي نجاد. وأضاف أن مراجع التقليد في قم أكدوا لأعضاء مجلس صيانة الدستور أن «المجلس هيئة قضائية وليس هيئة سياسية وأن الصبغة السياسية لعمله مضرة له». وأشار المصدر الإيراني إلى أن المراجع الدينية الكبيرة في قم يفضلون أن يكونوا «فوق الاتجاهات السياسية» ومن بين هؤلاء، وهم لهم تأثير قوى في قم وحوزتها العلمية كما أن لهم صوت في مراكز القرار بالعاصمة طهران بسبب مكانتهم الدينية، آية الله مكارم شيرازي، وآية الله وحيدي، وآية الله زنجاني. كما أن آية الله اميني وآية الله جوادي املي وقفوا على الحياد خلال الأزمة الراهنة ودعوا إلى الاستماع إلى أصوات الشارع الإيراني والإصلاحيين وبحث المخالفات والشكاوى بحياد. غير أنه وسط هؤلاء المراجع الدينية وآيات الله الذين يقفون على الحياد من دون أن تكون لديهم مصالح أو ميول سياسية، هناك عدد آخر من المراجع الدينية وآيات الله في قم ممن يميلون إلى تيار على حساب الآخر، ومن بين هؤلاء آية الله حسين نوري همداني وآية الله مصباح يزدي (الأب الروحي للرئيس الإيراني) وكلاهما يدعم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. فيما يميل آية الله علي منتظري (أكبر مرجع ديني في قم على الرغم من العزلة والاحتجاز المنزلي) وآية الله موسوي اردبيلي وآية الله صانعي إلى الإصلاحيين. وكانت حوزة قم قد باتت في قلب الاستقطاب السياسي في إيران بعد انتخابات الرئاسة الإيرانية. فبعد 3 أيام من إعلان النتيجة بعث المرشح الرئاسي الإصلاحي مير حسين موسوي برسائل إلى مراجع التقليد العظمى في الحوزة يعرض فيها وجهة نظره من «المخالفات التي شهدتها» الانتخابات، ومن بين هؤلاء آية الله بيات زنجاني، الذي نشر على موقعه في الحوزة باللغة الفارسية رسالة موسوي إليه ورده عليه. وفي رسالته إلى آية الله زنجاني، قال موسوي إن الطريقة التي أدارت بها السلطات الانتخابات الرئاسية والطريقة التي تصدت بها لاعتراضات الإيرانيين تتعارض مع القوانين الإيرانية، وإنه لا ينبغي له، آية الله زنجاني، الصمت إزاء التجاوزات في الانتخابات أو في حق المتظاهرين. واختتم موسوي رسالته بـ«إياك والظلم لمن ليس له إلا الدعاء»، فرد عليه آية الله زنجاني مؤكدا على دعمه لنظام «الجمهورية» الإسلامية، موضحا أنه يدعم أن ينظر بحياد ونزاهة في شكاوى المرشحين للانتخابات وأن يحترم رأى الإيرانيين.

أما آيات الله المؤيدون لحكومة أحمدي نجاد فعلى رأسهم آية الله مصباح يزدي، الأب الروحي لأحمدي نجاد، الذي أدخل «الخرافة للفكر السياسي» الإيراني بحسب تعبير المفكر الإيراني محسن كديور. ويزدي نافذ في أوساط المتشددين في قم، غير أنه لا يتمتع بالنفوذ أو المكانة الفقهية أو الفكرية في أوساط المعتدلين. كما أنه ليس من مراجع التقليد، وهذه نقطة أخرى تؤثر على تأثيره خلال هذه الأزمة. وبالإضافة إلى يزدي، هناك آية الله حسين نوري همداني. وهمداني من رجال الدين المحافظين في قم، وقد درس على يد آية الله الطبطبائي وآية الله البرجردي. وخلال فترة حكم الرئيس الإيراني الإصلاحي السابق محمد خاتمي دعا همداني إلى «تطهير الجامعات الإيرانية من الأساتذة الملحدين والمناوئين للإسلام»، وهى الدعوة التي استخدمها أحمدي نجاد لطرد الأساتذة الإصلاحيين والليبراليين من الجامعات الإيرانية وإحلال أساتذة متشددين سبق أن خدموا في الحرس الثوري محلهم. ومن المعروف عداؤه للفلسفات «الليبرالية والعلمانية والإنسانية»، واصفا إياها بأنها «أفكار مجنونة» وأنها «أعداء لإيران تهدف إلى تفكيك وحدة الإيرانيين». كما أصدر همداني فتوى عارض فيها دخول النساء إلى الملاعب الرياضية، وهو القرار الذي اتخذه أحمدي نجاد في العام الأول لحكمه وأثار استياء الإيرانيين. ايضا هاجم همداني المفكر والفيلسوف الإيراني عبد الكريم سروش بسبب أفكاره حول الحريات العامة في الإسلام ودور الولي الفقيه في نظام الحكم، مهدرا بشكل ضمني دمه عندما قال إنه «أسوأ من سلمان رشدي»، الكاتب البريطاني من أصل هندي صاحب كتاب «آيات شيطانية». وعلى الرغم من أن حوزة قم لم تعد في القلب تماما من اتخاذ القرارات السياسية في طهران بعدما صعد الحرس الثوري وقياداته في مؤسسات السلطة في إيران، سواء في الرئاسة أو البرلمان أو في المحافظات، إلا ان الأزمة الحالية أكدت أن دور مراجع التقليد في إيران ما زال حاسما. كما كشفت الأزمة أن التيار المعتدل او العقلاني الفقهي باتت كفته راجحة أمام التيار الأكثر تشددا. وكان كثير من آيات الله الكبار في قم قد انتقدوا خلال السنوات القليلة الماضية أداء أحمدي نجاد، مما أدى إلى زيادة الضغوط على قم وآيات الله فيها. وآخر تلك الضغوط أن وزارة الإرشاد والثقافة في إيران فرضت قيودا على سفر الصحافيين إلى قم للقاء آيات الله، وبات على كل صحافي يطلب مقابلات في قم أن يأخذ معه مترجما وموفدا من وزارة الإرشاد لمتابعة ما يقوله آيات الله للصحافيين الأجانب. وفيما دعت وزارة الداخلية الإيرانية أمس موسوي إلى «احترام القانون وتصويت الشعب»، أعلن مكتب الحملة الانتخابية للمرشح الإصلاحي أنه سيصدر قريبا تقريرا كاملا عن عمليات «التزوير والمخالفات» التي شابت انتخابات 12 يونيو (حزيران). وقال المكتب في بيان نشره على الموقع الإلكتروني لموسوي إن «اللجنة الانتخابية لحملة موسوي ستنشر قريبا تقريرا كاملا عن التزوير الانتخابي والمخالفات». وجاء إعلان مكتب موسوي بعد إعلان مجلس صيانة الدستور أمس أنه لن تكون هناك إعادة للانتخابات الرئاسية في إيران. وقال المصدر الإيراني لـ«الشرق الأوسط» إن «قرار مجلس صيانة الدستور متوقع في ضوء ما أعلنه خامنئي يوم الجمعة الماضية، فقد اعترف المرشد بشرعية الانتخابات وشرعية أحمدي نجاد وقال إنه لا إعادة لها، وبالتالي لم يكن من الممكن لمجلس صيانة الدستور أن يصدر قرارا آخر يناقض ما قاله القائد. موسوي وكروبي لم يشاركا في جلسة مجلس صيانة الدستور لأنهما أدركا أنه لا فائدة من المشاركة». وأكد المصدر أن الحركة الإصلاحية ستواصل «دعوتها لإبطال الانتخابات»، موضحا أنهم، الاصلاحيين، لن يدعوا إلى «استقالة أحمدي نجاد» لأنه في رأيهم ليس رئيسا أساسا حتى يستقيل. وأشار إلى أن موسوي وخاتمي وكروبي اتفقوا على مواصلة الضغط وأنهم يتصورون أن أحمدي نجاد لا يمكن أن يستمر رئيسا لإيران في ظل ذلك الضغط. وتابع: «نحن لدينا شعبية في الشارع.. وأهم نتائج هذه الانتخابات هي أنها أظهرت شعبية التيار الإصلاحي في الشارع الإيراني. القائد متمسك بأحمدي نجاد رئيسا. لكن الناس في الشوارع ترفض. الناس تكبر بالليل في علامة على رفض الانتخابات. طبعا ستواصل السلطات استهداف المظاهرات والجامعات، لكن هذا لا يمكن أن يستمر. حكومة أحمدي نجاد لا يمكن أن تستمر في ظل هذه الأجواء.. أنا متفائل، لكن الطريق طويل.. فالتغيير الذي أتحدث عنه لن يحدث خلال أيام أو أسابيع». وتابع: «الحل في رأيي هو إعادة الانتخابات: إذا فاز أحمدي نجاد، نحن الإصلاحيين سنقبل بالنتيجة. وإذا فاز موسوي على المحافظين أن يقبلوا بالنتيجة». وعندما سئل المصدر الإيراني عن احتمالات التفاهم بين المرشد الأعلى لإيران ورفسنجاني حول الأزمة الراهنة رد قائلا: «من آخر العبارات التي قالها القائد في خطبة الجمعة أن أحمدي نجاد أقرب إلى من رفسنجاني.. هذا شيء سيئ».