فرنسا: تشكيل لجنة برلمانية لدراسة موضوع ارتداء البرقع

عمدة مسجد باريس يعتبر تصريحات ساركوزي حول منع ارتداء البرقع منسجمة مع علمانية البلاد

TT

لم يحجب الجدل حول خطاب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الأول من نوعه في تاريخ الجمهورية الفرنسية، أمام مجلسي النواب والشيوخ في قصر الفرساي التاريخي، ولا التنبؤات بخصوص تركيبة الحكومة الجديدة المفترض أن تعلن اليوم، الصخب حول موضوع ارتداء البرقع على الأراضي الفرنسية. وبعد الفقرة التي قالها الرئيس الفرنسي عنه أول من أمس، سارع مجلس النواب إلى تشكيل لجنة استعلام وتقصي حقائق من 32 عضوا يفترض بها أن تقدم تقريرا عن مهمتها قبل نهاية العام الحالي. وأعادت الأصوات المتنافرة المتصاعدة من هنا وهناك الأجواء التي رافقت الجدل الذي أفضى قبل سنوات في عام 2004، إلى إصدار قانون يمنع ارتداء «الشارات الدينية» في المدارس العامة وفي الدوائر الرسمية.

وكان لافتا أن الرئيس الأميركي بارك أوباما انتقد القانون الفرنسي المذكور من غير الإشارة إليه بالاسم في المؤتمر الصحافي المشترك مع الرئيس ساركوزي في الخامس من الشهر الحالي.

ويرى المراقبون أن تفضيل تشكيل لجنة نيابية قبل طرح مشرعات قوانين إضافية من شأنها إشعال الجدل والتصريحات المتبادلة مجددا خطوة مقصود منها خفض حدة النقاش وكسب الوقت للتدارس في وجوه الموضوع كافة، علما أن ألوان الطيف السياسي الفرنسي كافة تتفق على رفض السماح بارتداء البرقع الذي وصفه الرئيس ساركوزي أول من أمس بأنه «علامة استعباد» للمرأة.

وقال رئيس البرلمان برنار أكواييه عقب الإعلان عن تشكيل اللجنة إن البرلمان اختار هذه الطريقة لـ«العمل بطريقة بعيدة عن الضوضاء» باعتباره موضوعا معقدا يتعين تحاشي مواقف الإدانة من غير التخلي عن قيم الجمهورية الفرنسية. واستثنائيا، تخطى القرار البرلماني الانقسامات ما بين اليمين واليسار. ويلقى هذا الموقف الحذر موافقة الهيئات الإسلامية في فرنسا التي ترفض حل استصدار قانون يمنع ارتداء البرقع ويكون صعب التنفيذ، كما أنها تشدد على أن ارتداءه «خيار شخصي». لكن جمعيات ناشطة في الحقل الاجتماعي، الإسلامية والنسائية منها، وتحديدا جمعية «لا عاهرات ولا خاضعات»، أبدت تأييدها لمنع ارتداء البرقع على الأراضي الفرنسية ملتحقة بذلك بالتيار الفكري العلماني في فرنسا.

وكان الرئيس ساركوزي اعتبر أن البرقع «غير مرحب به في فرنسا». وأثار الجدل انقساما حتى داخل صفوف الحكومة، حيث أعربت الوزيرة المتشددة كورين لوباج عن تأييدها سن قانون، ووافقت وزيرة الدولة لحقوق الإنسان راما ياد على ذلك، بينما عبر وزراء آخرون عن معارضتهم لقوانين جديدة. وأعلنت وزيرة شؤون العائلة نادين مورانو أن البرقع «لباس يحط من كرامة المرأة وهو التعبير المكفهر عن خضوعها». وأضافت: «لا يمكن قبول ارتداء البرقع في فرنسا، إذ تمنعه مبادئ الجمهورية ومبدأ المساواة بين الرجل والمرأة ومبدأ الحرية الفردية». وقال كلود ديلان، رئيس بلدية كليشي سو بوا، في شمال باريس، وهي من الضواحي الفقيرة التي تضم نسبة كبيرة من المهاجرين من أصول مغاربية وأفريقية، إن ارتداء البرقع «يطرح مشكلة رئيسية على المجتمع الفرنسي، إذ إنه يتعارض مع رؤيتنا لدور المرأة في الحياة العامة». وترى الجمعيات الإسلامية أن أسوأ ما جاء به الجدل حول البرقع أنه أعاد مسلمي فرنسا إلى الواجهة عن طريق التركيز على اختلاف قيمهم عن القيم الفرنسية ولجهة صعوبة اندماجهم في المجتمع الفرنسي بعد أن كان كثيرون قد اعتبروا أن الصفحة طويت مع موضوع الحجاب.

واعتبر عميد مسجد باريس الكبير دليل بوبكر أن تصريحات ساركوزي حول البرقع «منسجمة» مع العلمانية المطبقة في فرنسا. وقال بوبكر المؤيد لإسلام معتدل، أن هذا الموقف «منسجم مع الروحية العلمانية والجمهورية» في فرنسا. واعتبر في حديث لوكالة الصحافة الفرنسية أنه «من المناسب» تنظيم مناقشات في البرلمان بسبب «ما يمكن أن يكون لهذه المسألة من وطأة بسبب الطابع المستجد لظاهرة الحجاب في فرنسا ونظرا إلى انتشار الأصولية التي يعتبر الحجاب الكامل رمزا لها».

من جهته، أعرب محمد موسوي رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية عن «صدمته» لتشكيل لجنة تحقيق بشأن البرقع، موضحا أنه يعول على «التربية» أكثر منه على القانون لتشجيع النساء على التخلي عن البرقع.