إيران: المحافظون يعتبرون موسوي بلا بدائل.. وصيانة الدستور «يغلق» باب الطعن في النتائج

مشاركة أحمدي نجاد في القمة الأفريقية تثير تساؤلات وعدم ارتياح

TT

رحب الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أمس بإعادة انتخابه، قائلا إن ذلك «انتصار للشعب الإيراني وهزيمة لأعداء الجمهورية الإسلامية». ويأتي ذلك فيما أغلق مجلس صيانة الدستور باب الطعن في الانتخابات الرئاسية الإيرانية بإعلانه أمس أن «ملف الانتخابات أغلق وأنه لا يحق للمرشحين الطعن في النتائج». وقال المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور عباس على كدخدائي خلال مؤتمر صحافي في طهران «بعد إعلان قرار المجلس، بات ملف الانتخابات مغلقا.. لم يعد بوسعهم (مرشحي المعارضة) استئناف هذا القرار. إن مجلس صيانة الدستور هو المرجع الأخير في هذه العملية وقد اتخذ المجلس قراره بالإجماع». ولم يعلق المرشحان الإصلاحي مهدي كروبي والمحافظ محسن رضائي بعدُ على مصادقة المجلس على إعادة انتخاب أحمدي نجاد، بينما قال مير حسين موسوي إنه ما زال عند موقفه وإنه يرفض نتيجة الانتخابات ويدعو إلى إعادتها. وفيما ظلّ من غير الواضح كيف ستتحرك المعارضة الإصلاحية خلال الأسابيع والأشهر المقبلة في اعتراضها على الانتخابات وما إذا كانت ستلجأ إلى خيارات أخرى من بينها محاولة إسقاط حكومة أحمدي نجاد عبر البرلمان، سادت أوساط التيار المحافظ في إيران قناعة أن موسوي «لم يعد أمامه خيار» وذلك وسط ضغوط عليه من قِبل المحافظين لإعلان دعمه لنتائج الانتخابات، إلا أن مصادر إصلاحية استبعدت إقدام موسوي على تلك الخطوة، وعزز ذلك أن كروبي ورضائي لم يعلنا دعمها للنتائج، وإن سحب رضائي شكواه الانتخابية «حفاظا على وحدة الأمة». وفيما رفضت مصادر إصلاحية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» الحديث عن خطواتها المقبلة ومستقبل الحركة الإصلاحية في ضوء الأزمة غير المسبوقة التي كشفتها الانتخابات الرئاسية، ساد تيارَ المحافظين اعتقاد أن «الأزمة هدأت على الأقل في الشارع»، وأن موسوي لم يعد لديه بدائل وعليه إعلان دعمه لنتائج الانتخابات. وقال مسؤول إيراني قريب من الرئيس محمود أحمدي نجاد لـ«الشرق الأوسط»: «قرار مجلس صيانة الدستور كان قاطعا وهو قال إن الانتخابات كانت نزيهة. لا أعتقد أنه أمام موسوي أي خيار الآن سوى دعم نتائج الانتخابات، لأن الخيار الآخر هو أن يكون خارجا عن القانون». ولم يتضح بعد ما إذا كان موسوي سيستمر علانية في المطالبة بإلغاء الانتخابات ويغامر بتعرضه للاعتقال أم أنه سيلجأ إلى الصمت ويعمل من قلب مؤسسات النظام لإقالة حكومة أحمدي نجاد، التي يتوقع أن تتعرض لضغوط من البرلمان ومجلس تشخيص مصلحة النظام، خصوصا إذا استمرت سياساتها الاقتصادية والخارجية على النهج ذاته. ويأتي ذلك فيما نقلت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية عن أحمدي نجاد أمس: «هذه الانتخابات كانت استفتاء بالفعل. على الرغم من خطتهم للإطاحة بالنظام بطريقة ناعمة. وقد أخفقت ولم تستطع أن تحقق أهدافها». كما أعلن الرئيس الإيراني أنه يريد «تحطيم هيمنة» القوى الكبرى. وأوضح نجاد في التصريحات التي نقلتها وكالة «إرنا»: «نحن نرغب في تفاعل مع باقي دول العالم مرتكز إلى التغيير، وفي هذا السياق علينا أن نستخدم طاقاتنا كافة لتدمير هيمنة قوى الاستكبار العالمي» في إشارة منه إلى الولايات المتحدة والغرب. وأضاف نجاد بعد زيارته لوزارة الاستخبارات الإيرانية أمس أن احتكار القوى الكبرى في المجالات العلمية والعسكرية يجب أن يتوقف أيضا. ومن المقرر أن يتوجه أحمدي نجاد اليوم إلى ليبيا للمشاركة في قمة رؤساء دول الاتحاد الإفريقي التي تُعقد في سرت (ليبيا) برئاسة الزعيم الليبي معمر القذافي كما أفادت وكالة «مهر». وقالت «مهر» إن أحمدي نجاد سيلقي خطابا أمام رؤساء الدول الأفارقة خلال هذه الزيارة التي تستمر يومين. وأثار الإعلان عن مشاركة أحمدي نجاد في قمة سرت تساؤلات وعدم ارتياح لدى بعض الوفود المشاركة، واعتبر ممثل أحد الوفود الـ53، رفض الإفصاح عن اسمه، أن مثل هذه الدعوة التي قد تطغى على المواضيع الأخرى التي ستطرح على جدول الأعمال هي «إما خطأ فادح أو استفزاز».

وأكد مسؤول رفيع في دولة في غرب أفريقيا لوكالة الصحافة الفرنسية: «إنها فكرة غريبة بعض الشيء، إلا إذا أخذنا في الاعتبار مصدرها»، في إشارة إلى وكالة «مهر» الإيرانية شبه الحكومية. وأضاف: «سنعمل ما في وسعنا لتهدئة الأمور». وأبدى موفد آخر خشيته من أن «تثير هذه الدعوة غضب الأوروبيين» الذين اعترضوا بشدة على الظروف التي رافقت إعادة انتخاب أحمدي نجاد، وبالفعل فإن 12 سفيرا من دول الاتحاد الأوروبي موجودون في سرت بصفة مراقبين، وقد قرروا الاجتماع بعد ظهر أمس «لدراسة الوضع»، بحسب ما أفاد مصدر دبلوماسي أوروبي. وأضاف المصدر أن مشاورات تجري أيضا في بروكسل، وأن بعض السفراء بانتظار التعليمات من عواصمهم. واختصر دبلوماسي الاحتمالات المطروحة قائلا: «علينا ألا نحرك ساكنا، أو أن نغادر القاعة في أثناء خطاب الرئيس الإيراني، أو أن نغادر القمة فورا»، وأشار مع ذلك إلى «عدم وجود موقف مسبق» لممثلي الاتحاد الأوروبي. وقد يلقي أحمدي نجاد خطابا في الجلسة الافتتاحية للقمة اليوم، حيث يفترض أن يحضر رئيس الحكومة الايطالي سيلفيو برلوسكوني.

ويأتي ذلك فيما أرجأ سلطان عمان قابوس بن سعيد زيارته التي كانت مقررة إلى إيران إلى أجل غير مسمى، بحسب ما أفادت أمس مصادر حكومية عزت السبب إلى عدم استقرار الوضع السياسي في إيران بسبب الانتخابات والصراع الدائر بين الرئيس أحمدي نجاد ومعارضيه.

ورغم حرص أحمدي نجاد على القيام بمهام الرئاسة والقيام برحلات خارجية في محاولة منه لقطع الطريق على المتظاهرين وعلى النخب الإصلاحية التي تشكك في نزاهة الانتخابات، أكد موسوي تمسكه بطلبه إعادة الانتخابات الرئاسية، حسبما أفاد موقعه الإلكتروني للانتخابات «قلم نيوز» أمس. وأعلن مكتب العلاقات العامة لموسوي في بيان نُشر على موقع حملته الانتخابية: «إذ ننفي (تصريحات) الناطق باسم مجلس صيانة الدستور، نشدد على أن موقف مير حسين موسوي يبقى ذلك الوارد في رسالته بتاريخ 27 يونيو (حزيران) إلى المجلس». وطالب موسوي في رسالته هذه بتشكيل لجنة مستقلة للنظر في مجمل العملية الانتخابية التي طعن في شرعيتها مع المرشحين الآخرين مهدي كروبي ومحسن رضائي. وفي حال لم يتم ذلك دعا إلى إلغاء نتيجة الانتخابات وتنظيم انتخابات رئاسية جديدة. وفيما ظلّ مئات الإيرانيين يخرجون في تظاهرات احتجاجا على نتيجة الانتخابات، إذ أظهرت لقطات فيديو صورهم ونُشرت على موقع يوتيوب على الإنترنت احتجاجات متقطعة أمس، تضاعفت الانتقادات والهجمات على موسوي من قِبل رجال دين محافظين. وقال آية الله محمد يزدي، الأب الروحي لأحمدي نجاد والعضو في مجلس صيانة الدستور ورئيس المجلس الأعلى لرابطة أساتذة الحوزة العلمية في قم: «إن بقي أشخاص مثلي في المجلس، فلن نصادق على ترشح موسوي» في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2013، بحسب ما نقلت وكالة «فارس». ويسيطر رجال دين محافظون عينهم المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله علي خامنئي على مجلس صيانة الدستور. من جهته، قال آية الله مرتضي مقتدائي أحد فقهاء الحوزة العلمية في قم إن «مواصلة التظاهرات أمر يستوجب الإدانة»، بحسب وكالة «فارس». وحذر من أنه «إذا استمر بعض الأفراد في إثارة الاضطرابات، فعلى النظام أن يواجه الأمر». فيما قال أحمد خاتمي، رجل الدين المتشدد الذي طالب يوم الجمعة بإعدام «مثيري الشغب»، إن «مجلس صيانة الدستور هو المرجع القانوني الأوحد في الانتخابات وعلى هذا الأساس يبدو أن مسألة الاحتجاجات على انتخاب الرئيس انتهت». ونقلت وكالة «فارس» للأنباء عنه قوله: «كل من يؤمن بالنظام الإسلامي ملتزما بقوانينه وأحكامه عليه أن يقبل برأي مجلس صيانة الدستور. إذا استمر البعض في معارضة رأي مجلس صيانة الدستور وهو ما يعني معارضة القانون فهذا يُظهِر أن هؤلاء الناس لا يريدون المضي في القنوات القانونية وأنهم يريدون تحقيق أغراضهم بالقوة».

من ناحيته، قال حميد نجفي رئيس تحرير صحيفة «كيهان الدولية» المحافظة إن موسوي ليس بوسعه عمل شيء، وقال: «في ما يتعلق بالدستور، لا أعتقد أن بوسعه أن يفعل شيئا. الأمر انتهى». إلا أنه من ناحية أخرى تعالت الأصوات في الحوزة العلمية بقم التي ترفض الاعتراف بشرعية الانتخابات وتؤيد إعادتها، فبعد بيان آية الله العظمي آية الله منتظري بهذا الخصوص الأسبوع الماضي، أصدر آية الله بيات زنجاني بيانا يدعو فيه إلى إعادة الانتخابات، مشككا في أنها جرت بطريقة محايدة. وزادت شرطة مكافحة الشغب من وجودها في العاصمة طهران ولكن لم تظهر دلائل على وقوع اضطرابات على غرار الاحتجاجات التي شارك فيها عشرات الآلاف والتي اندلعت عندما أُعلنَ لأول مرة فوز الرئيس أحمدي نجاد في الانتخابات. وقال شهود عيان إن آلافا من عناصر الشرطة والباسيج انتشروا في أبرز ساحات طهران لمنع أي تجدد للتظاهرات التي نظمت احتجاجا على نتيجة الانتخابات. وأضافوا أن القوات الأمنية كانت تقوم بالتدقيق بهويات بعض السائقين بعد توقيف سياراتهم.

ويأتي ذلك فيما أعلن مدعي عام مدينة أصفهان (وسط) الإفراج بكفالة عن 280 متظاهرا اعتُقلوا خلال الاضطرابات. وقال المدعي العام الذي لم يكشف اسمه متحدثا لوكالة الأنباء الطلابية «إيسنا»: «تم الإفراج بكفالة عن نحو 280 شخصا متهمين ببلبلة النظام العام». ولم تكشف السلطات الإيرانية عدد الذين اعتُقلوا في التحركات الاحتجاجية. وكان الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان أفاد عن اعتقال نحو ألفَي شخص خلال الأيام الـ15 الأخيرة في إيران.