فضيحة تنصت تهز الصحافة البريطانية.. وزعيم المعارضة تحت المجهر

«الغارديان» تكشف عن تورط عشرات الصحافيين العاملين لدى مردوخ بقرصنة هواتف آلاف الشخصيات

رجل يقرأ خبر تنصت الصحافيين على الشخصيات في صحيفة الغارديان امس (أ.ف.ب)
TT

هزت فضيحة جديدة الحياة السياسية البريطانية، تورط فيها هذه المرة صحافيون وسياسيون، بعد أن كشفت «الغارديان» أن صحيفة «نيوز أوف ذو وورلد» التي يملكها إمبراطور الإعلام روبرت مردوخ، اخترقت وتنصتت على هواتف آلاف الشخصيات بشكل غير مشروع، بهدف جمع أخبار ومعلومات. وفتحت لجنة في مجلس العموم، تحقيقا في القضية التي يبدو أن آندي كلسون، مساعد زعيم حزب المحافظين المعارض ديفيد كاميرون، متورط فيها، وهو ما سيضع كاميرون في موقف حرج خصوصا بعد دفاعه عن كلسون أمس أمام الدعوات التي وجهت ضده لطرده من حزب المحافظين. وكشفت «الغارديان» في عددها الصادر أمس، أن «نيوز أوف ذو وورلد» وهي صحيفة شعبية من أكثر صحف يوم الأحد رواجا في بريطانيا، دفعت مبالغ وصلت إلى مليون جنيه استرليني تسويات في قضايا قانونية لكي تمنع تسريب براهين ضد صحافييها المتورطين في القضية. وقالت «الغارديان» إن الأموال استعملت كتسويات في ثلاث قضايا خارج المحكمة هددت بفضح أدلة تثبت أن صحافيين يعملون لدى مردوخ، لجأوا إلى خدمات محققين خاصين لكي يخترقوا بشكل غير شرعي هواتف جوالة لسياسيين ومسؤولين ويبحثوا في رسائلهم، بهدف الوصول إلى معلومات سرية من ضمنها سجلات ضرائب، وبيانات مصرفية وفواتير هاتف... ومن بين الأشخاص الذين حصلوا على تسويات من الشركة، غوردن تايلور، المدير التنفيذي لاتحاد لاعبي كرة القدم المحترفين، الذي تلقى 700 ألف جنيه إسترليني من «نيوز غروب». وتضمنت لائحة الأشخاص الذي تم اختراق هواتفهم وزراء ونوابا ورياضيين وممثلين من بينهم غوينث بالترو وجورج مايكل، إضافة إلى عارضة الأزياء ايل ماكفرسون... كما تضمنت اللائحة عمدة لندن بوريس جونسون، وسياسيين من الأحزاب الثلاثة الرئيسية في بريطانيا. وكانت القضية قد تفجرت عام 2007، عندما تبين أن الصحافي كلايف غودمان من «نيوز أوف ذو وورلد» قد اخترق أجهزة هواتف جوالة لثلاثة أفراد من العاملين لدى العائلة المالكة. وفي حينها، قالت الصحيفة إنها ليست على علم بأن ثمة صحافيين آخرين لديها متورطون بالقضية، وأن غودمان تصرف من تلقاء نفسه من دون معرفتها. وقالت «الغارديان» إن شرطة سكوتلانديارد والنيابة العامة تواجهان اليوم أسئلة جدية حول كيفية تعاطيهم مع هذه القضية عام 2007، التي أدت إلى سجن غودمان، وغلين ماكلير المحقق الخاص الذي عمل لدى «نيوز غروب»، الشركة التي تملك الصحيفة.

وقالت «الغارديان» إن من بين الأسئلة التي ستواجهها الشرطة: هل وجدت سكوتلانديارد أدلة على أن ماكلير قد اخترق هواتف أشخاص آخرين غير الأشخاص الذين وردت أسماؤهم في اللائحة المصغرة التي تم عرضها في المحكمة؟ وإذا كان الأمر كذلك، هل كان من ضمن هؤلاء الأشخاص نواب ووزراء؟ ولماذا لم تعلم شرطة سكوتلانديارد جميع الأشخاص الذين بدا أن الاختراق طالهم؟ وهل وجد المحققون أدلة تشير إلى أن صحافيين آخرين غير غودمان كانوا متورطين في تكليف محققين باختراق هواتف أو بالتعاطي مع المواد التي كانت تأتي من هذه الاختراقات؟ وإذا كان الأمر كذلك، هل تم تقديم كل هذه الأدلة إلى النيابة العامة، ولماذا لم توجه اتهامات إضافية لموظفين آخرين في «نيوز اوف ذو وورلد»؟

وقالت «الغارديان» أيضا، إن الشرطة عليها الإجابة على ما إذا كان أحد من أي مستوى في الشرطة أو النيابية العامة، قد تدخل بأي طريقة لحماية مصالح «نيوز أوف ذو وورلد» والشركة التي تنتمي إليها؟ وقال مفوض شرطة العاصمة السير بول ستيفنسون إنه أمر كبار رجال الشرطة بأن «يحدد الوقائع». وقال إنه طلب إلى جون ياتس أن «ينظر في تفاصيل القضية»، وسيعلن موقفا بعد ذلك. الا أن الشرطة أعلنت في وقت لاحق أنها لن تعيد فتح التحقيق في القضية لأن ليس لديها عناصر جديدة. وقد أكدت لجنة في مجلس العموم البريطاني أمس أنها ستطلق تحقيقا عاجلا في ادعاءات خرق هواتف خاصة بطريقة غير شرعية. وقال رئيس لجنة الاعلام التي ستطلق التحقيق، جون ويتينغدايل، إن الرئيس السابق لشركة «نيوز إنترناشونال» التي تملك «نيوز أوف ذو وورلد»، ليس هينتون، والصحافي في «الغادريان» الذي كتب الموضوع، نيك دايفيس، سيتم الاستماع إليهم لأخذ أقوالهم في القضية يوم الثلاثاء المقبل. وأضاف أنه من «شبه المؤكد» أن اللجنة التي يرأسها ستريد أن تحصل على أدلة من آندي كلسون، رئيس التحرير السابق في «نيوز اوف ذو وورلد» الذي يعمل اليوم مدير الاتصالات لدى ديفيد كاميرون، زعيم المحافظين. وقد استجوبت اللجنة هينتون الذي يدير الصحف التي يملكها مردوخ، حول قضية اختراق الهواتف التي تفجرت عام 2007. وجاء استجوابه بعد إلقاء القبض على الصحافي غودمان، وهو الامر الذي دفع بكلسون إلى الاستقالة. وبعد شهرين قال هينتون لنواب في اللجنة البرلمانية: «أعتقد أن كلايف غودمان كان الشخص الوحيد الذي كان يعرف ما الذي يحصل». وهينتون يشغل اليوم منصب المدير التنفيذي في «داو جونز» في نيويورك، وهي جزء من إمبراطورية مردوخ الإعلامية. وقد دافع ديفيد كاميرون أمس عن كلسون، أمام الأصوات التي بدأت تعلو مطالبة باستقالته. وقال زعيم حزب المحافظين أمام منزله في لندن أمس: «من الخطأ على الصحف أن تقتحم حياة الناس الخاصة من دون تبرير. ولهذا السبب استقال آندي كلسون من منصبه كرئيس تحرير (نيوز اوف ذو وورلد) قبل عامين ونصف العام». وأضاف: «بالطبع لقد كنت أعرف عن استقالته قبل أن أعرض عليه العمل معي. ولكنني أؤمن بإعطاء الأشخاص فرصة ثانية. وهو اليوم يؤدي دورا رائعا من خلال منصبه في الحزب، بشكل نزيه في كل الأوقات». وقالت لجنة الشكاوى الصحافية أمس إنها قد تعيد فتح تحقيقاتها التي بدأتها عام 2007 حول اختراق الهواتف من قبل صحافيين. وقالت اللجنة أيضا إنها قد تحقق في أي ادعاءات جديدة حول نشاطات جديدة «من دون أي تأخير». وقال وزير الثقافة بن برادشو إن هذه القضية تطرح تساؤلات بالنسبة لزعيم المحافظين. وأضاف في رسالة نشرها على موقع «تويتر»: «ديفيد كاميرون، والشرطة، ولجنة الشكاوى الصحافية، جميعهم عليهم أن يجيبوا على أسئلة تتعلق بالقصة التي كشفت عنها الغارديان». وعلق على القضية أيضا وزير الداخلية السابق تشارلز كلارك، في تصريح لـ«راديو 4»، وقال: «أعتقد أن الأمر فظيع. وأعتقد أنه يجب أن نتصرف بشكل فوري». وأضاف: «نيوز إنترناشونال كان عليها أن تنشر اللائحة الكاملة للأشخاص الذين تنصتوا عليهم. وأعتقد أن على ديفيد كاميرون أن يطرد آندي كلسون، وعلى كاميرون نفسه أن يكون أكثر وضوحا في هذه المسألة». وقال جيف هون، وزير سابق، تعليقا على تورط مساعد كاميرون في القضية: «من الصعب أن نرى كيف يمكن لآندي كلسون أن يستمر بالعمل كمدير الاتصالات لدى كاميرون، في وقت يمكن لغيمة كهذه أن تؤثر على سمعته. على ديفيد كاميرون أن يوضح ما هي الخطوات التي ينوي أن يقوم بها في هذا الخصوص». وقال كريس هون، من الحزب الليبرالي الديمقراطي، ثالث أكبر الأحزاب في بريطانيا: «آندي كلسون كان مسؤولا في صحيفة كانت خارج السيطرة، وفي أسوأ الحالات، كان متورطا شخصيا في القضية». وقال جون بريسكوت، نائب رئيس الوزراء السابق، الذي ورد اسمه في لائحة الأشخاص الذين تم اختراق هواتفهم، إنه يريد أجوبة من الشرطة. وأضاف: «أجد أنه من المذهل أنه من الممكن أن يكون لدى الشرطة لائحة تتضمن أسماء الأشخاص الذين تم اختراق هواتفهم. أنا واحد منهم. أن يكون مثل هذا العمل الإجرامي حصل لي، ولم أبلغ به، ومن دون أن يتخذ أي قرار بحق الأشخاص الذين قاموا بهذا العمل، ينعكس بصورة سيئة جدا على الشرطة، وأريد أن أعرف إجابتهم». ورد ناطق في اسكوتلانديارد بالقول: «الشرطة أنجزت تحقيقا في المزاعم حول تنصت بطريقة غير شرعية على اتصالات هاتفية. عمل المحققون بشكل وثيق مع النيابة العامة. تم توجيه الاتهامات لشخصين ومن ثم أدينا وسجنا. ولسنا مستعدين للتعليق أكثر من ذلك». ودعا بريسكوت كاميرون أيضا لطرد كلسون. من جهته قال كلسون أمس: «القصة تتعلق بأموال يزعم أنها دفعت بعد أن تركت (نيوز أوف ذو وورلد) قبل عامين ونصف العام. لقد تحملت المسؤولية كاملة في ذلك الوقت عن الذي حصل تحت رئاستي ولكن من دون علمي، وقدمت استقالتي». ويعيد التقرير الذي نشرته «الغارديان» تسليط الأضواء على النقاش الدائم في بريطانيا حول أخلاقيات الصحف البريطانية، التي تتنافس بشكل شرس على القراء والأخبار. وخبر حصري تنشره صحيفة عن سياسي أو نجم، يعني بيع مئات أو آلاف النسخ الإضافية من الصحف، علما بأن «نيوز أو ذو وورلد» توزع حوالي 3 ملايين نسخة. وفي عام 2006، قال ريتشارد توماس، من مفوضية المعلومات، وهي لجنة مراقبة لحماية البيانات، في تقرير نشره، إن هناك «تجارة غير مشروعة بالمعلومات الشخصية السرية»، والكثير منها تعود أرباحها للإعلام. وقالت اللجنة أمس إنها في عام 2006 أعطت الشرطة أدلة على تورط 31 صحافيا من «نيوز أوف ذو وورلد» وشقيقتها «ذو صن» بشراء وبيع معلومات شخصية تم الحصول عليها بشكل غير شرعي.