القادة الصينيون يتوعدون بـ«عقوبات شديدة» بحق الضالعين في أحداث شينغيانغ

بكين ترفض دعوة تركيا بحث الاضطرابات في مجلس الأمن.. وتدعو الأسرة الدولية إلى الإتحاد لمواجهة الإرهاب

امرأة تنتمي إلى أقلية الإيغور تراقب شاحنات قوات الأمن في مدينة أورومتشي (رويترز)
TT

دعا الرئيس الصيني هو جين تاو أمس إلى الاستقرار في إقليم شينغيانغ أقصى غرب البلاد، وقال إن مثيري أعمال الشغب التي جرت مؤخرا يرتبطون بالنزعات «الانفصالية» والإرهاب الدولي.

وقال هو جين تاو في بيان صدر عقب اجتماع طارئ للجنة المكتب السياسي للحزب الشيوعي الحاكم التي تضم تسعة أعضاء، إن الاستقرار في شينغيانغ هو «المهمة الأكثر أهمية» التي تواجه الحكومة. وأوضح هو والقادة الآخرون أن أعمال الشغب في عاصمة الإقليم أورومتشي كانت «جريمة عنف خطيرة من تدبير وتنظيم (مثلث): الإرهاب والانفصالية والتطرف داخل البلاد وخارجها»، ووعد القادة بتوقيع «عقوبات شديدة ضد مثيري الشغب. وفق القانون»، حسب بيان لهم نشرته وسائل الإعلام الرسمية.

وتعد تلك التعليقات هي الأولى التي يدلي بها هو جين تاو حول القضية. وأمر القادة السلطات المحلية بـ«عزل وقمع القلة» المتهمة بتنظيم أعمال العنف و«توحيد وتوعية الأغلبية العظمى»، وعادت حركة المرور والمتاجر إلى طبيعتها بشكل أكبر في أورومتشي، فيما قام الآلاف من أفراد الشرطة شبه العسكرية بدوريات في المدينة. وشهدت الأسواق وأماكن انتظار السيارات ازدحاما أكثر مما كانت عليه أول من أمس، حيث دعت الحكومة إلى التزام الهدوء وشددت على أن الحياة في مدينة أورومتشي «تعود إلى طبيعتها».

وتبث قنوات التلفزيون الرسمية الصينية لقطات لعشرات الأشخاص وهم يسيرون في مختلف أنحاء مناطق تسوق رئيسية صباح أمس الخميس في عاصمة إقليم شينغيانغ أقصى غرب البلاد، لكنها تجنبت أيضا نشر لقطات لرجال الشرطة وقوات الجيش في الشوارع. ولم تعدل الحكومة حصيلة القتلى والمصابين لمدة أكثر من يومين على الرغم من تقارير بوقوع هجمات جديدة من قبل جماعتي الإيغور والهان بالصين.

ونقل التلفزيون الحكومي الصيني عن الرئيس جين تاو قوله إن تحقيق الاستقرار الاجتماعي في الإقليم الغني بمصادر الطاقة هو «مهمة ملحّة جدا». وقتل خلال الأحداث نحو 156 شخصا وجرح 1080 آخرون عندما هاجمت أقلية مسلمي الإيغور الذين يمثلون نصف سكان شينغيانغ، مواطني عرق الهان وهم أغلبية على مستوى الصين كلها، ووصفها بأنها «جريمة خطيرة وعنيفة خططتها ونظمتها بدقة (ثلاث قوى) في الداخل والخارج»، في إشارة فيما يبدو إلى المتطرفين الدينيين والانفصاليين والإرهابيين.

وانتشر الآلاف من قوات الأمن الصينية في شوارع أورومتشي في استعراض للقوة، يهدف إلى السيطرة على العنف العرقي. لكن بعض السكان قلقون من إمكانية تعايش العرقين المتنازعين مرة أخرى، ولا يمكن لبكين أن تقبل أن تفقد سيطرتها على إقليم شينغيانغ الشاسع المتاخم لروسيا ومنغوليا وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأفغانستان وباكستان والهند، وبه احتياطيات وفيرة من النفط، كما أنه أكبر منطقة منتجة للغاز الطبيعي في الصين.

وقال السكان من عرق الهان إنهم يشعرون بالتهديد بعد أحداث العنف التي وقعت يوم الأحد، ورحبوا بالعرض العسكري الذي قامت به الصين، بينما طافت الشاحنات التي تحمل الجنود في شوارع عاصمتهم المحلية والتقطوا الصور التذكارية. وقالت امرأة من الإيغور تدعى عديلة: «هذا يجعلني أشعر بالخوف، وأظن أن هذا هو القصد.. ما الذي يمكن أن نفعله أمام عدد كبير من الجنود؟».

ووزعت السلطات منشورات في أورومتشي تحث مثيري الشغب على الاستسلام وإلا واجهوا عقابا قاسيا. وقال لي تشي رئيس الحزب الشيوعي في أورومتشي إنه سيسعى لمعاقبة مثيري الشغب الذين قتلوا الناس في شوارع المدينة المقسمة بين الإيغور والهان بالإعدام. وقالت المنشورات الموزعة إن الذين يسلمون أنفسهم سيعاملون برأفة، أو قد يفلتون من العقاب، وإن أي شخص يقدم دليلا أو يرشد عن مشتبهين سيحصل على مكافأة وستحميه الشرطة. وقدمت الشرطة خطا ساخنا للاتصال. ويشبه أسلوب الترغيب والترهيب الذي تبنته هذه المنشورات ما فعلته الصين في لاسا عاصمة التبت عندما تحولت المظاهرات إلى العنف في مارس (آذار) من العام الماضي، خلال الاستعدادات لدورة الألعاب الأولمبية في بكين. وتقول المنشورات التي علقت على الجدران وكتبت باللغتين الصينية والإيغورية إن من يتسترون أو يحمون «مجرمين» سيتعرضون للعقاب. ويكثر تنفيذ حكم الإعدام في الصين ويطبق حتى على جرائم اقتصادية. وقال أحد المنشورات إن الناس يجب ألا يستخدموا الهواتف المحمولة أو الإنترنت بهدف «خلق وترويج الشائعات أو الاتصال مع الآخرين أو نقل المشكلة أو تكدير الصفو الاجتماعي». وقطعت خدمة الإنترنت في عدة أماكن. ولم يتبين بعد ما إذا كانت المساجد ستفتح لصلاة الجمعة.

وربما أدى فتح المساجد إلى توفير منبر للتعبير عن عدم الرضا، وربما أدى إغلاقها إلى إثارة المزيد من الشعور بالضيم. ومر طابور قوات الأمن والعربات المدرعة والشاحنات الذي وصل طوله إلى عدة كيلومترات، وهي تبث الدعاية للوحدة العرقية من مكبرات الصوت طوال نحو نصف ساعة في منطقة سايماتشانغ التي يسكنها الإيغور، وحيث تظاهرت مئات النساء الثلاثاء. وحلقت طائرات الهليكوبتر على ارتفاع بضعة أمتار من أسطح المنازل وألقت بالمنشورات الدعائية فوق الجموع التي وقفت بالمئات لمشاهدة قوات الأمن التي تمر في المنطقة. وأخذ الجنود الذين يستقلون الشاحنات حاملين بنادقهم ودروع فض الشغب يرددون شعارات داعية للوحدة، بينما حملت بعض الشاحنات لافتات مكتوبة بالصينية قالت إحداها «الانفصاليون يجلبون الخراب على البلاد والشعب». وظل إقليم شينغيانغ مرتعا لتوتر عرقي تدعمه فجوة اقتصادية بين الإيغور والهان، وقيود تفرضها الحكومة على الدين والثقافة وعلى تدفق المهاجرين الذين أصبحوا اليوم يمثلون غالبية سكان أورومتشي.

ودعت الصين أمس الأسرة الدولية إلى الاتحاد لمواجهة الإرهاب، وقال كين غانغ المتحدث باسم وزارة الخارجية إن «الإرهاب عدو كل الأسرة الدولية». وقال خلال مؤتمر صحافي إن «القوى الثلاث، التطرف والنزعة الانفصالية والإرهاب، آفة بالنسبة إلى الصين ومناطق أخرى في المنطقة». وأضاف أن «الصين دعمت على الدوام وساهمت في التعاون الدولي لمحاربة الإرهاب، بما في ذلك في إطار الأمم المتحدة وفي تعاوننا مع الدول المجاورة». وأوضح: «لكن في ما يتعلق بالانفصاليين في الصين الذين ينتمون إلى هذه القوى الثلاث لدينا أدلة تثبت أنهم تلقوا تدريبات في الخارج، بما في ذلك من قبل (القاعدة)، وأنهم على اتصال بالقوى الإرهابية في الخارج». ورفضت الصين أمس دعوة تركيا لمناقشة أعمال العنف الدموية في شينغيانغ الصينية في مجلس الأمن الدولي، مؤكدة على أن المسالة هي شأن داخلي. وقال كين غانغ المتحدث باسم الخارجية الصينية للصحافيين إن «الحكومة الصينية اتخذت إجراءات حاسمة طبقا للقانون». وأضاف: «هذه مسالة صينية داخلية تماما، ولا يوجد سبب للسعي لمناقشتها في مجلس الأمن». وجاءت تصريحاته بعد أن دعت تركيا الصين إلى وضع حد فوري لما وصفته بـ«الفظائع» التي ترتكب في مقاطعة شينغيانغ الشمالية الغربية.

من جهة ثانية أعلن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أمس أن بلاده مستعدة لمنح تأشيرة دخول للمنشقّة الصينية التي تعيش في المنفى ربيعة قدير، التي تتهمها الصين بالوقوف وراء أعمال الشغب الإثنية في مقاطعة شينغيانغ. وقال أردوغان للصحافيين قبل أن يغادر العاصمة التركية للمشاركة في قمة مجموعة الثماني في إيطاليا: «لقد تبلغت عبر الصحف هذا الصباح أن وزارة الخارجية رفضت طلبات سابقة (لمنح تأشيرة). إذا تقدمت بطلب جديد فسوف نمنحها تأشيرة». وربيعة قدير (62 عاما) التي تعيش في المنفى في الولايات المتحدة منذ 2005، قالت مساء الأربعاء لشبكة تلفزيون تركية إنها تقدمت بطلبين للحصول على تأشيرة لدى السفارة التركية في واشنطن ورُفضا.