الأكراد يتحدون بغداد بدستورهم الذي يؤكد مزاعمهم بشأن الأرض والنفط

قلق أميركي من المشروع.. وبايدن اعتبر أنه لا يساعد جهود واشنطن

برهم صالح، نائب رئيس الوزراء العراقي ورئيس القائمة الكردستانية في انتخابات إقليم كردستان، يلقي خطابا في تجمع بالسليمانية أول من أمس (رويترز)
TT

دونما إعلام للحكومة المركزية، واصل القادة الأكراد مساعيهم الحثيثة تجاه إقرار دستور جديد لإقليم كردستان الذي يحظى بحكم شبه ذاتي، وهي خطوة أزعجت المسؤولين العراقيين والأميركيين على حد سواء، الذين يخشون من أن تشكل هذه الخطوة تهديدا جديدا لوحدة البلاد.

وقد أقر البرلمان الكردستاني الدستور الجديد منذ أسبوعين وتقرر طرحه للاستفتاء في الإقليم هذا العام، مما يؤكد على تصاعد مستوى عدم الثقة بين الحكومة المركزية في بغداد والإقليم، ويثير التساؤلات حول إمكانية التوصل إلى حل سلمي للنزاعات بين الجانبين على الرغم من الوساطة المكثفة التي لعبتها الولايات المتحدة.

ويؤكد الدستور المقترح مزاعم الأكراد في الأراضي والنفط والغاز الموجود بها، لكن تلك المزاعم التي تلقى رفضا من جانب الحكومة الفيدرالية في بغداد والمجموعات الإثنية على الأرض، كان من المفترض أن يتم مناقشتها عبر محادثات بدأت بصورة سرية الشهر الماضي بين الحكومتين العراقية والكردية برعاية الأمم المتحدة ودعم الولايات المتحدة. لكن البرلمان الكردي بدلا من ذلك قام بإقرار الدستور كرسالة تشير إلى رفضه الضغوط الأميركية والحكومة الفيدرالية لتقديم تنازلات. وتشهد المناطق المتنازع عليها في شمالي العراق موقفا أمنيا متفاقما؛ فقد شهدت تلك المناطق عشرات المواجهات بين القوات الكردية وقوات الأمن الفيدرالية إضافة إلى مواجهات متكررة بهدف إشعال المشاعر الإثنية والطائفية في الإقليم.

وقد أبدت إدارة الرئيس باراك أوباما، التي تسحب قواتها من العراق بصورة تدريجية، اندهاشها وانزعاجها من الخطوة الكردية، حيث انتقد جوزيف بايدن، نائب الرئيس، الذي أُوفد إلى العراق في 2 يوليو (تموز) هذه الخطوة بطريقة دبلوماسية وبصورة غير مباشرة على الرغم من اللغة القوية والمباشرة، حيث أشار إلى تلك الخطوة في مقابلته مع قناة «إيه بي سي نيوز» بأنها: «غير مساعدة» في تحقيق هدف الإدارة الأميركية بتحقيق المصالحة بين عرب العراق والأكراد.

وصرح بايدن أنه رغب في مناقشة الدستور المقترح مع قادة الأكراد شخصيا، لكنه لم يتمكن من الذهاب إلى كردستان بسبب العواصف الرملية، لكنه تحدث إلى القادة عبر الهاتف يوم الثلاثاء، فيما التقى كريستوفر هيل السفير العراقي الجديد في بغداد بهم يوم الأربعاء. وتحدث المسؤولون العسكريون الأميركيون والدبلوماسيون عن احتمال نشوب مواجهة مع الأكراد. والكلام مقطوع فعلا بين رئيس الوزراء العراقي نوري كمال المالكي ومسعود بارزاني رئيس الإقليم، فيما شجب القادة السياسيون العراقيون الخطوة بقوة، منوهين بأن الدستور الجديد إنما هو خطوة باتجاه تقسيم العراق. وقال أسامة النجيفي، أحد الأعضاء العرب السنة في البرلمان العراقي إن «الدستور الجديد يرسي مبدأ دولة مستقلة، لا دستور إقليم. وهو إعلان صريح بالنوايا العدائية والمواجهة، وهو ما سيؤدي حتما إلى التصعيد».

على الجانب الآخر، دافع المسؤولون الأكراد عن جهودهم بإقرار دستور جديد للإقليم يحدد إقليم كردستان المؤلف من ثلاث محافظات ويحاول إضافة كل المناطق المتنازع عليها والمحافظة الكردية الغنية بالنفط إضافة إلى المناطق الثلاث الأخرى المتنازع عليها في نينوى وديالى. ومن المعروف أن الدستور العراقي يسمح للأكراد بوضع دستور خاص بالإقليم مع إحالة كل النزاعات إلى المحكمة العراقية العليا. وأشارت سوزان شهاب، عضو برلمان كردستان إلى أنها فقدت الثقة في أن حقوق الأكراد التي أقرها قانون 2005 تحترم. وقالت: «ما نفتقده بشدة في العراق الجديد هو الثقة». وفي الوقت ذاته اعترف بعض الأكراد أنهم باتوا أكثر إحباطا بتوقف المحادثات لحل النزاعات على الأراضي والقضايا الأخرى المتعلقة بالقوى السياسية الكردية في العراق. وقال أحد كبار المسؤولين الأكراد الذي تحدث مشترطا عدم ذكر اسمه نظرا لدوره في محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة: «إنها لكمة في الوجه، فقد سئمنا منهم». وقد بدأ النزاع عندما انتهت دورة برلمان كردستان يوم 4 يونيو (حزيران) موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي حدد لها 25 يوليو (تموز). لكن البرلمان، الذي يحكم الحزبين الرئيسين في الإقليم قبضتهما عليه ويحكمانه لأكثر من 20 عاما، وافق على التمديد وأقر بأغلبية ساحقة مسودة الدستور الجديد في 24 يونيو (حزيران). وقد أعلنت حكومة كردستان عن رغبتها في طرح الدستور للاستفتاء خلال انتخابات يوليو (تموز)، وهو جدول زمني متسارع جدا بالنظر إلى أن غالبية سكان كردستان يقولون إنهم لم يسمعوا بالدستور الجديد.

وأوضحت مفوضية الانتخابات العراقية التي تشرف على الانتخابات يوم الاثنين أن أقرب موعد لإقامة ذلك الاستفتاء سيكون 11 أغسطس (آب). فيما علق طارق جوهر المتحدث الرسمي باسم البرلمان الإقليمي، يوم الخميس، بأنه لا يمانع في تأجيل، لكنه يدعم الدستور «ومصمم على إقامة الاستفتاء» بحلول سبتمبر (أيلول).

ويتوقع كثيرون الموافقة على الدستور الجديد، فالحزبان الكرديان الحاكمان ـ الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني ـ يتحكمان في أدوات السلطة في الإقليم ويمتلكان أعدادا كبيرة من الأتباع المخلصين. لكن كثيرا من سكان الإقليم يبدون انزعاجهم من السرعة التي تم من خلالها تمرير الدستور والسلطات الهائلة التي يمنحها للرئيس من دون مراجعات أو توازنات. وقد بدأت إحدى الجماعات المدنية العاملة في السليمانية الكردية حملة معارضة للدستور الشهر الماضي، وقال نامو شريف الناشط في الحركة إن المسؤولين الأكراد في الحكومة نعتوه بالخائن.

أما كيوستان محمد، عضو البرلمان الكردي، التي انضمت إلى تحالف جديد مناوئ للحزبين الرئيسين في انتخابات يوليو (تموز) القادمة، فقالت إن كردستان بحاجة إلى دستورها، لكن تلك الوثيقة بصيغتها الحالية زرعت بذور عنف لا متناه مع الحكومة المركزية وجعلت من رئيس الإقليم حاكما «مطلقا». وأضافت: «لقد حول كل القوى الأخرى، ومن بينها البرلمان، إلى شخصيات كرتونية». وأشار غاريث ستانسفيلد، الزميل المشارك في مركز «تشاتم هاوس»، وهي مؤسسة غير ربحية تعنى بالقضايا الدولية، والخبير في السياسات الكردية، إلى أن إصرار الأكراد على دستور منفصل كان رسالة غير مباشرة للحكومة المركزية بشأن مزاعمهم خاصة مع انحسار الوجود الأميركي في العراق. وقال: «إنهم لا يتراجعون عن موقفهم على الإطلاق، بل ازدادوا قوة في ذلك».

* خدمة «نيويورك تايمز»