«الشرق الأوسط» في معسكر دريج للنازحين: ملوا الانتظار في المخيمات فقرروا العودة

ولاية جنوب دارفور تعيد 163 ألف نازح إلى قراهم الأصلية.. ومخاوف من نقص الغذاء ومواجهة المجهول

نازحون عائدون إلى قراهم الأصلية من معسكر دريج جنوب دارفور («الشرق الأوسط»)
TT

أكملت ولاية جنوب دارفور ترحيل نحو 700 أسرة من أحد مخيمات النازحين عبر قافلتين على مدى اليومين الماضيين، وسيرتفع العدد إلى 850 أسرة اليوم، لتكمل ترحيل نحو 163 ألف نازح عادوا إلى قراهم منذ أن بدأت «عملية العودة الطوعية» للنازحين من المخيمات إلى قراهم العام الماضي.

ويبلغ عدد النازحين في ولاية جنوب دارفور 450 ألف نازح، موزعين في عدد من المعسكرات حول مدينة نيالا عاصمة الولاية. وفيما يشدد مسؤولون في الولاية تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بأنهم على استعداد لتوفير الأمن للعائدين، يخشون من أن يتعرض العائدون إلى نقص الغذاء في قرى العودة «بسبب عدم إيفاء أي طرف من أطراف المشروع بالتزاماته في الأشهر المقبلة». ويشدد النازحون العائدون على أن أمنهم في قراهم هو الأهم، حتى يتمكنوا من زراعة مزارعهم في الموسم الزراعي الذي بدأ منذ منتصف يوليو (تموز) الماضي، أي مع بداية هطول الأمطار في الولاية.

وتابعت «الشرق الأوسط»، من مخيم دريج الملتصق بالجانب الشرقي من مدينة نيالا، انطلاق رحلة العودة الطوعية لدفعتين الأولى بعدد 400 أسرة، والثانية نحو 80 أسرة إلى منطقة تكلا، التي تبعد نحو 200 كيلومتر (شمال شرق). وانطلقت القافلة الأولى بحضور المسؤولين من الشؤون الإنسانية في جنوب دارفور ورجال الإدارة الأهلية وممثلين للمنظمات الوطنية ومنظمات الأمم المتحدة. وبالكيفية ذاتها سارت القافلة الثانية، ودخل النازحون والعائدون إلى قراهم والمودعون الباقون في المخيم في عناق طويل وسالت دموعهم من البكاء. وبالنسبة للعائدين في القافلتين فإن عودتهم إلى قراهم في منطقة تكلا هي الأولى بالنسبة لهم منذ أن فروا منها هاربين من نيران الهجمات عليهم عام 2003، إبان اشتعال الحرب في دارفور. ووضع منظمو رحلة العودة الطوعية الرجال والشيوخ والأطفال والأمتعة في باطن السيارات «شاحنات»، التي حملتهم بواقع 6 شاحنات متوسطة الحجم لكل قافلة، فيما خصصت أطراف الشاحنات للشباب. وقال إسحق يوسف محمد «أحد العائدين في القافلة الأولى إنه قرر العودة لأنه مل الانتظار في المخيم، كما أن أنباء وصلتهم من قراهم بأنها قد أصبحت الآن آمنة، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «الأمن هو الأهم بالنسبة لنا»، وأضاف: «قالوا لنا إنهم سيوفرون الأمن.. وإذا لم يحدث ذلك فسنتعرض للهجوم مرة أخرى، قد نموت فيها أو قد نتحول مرة أخرى إلى نازحين»، وحكى أنه وصل إلى مخيم دريج عام 2004 عندما توالت الهجمات من مجهولين على قريتهم المجاورة لمنطقة تكلا، فهرب هو وزوجته بعد آخر هجوم على القرية سيرا على الأقدام إلى أن وصلوا المخيم، وهو الأول تأسيسا في الولاية ويحتضن نحو 37 ألف نازح، وقال: «تركنا خلفنا حرائق وقتلى وجرحى».

محمد متزوج، وله طفل عمره عامان رزق به في المخيم، وقال إنه سيبدأ «حياته» هناك في تكلا من جديد، سيقوم بتنظيف مزرعته من الأشجار والأعشاب وسيزرعها هذا الموسم بالذرة والدخن والفول السوداني، ونوه «نأمل فقط أن يهتموا بنا إلى أن يأتي موسم الحصاد المقبل.. نستطيع من هناك أن نواصل حياتنا كما كانت قبل النزوح من بلدنا». وقالت حليمة حسن إنها تريد أن تلحق بموسم الزراعة في بلدتها تكلا، وأضافت «نطلب منهم الغذاء لأشهر ومحاريث، وحراسة». وحكت حليمة وهي أم لسبعة أطفال لـ«الشرق الأوسط» أنها جاءت إلى معسكر دريج منذ ستة أعوام بعد أن تعرضت بلدتها لهجوم من قبل ميليشيات الجنجويد، وذكرت أن والدها قتل في الهجوم فيما نجا باقي أفراد أسرتها، وقالت إنهم سلكوا طرقا وعرة راجلين إلى أن وصلوا إلى مشارف نيالا، ومن هناك إلى مخيم دريج، ورقدت دمعة على خد حليمة، وقالت إنها تركت بعض أهلها في المعسكر كما أنها أقامت علاقات مع نساء يصعب عليها التخلي عنهن عند العودة إلى ديارها.

وقالت إنها كانت تعمل المصنوعات اليدوية من السعف وتقوم ببيعها لسكان المدينة. أما مريم أحمد، تحدثت معها وهي على المقعد الأمامي للشاحنة، وحين كانت مشغولة بترتيب أغراضها الخاصة، وإلى جوارها أحد أبنائها الثمانية، فقالت «هاجمونا في الصباح الباكر وقتلوا زوج شقيقتي وآخرين من القرية وأشعلوا النيران، فهربنا من هناك.. ثم دلنا أحدهم على الطريق إلى نيالا فوصلنا بعد أربع ساعات من السير المتواصل».

وقال عمر آدم خاطر، معتمد «محلية بليل» الذي تقع قرى العائدين من تكلا ويارا وحلوف وغيرها تحت إدارته، لـ«الشرق الأوسط» إنهم أقدموا على هذه الخطوة بعد أن تأكد لهم أن الظروف الأمنية والغذائية ستكون مواتية لعودتهم، «وبعد أن تأكدنا من رغبتهم الحقيقية في العودة»، وأضاف: «وفرنا لهم الخدمات الضرورية مثل الماء ومدخلات الإنتاج والخيام»، وتابع: «وقبل ذلك تم تدريب أبناء المنطقة أنفسهم ليقوموا بمسؤولية حراسة أهلهم في القرى».

ولكن حسين آدم محمد، وهو نازح في مخيم دريج قال لـ«الشرق الأوسط» إنه لن يعود الآن لأنه غير مطمئن للترتيبات التي وضعت للعودة، ويخشى أن تتكرر ما سماها بالمأساة التي حدثت لهم، وقال إنه فقد أفراد أسرته في الهجوم على قريته عام 2003، وبتشدد قال «ننتظر إلى أن نرى كيف مضت عمليات العودة الحالية»، ويقول إنه يعمل بائع ماء بعد أن استطاع أن يقتطع من جملة المواد الغذائية التي تقدم له ولأسرته شهريا ويشتري بها حمارا وعربة كارو وخزان ماء وظل يعمل بها إلى الآن لتوفير ما يحتاج إليه من مواد غذائية إضافية وغيرها من الاحتياجات. فيما قال لي أحد الشباب، كان يودع أقاربه في موقع مغادرة قافلة العائدين الأولى، إنه أجل عودته إلى حين إكمال مراسم زواجه من إحدى فتيات الحي المجاور للمخيم نشأت بينهما علاقة واتفقا على الزواج، وقال إنه أيضا يعمل بائع ماء داخل المدينة.

وقال سبيل أحمد سبيل، مفوض الشؤون الإنسانية في ولاية جنوب دارفور لـ«الشرق الأوسط» إن الفوجين الأول والثاني عددهم نحو 700 أسرة، ونخطط لترحيل 850 أسرة، وأضاف هؤلاء سيحصلون على حصتهم من المواد الغذائية المقررة لهم من قبل منظمات ووكالات الأمم المتحدة في مواقع عودتهم، كما هي، حيث تم فقط تغيير نوع الكروت التي يحملونها من «الأبيض في المخيم إلى الأزرق في قراهم التي عادوا إليها». وقال إن الدعم تساهم فيه مجموعة من الجهات السودانية والأجنبية والعربية. ولكن مع ذلك تخوف من احتمال عدم التزام بعض الجهات بالتزاماتها تجاه مشروع العودة الطوعية.

وقال إن برنامج الغذاء العالمي ملتزم بحصة 300 ألف مستفيد من النازحين الموجودين والعائدين وكذلك منظمة الصليب الأحمر تعهدت بتقديم التقاوي، وقال إن مفوضية العون الإنساني في الخرطوم «لم تقصر»، غير أنه نوه إلى أن «اللجنة العليا للعودة الطوعية لم تقدم شيئا هذا العام»، كما لفت إلى أن «ديوان الزكاة السوداني قدم الكثير من الدعم». ويتحمس المفوض إلى عودة النازحين طالما أن هناك أمنا في مواقعهم «وستقدم لهم المساعدات التي تعينهم على زراعة مزارعهم هذا الموسم»، ويعتقد أن البقاء في المخيمات له تبعات كثيرة غير مقبولة، منها حسب المفوض: غياب المستقبل، فضلا عن ظواهر أخرى مثل الحمل غير المرغوب (خارج العلاقة الزوجية) والانفلات الأمني والسرقات ، وانتشار الأسلحة في بعض المخيمات. غير أن أحد شيوخ مخيم «كلمة» وهو أكبر مخيم للنازحين في إقليم دارفور ويحتضن نحو 89 ألف نازح، قال لـ«الشرق الأوسط» إن هذه الظواهر ناتجة عن الشعور بالضياع لدى الشباب خاصة داخل المعسكرات، وأضاف «نحن هنا في المخيم في مرحلة الحفاظ على الحياة كأولوية». وتشكك الشيخ الذي طلب عدم ذكر اسمه في مشروع الحكومة بشأن العودة الطوعية، وقال: «هل وفروا الأمن أولا؟ وهل مواقع العودة خالية تماما للسكان العائدين؟»، وشدد «نحن نريد العودة ولكن يجب أن تكون عودة نهائية»، وقال: «هناك من ذهب قبل عامين ولكن اضطر للعودة مرة أخرى لأنه شعر بعدم الأمن كما أن الحياة هناك بلا أية خدمة تعين على مواصلة الحياة والاستمرار في البلدات كأشخاص منتجين». وفي ولاية جنوب دارفور الآن 460 ألف نازح موزعون على 6 مخيمات هي: كلمة بها 89 ألف نازح، وعطاش بها 81 ألفا، وسلكي 47 ألفا، وموسي 7 آلاف، والسريف 13 ألف نازح، والسلام 71 ألف نازح، وكان بالولاية أكثر من 600 ألف نازح، وانخفض العدد، حسب المسؤولين في الشؤون الإنسانية في الولاية، بسبب العودة الطوعية المنظمة من قبل الحكومة أو الفردية.