المعلم: بعض القيادات اللبنانية بدأت تستوعب حقائق التاريخ والجغرافيا والروابط القائمة بين لبنان وسورية

في مؤتمر صحافي في دمشق مع كوشنير أشار فيه الوزير الفرنسي إلى تباين في الموقف من إيران * مصدر فرنسي: الأسد أكد أن سورية ليس لديها مطالب مسبقة حول تشكيل الحكومة اللبنانية

وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، ونظيره السوري وليد المعلم، يجيبان عن أسئلة الصحافيين خلال مؤتمرهما الصحافي المشترك في دمشق أمس (أ.ف.ب)
TT

قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم إن تحديد موعد زيارة خادم الحرمين الشريفين إلى دمشق «سيتم بالطرق الدبلوماسية لاحقا» وذلك بعد أن جدد ترحيب بلاده بهذه الزيارة موضحا أنه «ليس هناك مصالحة سورية ـ سعودية» وإنما «هناك علاقات طيبة بين سورية والسعودية.. وهناك تبادل للزيارات على ارفع المستويات تجري بين البلدين»، مشيرا إلى أن «آخرها كانت زيارة الأمير عبد العزيز بن عبد الله ووزير الإعلام عبد العزيز خوجه»، قبل أن يؤكد أن تحديد موعد الزيارة سيتم «بالطرق الدبلوماسية لاحقا». جاء ذلك في مؤتمر صحافي مشترك عقده المعلم مع نظيره الفرنسي برنار كوشنير صباح أمس.

ورفض الوزير السوري التعليق على ما تنشره وسائل الإعلام اللبنانية من تصريحات تشير إلى تغير ايجابي في مواقف بعض الأطراف المناوئة لسورية. وقال المعلم «لن أعلق على ما تنشره وسائل الإعلام في لبنان وإنما أقول قلب سورية كبير ومن يخطو باتجاه سورية خطوة نخطو باتجاهه خطوة»، معللا التغير في مواقف البعض في لبنان بالقول «نعتقد أن بعض القيادات اللبنانية بدأت تستوعب حقائق التاريخ والجغرافيا والروابط الإنسانية القائمة بين سورية ولبنان، ونحن نرحب بذلك وندعو إلى زيادة عمق الفهم لهذه الحقائق».

المؤتمر الصحافي للوزيرين عقد بعد لقاء الرئيس السوري بشار الأسد والوزير كوشنير الذي يقوم بزيارة رسمية إلى دمشق تستغرق يومين، ترأس خلالها المؤتمر السنوي لسفراء فرنسا في الشرق الأدنى. وقال بيان رئاسي أن الوزير كوشنير أكد خلال اللقاء «ارتياح الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي لتطور العلاقات بين فرنسا وسورية وعزمه مواصلة العمل على تعزيزها». وناقش اللقاء «آخر المستجدات في المنطقة وتم التأكيد على أهمية استثمار الأجواء الإيجابية السائدة في العالم والبناء عليها بغية إيجاد حلول للمشكلات التي تواجه الشرق الأوسط من خلال الحوار». وأضاف البيان أنه كان هناك «اتفاق حول أهمية تحقيق المصالحة الفلسطينية في أسرع وقت ممكن ورفع الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني في غزة ووقف الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي العربية المحتلة وإقامة دولة فلسطينية مستقلة في إطار تحقيق سلام عادل وشامل». وتطرقت المحادثات إلى «الوضع في لبنان» حيث عبر الجانبان عن ضرورة «تكثيف الحوار بين الأفرقاء اللبنانيين بغية التوصل إلى توافق وطني وتشكيل حكومة وحدة وطنية». وحول العراق شدد الجانبان على ضرورة دعم جهود الحكومة العراقية في السعي لتحقيق المصالحة الوطنية بين جميع مكونات الشعب العراقي.

وفي المؤتمر الصحافي قال الوزير المعلم إن اللقاء كان «بناء» وجرى خلاله البحث في الأوضاع الإقليمية الراهنة، مشيرا إلى أن الجانبين عبرا عن «الارتياح للحوار الجاري في لبنان لتشكيل حكومة وفاق وطني، مضيفا أن «البحث تناول أيضا ضرورة تحقيق المصالحة الوطنية بين مكونات الشعب العراقي والأوضاع الراهنة لعملية السلام»، لافتا إلى أن «الجانب السوري أكد أنه لا وجود لشريك إسرائيلي لانطلاق عملية السلام». وتابع «جرى التأكيد على ضرورة وقف الاستيطان بكل أشكاله ورفع الحصار عن قطاع غزة وتحقيق المصالحة الوطنية بين الفلسطينيين».

من جهته أعرب كوشنير عن ارتياحه للمحادثات التي أجراها مع الرئيس الأسد واصفا اللقاء بأنه كان «مثمرا» وتركز على العلاقات الثنائية بين البلدين التي يصادف اليوم العيد الأول لإعادة إطلاقها منذ زيارة الرئيس الأسد إلى باريس في يوليو (تموز) من العام الماضي. وقال «زيارتي إلى دمشق اليوم (أمس) ليست مصادفة ولقد أجريت خلالها محادثات حول العلاقات الممتازة بين البلدين وبخاصة الاقتصادية»، مشيرا إلى انه سيقوم بزيارة أخرى إلى دمشق تعقبها زيارات لرجال أعمال فرنسيين لمناقشة مشاريع كبرى منها توسيع مرفأ اللاذقية ومشاريع ثقافية وزيادة عدد المنح الدراسية للطلاب السوريين وتسهيل إجراءات حصولهم على تأشيرات الدخول إلى فرنسا.

وفي ما يتصل بالشأن اللبناني قال كوشنير «نحن متفقون بشكل جيد وخصوصا بعد الانتخابات الممتازة التي جرت في ظروف ممتازة»، مضيفا أن «المشاعر المشتركة بين فرنسا وسورية هي إدراك أهمية تشكيل اللبنانيين لحكومتهم وان نترك للجانب اللبناني بكل مكوناته وبخاصة حزب الله الذي قابلت بعض ممثليه الاتفاق والتعاون مع الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري». وقال إن «هناك عقلية جديدة في لبنان تقوم على تشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن». وحول الموقف من إيران كشف وزير الخارجية الفرنسي عن انه «ليس هناك اتفاق كامل بين الجانبين السوري والفرنسي حول كيفية معالجة الملف النووي الإيراني»، ورأى أنه من المفيد لفرنسا الاستماع «الى وجهة نظر الرئيس السوري حول هذا الملف».

وعن عملية السلام في الشرق الأوسط شدد وزير الخارجية الفرنسي على ضرورة التوصل إلى حل شامل لهذه العملية، مبينا أن موقف فرنسا بهذا الشأن معروف وهو ضرورة تامين امن إسرائيل في مقابل تشكيل وإنشاء دولة فلسطينية، فيما أكد المعلم أن «سورية لن تحضر أي مؤتمر دولي إذا لم يجر الإعداد له جيدا بمعنى أن تقبل إسرائيل قرارات مجلس الأمن ومبدأ الانسحاب من الأراضي العربية حتى حدود الرابع من حزيران عام 67 مقابل السلام وأن نعرف الهدف من هذا المؤتمر»، محذرا من أن «فشل أي مؤتمر دولي في دفع عملية السلام سيكون خطيرا على استقرار المنطقة». وشدد المعلم على أنه «بدون انسحاب كامل من الجولان إلى خط الرابع من يونيو (حزيران) لن يسود السلام ولا الأمن في هذه المنطقة».

واشاد كوشنير بموقف الإدارة الأميركية «الايجابي» تجاه عملية السلام، كاشفا عن أن الرئيس الأميركي باراك اوباما قرر «حسب ما سمعنا» القيام بزيارة إلى سورية. وعقب على ذلك الوزير المعلم قائلا «إذا صح ما تناقلته وسائل الإعلام فهذا شيء مشجع ويعطي الرسالة الحقيقية عن التغيير في نهج الإدارة الأميركية». وأضاف «نرحب بمثل هذه الزيارة إذا صح العزم على القيام بها»، لافتا إلى أن «الدبلوماسية الحديثة تقوم على الحوار فكيف إذا جاء بين القادة.. بالطبع سيسهم في أمن واستقرار المنطقة».

ووصف مصدر فرنسي رفيع المستوى اللقاء الذي تم بين الرئيس بشار الأسد ووزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير أمس في قصر الشعب بأنه كان «مريحا» وأن الرئيس السوري كان «منفتحا ومباشرا» في تناول المواضيع التي طرحت وهي العراق ولبنان والوضع في إيران وموضوع السلام في المنطقة والعلاقات الثنائية.

وقال المصدر لـ «الشرق الأوسط» إن الرئيس الأسد أبلغ كوشنير أنه «لم يعد يرى أن ثمة عوائق تمنع تطور العلاقات السورية ـ اللبنانية» باعتبار أن سورية تتحدث إلى كل الأطراف اللبنانية. والأهم من ذلك أن الأسد قال لكوشنير إن سورية «ليست لديها مطالب مسبقة في ما يخص تشكيل الحكومة اللبنانية». وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم في المؤتمر الصحافي المشترك مع الوزير كوشنير إن دمشق وباريس «مرتاحتان» للحوار الجاري في لبنان بين مختلف الأطراف لتشكيل حكومة وفاق وطني وهو الأمر الذي أكد عليه الوزير الفرنسي مجددا في دمشق متحدثا عن «حالة نفسية جديدة» تسود اللبنانيين وعن تراجع العوامل الإقليمية لمصلحة اللعبة السياسية الداخلية.

وفي مقاربة للوضع السوري في الوقت الحاضر على المستوى الدولي، اشار المصدر إلى أن سورية «كانت تقول منذ شهرين إنها ستعمل مع رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وهي الآن تقوم بذلك وتحاور في الوقت عينه السعودية وتتعاطى مع كل الأطراف اللبنانية وتدعو الرئيس أوباما لزيارة دمشق وبالتالي فإنها في وضع مريح ما كان يمكن تصور أفضل منه في الوقت الحاضر». وفي السيباق نفسه، أفاد المصدر الفرنسي بأن الرئيس الأسد «لم يربط القمة السورية ـ السعودية المنتظرة بأي عامل آخر بما في ذلك تشكيل الحكومة اللبنانية». ووصف الوزير الفرنسي في نهاية اجتماعاته في دمشق زيارته للعاصمة السورية بأنها كانت «إيجابية جدا» وهي جاءت بعد عام تماما على تطبيع العلاقات بين البلدين وهو ما تجلى في قمة الأليزيه بين ساركوزي والأسد. وقالت مصادر فرنسية إن هذه العلاقات التي كانت في فترة من الفترات «ثلاثية» بمعنى أنها كانت مشروطة بالتطورات الحاصلة في الملف اللبناني اصبحت الآن «ثنائية» حقيقة وهي تتناول كافة ميادين التعاون السياسي والثقافي والاقتصادي والتجاري.

وفي السياق الإيراني، علمت «الشرق الأوسط» أن الوزير الفرنسي طلب مساعدة سورية لضمان الإفراج عن الجامعية الفرنسية كلوتيلد رايس المعتقلة في إيران منذ بداية الشهر الجاري. وعلم أن كوشنير اتصل بنظيره منوشهر متقي لطلب مساعدته على الحصول على الإفراج ولشكره على تدخله من أجل إفساح المجال أمام السفير الفرنسي في طهران بزيارتها في سجنها. كذلك علم أن هناك خمسة اتهامات موجهة للجامعية الفرنسية.