السعودية تنعى بن جبرين.. العلامة النجدي

رحل عن 78 عاما.. وقضى أيامه الأخيرة في العلاج بألمانيا والرياض

TT

غيب الموت أمس الاثنين الشيخ عبد الله بن جبرين، أحد الرموز الدينية في السعودية، عن عمر يناهز 78 عاما بعد صراع مع المرض. وبرحيل الشيخ بن جبرين انطوت صفحة من صفحات أحد المشايخ التقليديين الذين عرفوا على مستوى منطقة الخليج والعالم العربي.

وعرف عن الشيخ بن جبرين الذي يؤم المصلين في أحد جوامع حي السويدي في الرياض، الذي كان يشهد كثافة في المصلين، خصوصا في شهر رمضان المبارك، تشدده في بعض الآراء المتعلقة بالمذاهب.

وشهد أمس مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في العاصمة الرياض احتشاد أعداد غفيرة من محبيه، بعد إعلان خبر وفاته، وهو الذي عاد مؤخرا عقب أن أمضى فترة في تلقي العلاج في أحد مستشفيات العاصمة الألمانية برلين.

وأعلن أمس موقع الشيخ العلامة بن جبرين على الإنترنت خبر وفاته، وهو الموقع الذي خصصه للإجابة على استفسارات وفتاوى الجمهور قبل رحيله، ووضع القائمين على الموقع اعتذارا عن عدم استقبال الأسئلة والفتاوى، نظرا لوجود الشيخ في المستشفى بعد إجراء عملية في القلب له.

ويجمع من لازم بن جبرين في حياته على امتلاكه صفات تحلى بها طوال حياته، حيث أكد الداعية السعودي الشيخ عائض القرني، الذي لازم الشيخ الراحل، أن بن جبرين تفرد بتواضع لم يشهد من قبل من عالم أو داعية أو رجل دين.

الشيخ القرني قال لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف: «زارني العلامة بن جبرين في منزلي في الرياض، وفي المنطقة الجنوبية، ولم أشهد قط في حياتي تواضعا مثل ما شهدته في العلامة بن جبرين (رحمة الله). تواضعه يخجلك وتقف أمامه حياء، وتكاد تذرف دموعك وأنت ترى العلامة العابد الزاهد وهو يرفض تقبيل رأسه، أو تثني عليه كثيرا، أو تمدحه». وأضاف القرني: «يرفض الشيخ بن جبرين أن تقدم له خدمات من أي نوع، إنها البساطة التي تشعرك بعزة المؤمن مع سلامة الروح وعذوبة النفس ودماثة الخلق وحسن المعشر ودوام البسمة».

ويعد الشيخ عبد الله بن جبرين المولود في عام 1352هـ أحد علماء الدين النادرين الذين يحملون صفة «العلامة» بعد الشيخ عبد العزيز بن باز مفتي عام السعودية الأسبق، والشيخ محمد بن عثيمين وغيرهم، في إحدى قرى القويعية، ونشأ في بلدة الرين، وخطا أولى خطاه في التعليم عام 1359هـ في وقت لم توجد فيه مدارس مستمرة، وهو ما تسبب في تأخره عن إكمال دراسته، لكنه أتقن القرآن ولم يتجاوز عمره الثانية عشرة.

ويعود نسب الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن إبراهيم بن فهد بن حمد بن جبرين، إلى آل رشيد، إحدى أفخاذ عطية بن زيد، وبنو زيد قبيلة مشهورة في نجد، تأصلوا في محافظة شقراء (شمال غربي الرياض)، ثم نزح بعضهم إلى بلدة القويعية في قلب نجد، وتملكوا هناك.

وتعلم العلامة بن جبرين الكتابة وقواعد الإملاء البدائية ثم ابتدأ في الحفظ وأكمله في عام 1367 للهجرة، وكان قد قرأ قبل ذلك في مبادئ العلوم.

وعقب أن أتم حفظ القرآن ابتدأ في القراءة على شيخه الثاني بعد أبيه، الشيخ عبد العزيز بن محمد الشثري المعروف بأبي حبيب، وكان جل القراءة عليه في كتب الحديث ابتداء بصحيح مسلم، ثم بصحيح البخاري، ثم مختصر سنن أبى داود، وبعض سنن الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي.

وانتظم العلامة بن جبرين طالبا في معهد إمام الدعوة العلمي، فدرس فيه القسم الثانوي في 4 سنوات، وحصل على الشهادة الثانوية عام 1377هـ، وكان ترتيبه الثاني بين الطلاب الناجحين، البالغ عددهم آنذاك 14 طالبا، ثم انتظم في القسم العالي في ذات المعهد لأربع سنوات، منح على إثرها الشهادة الجامعية عام 1381هـ، وكان ترتيبه الأول بين الطلاب الناجحين البالغ عددهم 11 طالبا، وتم معادلة هذه الشهادة بكلية الشريعة.

وفي عام 1388هـ انتظم بن جبرين في معهد القضاء العالي، ودرس فيه 3 سنوات، ومنح شهادة الماجستير عام 1390 للهجرة بتقدير جيد جدا، وبعد 10 سنوات انضم إلى كلية الشريعة بالرياض للحصول على شهادة الدكتوراه، وحصل عليها في عام 1407هـ بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف.

وفي أثناء تلك الفترة وقبلها كان الشيخ بن جبرين حريصا على ملازمة كبار العلماء في تلك الحقبة، وحرص على حضور حلقاتهم ومناقشتهم، للاستفادة من ملازمتهم والقرب منهم.

تزوج العلامة بن جبرين بابنة عمه في آخر عام 1370هـ، ورزق منها باثني عشر ابنا من الذكور والإناث، مات بعضهم في الصغر، وبقي ثلاثة ذكور وست إناث، تزوج جميعهم. ولما انتقل إلى الرياض وانتظم في معهد إمام الدعوة العلمي، وكان يتلقى مكافأة شهرية، كان يدفع ما فضل عن حاجته لوالده الذي ينفق على ولده وولد ولده، وبعد 3 سنين أحضر زوجته وأولاده، واستأجر منزلا صغيرا، فكانت المكافأة تكفي لذلك رغم قلتها، لكن مع الاقتصار على الحاجات الضرورية.

وبقي بن جبرين يستأجر منزلا بعد الآخر لمدة 8 سنين، تمكن بعدها من شراء بيت من الطين والخشب القوي، واستقر به الحال حيث أقام فيه 17 عاما، وفي عام 1402 هـ انتقل إلى منزله الحالي، الذي أقامه بمساعدة بنك التنمية العقارية.