سفارة إيران الخفية.. في نيكاراغوا

عودة ظهور الإيرانيين في أميركا اللاتينية تثير مخاوف المسؤولين الأميركيين

TT

لعدة أشهر، كانت هناك تقارير تنتشر في واشنطن والعواصم الأخرى حول أن إيران تشيد مقرا ضخما على ساحل ماناغوا في إطار حملة توسيع نفوذها الدبلوماسي في أميركا اللاتينية، التي تشمل عقد صفقات استثمارية ضخمة، وإنشاء سفارات جديدة وحتى بث برامج تلفزيونية من الجمهورية الإسلامية.

وقد حذرت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في مايو (أيار) من أن «الإيرانيين يشيدون سفارة ضخمة في ماناغوا، في نيكاراغوا، وتستطيع بالطبع أن تتخيل الهدف من ذلك».

ولكن هنا في نيكاراغوا، فلا يستطيع أحد أن يجد أي سفارة ضخمة، وقد مسح صحافيو نيكاراغوا المدينة المدارية الكبيرة بحثا عن موقع تشييد السفارة، ولكنهم لم يجدوا شيئا. ضحك عند ذلك إرنستو بورتا رئيس غرفة التجارة في نيكاراغوا قائلا: «إنها غير موجودة». يقول المسؤولون الحكوميون إن مجمع سفارة الولايات المتحدة هي السفارة الوحيدة الكبيرة في ماناغوا، ويقول مسؤول دبلوماسي في الولايات المتحدة بماناغوا: «على حد علمنا، لا توجد سفارة إيرانية ضخمة يتم تشييدها هنا».

وتبرز مسألة السفارة الضخمة الخفية والغامضة تلك كيف أن امتداد النفوذ الإيراني في أميركا اللاتينية ربما يكون حجمه أقل من تخوفات واشنطن. كما أن المشروعات الاستثمارية التي عرضتها إيران في نيكاراغوا ـ ميناء عميق، مصانع هيدروكهربائية، ومفاعل نووي ـ أخفقت حتى الآن في أن تتحول إلى واقع كما يقول مسؤولون بحكومة نيكاراغوا. ففي أثناء انخفاض عائدات البترول الإيراني، فإن الكثير من المشروعات التي كان من المخطط إنشاؤها في أميركا اللاتينية قد توقفت كذلك، وفقا لبعض المحللين.

وقد أكد مسؤولون أميركيون أنه يوجد العديد من الأسباب التي تثير المخاوف بشأن إيران التي يعتبرونها دولة راعية للإرهاب؛ إلا أن النشاط الإيراني قد أحيا الخطاب الذي كان سائدا أثناء الحرب الباردة في واشنطن والذي لا يتطابق في بعض الأحيان مع الواقع مثلما حدث في ماناغوا.

وقد أخبر عضو مجلس النواب الأميركي عن الحزب الجمهوري بولاية فلوريدا الشهر الماضي الصحافيين، في اتصال رتبه المشروع الإسرائيلي أن «التأثير المتنامي الإيراني في النصف الغربي يذكرني بالعلاقة بين روسيا وكوبا أثناء تعاملنا مع كارثة الصواريخ الكوبية». وليس من الواضح كيف ظهر ذلك التقرير حول السفارة الإيرانية في ماناغوا، ولكنه استطاع شق طريقه خلال العامين الماضيين إلى شهادات الكونغرس، وتقارير مراكز الأبحاث، والصحف، والأحداث الدبلوماسية في الولايات المتحدة وبعض المناطق الأخرى.

وقد أخبرت نانسي منغيس من مركز السياسة الأمنية، لجنة مجلس النواب العام الماضي بأن «إيران قد شيدت مؤخرا سفارة ضخمة في ماناغوا». وقد كتب مايكل روبن من معهد المشروعات الأميركية: «إن تلك السفارة الآن هي كبرى البعثات الدبلوماسية في المدينة».

وقال المتحدث باسم وزيرة الخارجية فيليب كرولي، إن هيلاري سمعت عن السفارة خلال اجتماع عقد مؤخرا في المنطقة، وأضاف: «إذا اكتشفنا في النهاية أن ذلك غير حقيقي، فذلك خبر سار، وربما يكون الأمر هو أن الإيرانيين يتحدثون حول الاستثمارات والنفوذ اللذين لم يحققوا أيا منهما بعد، ولكنهم بالتأكيد يشعرون بالحيوية ويحاولون استغلال الفرص أينما يعتقدون بتواجدها».

ولكن بيادرو أرسي، أحد المستشارين الاقتصاديين البارزين لرئيس نيكاراغوا دانييل أورتيغا، شبه تعبير «السفارة الضخمة» الغامض بأسلحة الدمار الشامل غير الموجودة في العراق: «إنها غير موجودة، إنهم يخدعون وزيرة الخارجية، ليست لدينا سفارة إيرانية ضخمة، لدينا سفير يعيش مع زوجته في منزل مستأجر».

كما أن الاستثمارات الإيرانية في نيكاراغوا قد فشلت في الحصول على الأموال التي كانت تتوقعها من الحكومة التي تفتقر إلى المال؛ حتى أن نيكاراغوا لا تستطيع إقناع إيران بالتخلي عن دينها الذي يصل إلى 160 مليون دولار. ويضيف أرك: «إنهم لم يستثمروا أي شيء، ولم يبنوا أي شيء. بل أننا لم نتمكن حتى من التفاوض حول الدين. فهم يقولون إن القرآن لا يسمح لهم بذلك. ونحن سوف ندرس القرآن لكي نرى إذا ما كان هناك شيء يساعدنا على التخلص من ذلك الدين».

وفي بلد قال عنها قبل ذلك الرئيس رونالد ريغان إنها على مبعدة 48 ساعة بالسيارة من براونسفيل بتكساس، فإن حتى خصوم الحكومة الساندينية سيثير غضبهم ذلك التقرير.

يقول فرانسيسكو أغويري ساكاسا قائد حزب المعارضة الليبرالي ورئيس لجنة الشؤون الخارجية التشريعية: من أخبر هيلاري بذلك. لقد ضللها أحدهم. أنا لا أستطيع التوقف عن الدهشة من بلد لها مثل كل تلك القدرات الاستخباراتية وتتعرض لمثل ذلك التضليل. ماذا الآن؟ هل سيبدأ أوباما في الحديث عن محور الشر؟». ويقول المحللون إن إيران لم تنجز بعد ما عليها في عدد من الاتفاقيات لاستثمار المليارات من الدولارات في استكشاف الطاقة والمفاعلات والمشروعات الأخرى في أميركا اللاتينية.

ويقول فاريدي فارهي الخبير في السياسية الخارجية الإيرانية بجامعة هاواي بمانوا إن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد: «يستطيع أن يستأنف ويوقع كل تلك الأشياء، ولكن في النهاية، فإن البرلمان الإيراني هو الذي سيقرر إذا ما كان سيمنح ماناغوا 350 مليون دولار أميركي لتطوير الميناء؛ وهو ما لم يفعلوه حتى الآن».

لقد تم الربط بين نيكاراغوا وإيران مؤخرا في فضيحة مناهضة إيران في الثمانينات عندما باع مسؤولون أميركيون في الخفاء أسلحة إلى إيران ـ حليف ساندينيستا الحزب الحاكم ـ واستخدموا الأرباح لتمويل المتمردين الذين يحاربون الجبهة الساندينية للتحرير الوطني بقيادة أورتيغا الذين كانوا يتهمونه بمساندة الثورة الإقليمية.

وقد أغلقت كل من إيران ونيكاراغوا سفارتيهما عندما ترك أورتيغا منصبه في عام 1990 وأعيد فتحهما بعدما تولى أورتيغا السلطة مرة أخرى في يناير (كانون الثاني) 2007. يقول أورتيغا خلال زيارة لنجاد في أعقاب الانتخابات: «إننا لدينا في إيران، شعب وحكومة ورئيس مستعد لمشاركة شعب نيكاراغوا في المعركة العظمى ضد الفقر».

وبعد ذلك بوقت قصير، استأجرت إيران فيلا في ماناغوا والتي أصبحت مقرا للسفارة الإيرانية.

ولا تزال السفارة، أكثر الرموز وضوحا للعلاقة التي كان دائما صحافيو نيكاراغوا يشتكون من أنها غارقة في السرية. وبعد أن أعلنت وسائل إعلام نيكاراغوا أن الإيرانيين قد دخلوا البلاد في 2007 من دون الحصول على تأشيرات، قام المسؤولون بإزالة إيران من قائمة الدول التي يجب على مواطنيها الحصول على تأشيرة قبل دخول البلاد.

وقد أثارت عودة ظهور الإيرانيين في أميركا اللاتينية مخاوف المسؤولين الأميركيين الذين يقولون إن إيران متورطة في الإرهاب الدولي وتسانده، وأنها تدعم المعارضة القوية لعملية السلام في الشرق الأوسط، وأنها على الأرجح تعمل على تطوير أسلحة نووية. يقول مسؤول أميركي في ماناغوا: «إن الحضور الإيراني هنا وفي كل مكان آخر، يمثل مبعثا للقلق بالنسبة لنا، وبالتالي، فإنه من الطبيعي أن نولي ما يفعلونه بالغ اهتمامنا ولكن بالرغم من أنهم هنا فإننا لم نر الكثير من النشاطات من جانبهم».

ومنذ أن تم انتخاب أحمدي نجاد في عام 2005، فتحت إيران ست سفارات جديدة في أميركا اللاتينية ـ في كولومبيا، نيكاراغوا، شيلي، الإكوادور، أوروغواي، وبوليفيا- بالإضافة إلى سفارات في كوبا، والأرجنتين، والبرازيل، والمكسيك، وفنزويلا. ويقول المحللون إن الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز قد شجع مد النفوذ الإيراني في أميركا اللاتينية، كما أن إيران قد وقعت على عدة اتفاقات اقتصادية وسياسية مع حكومة شافيز الشعبية، واستثمرت في مصانع فنزويلا، التي تنتج الجرارات والدراجات والسيارات، المناهضة للإمبريالية.

وقد اشتكى المسؤولون الأميركيون إلى فنزويلا من ضعف سيطرتها على المسافرين الذين يصلون إلى كاراكاس في رحلات الطيران الأسبوعية من إيران والتي بدأت قبل عامين.

ويقول مسؤولون أميركيون إن هناك أسبابا قوية للقلق، فقد اتهمت إيران بالتورط في انفجارات مركز 1994 في بيونس ايريس الذي قتل فيه 85 شخصا، ولكنها أنكرت أي دور لها في الهجوم. كما ألقي باللوم على حزب الله في انفجار السفارة الإسرائيلية في العاصمة الأرجنتينية في 1992 والذي خلف 29 قتيلا. وقد أخبر مساعد وزير الخارجية الأميركية توماس شانون وكالة رويترز العام الماضي بأن المسؤولين الأميركيين «قلقون من أنه في ظل الصراع مع إيران، فإن إيران سوف تحاول استغلال حضورها في المنطقة للبدء في أنشطة معادية لها».

يقول بلنيو سواريز الرئيس التنفيذي لتلفزيون كانال دي نوتيسياز إنه ذهب إلى إحدى الحفلات بالسفارة الإيرانية قبل عدة شهور وقد شاهد نموذجا معماريا لمبنى مكون من ثلاثة طوابق الذي قال أحد موظفي السفارة عنه إنه نموذج لسفارة المستقبل. ويقول إدوين كاسترو ريفيرا قائد الكتلة السندينسيتة بالمجلس العام: «هناك نوايا إيرانية بإقامة سفارة خاصة بهم، ولكنهم لم يشيدوها حتى الآن كما أنها لن تكون ضخمة». ويقول مسؤول أميركي إنه: «لا نعتقد أنه يوجد الكثير من الاستثمارات الإيرانية هناك». حتى الآن.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»