اتصالات تحرك «الركود» في عملية تأليف الحكومة اللبنانية

عون يبحث في موضوعها مع حزب الله ويوفد صهره للقاء الرئيس المكلف

TT

حركت مجموعة من اللقاءات والاتصالات «الركود» الحاصل في عملية تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة. وعقد الرئيس المكلف تشكيلها، زعيم الأكثرية البرلمانية، سعد الحريري لقاءً هو الثاني خلال أسبوع مع وزير الاتصالات جبران باسيل موفدا من رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» المعارض ميشال عون تمحور على عملية التأليف.

وفيما استمر «الصمت» سيد الموقف في أوساط الرئيس المكلف، قال باسيل «إن المشاورات تجري في إطارها الصحيح، وهذه هي «السكة» اللبنانية، بحيث إن كل الأطراف اللبنانية تستطيع أن تتشاور مع الرئيس المكلف حول تشكيل الحكومة وهذا هو الأمر الأساسي والأهم الذي يحصل». وأوضح أن الرئيس المكلف استفسره حول «موضوع النسبية (التي طالب بها عون للمشاركة في الحكومة)». وقال: «شرحنا له الفكرة بكاملها، وشددنا على أن هذه الفكرة ليست فكرة دستورية، بل هي موجودة في كل الديمقراطيات في العالم، بحيث نرى على الشاشة بعد الانتخابات عملية توزيع المقاعد النيابية على كل الأفرقاء السياسيين بنسب مئوية معينة. واليوم عندما نتكلم عن حكومة وحدة وطنية، فإذا اعتمدنا هذا المعيار في التوزيع على الأفرقاء السياسيين، نكون بذلك نعتمد معيارا علميا وسياسيا في الوقت نفسه، وهو يخرجنا من كل الانقسامات السابقة ولا نعود نتكلم حينها عن ثلث أو غيره، بل نتحدث عن توزيع للقوى بحسب حجمها التمثيلي، بحسب ثقة الناس بها وهو ما ينعكس بين أقلية وأكثرية، وينعكس أيضا داخل كل فريق. ففي داخل الأكثرية هناك أيضا توزيع للقوى المختلفة بين بعضها، فتأخذ حينها بحسب هذه النسب، وفي داخل الأقلية تحصل عملية التوزيع نفسها. والأهم أنها تأخذنا في المستقبل إلى منطق لا يوجد فيه هازم ومهزوم أو غالب ومغلوب، فالحجم السياسي هو الذي فرض نفسه، والتمثيل الشعبي هو الذي فرض عملية التوزيع داخل الحكومة».

وسئل: هل لمستم قبولا من الرئيس المكلف بإمكان درس هذا الموضوع، فأجاب: «طبعا فقد استمع دولته بكل تمعن إلى الفكرة وحصل نقاش مستفيض حولها. والأمر الجيد الذي لمسناه هو أنه لا توجد أفكار مرفوضة ولا مفروضة. فقد كان النقاش مفتوحا على كل الأفكار.. وهذا ما يولد الطمأنينة الحقيقية». ورفض باسيل الكلام عن «الثلث المعطل»، وقال: «يجب علينا ألا نعود إلى كلام سمعناه خلال السنوات الأربع الماضية. فالناس ملت سماعه، ونحن لم نعد نريد أن نكرره، ونعود بذلك إلى منطق سابق أثبت عقمه، وأخذ البلد إلى حيث أخذه. اليوم نحن في مرحلة جديدة علينا أن نتعاون فيها جميعا لكي نخرج من الأفكار السابقة». وقال: «لم نسمع لغاية اليوم في المكان الذي يدور فيه النقاش الحقيقي، أي هنا، وليس ما نسمعه في الإعلام أو من خلال التسريبات أو التصريحات، إلا كلاما منفتحا على كل الأفكار والطروحات لنأخذ في الاعتبار كل الاحتمالات ونعالجها ونرى أفضل ما يمكن أن تقدمه وبعدها نعمد إلى تعميم ذلك». واعتبر أنه «لا يوجد ما يمنع حصول لقاء بين الرئيس المكلف والعماد عون قريبا».

وكان عون قد التقى أمس في حضور باسيل وفدا من «حزب الله» ضم المعاون السياسي للأمين العام حسين خليل ومسؤول لجنة الارتباط والتنسيق وفيق صفا. وبعد الاجتماع وضع خليل الزيارة في إطار «المشاورات العامة التي تجريها المعارضة بأقطابها في خصوص الاستحقاق الحكومي للبحث في موضوع التشكيلة الحكومية». وقال: «أعتقد أن تأليف الحكومة يأخذ وقته الطبيعي، والمعارضة بين حدين أو سقفين: السقف الأول هو المشاركة الفاعلة والمقررة في أي حكومة يمكن أن تكون المعارضة شريكا فيها... أما الحد الأدنى، فيجب ألا تكون المعارضة شاهد زور من خلال التشكيلة الحكومية، يجب ألا تكون زيادة عدد داخل التركيبة الحكومية. هذان السقفان يحددان عموما المسار الذي يجري مع دولة الرئيس المكلف الشيخ سعد الحريري». وشدد على أن «حزب الله» مع «المشاركة الفاعلة والفعلية. أما النسبية فهي وجهة نظر جديرة جدا بالاحترام والدرس»، مشيرا إلى أنه لم يسمع في «النقاش الجدي الذي يجري مع الأقطاب الأساسيين ولم أسمع علنا من الرئيس المكلف رفضه القاطع لموضوع الثلث المعطل». وقال: «المفاوضات ما زالت قائمة والمناقشات في أوجها، واعتقد أن قطار المفاوضات ركب على سكته الطبيعية». وردا على سؤال شدد على أن «المعارضة تدخل في الحكومة أو تبقى خارجا. موقف المعارضة موحد».

ولم يستبعد خليل تأليف الحكومة بضغط من الخارج، وقال: «البلد معرض لتدخلات خارجية كما كان معرضا في الماضي وهو معرض أيضا اليوم، وخصوصا عند المحطات الرئيسية والأساسية. أيضا هناك جهود تبذلها دول إقليمية من أجل المساعدة في تأليف هذه الحكومة. نحن نشكر كل من يقوم بجهد لمساعدة اللبنانيين، ولكن أقول إن الجهد الأساسي والرئيسي يعود إلى اللبنانيين أنفسهم. هذا الموضوع استحقاق لبناني بامتياز». وكان السفير السعودي في بيروت علي بن سعيد بن عواض عسيري تابع جولاته على القيادات اللبنانية أمس مكررا «حرص خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز على أن يرى لبنان آمنا مستقرا موحدا، وأن يكون هناك تلاحم بين القوى السياسية كافة، وأيضا أن يراه مزدهرا». وقال بعد زيارته أمس وزير الدولة نسيب لحود: «نحن نرى أن لبنان بدأ يجذب السياح وهذا ما يدل على مستقبل واعد. وما من شك في أن الوضع الأمني المستقر يجذب السياح، ونرى الكثير من السياح السعوديين الآن في لبنان وهناك اطمئنان سعودي في ما يتعلق بوضعهم. كما أشكر معالي الوزير على نصائحه». ورفض الحديث عن احتمال زيارة العاهل السعودي لدمشق قريبا، لكنه أكد أن الملك «سيبذل كل جهوده ليحقق الهدف المنشود وهو وحدة لبنان واستقراره». واعتبر عسيري أن «تأخير تأليف الحكومة أو تقديمها شأن لبناني وليس شأنا سعوديا، ونحن نتطلع إلى تعاون القوى السياسية كافة، وهذا هو شأن لبناني بامتياز وتطلعاتنا أن تتألف قريبا إن شاء الله، ودعواتنا للجميع بالتوفيق». أما لحود فشدد على أن موضوع تأليف الحكومة اللبنانية «موضوع لبناني صرف»، آملا أن «ننتهي من تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة بصرف النظر عما يحصل على الصعيد الإقليمي». وأشار إلى أن التقارب السوري ـ السعودي «يؤثر بشكل جيد على موضوع التأليف، ولكن هذه الجهود لا تحل مكان مسؤولية اللبنانيين أنفسهم في إنتاج حكومة من صنع لبنان. وآمل أن تأليف الحكومة اللبنانية سيسبق ما سيحصل من انفراجات على الصعيد الإقليمي».

وشدد لحود على أن «قدرة الترجيح يجب أن تبقى في يد رئيس الجمهورية أي في المكان الأمين والحيادي، وهذا ما يجب أن يشكل الضمانة لجميع الأطراف». ورأى الرئيس السابق أمين الجميل أن هناك «أزمة نظام» في لبنان. وأشار إلى أن «تأخير عملية تأليف الحكومة المنتظرة والتعقيدات الكثيرة التي تبرز كل يوم أثبتت صحة الطرح». وقال: «إن عرقلة تأليف الحكومة بوضع الشروط والشروط المضادة، تشير إلى أن المعارضة اللبنانية لربما تمهد لإرساء تعديلات جذرية في آلية عمل النظام السياسي في لبنان. والمطالبة بالنسبية والثلث المعطل مثلا من شأنها تجاوز الديمقراطية اللبنانية المتعارف عليها وتدفع في اتجاه قيام نظام كونفيدرالية الطوائف وتكريسها». ورأى «أن الأكثرية قد ارتضت إعادة انتخاب نبيه بري رئيسا لمجلس النواب لولاية خامسة، مما يعتبر ضمانة لفريق المعارضة اللبنانية وتأكيدا لضرورة الشراكة والتعاون الحقيقي». وشدد النائب أحمد كرامي (المتحالف مع قوى «14 آذار») على أن الرئيس المكلف «لن يعتكف أو يعتذر، ولو أخذ تأليف الحكومة بعض الوقت، ونحن مع عدم اعتزاله أو اعتكافه ونريد منه تشكيل حكومة وطنية يتمثل فيها الجميع من دون الثلث المعطل. وإذا لم يحصل ذلك نحن مع تأليف حكومة من الأكثرية.. ومن المفترض أن تمارس الأكثرية حقها الدستوري فيما تمارس الأقلية حقها الدستوري، ونحن نقول إننا مع حكومة وطنية يتمثل فيها الجميع». وقال النائب محمد الحجار بعد زيارته رئيس الجمهورية «إن موضوع تأليف الحكومة والعقبات التي توضع أمام تشكيلها كانت من الأمور التي تم التداول بها. وجدد فخامة الرئيس التصميم على متابعة العمل بكل الوسائل المناسبة لكي يصار إلى إيجاد مخرج للتشكيلة الحكومية في أقرب وقت ممكن».

وأكد النائب انطوان زهرا (القوات اللبنانية) «أن المنتصر في الانتخابات هو من يدير البلد ويحكم من دون الخضوع لأي إرادة داخلية كانت أو خارجية». وقال: «إذا كان الفريق الآخر الذي مشروعه منع قيام الدولة يحاول اليوم في ظل ظروف إقليمية ودولية متجددة الرهان على التعطيل توسلا لحماية نفسه في المستقبل، علما أن هذه علامة ضعف وليس قوة».

وفي المقابل أكد النائب ياسين جابر (عضو كتلة رئيس مجلس النواب نبيه بري) «أن مسار تأليف الحكومة يسير بشكل معقول وأن الأجواء ليست سيئة باعتبار أننا ما زلنا ضمن الزمن المعقول لتأليف الحكومات في لبنان»، معربا عن اعتقاده «أن الأمر لن يطول بعد نهاية الشهر الحالي». ولفت إلى «عدم وجود اشتراط معين من المعارضة، إنما البحث يدور حول صيغة تؤمن الشراكة الحقيقية بحيث تشعر المعارضة بأنها شريك حقيقي في هذه الحكومة».