مشكلات تفشل برنامج «سي آي إيه» لاغتيال قادة «القاعدة»

فِرق شبه عسكرية من النخبة خُطّط لها اختراق باكستان لاختطاف زعماء بارزين في تنظيم بن لادن أو قتلهم

TT

صرح مسؤولون سابقون في الاستخبارات الأميركية بأن برنامج وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) السري الذي أوقفه مدير الوكالة ليون بانيتا في الشهر الماضي، يتضمن تشكيل فرق شبه عسكرية من النخبة يمكنها اختراق باكستان أو مواقع أخرى لاختطاف زعماء بارزين في شبكة القاعدة الإرهابية أو قتلهم.

ولم يوضع البرنامج، الذي أطلق في أعقاب الهجمات الإرهابية التي وقعت في 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001 مباشرة، حيز التنفيذ مطلقا. ولكن صرح المسؤولون بأنه منذ عام مضى ناقش مديرون في «سي آي إيه» خططا لنشر فرق لاختبار القدرات الأساسية، ومن بينها ما إذا كان يمكنها دخول أرض معادية والمناورة فيها دون إمكانية رصدها، بالإضافة إلى جمع المعلومات وتعقب الأهداف ذات الأهمية الكبيرة.

وقد تطورت المبادرة مرارا وتكرارا، وكانت على وشك الإلغاء لعدة مرات، حيث حاول مسؤولو «سي آي إيه» إيجاد حلول للتحديات اللوجيستية. ولكن في الوقت الذي ظهرت فيه طائرات بريداتور دون طيار كسلاح جديد قوي ضد «القاعدة»، استمر مسؤولو «سي آي إيه» في برنامجهم السري كخيار إضافي قاتل.

وقال مسؤول سابق رفيع المستوى في الاستخبارات الأميركية، وعلى معرفة كبيرة بالبرنامج: «تريد دائما أن تمتلك القدرة، لأنه لا يمكنك توقع الفرصة». ومع ظهور بريداتور، يضيف المسؤول: «كنا نريد أيضا السعي إلى امتلاك تلك القدرة، ولكن لم يكن هناك الشعور ذاته بالعجلة التي كانت موجودة من قبل».

وقد تحدث ذلك المسؤول وآخرون بشرط عدم ذكر أسمائهم نظرا لشدة حساسية الموضوع، وقد رفض المتحدث باسم «سي آي إيه» غيميغليانو التعليق على طبيعة البرنامج.

وقد زاد وجود البرنامج، وحقيقة أنه أخفي سرا عن المشرعين لمدة ثمانية أعوام تقريبا بتوجيهات من نائب الرئيس السابق ديك تشيني، من حالة الغضب في واشنطن تجاه برامج إدارة بوش الاستخباراتية.

ويقول مسؤولون حاليون وسابقون في الاستخبارات الأميركية إنه بإنهاء البرنامج قد يكون بانيتا قلقا من حقيقة إخفاء المبادرة عن الكونغرس أكثر من اهتمامه بمزايا البرنامج.

وصرح مسؤول استخباراتي أميركي بأن بانيتا لم يستبعد إحياء جهود لتطوير قدرة مشابهة ذات مجال قريب بالتعاون الوثيق مع المشرعين. وقال المسؤول الاستخباراتي: «إذا احتاجت الولايات المتحدة شيئا مثل ذلك في المستقبل فسنجد وسيلة أفضل للحصول عليه. ويشمل ذلك إطلاع الكونغرس عليه مبكرا. ويتفهم بانيتا كل ذلك. إنه مؤيد قوي لمكافحة الإرهاب، واستخدام الوسائل والتكتيكات الفعالة التي تحظى بالتأييد لاستمرارها، ولكن هذا البرنامج لم يكن كذلك».

وصرح مشرعون ديمقراطيون بارزون بأنه من غير القانوني لـ«سي آي إيه» عدم الكشف عن البرنامج للجنتي الاستخبارات في الكونغرس، ودعوا إلى إجراء تحقيق. وقال السيناتور راسل فينغولد (الديمقراطي عن ولاية ويسكونسن)، عضو لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، يوم الاثنين: «يجب محاسبة الأفراد الذين أمروا بعدم إطلاع الكونغرس على الأمر». وقال أيضا إنه قد أعرب عن قلقه العميق «من البرنامج ذاته» في خطاب سري أرسل به إلى الرئيس أوباما.

وقالت السيناتور ديان فينستين (الديمقراطية عن ولاية كاليفورنيا)، ورئيسة لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، إن نائب الرئيس السابق انتهك القانون بإصدار أوامره إلى الـ«سي آي إيه» بإبقاء البرنامج سريا.

ولكن يقول مسؤولون حاليون وسابقون في الاستخبارات الأميركية إنه تم تحريف دور تشيني، وإن الوكالة لم تكن مجبرة على الكشف عن البرنامج لأنه لم يوشك على التنفيذ مطلقا. وقال المسؤولون السابقون إن تشيني لم يكن مطلقا مشتركا في إدارة البرنامج، وإن تعليماته بعدم إطلاع الكونغرس عليه جاءت بعد اقتراح المبادرة مباشرة.

وقال أحد المسؤولين السابقين: «كان الأمر أقرب إلى أن يكون: قبل أن تذهب وتبدأ في الحديث عن ذلك انظر أولا إذا كان من الممكن تحقيقه».

وتم منح سلطات قانونية لإقامة البرنامج في مذكرة شاملة وقع عليها الرئيس بوش بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول) بأيام، وهي عبارة عن وثيقة مكونة من 10 صفحات تمنح الوكالة السلطات اللازمة لتعقب أهداف من تنظيم القاعدة بقوة مميتة. وقد حظر قرار صدر عام 1976 وقعه الرئيس فورد على «سي آي إيه» القيام بعمليات اغتيال، ولكن لا يسري المنع على قتل الأعداء في الحرب. وكان بانيتا قد أمر بوقف البرنامج فور معرفته به في الشهر الماضي، وطلب عقد اجتماعات طارئة مع لجنتي الاستخبارات في مجلسي النواب والشيوخ في اليوم التالي لإطلاعهما على الأمر. ودافع مسؤول في الاستخبارات عن قرار بانيتا لحل البرنامج، قائلا إن البرنامج «لم يصل إلى صورة نهائية مطلقا»، وإنه «تعطل مرارا على مدار الأعوام بسبب مخاوف من جدواه. لذا لم يتكلف إيقافه شيئا فعليا من الناحية التنفيذية».

وقد أطلق البرنامج في الوقت الذي كان فيه مدير الاستخبارات في ذلك الوقت جورج تينيت ومسؤولون آخرون في الوكالة يحاولون الوصول إلى ما يمكن الوكالة فعله إذا تمكنت من معرفة موقع أسامة بن لادن أو أعضاء بارزين آخرين في «القاعدة». وسريعا ما وافق مسؤولو «سي آي إيه» على فكرة تكوين فرق شبه عسكرية صغيرة يمكنها القيام بهجمات «دقيقة» على أهداف شديدة الأهمية، ولكن تعثر البرنامج عدة مرات بسبب مسائل تنفيذية ولوجيستية. وتناول مسؤول آخر سابق في الاستخبارات كان على علم بالبرنامج المناقشات الداخلية حول ما إذا كان من الواجب تكوين الفرق من قسم العمليات الخاصة في «سي آي إيه»، القسم شبه العسكري القديم، أو تكوينها بالتعاون مع قوات العمليات الخاصة في الجيش الأميركي. وكان الجيش يعاني من خلل بعد 11 سبتمبر (أيلول) بسبب ميله إلى وضع خطط تفصيلية وتشكيل قوات كبيرة حتى من أجل العمليات صغيرة النطاق، وهو العامل الذي أدى إلى عدم الاستفادة من فرص القبض على بن لادن أو قتله قبل عام 2001. وقال المسؤول السابق في الاستخبارات إن البرنامج كان مصمما لتقديم خيار بعيد عن القنابل الموجهة أو الغارات التي تقوم بها طائرات بريداتور. وقد اقتصر تركيز المبادرة على كبار قادة «القاعدة»، كما قال المسؤول، نافيا أية إشارات على أن الهدف كان جمع فرق من القتلة الذين يطوفون العالم بحثا عن أهداف إرهابية أقل أهمية.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»