قمة عدم الانحياز: مبارك يدافع عن مستقبل الحركة بعد انتهاء نظام «ثنائي القطبية»

قادة 118 دولة يدعون إلى نظام عالمي «أكثر عدلا».. وتأجيل مقترح ليبيي بإنشاء مجلس أمن.. والقذافي يدافع عن بن لادن

الرئيس المصري وحديث جانبي مع الأمين العام للأمم المتحدة خلال قمة عدم الانحياز في شرم الشيخ أمس (أ. ب)
TT

بعد ساعة ونصف استغرقتها الجلسة الافتتاحية لمؤتمر قمة دول عدم الانحياز، تحدث فيها 9 من زعماء العالم، الذين اجتمعوا بعدها على مأدبة غداء أقامها الرئيس المصري حسني مبارك، لقادة وزعماء وممثلي 118 دولة شاركت في تلك القمة، إضافة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، لكن في غياب الرئيسين الإيراني محمود أحمدي نجاد والسوري بشار الأسد. واندرجت الوفود بعد ظهر أمس في اجتماعات مغلقة، من المقرر أن تنتهي تلك الاجتماعات بجلسة ختامية اليوم يصدر في ختامها «إعلان شرم الشيخ». وهيمنت قضايا السلم والحرب في العالم على القمة، بدءا من القضية الفلسطينية، والنزاع الإسرائيلي الفلسطيني باعتباره واحدا من أقدم النزاعات في العالم، انتهاء بالنزاعات الإفريقية، والعلاقات المتوترة بين بعض الدول والمنظمات الدولية، خصوصا الأزمة القائمة بين المحكمة الجنائية الدولية والسودان، مرورا بالأزمة الهندية الباكستانية التي حظيت باهتمام أعضاء المؤتمر بالنظر إلى مشاركة الدولتين في هذا المحفل الهام. كما حازت الأزمة المالية العالمية وقضية التنمية الاقتصادية على حظ وافر من حديث القادة، مطالبين بنظام اقتصادي عالمي «أكثر عدلا».

وافتتح الرئيس المصري حسنى مبارك قمة عدم الانحياز بمنتجع شرم الشيخ المصري على البحر الأحمر، مستهلا كلمته بالحديث عما شهده العالم من تحولات وضعت نهاية لحقبة الحرب الباردة وانتقلت بالنظام الدولي إلى مرحلة مغايرة تقوم على الاعتماد المتبادل وتطرح العديد من المعطيات والتحديات الجديدة. وأشار مبارك إلى التساؤلات حول مستقبل الحركة بعد اختفاء النظام الدولي ثنائي القطبية، وكيف حققت المواءمة مع متغيراته وحافظت في الوقت ذاته على جوهر أهدافها وأسسها ومبادئها. وركز مبارك على الموضوع الرئيسي لهذه القمة وهو التضامن الدولي من أجل السلام والتنمية، وذكر بأن السلام والتنمية يظلان في قلب ما تسعى إليه الحركة من أهداف وغايات، وقال إن الطريق إليهما يقتضى تعزيز التضامن الدولي والتعاون البنّاء بين الشعوب كافة من أجل التغلب على ما يواجهه السلم والأمن الدوليان من تحديات وتهديدات ومخاطر وما تواجهه جهود التنمية من عقبات ومشكلات وصعاب. وحدد الرئيس مبارك المخاطر والتحديات التي تهدد السلم والأمن الدوليين، بدءا من مخاطر الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل وتراجع نظام منع الانتشار فضلا عن العديد من النزاعات المسلحة وقضايا طال انتظارها لحل عادل في مقدمتها القضية الفلسطينية وقضية السلام الشامل في الشرق الأوسط. ودعا الرئيس مبارك إلى نظام دولة سياسي واقتصادي وتجارى جديد أكثر عدلا وتوازنا ينأى عن الانتقائية وازدواج المعايير يحقق مصالح الجميع ويُرسي ديمقراطية التعامل بين الدول الغنية والفقيرة ويحقق التمثيل المتوازن للعالم النامي بأجهزة المنظمات الدولية ومؤسسات التمويل القائمة وآليات صنع القرار الاقتصادي العالمي والتجمعات الرئيسية مثل «مجموعة الدول الثماني الصناعية ومجموعة العشرين».

من جانبه تعهد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بالعمل مع دول حركة عدم الانحياز لمعالجة القضايا الحساسة التي تناولتها قمة الحركة، وأشار إلى دور الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في تكوين هذه الحركة، وقال إن العالم يواجه أزمات معقدة تهدد التنمية وطالب بالعمل من أجل مواجهة التحديات. وخاطب بان كي مون أعضاء الحركة قائلا: «إنني أعوّل على التزامكم على نحو فعال لكفالة نجاح مؤتمر عام 2010، الذي يستعرض معاهدة عدم الانتشار النووي وقال: ما زال علينا أن نتصدى لتحديات هائلة إذا أردنا أن نحقق رؤية العالم الخالي من الأسلحة النووية». وأعلن مون بأنه بصدد الدعوة لعقد مؤتمر قمة في عام 2010 بشأن الأهداف الإنمائية للألفية، مؤكدا أنه سيظل يحث البلدان المتقدمة النمو على مد يد المساعدة إلى الدول الفقيرة.

وتحدث الرئيس الكوبي راؤول كاسترو، الرئيس السابق للحركة قبل أن يسلم الرئاسة للرئيس حسني مبارك، عن أهمية حركة عدم الانحياز في معالجة القضايا الراهنة وبخاصة الأزمة المالية العالمية، داعيا إلى نظام هيكلي جديد للاقتصاد الدولي يساعد على التنمية المستدامة، ودعا إلى التحول الديمقراطي في العلاقات الدولية. كما ركز الرئيس عمر البشير الذي تحدث باسم مجموعة الـ77 والصين على الأزمة المالية العالمية وتداعياتها وضرورة إقامة نظام دولي عادل ومنصف من أجل التنمية. واستعرض أهمية الدور الذي يجب أن تقوم به الأمم المتحدة في إصلاح النظام المالي الدولي وقدرتها في مجال التنمية طبقا لأهداف ومقاصد الأمم المتحدة وميثاقها لمواجهة التحديات العالمية الراهنة. وقدم الرئيس حسنى مبارك، الزعيمَ الليبي معمر القذافي باسم «ملك ملوك إفريقيا»، الذي ألقى كلمة انتقد خلالها كل الأوضاع الدولية المنفلتة، وقد بدأ كلمته بالحديث عن الظروف التي تأسست خلالها الحركة وعقدة مقارنة بين عالم اليوم والأمس والظلم الكبير الواقع على عاتق شعوب الدول النامية، وعليه اقترح جملة من المقترحات جاء في مقدمتها إنشاء مجلس أمن وسلم للحركة، ومحكمة جنائية، قائلا إن «الرئيس البشير الذي كان يلقي كلمته من قبلي مطلوب من قِبل المحكمة الجنائية.. الأمر الذي يدعونا في الحركة لإنشاء محكمة خاصة بدول عدم الانحياز».

وكشف عن تأجيل وزراء خارجية دول عدم الانحياز، النظر في مقترح ليبيي بإنشاء مجلس للسلم والأمن، وقال: «إن وزراء الخارجية اختلفوا حوله وحولوه إلى القمة»، وأضاف: «إنه مهم، ومن الضروري أن يقر به قادة الحركة».

وركز الزعيم الليبي على قضية إصلاح الأمم المتحدة ومجلس الأمن قائلا: «نحن في حركة عدم الانحياز يبلغ عددنا 118، دولة ولا نملك صوتا واحدا في مجلس الأمن»، وأشار إلى أن الجمعية العامة بلا صلاحيات، في حين يتمتع مجلس الأمن بكل الصلاحيات. واعتبر أن «مجلس الأمن أصبح أداة لدولة واحدة وليس دوليا وبالتالي تضررنا كل الضرر منه وأصبح سيفا مصلتا على رقابنا. مجلس الأمن ضدنا نحن فقط». ودعا الزعيم الليبي الدول الأعضاء في هذه الحركة إلى التمرد على النظام الدولي الراهن.

كما دعا إلى إنشاء محكمة جنائية لدول حركة عدم الانحياز بديلا عن المحكمة الجنائية الدولية التي اعتبر أنها تتبنى معايير مزدوجة فتطالب بمحاكمة الرئيس السوداني عمر البشير «ولا تحاكم من قتل مليون شخص في العراق ولا من يقومون بإعدام أسرى الحرب» في إشارة إلى الاحتلال الأميركي للعراق وإلى التقارير حول قيام الجيش الإسرائيلي بإعدام أسرى حرب مصريين إبان الحروب العربية الإسرائيلية. وطالب بمقعد دائم لإفريقيا في مجلس الأمن من أجل خدمة السلام الدولي وأن يحق لنا استخدام حق النقد «الفيتو».

ولاحظ المشاركون في المؤتمر أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يدون ملاحظاته على خطاب القذافي. وطالب الزعيم الليبي بمكافحة الإرهاب والمخدرات والاتفاق على تعريف الإرهاب، وتساءل: «هل الإرهابي هو من يملك قنبلة يدوية؟ ومن يملك القنبلة الذرية ليس إرهابيا؟»، ثم استطرد قائلا: «الحزام الناسف إرهاب والفصل السابع إرهاب ومجلس الأمن إرهاب، ونحن نعيش الآن في ظل كل هذا الإرهاب». ثم قال إن «ابن لادن لم يولد إرهابيا وإنما وجد إرهابا ورد عليه بطريقته». وأضاف أن «كل أموال الإرهابيين السرية موجودة في بنوك سويسرا». وقال: «إنهم يتركون كل أنواع الإرهاب الأخرى ويمسكون في (أسامة) بن لادن، وهو إرهابي، ولكن من صنعه وكيف خلقت هذه الظاهرة؟». وطالب بتجفيف منابع الإرهاب، مؤكدا أن زعيم القاعدة والرجل الثاني فيها أيمن الظواهري «لديهما حسابات سرية في بنوك سويسرا» ولا أحد يقترب من هذا الأمر.

ودعا القذافي دول عدم الانحياز إلى إنهاء وجود القواعد الأجنبية في أراضيها وإغلاق هذه القواعد لأنها تؤثر على السلم والأمن الدولي وتشكل خطرا على شعوب دول الحركة. وفي أثناء حديث القذافي عن القواعد الأجنبية تحولت الكاميرات داخل القاعة لتسليط أضوائها على رئيس الوفد القطري في القمة. وانتقل الزعيم الليبي إلى الحديث عن وكالة الطاقة الذرية ووصفها بأنها «وكالة خطيرة»، وقال: «هناك خطان (الأحمر والأخضر)، للطاقة الذرية.. ونحن في ليبيا لسنا مع الخط الأحمر الذي تخلصت منه ليبيا بعد أن أوشكت على صناعة قنبلة ذرية، حيث وجدنا أن مخاطرها سوف تؤثر علينا أولا»، وتابع قائلا: «من المفترض أن نشجع إيران في الخط الأخضر، ولا نوافق على تصنيع الأسلحة الذرية».

وأكد القذافي تأييده «لحق» إيران في تخصيب اليورانيوم لاستخدامه في الأغراض السلمية. وقال: «قامت القيامة بسبب تخصيب إيران لليورانيوم، وهذا موقف خاطئ»، معتبرا أنه إذا كان التخصيب لخدمة التنمية «فيجب أن نصفق له ونشجعه». ولكنه أشار في الوقت ذاته إلى رفضه إنتاج الأسلحة الذرية.

وستصدر عن القمة اليوم وثيقة أطلق عليها «إعلان شرم الشيخ» تتضمن «تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية التي يمر بها العالم وكيفية تجاوز آثارها»، حسب مصادر رسمية مصرية. غير أن الأنظار تتجه أساسا خلال هذه القمة إلى اللقاء المتوقع عقده اليوم بين رئيسي الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني والهندي مانموهان سينغ لإحياء محادثات السلام بين القوتين النوويتين الجارتين في جنوب آسيا. وشهدت العلاقات بين الدولتين الجارتين تدهورا كبيرا إثر اعتداءات بومباي التي أوقعت 174 قتيلا بينهم تسعة من المهاجمين العشرة في نوفمبر تشرين الثاني 2008 ونسبتها نيودلهي إلى مجموعة مسلحة باكستانية تحركت بتواطؤ أجهزة الاستخبارات العسكرية في إسلام آباد. والآباء المؤسسون لحركة عدم الانحياز كانوا الرئيس اليوغوسلافي الراحل جوسيب بروز تيتو ورئيس الوزراء الهندي الراحل جواهر لال نهرو والرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر والرئيس الإندونيسي الراحل أحمد سوكارنو والرئيس الغاني الراحل كوامي نيكروما.