خلافات مائية تنذر بحرب عشائرية لا تحمد عقباها في جنوب العراق

البصرة تروي ظمأها بماء مستورد من دول الخليج العربية

عراقية تجلس وسط أرض قاحلة بسبب شح مياه الفرات جنوب العراق (أ.ب)
TT

تلوح في الأفق بوادر حرب جديدة في العراق.. هذه المرة على المياه. فقد هددت محافظة المثنى، التي مركزها السماوة، وعشائرها بقطع جميع الإمدادات التي تمر عبر أراضيها إلى المحافظات المجاورة مما قد يفجر قتالا عشائريا لا تحمد عقباه. وتفاديا لهذا السيناريو، قال محافظ المثنى إنه سيطلب تدخل الحكومة المركزية. وأضاف عبد العالي الميالي أن «المادة 14 في الدستور العراقي تنص على توزيع المياه بين مناطق العراق بالتساوي وعدم التجاوز عليها، وقد خصصت وزارة الموارد المائية 10% من إطلاقات سدة الهندية إلى محافظة السماوة، لكن ما يصلنا هو مقدار ضئيل من الحصة بسبب التجاوزات من قبل محافظة الديوانية التي تمر فيها الحصة». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «نهر التعزيز استخدم لرفد نهر شط السماوة منذ زمن النظام السابق، لكن للأسف هنالك تجاوزات كبيرة عليه من قبل مزارعي الديوانية»، مؤكدا: «إننا لم نشاهد إجراءات حقيقية من قبل محافظة الديوانية بحق المتجاوزين على حصتنا المائية، وفي الوقت نفسه، نحن نعاني من أزمة مائية كبيرة قد تدخلنا في متاهات مع المواطنين في السماوة». وهدد الميالي: «عند عدم اتخاذ إجراءات حقيقية على المتجاوزين على حصتنا المائية، فسوف نلجأ إلى المحكمة الاتحادية لحل هذه القضية».

من جانبه، قال رئيس اللجنة الأمنية في مجلس المحافظة، فريق فوين إن «السماوة تعاني حاليا من شحة قاتلة في المياه أدت إلى إيقاف مشروعات مياه الشرب، وذلك يعود السبب فيه إلى التجاوزات على حصصنا المائية». وأضاف: «إذا كانت نية الحكومة السكوت عن القضية أو أن يوعز الوزير الفلاني باستمرار فتح نهر الدغارة في الديوانية والتجاوز على حصة السماوة المائية، فنحن لدينا الاستعداد لمنع وصول الأسمنت أو الوقود أو الشاحنات المحملة بجميع المواد إلى الديوانية»، مشير إلى أن «العشائر التي تعيش حاليا حالة مأساوية قد تضطر إلى قطع الطرق المؤدية إلى محافظة الديوانية وهم يقولون (قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق)». وحول ما إذا بقيت الأزمة على حالها فهل ستؤدي إلى نشوب قتال بين العشائر، قال فوين إن «الكثير من الجماعات الخبيثة تتربص وقد تدخل ما بين العشائر وتؤدي إلى قتال قد لا يمكن إيقافه».

إلى ذلك، قال محافظ الديوانية إن «هنالك حكومة مركزية هي مرجعنا وسوف تقوم بحل القضية، ومحافظة الديوانية تسمح بمرور الحصة المائية إلى مدينة السماوة وفق النسب المقرر لها، حيث كانت النسبة 10% وارتفعت إلى 13%». وأضاف سالم حسين علوان أن «قوة أمنية قد خرجت لرفع جميع التجاوزات على الحصة المائية المقررة لمحافظة السماوة». وحول تصريحات رئيس اللجنة الأمنية في محافظة المثنى، قال: «سوف نلجأ إلى القانون في هذه القضية المرتبطة بدولة تركيا ووزارة الموارد المائية العراقية وهذه التصريحات لا أعتقد أنها قانونية». الخبير في شؤون المياه وأستاذ الجغرافيا السياسية في جامعة القادسية الدكتور عبد الرضا الديواني، قال إن «مشكلة المياه لا نستغرب أن تبدأ مشاكلها بأبعادها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «مشكلة المياه لها تداعيات كبيرة، وسوف تنتقل إلى الناس البسطاء، أما دور الدولة، فهو ضعيف، ولا بد أن تخصص قسما من الموازنة المالية إلى المناطق التي تتضرر من الجفاف»، محذرا «من مغبة الجفاف وما سيحدث بين المناطق العراقية من صراعات، وقد تصل إلى القتال». وبموازاة هذه المشكلات، إلى الشمال منها تجد البصرة نفسها مخزنا لقناني الماء المستوردة من دول الخليج. ويقول يقظان محمد (صاحب مخزن للمواد الغذائية) لـ«الشرق الأوسط» إنه لم يجد جوابا لاستفهامات زبائنه عندما يلبي طلباتهم باقتناء عدد من قناني المياه الصافية وهي مستوردة من دول الخليج العربية وفي مقدمتها الكويت. ويضيف: «تنشط في المدينة خلال فصل الصيف المرتفع الحرارة حركة تزايد الطلب على المياه الصافية، لذا يسعى التجار إلى إيجاد منافذ لها لسد حاجة السوق المحلية منها»، معربا عن استغرابه من قدرة الأشقاء الخليجيين، ليس بسد حاجة مواطنيهم من صناعة هذه المياه الصافية من مياه البحر بعد تحليتها بإزالة كميات الأملاح منها فحسب، بل تصديرها إلى الخارج، في حين تعد مدينة البصرة من أثرى مدن العالم بها، إذ يلتقي عند مدينة القرنة (70 كلم شمال مركز المحافظة) نهرا دجلة والفرات ليكونا شط العرب.

وترتصف شاحنات طويلة معبأة بصناديق كارتونية مملوءة بعلب قناني المياه المستوردة أمام مخازن الموردين من تجار الجملة في منطقة العشار وسط المدينة قادمة عن طريق منفذ صفوان الحدودي من دولة الكويت. عمال منهمكون بتفريغها، ومأمورو المخازن يحصون أعدادها وأحجامها، وإن اختلفت أسماؤها التجارية التي توحي بالعذوبة والارتواء والعافية، لكنها تشترك بكونها مياه نقية ومعالجة بالأوزون وصالحة للاستخدام لمدة عام من تاريخ صناعتها المثبت على كل قنينة.

وتخلو دوائر وزارة التجارة والجمارك من إحصاءات كميات المياه الداخلة إلى البصرة من الجنوب، حيث الطريق البري الذي تسلكه شاحنات نقل السلع والبضائع والمواد الغذائية ومنها الماء، قادمة من دولة الكويت، كما لم يكن لديها هي وغرفة التجارة أرقاما وأسماء مكاتب لتوريد الماء، وأكدت أنها تأتي كجزء من مستوردات المواد الغذائية. وأوضح أبو علاء (مستورد) أن «معظم المستوردين لقناني المياه يتعاملون مع الشركات الكويتية، وبعضهم مع شركات سعودية، لكونها قريبة من البصرة، بأسعار مقبولة، وعليها طلبات أكثر من غيرها، معللا ذلك بأنها باتت مقبولة عند أهل المدينة حين تذوقوها عندما كانت توزع مجانا من قبل منظمات إنسانية خلال الأيام الأولى من الاحتلال».