خبراء يتوقعون حلا وسطا.. واحتمالات الحرب بعد الخريف

قبل صدور قرار التحكيم في لاهاي اليوم: ثم ماذا بعد أبيي؟

TT

«ثم ماذا بعد قرار محكمة التحكيم الدولية في لاهاي اليوم بشأن النزاع السوداني حول منطقة أبيي الغنية بالنفط؟»، هذا هو السؤال المطروح بقوة في العاصمة السودانية الخرطوم، وتسود حالة من الشد والترقب القصوى في سياق تحريات أطراف الصراع حيال احتمالات الأوضاع بعد صدور القرار، الذي هو، حسب المراقبين في الخرطوم لا يخرج عن 3 توقعات هي: أن تصبح أبيي شمالية، أو أبيي جنوبية، أو لجوء المحكمة إلى حل وسط تسعى من خلاله إلى إرضاء الطرفين.

وتتباين توقعات ومواقف الأطراف المعنية بصراع أبيي حيال القرار. ويتوقع مسؤولون من الأطراف المعنية بأن يرفض طرف من الأطراف قرار المحكمة، ويجنح إلى التصعيد لانتزاع حقوقه، ولكن كل الأطراف تجمع على أن الوقت لا يسمح بنشوب حرب بين الأطراف في حال وقوع التصعيد، لأن فصل الخريف يعوق أي عمل عسكري في المنطقة، التي تشتهر بالغابات الكثيفة ومراقد المياه الكثيرة والأراضي الطينية المعيقة لحركة الآليات الحربية في مثل هذا الوقت. ويتخوف سكان أبيي على وجه التحديد من تكرار تعرض مدينتهم إلى الحرب من جديد على شاكلة حرب دارت فيها في مايو (أيار) عام 2008، أحرقت المدينة، لدرجة أنها وصفت بمدينة الأشباح. ويتبارى المسؤولون في حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية في إبراز مواقفهم حيال القرار، ويرون أنه ملزم بالنسبة لهم في حال أبيي أصبحت شمالية أو جنوبية، وقال مسؤول في حزب المؤتمر الوطني لـ«الشرق الأوسط» إن حزبه ظل يعمل منذ أيام لتهيئة الأوضاع للقرار المرتقب، وأضاف: «قمنا بتنوير أبناء المنطقة من قبيلتي المسيرية، وهي عربية وترى أن أبيي شمالية تقع في «دار المسيرية»، و«دينكا نقوك» الأفريقية الجنوبية، وتقول إن أبيي جنوبية، الغرض منها جعل الطرفين يعملان من أجل إبقاء المنطقة في سلام بعد صدور القرار، بغض النظر عن قبول أي طرف للقرار أو رفضه»، وحسب المسؤول فإن حزبه قبل بالتحكيم منذ البدء وعليه سيقبل بالقرار.

ويذكر أنه على المحكمة أن تجيب اليوم عن سؤالين: هل خبراء أبيي المكلفون بتحديد حدود 9 عموديات تدعي دينكا نقوك بأنها حولت إداريا من إقليم «بحر الغزال» جنوبي إلى إقليم «كردفان» شمالي في عام 1905، هل تجاوزوا اختصاصهم أم لا، حيث يرى حزب المؤتمر الوطني بأنهم تجاوزوا اختصاصاتهم فيما تقول الحركة الشعبية إنهم التزموا بالاختصاص الممنوح لهم. والسؤال الثاني هو تحديد حدود منطقة أبيي المتنازع عليها. فيما قلل قيادي من قبيلة دينكا نقوك تحدث لـ«الشرق الأوسط» من احتمال قيام أبناء قبيلته بتصعيد الأمور على المستوى المحلي في حال صارت أبيي شمالية، وعلى الغرار قال الدكتور كارلو أياويل، وهو أستاذ في عدد من الجامعات السودانية ورئيس اللجنة العليا لمجمع أبيي، كما أنه من أبناء أبيي، وينتمي إلى قبلية دينكا نقوك، قال لـ«الشرق الأوسط»: إنه يتوقع أن يصدر القرار لصالح دينكا نقوك والحركة الشعبية، كما توقع عدم حدوث أي مواجهات بعد صدور القرار مباشرة بسبب ظروف الخريف التي تقلل من القدرة على الحركة هناك، وبسبب الإجراءات التي اتخذها الطرفان للتهدئة في المنطقة وكذلك الأمم المتحدة، وبسبب عدم معرفة الناس لفحوى القرار الذي سيصدر، وقال إنه «بطيخة مقفولة حتى الآن». وأضاف: «إذا حدثت مواجهات سيكون طرفاها الحكومة والحركة، بينما نحن سكان المنطقة لا مصلحة لنا في القتال وكل تفكيرنا ينحصر في خلق مستقبل واعد لأبناء أبيي، وحسب رأيه فإن قبيلة الدينكا ستلتزم بالقرار».

وتوقع الدكتور الطيب زين العابدين أحد الخبراء في شأن أبيي في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن يكون القرار بمثابة حل وسط يرضي هذا الطرف وذاك، حسب تعبيره، كما توقع زين العابدين أن «يكون حدود أبيي شمال مدينة أبيي، أي شمال بحر العرب بعشرات الكيلومترات، وذلك لتحقيق الوسطية في الحل». وحسب الخبير زين العابدين فإن كلا من الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني سيقبلان بالقرار، وتوقع أن تحدث توترات من شباب المسيرية في حال صدور القرار، وقال في تقديري إن القرار سيكون مصحوبا بحزم لتحقيق التنمية والإعمار في أبيي، خاصة أن لكل من سكان المنطقة نصيبا في عائدات النفط وهي مجمدة منذ عام 2005.

غير أن الدكتور حسين قوني أحد الخبراء في منطقة أبيي، وهو من أبناء قبيلة المسيرية، يرى أن قبيلة المسيرية لن تقبل بأن تكون أبيي جنوبية خاصة في ظل الحديث عن احتمال تحول السودان إلى دولتين: شمال وجنوب، ويشدد على أن «العرب البقارة يستحيل أن يقبلوا بأن يكونوا بلا مصادر مياه في فصل الصيف، والمصدر الأساسي بالنسبة لهم هو بحر العرب، وهو نهر مائي يشق أبيي شمالا وجنوبا. ويستدرك قوني «لا مانع لديهم بأن تكون حدود أبيي جنوب بحر العرب أما شماله فهو بالنسبة لهم أشبه بالحكم بالموت للقبيلة وماشيتها». ولكنه مع ذلك توقع أن تضع المحكمة الحدود شمال بحر العرب بـ«مسافة»، وحسب رأيه فإن هذا لو تم فإنه يكون بإيعاز من جهات كثيرة، لم يسمها، ترى في ذلك إرضاء للطرفين: المسيرية ودينكا نقوك. ويرى قوني أنه في حال رفض المسيرية للقرار، يتوقع أن تتصاعد الأمور إلى الحرب، ولكن ليس الآن لأن فصل الخريف يشكل عائقا طبيعيا لمثل تلك الخطوات. غير أنه يتوقع أن يتواصل الرفض على مستوى المنابر المحلية. ويحذر قوني أن حرب أبيي إذا ما اندلعت فهي «حرب السودان الشاملة»، حسب توصيفه. ويتوقع المحامي نبيل أديب أن يلتزم الطرفان، المؤتمر الوطني والحركة الشعبية طوعا بتنفيذ قرار المحكمة المرتقب بواسطة مؤسسة الرئاسة وفق اتفاق بينهما، ويرى في حال رفض طرف من الطرفين القرار لأنه جاء ضده، فإن المكان الذي سيلجأ إليه هو المحكمة الدستورية السودانية، وأعرب عن أمله في أن يقبل المواطنون «يقصد المسيرية ودينكا نقوك» بالقرار حتى لو لم يأت على النحو الذي يريدونه. ولكن قانونيا آخر طلب عدم ذكر اسمه قال لـ«الشرق الأوسط «يرى أن القرار سيواجه بالرفض من قبل الطرفين، باعتبار أن طبيعة الخلاف فيه جوانب محلية قبلية، وأن الموضوع ليس كله في يد الشريكين، ويرى أن المسيرية قد يجرون حزب المؤتمر الموطني إلى خانة الرفض إذا لم يكن القرار في صالحها، والعكس يحدث بين دينكا نقوك والحركة الشعبية. وشبه الصراع حول أبيي بالصراع بين إثيوبيا وأريتريا حول منطقة «بادمبي» على الحدود بين الدولتين. ويرى أن قضية «بادمبي» بتعقيداتها جرت البلدين إلى حرب طاحنة في عام 1999، وبعد التحكيم ظلت عالقة في الهواء، على حد تعبيره. وعلى النسق يشبه البخيت النعيم القيادي في حزب البعث العربي القيادة القطرية السودان، يشبه قضية أبيي بالوضع في منطقة «كركوك» العراقية من حيث كثافة الثروات، والوضعية الإثنية الخاصة والحساسة، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن مثل هذه القضايا تعقدها دائما المصالح الأجنبية، التي ترغب في أن يكون لها نصيب في الثروات.

وكثيرون يرون أن التوقعات بشأن فحوى القرار أمر صعب، وبينهم الدكتور محمد عثمان السماني الأستاذ في جامعة الخرطوم والخبير في شؤون جنوب السودان، حيث قال لـ«الشرق الأوسط» «التوقعات باتت صعبة بالنسبة لي الآن»، وأضاف: «كنت في السابق أتوقع أن يكون القرار لصالح المؤتمر الوطني، ولكن الآن أرى أن الأمر سيكون في صالح الطرفين»، وأضاف قائلا «أتوقع طبخة ترضي الطرفين»، ولكن السماني يتوقع حدوث انفجار في المنطقة في حال عدم قبول أي طرف من الأطراف المحلية خاصة المسيرية ودينكا نقوك للقرار، ولكن يرى أن ذلك إذا حدث سيكون بعد الخريف.

بينما يقول الدكتور زكريا وياي الأستاذ الجامعي، وهو من أبناء جنوب السودان إن الانفجار بسبب القرار متوقع، لأن الأمر له جوانب محلية وأخرى مركزية معقدة حسب تعبيره، وأضاف «لو صدر القرار أيا كان شكله فإن الأمر يتطلب الحكمة»، وختم قوله: أتوقع الحكمة في كل الأحوال.