نجاد يعارض خامنئي.. و«خلية فكر» الباسيج تريد تشكيل حكومته

مصدر إيراني لـ «الشرق الأوسط»: خامنئي ونجاد يشعران بالمرارة والأزمة أثرت على علاقاتهما > موسوي: النخبة ستقاطع الحكومة الجديدة

أحمدي نجاد ومشائي يحضران حفل وداع أقيم على شرف مشائي في منظمة السياحة والتراث الثقافي، حيث كان يشغل منصب رئيس المنظمة قبل تعيينه نائبا أول للرئيس (أ.ف.ب)
TT

في مظهر نادر لتحدي سلطات المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي، رفض الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد «طلبا مكتوبا» من خامنئي يدعوه فيه إلى «إقالة أو قبول استقالة» صهره ونائبه اسفنديار رحيم مشائي الذي عينه أحمدي نجاد مطلع الأسبوع في منصب النائب الأول للرئيس بعد 4 سنوات قضاها نائبا للرئيس لشؤون السياحة. ونشرت وكالة «فارس» للأنباء أمس أن خامنئي أرسل بنفسه خطابا إلى أحمدي نجاد يوم الاثنين الماضي يطالب فيه أحمدي نجاد بإقالة أو قبول استقالة مشائي فورا.

وقالت وكالة «فارس»: «قرار المرشد الأعلى بإقالة مشائي من منصب نائب الرئيس أرسل مكتوبا على أحمدي نجاد». إلا أن احمدي نجاد رد أمس قائلا في تصريحات نقلتها وكالة «إرنا» أنه يحتاج وقتا لتوضيح سبب تعيينه لمشائي في المنصب الحساس، مدافعا بشراسة عن صهره. وأوضح نجاد حسب ما نقلت «إرنا» في حفل أقيم أمس لتوديع مشائي من منصبه السابق: «هناك حاجة لمزيد من الوقت وفرصة أخرى للتوضيح بشكل كامل مشاعري وتقييمي للسيد مشائي». وأكد نجاد في تحد لخامنئي، الذي يعتبر الداعم الأساسي له الآن من بين النخبة السياسية الحاكمة، أنه يملك «ألف سبب» ليظهر عاطفة حيال مشائي. وقال عن نائبه الأول الجديد «إنه أشبه بنبع مياه نقية.. البعض يسألني لماذا أكن له كل هذه العاطفة؟ وأجيبهم: لألف سبب، أحدها أنه حين يجلس المرء ويتناقش معه فليست هناك مسافة، إنه أشبه بمرآة شفافة». وأضاف أنه «شرف كبير لي أن أكون عرفت مشائي، هذا الرجل الكبير». وشكر الرئيس الإيراني لمشائي عمله خلال الأعوام الأربعة الماضية على رأس منظمة السياحة، مؤكدا أنه «أنجز أمورا مهمة، وقد قبل اليوم بأن يكون جزءا من الحكومة». ومن المعروف أن ابنة مشائي متزوجة من نجل أحمدي نجاد. ومع أن المرشد الأعلى لإيران لديه سلطات مطلقة فإن مخالفة احمدي نجاد العلنية له تلقي الضوء على كيف أثرت أزمة الانتخابات على دوره وصورته وسلطاته حتى وسط المحافظين في إيران. ودستوريا لا يحق لخامنئي الاعتراض على الوزراء أو نواب الرئيس، إلا أنه من المعروف أنه تلقائيا له دور في تعيينات الحكومة، خصوصا في المناصب الحساسة. لكن على الرغم من ذلك إذا كانت هناك علاقة متوترة بين المرشد الأعلى والرئيس، فإن الرئيس يمكن أن يمرر تعيينات بمساعدة البرلمان لا يرضى عنها المرشد بشكل كامل، وأبرز دليل على ذلك أن خامنئي لم يكن راضيا عن بعض تعيينات الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي، مثل تعيين خاتمي للإصلاحي عبد الله نوري وزيرا للداخلية، إلا أن خاتمي بسبب دعم البرلمان له استطاع أن يمرر ذلك التعيين وتعيينات أخرى، وهو ما قد لا يتمكن أحمدي نجاد منه لأن البرلمان غير داعم له بالدرجة نفسها، وهى مفارقة مثيرة كون البرلمان الحالي غالبيته من المحافظين. وعلى الرغم من أن لأحمدي نجاد 12 نائبا فإن منصب النائب الأول هو الأكثر أهمية، إذ إن النائب الأول للرئيس يتولى مهام الرئيس في حالة موته أو إقالته أو استقالته أو الحكم بعدم صلاحيته. كما يترأس النائب الأول للرئيس اجتماعات الحكومة في حالة سفر الرئيس. وكان أحمدي نجاد قد قال في تصريحات ليل أول من أمس نقلتها وكالة «إرنا»: «السيد مشائي شخص نزيه وداعم للولي الفقيه. لماذا يستقيل؟.. السيد مشائي تم تعيينه في منصب نائب الرئيس، وسيظل في منصبه بالحكومة». وكان لافتا أن هذه التصريحات نقلتها وكالة «إرنا» التي يديرها مقرب من حكومة نجاد، فيما تجاهل التلفزيون الإيراني الرسمي تصريحات نجاد الداعمة لمشائي. ونقل موقع إلكتروني محافظ أن أوامر أعطيت للتلفزيون الرسمي الإيراني، الذي يشرف عليه خامنئي بنفسه، بعدم بث تصريحات نجاد حول مشائي. وكان لافتا أن مشائي قال بعد ذلك بساعات «أشكر الرئيس على ثقته»، فيما أجرت معه وكالة «إرنا» حوارا مطولا دافع فيه عن نفسه وعن تصريحاته بخصوص صداقة الإيرانيين مع الشعب الإسرائيلي التي قال إنها تأتي في إطار «الحرب النفسية على إسرائيل».

وكان علي أكبر جافانفخر المستشار الإعلامي لأحمدي نجاد قد قال أول من أمس إن الرئيس لن يغير رأيه بخصوص تعيين مشائي، موضحا: «اتخذ الرئيس قراره في إطار سلطاته القانونية.. التجربة أظهرت أن إثارة أزمة بلا أساس لن يؤثر على قرار الرئيس». إلا أن نائب رئيس البرلمان الإيراني محمد حسن أبو ترابي فرد، رد قائلا إنه ينبغي إقالة مشائي فورا، موضحا في تصريحات نقلتها وكالة «إسنا» الإيرانية للأنباء أول من أمس: «إقالة مشائي قرار من المؤسسة الحاكمة نفسها». وتابع: «التخلص من مشائي من المنصب المهم كنائب للرئيس قرار استراتيجي من المؤسسة الحاكمة. إقالة أو قبول استقالة مشائي ينبغي أن يعلن بدون أي تأخير». وأدت تصريحات أحمدي نجاد الداعمة أمس لمشائي إلى حالة من اللبس، وسط غموض حول ما إذا كان تمسك نجاد بنائبه وصهره يأتي في إطار «حفظ ماء الوجه» في الوقت الراهن على أن يقبل استقالته لاحقا، أم أنه مصر على إبقائه مخاطرا بصورة ومكانة المرشد الأعلى وعلاقته به. وكان لافتا أن وكالات الأنباء الإيرانية المختلفة، التي تنتمي كل وكالة منها إلى تيار معين في النظام، لعبت دورا في ذلك اللبس وعدم الوضوح. ففيما كانت وكالة «إرنا» التي يديرها مقرب من أحمدي نجاد هي الجهة التي نقلت كل تصريحات نجاد بخصوص إبقاء مشائي، كانت وكالة «فارس» المقربة من تيار في الحرس الثوري هي الجهة التي نقلت كل تصريحات المعارضين لتعيين مشائي والتي سربت نبأ رسالة خامنئي لنجاد بضرورة إقالة صهره. وقال مصدر إيراني مطلع قريب من الإصلاحيين لـ«الشرق الأوسط» إن علاقة خامنئي وأحمدي نجاد «على المحك منذ الأزمة» وإن «هناك شعورا بالمرارة لدى كل منهما بسبب الأضرار التي لحقت بهما مما يصعب العلاقات بينهما أكثر». وتابع المصدر الإيراني «خروج رسالة خامنئي للعلن يضع خامنئي وأحمدي نجاد في موقف صعب. فإذا اتضح أن أحمدي نجاد تحدى المرشد ومصر على تعيين مشائي ستكون هذه أكبر إهانة لخامنئي. وإذا اضطر أحمدي نجاد إلى المثول للرسالة وأقال مشائي منعا لتوتر علاقاته أكثر مع خامنئي ومع المحافظين، فإن هذا سيعني أنه يدفع ثمن ضعفه بعد الانتخابات».

وتابع المصدر الإيراني الذي لا يستطيع الكشف عن هويته بسبب حساسية الوضع في إيران: «رسالة خامنئي بمثابة فصل أو طرد لمشائي. ليس لها أي معنى آخر. لكن أحمدي نجاد لا يثق في أحد الآن. وهو يشعر بأنه محاصر ويريد حوله من لا يشك في ولائهم له. وأكثر من ذلك هو يشعر بأن بقاءه في المنصب مرتبط بوجود عدد من الأشخاص حوله، يعتمد على مشورتهم وعلى ما يمكن أن يقوموا به من أجله». وأثار تعيين مشائي استياء شديدا بين الإصلاحيين والمحافظين على حد السواء. وطالب نواب إصلاحيون ومحافظون في البرلمان أحمدي نجاد بإقالة مشائي بسبب عدم الأهلية، فيما أصدر أحد أهم آيات الله في إيران وهو آية الله مكارم شيرازي بيانا قال فيه إن «تعيين مشائي نائبا أول لأحمدي نجاد غير شرعي». وكان رئيس مجلسي تشخيص مصلحة النظام والخبراء علي أكبر هاشمي رفسنجاني قد التقى مكارم شيرازي في مدينة مشهد الإيرانية خلال اليومين الماضيين، حيث بحث معه الأزمة السياسية في إيران. وعلى الرغم من أن محافظين بارزين في إيران انتقدوا تعيين مشائي بشدة من بينهم آية الله أحمد خاتمي المؤيد لأحمدي نجاد وأحد خطباء صلاة الجمعة في جامع طهران، ومحمد نبي حبيبي سكرتير حزب «جمعية المؤتلفة الإسلامية»، ومحمد حسن أبو ترابي فرد نائب رئيس البرلمان الإيراني، فإنها المرة الأول التي يصدر فيها أحد آيات الله الكبار وهو مكارم شيرازي بيانا يصف فيه تعيين مشائي بأنه غير شرعي. وفيما يبحث أحمدي نجاد تشكيلة حكومة المقبلة والمتوقع أن يجري فيها 19 تعديلا وزاريا من بينهم وزراء الخارجية والمالية والاستخبارات، قال لطفالي بختياري مدير مركز الدراسات الاستراتيجية التابع لقوات الباسيج إن مركزه سيقدم للرئيس الإيراني نصائح ومقترحات حول تشكيل حكومته الجديدة. وأوضح بختياري في مقابلة في صحيفة «خبر» الإيرانية المتشددة: «مركزنا البحثي يعتزم أن يكون خلية فكر الحكومة الجديدة لأحمدي نجاد. نريد أن نقدم نخبتنا إلى الحكومة لخدمة البلاد». يذكر أن الكثير من مساعدي أحمدي نجاد من الباسيج والحرس الثوري. وكان المئات من قوات الباسيج بالملابس المدنية قد أغرقوا ميادين طهران أول من أمس لمنع أي تظاهرات لأنصار الإصلاحيين، إلا أن الآلاف من أنصار موسوي تظاهروا في ميدان «هفت تير» واعتقل العشرات منهم. كما شهدت مدينة «شيراز» أيضا تظاهرات للإصلاحيين. وفيما حذر زعيم المعارضة الإصلاحية مير حسين موسوي أمس من أن الحكومة الجديدة لاحمدي نجاد يمكن أن تؤدي إلى مشاكل داخلية وخارجية لإيران، قال مسؤول إيراني من الحركة الإصلاحية لـ«الشرق الأوسط» إن موسوي سيعلن خلال أيام قليلة جبهة المعارضة الإصلاحية الجديدة التي ستتشكل من أطياف التيار الإصلاحي. وكانت مصادر إصلاحية قد قالت لـ«الشرق الأوسط» إن الجبهة الجديدة سيشارك فيها محمد خاتمي ومهدي كروبي ومقربون من رفسنجاني من بينهم ابنه مهدي وشقيقه محمد هاشمي رفسنجاني. وألمح موسوي في تصريحاته أمس إلى تعرض حكومة أحمدي نجاد لمقاطعة جماعية، قائلا: تكنوقراط بارزون ومديرون وصناعيون لا يريدون العمل مع حكومته. وتابع: «نحن أمام حكومة لا تريد نخبة البلاد أن تعمل معها، وفي الجانب الآخر فإن الحكومة من ناحيتها لا تريد أن تستعين بهذه النخبة»، في إشارة إلى رفض الحكومة الإيرانية التعامل مع النخبة التي أيدت موسوي وكروبي خلال الأزمة الراهنة. وأوضح موسوي في كلمة إلى أكاديميين وأساتذة جامعة وصحافيين في طهران أمس نقلتها وكالة «إيلنا» العمالية: «هذا سوف يقود إلى ضعف كفاءة وشرعية الحكومة.. وهذا سيزيد مشاكلها الداخلية والخارجية». وتابع: «الطريقة الوحيدة للخروج من هذه الأزمة هي الاستماع إلى أصوات الإيرانيين ومصالحهم، وهو ما سيمهد الطريق أمام التحركات السياسية». وصعّد موسوي مجددا من هجومه على نتائج الانتخابات ووصفها أمس بأنها «تزوير مشين جلب العار» على إيران. وقال المصدر الإيراني المقرب من الإصلاحيين: «موسوي وخاتمي وكروبي ورفسنجاني وغيرهم يقومون بأدوار تتكامل. هذا ما اتفقوا عليه. رفسنجاني دعا للاستماع إلى أصوات الشعب يوم الجمعة. فخرج خاتمي يوم الأحد يدعو لاستفتاء شعبي على نتائج الانتخابات. ثم تحدث موسوي اليوم، أمس، عن الاستماع إلى أصوات الشعب مجددا وهو سيعلن تشكيل جبهته الجديدة خلال أيام، وسيكون هناك الكثير من الضغط من قبل الإصلاحيين خلال الفترة المقبلة. استراتيجية الإصلاحيين تقوم على الضغط التدريجي من قلب النظام. والآن وفيما كان يتوقع أحمدي نجاد أن الحركة الإصلاحية ستقبل بالأمر الواقع، وتصمت وتلجأ لمنازلها، فإن العكس هو الذي يحدث. هو يجد نفسه في موقع الدفاع بسبب تعيينه مشائي. ويجد نفسه في مواجهة مع الكثيرين حتى داخل المحافظين. بينما يتحرك الإصلاحيون بحرية أكبر ويشكلون له مشاكل عديدة». وكانت الحركة الإصلاحية في إيران قد أخذت دفعة كبيرة بعد خطبة الجمعة لهاشمي رفسنجاني.