كاتب باكستاني يكشف العالم المستتر للإقطاعيين وخدمهم

شخصيات معين الدين تتألف من مديري المزارع الفاسدين والخادمات اليائسات

TT

في حرارة وسط باكستان اللافحة يكتب أحد الروائيين، واصفا العالم الخفي لحياة الخدم وأسيادهم الإقطاعيين، والعجز الناجم عن الفقر والفساد الذي يغلف كل ذلك. تلك الحياة الكامنة في بساتين المانجو والإقطاعيات الكبرى والقرى الطينية من الريف الباكستاني نادرا ما يراها غير معايشيها، لكن الكاتب دانيال معين الدين، الكاتب الباكستاني ـ الأميركي، جلب هذه الحياة إلى بؤرة الضوء عبر مجموعة قصصية قصيرة تحت عنوان: «في الغرف الأخرى، آخرون يتعجبون» التي نشرت هذا العام.

تأتي القصص في هيئة لوحات أصيلة تثير بعضا من أكبر التساؤلات في باكستان اليوم منها: لماذا لا تزال الصفوة في باكستان تتحكم في غالبية الأراضي بعد أكثر من 60 عاما على تكون دولة باكستان؟ وإلى متى سيستمر مالكو الأراضي في التحكم في القانون وأرواح الفلاحين العاملين في مزارعهم بالطريقة ذاتها التي حكم بها البريطانيون البلاد من قبل؟

ويعرض معين الدين، الذي يبلغ من العمر 46 عاما، مشهدا عميق الملاحظة كتب برقة وحميمية صديق قديم. فالأرض التي يقيم فيها معين الدين في جنوب البنجاب، أكبر الأقاليم الباكستانية، تعود ملكيتها لوالده الذي شغل منصبا كبيرا في الحكومة الباكستانية، وقد اعتاد معين القدوم هنا منذ أن كان صبيا.

التقى والدا معين في الولايات المتحدة في الخمسينات، حيث كان والده يتفاوض لإبرام اتفاقية، فيما كانت والدته مراسلة لصحيفة «واشنطن بوست»، انتقلا بعدها إلى باكستان، لكن والدته لم تتمكن من التأقلم في باكستان، فأخذت ابنها وقفلت عائدة إلى الولايات المتحدة في وقت كان معين الدين فيه في سن الثالثة عشرة.

ظلت الذكريات المتعلقة بالأرض راسخة في ذهنه ليعود بعد انتهاء الدراسة الجامعية عام 1987 ككاتب طموح. ولدى عودته وجد نظام حقبة الاحتلال المتداعي غفل أصحابه ـ عائلته ـ عن الاكتراث بأمر إقطاعياتهم. كانت عائدات المزرعة آخذة في التضاؤل، وحدودها في التقلص، والمديرون يسرقون الأراضي ويزرعون محاصيلهم الخاصة. وقال معين الدين متحدثا عن إقطاعيته التي يعيش فيها الآن مع زوجته النرويغية: «كانت في قبضتهم عندما انتزعتها منهم».

شيئا فشيئا بدأ معين الدين يصبح جزءا من باكستان المتغيرة التي أراد أن يصورها في رواية.

كان مديرو تلك الإقطاعية نافذين لدى وصوله، وكان فصلهم من إدارة المزارع أمرا بالغ الحساسية. كان وحيدا لا جوال ولا إنترنت. كان ينام وحيدا، مسدسه إلى جواره ويخشى أن يسمم طعامه. فقال عن تلك الفترة: «بدا لي أنهم سيعمدون إلى قتلي». بدأ معين الدين بعد ذلك في جمع فريق من الأشخاص ممن يثق فيهم، سائق كان رفيق لعبه في الصغر، ومعلم القرآن في المسجد، حافظ ساهيب، الذي لم يكن يحظى بسلطة كبيرة في القرية، لكنه كان أمينا. ورويدا رويدا، استصلح المزرعة التي ازدهرت بزراعة المانجو وقصب السكر والقطن.

تركيبة معين الدين أميركية أكثر منها باكستانية. وهو يتحدث الأوردية، اللغة الرسمية في باكستان، لكن حماسته القوية جعلته ينفض غبار الكسل في هذه الأرض الواهنة الشديدة الحرارة حيث يوجد الأثرياء البدينون. شخصيات معين الدين محلية ومقنعة بشكل كبير: مديرو المزارع الفاسدين، وأبناء أصحاب الأراضي الأثرياء المدللون المتواطئون، والخادمات اليائسات من أحوالهن المعيشية.

استعرضت القصص ديناميكية القوة بين الخدم وسادتهم، وفي إحدى القصص تصبح الخادمة الماكرة، حسنة، عشيقة صاحب الأرض العجوز، السيد هاروني، ذلك السيد الذي يأتي ذكره في عدد من القصص، والذي ينتمي إلى نفس الطبقة والجيل الذي ينتمي إليه والد معين الدين، وشيئا فشيئا تبدأ حالتها المعيشية في التحسن عبر علاقتها به، ثم تنتقل إلى مكانة أفضل ويصير لها خدمها، لكنها طردت شر طردة عندما مات سيدها. ويعرض المشهد الأخير صورة حول عدم استقرار مصير الخدم، فعندما واجهت بنات الرجل اللائي طردنها قالت حسنة: «إنكم أناس مهمون، وأنا لا شيء، وكذلك عائلتي، لذا لا أملك سوى الإذعان». على الرغم من أن معين صاحب إقطاعية هو الآخر، فإنه لا يحب أن ينظر بهذه الطريقة. فقد كون جده الأكبر ثروة العائلة في القرن الـ18 عندما كان حاكم كشمير، المنطقة المتنازع عليها بين الهند وباكستان. وقال: «إنني لست إقطاعيا، وآمل ألا أكون أتصرف بهذه الصورة».

وأشار إلى أنه مدير مزرعة ازدهر عمله لأنه يعامل الفلاحين بصورة عادلة، فهو يدفع لهم 84 دولارا، وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف الأجور في الإقطاعيات الأخرى، كما وضع نظاما أميركيا للحوافز السنوية بالنسبة للمديرين، فالمدير الذي يحقق أكبر إنتاج في المزرعة يحظى بما يزيد على مرتب عامين. هذا أمر نادر الحدوث في باكستان، التي نادرا ما يتدخل أصحاب الأراضي في شؤون مزارعهم بصورة كاملة ويدفعون للعمال 25 دولارا شهريا. وقال معين الدين عن ذلك: «هؤلاء الأشخاص لا يفهمون العمال، فقد جبلوا على الطبقية مما جعلهم يتعالون على هؤلاء الأشخاص».

لكن مجموعة الشخصيات تتغير وتحول صورتها قصص معين الدين. فقد أصبح المديرون، الموظفون الأقوى، الآن جزءا من السياسات في بعض الأماكن. فالأخوان اللذان يديران مزرعة معين الدين ابنا قائد شعبي، لكنه لم يكن ثريا، وبدلا من أن يساعدا في إقامة نظام أكثر عدالة انتهزا الفرصة للثراء عبر التحايل.

في هذه الأثناء بات الفقر أكثر وضوحا، فالفلاحون لا يحصلون سوى على ساعات قليلة من الكهرباء يوميا، وهو أقل مما كانوا يحصلون عليه قبل ست سنوات، ومع الانفجار السكاني الذي تعاني منه باكستان باتت الوظائف أمرا صعب المنال. وقال: «بدأ الناس في الشعور بالمزيد من الإحباط». في السنوات الأخيرة كان هناك تغير في المجتمع فقد أصبح ملالي مدرسة ديوباندي الأصوليون أكثر قوة في جنوب البنجاب، ينشرون رسالة ضد الشيعة وضد الدولة خلال خطب الجمعة في المدارس الدينية التي انتشرت منذ الثمانينات.

أثر هذا الانتشار على معين الدين، فقد كانت إحدى الجماعات الدينية تبني مسجدا على أطراف ضيعته، وفي أحد الأيام صاح به شاب يقف على سقف المسجد قائلا: «الشيء الوحيد الذي ستعرفه هو الوقت الذي ستستقر فيه الرصاصة في جبهتك»، فدفعه الأمر إلى بناء سور حول المزرعة.

* خدمة «نيويورك تايمز»