«المال كسلاح» في العراق.. يثير قلق الأميركيين من ضياع ملايين الدولارات

سرقة فندق بعد تسليمه للعراقيين يحث واشنطن على التروي في مشروعاتها والرقابة عليها

عراقي يقف بالقرب من سد الموصل أحد أكبر السدود في العراق وأنفق الجيش الأميركي ملايين الدولارات لحماية السد المهدد من الانهيار (رويترز)
TT

بعد تسيلم الجيش الأميركي مركزا تجاريا ومطعما تابعا لفندق تبلغ قيمته عدة ملايين من الدورات تم بناؤه بالقرب من مطار بغداد للحكومة العراقية العام الماضي، سرعان ما اختفت أجهزة التلفزيون ذات الشاشات المسطحة وأجهزة الكومبيوتر والأثاث. ودفعت أعمال النهب إلى الإبقاء على الجيش مشاركا في نشاط الفندق لأن الضباط كانوا يشعرون بالقلق من أن باقي الفندق سوف يجرد من كل شيء. وفي الوقت الذي تقوم فيه الحكومة الأميركية بتسليم المئات من المشروعات والمنشآت للحكومة العراقية، تظهر تساؤلات حول مدى استدامة مشروعات تبلغ قيمتها مليارات الدولارات يتم تمويلها من خلال برنامج الاستجابة الطارئة للقادة، وهو البرنامج الذي دفع القادة إلى التفكير في «المال كسلاح». ويقوم مشرعون أميركيون ومكتب المفتش العام الخاص بإعادة إعمار العراق، الذي نشر تقريرا عن فندق كارافان، بعملية فحص تزداد وتيرتها لاستخدامات البرنامج مع حث وزارة الدفاع الأميركية كي تكون أكثر حذرا في اختيارها للمشروعات والرقابة عليها. وتصوغ قصص النجاحات وأساطير الحذر المرتبطة بمبادرات برنامج الاستجابة الطارئة الطريقة التي يستخدم بها القادة في أفغانستان البرنامج في الوقت الذي يركزون فيه على مكافحة التمرد مع المحافظة على أمان المدنيين. ومنذ عام 2003، خصص الكونغرس الأميركي أكثر من 10 مليارات دولار لتمويلات من برنامج الاستجابة الطارئة للحربين في العراق وأفغانستان. ويقول نائب المفتش العام بالمكتب غينجر كروز: «كان يهدف برنامج الاستجابة الطارئة إلى تمرير الأموال إلى القادة كي يحققوا النتائج المنشودة في مناطق القتال الخاصة، وتدريجيا تحول البرنامج إلى صندوق لتمويل إعادة الإعمار».

وفي وقت سابق من الشهر الحالي، طلب النائب جون مورثا، الديمقراطي عن ولاية بنسلفانيا ورئيس اللجنة الفرعية لمخصصات الدفاع، من البنتاغون قائمة بجميع المشروعات القائمة التي تصل قيمتها أكثر من مليون دولار. وقال مورثا إن البنتاغون عجز عن التوضيح بصورة كاملة الطريقة التي يستخدم بها برنامج الاستجابة الطارئة. وأضاف أن الجيش يتولى الكثير من المشروعات على نطاق واسع على الرغم من أنه يجب أن تتعامل مع هذه المشروعات هيئات مدنية لديها خبرة في إعادة الإعمار. وكتب مورثا في خطاب يوم 15 يوليو (تموز) إلى وزير الدفاع روبرت غيتس: «هناك تأخر في إجراء عملية مراجعة مهمة لبرنامج الاستجابة الطارئة والهدف منها ووظيفتها ومداها». وقال مورثا إنه شعر بالقلق بسبب تقارير من العراق تشير إلى أن القادة كانوا على عجل «لإنفاق» مئات الملايين من الدولارات بنهاية العام المالي. ويقول مسؤولون في الجيش الأميركي إن برنامج الاستجابة الطارئة كان له قيمة كبيرة في مساعدة القادة على تنفيذ الأشياء سريعا. وفي الأعوام الأخيرة، استخدم القادة البرنامج لدفع رواتب إلى متمردين (سابقين) وتقديم منح صغيرة إلى أصحاب المشروعات التجارية وتعويض عائلات المدنيين الذين قتلوا خلال المعارك وبناء المدارس والمستشفيات. ويقول الجنرال بيتر باير، رئيس أركان بالقيادة الأميركية الذي يشرف على مشروعات برنامج الاستجابة الطارئة في العراق: «نعتقد أننا حققنا نجاحا جيدا». وأضاف أن القادة في العراق وافقوا على عدد قليل من المشروعات الكبرى التابعة لبرنامج الاستجابة الطارئة خلال العام الحالي. ومن أبرز المبادرات التي تحصل على تمويل من برنامج الاستجابة الطارئة هو مشروع «أبناء العراق» الذي بدأ عام 2006، والذي قام من خلال الجيش الأميركي بوضع عشرات الآلاف من المتمردين (السابقين) على قوائم المرتبات وعبأهم في الحرب ضد تنظيمات متطرفة ومتشددة. وفي العام الماضي، أنفقت الحكومة 300 مليون دولار على مرتبات «أبناء العراق»، ولكنها توقفت عن الدفع لهم العام الحالي وأحالت البرنامج إلى الحكومة العراقية التي غالبا ما تعجز عن دفع رواتب المقاتلين في الوقت المحدد. ومع انسحاب الجيش الأميركي من المدن، فإن العديد من المشروعات التي تحصل على تمويل من برنامج الاستجابة الطارئة، مثل مرابض السيارات ومراكز الخدمة المدنية وحمامات السباحة، لم تتول مسؤوليتها كيانات حكومة وطنية أو محلية بصورة ناجحة بسبب عدم توافر القدرة أو غياب الاهتمام بالمحافظة على هذه المشروعات، حسب ما يقوله مسؤولون أميركيون وعراقيون. وعلى سبيل المثال، بنيت قاعة عرض مفتوح في مدينة الصدر تكلفت مئات الآلاف من الدولارات وانتهت عملية البناء قبل عدة أشهر ويقول مسؤولون أميركيون إنها لم تستخدم حتى الآن.

ومع مغادرة عدد كبير من الجنود الأميركيين للمدن العراقية، يقول مسؤولون أميركيون إنهم أصبحوا أكثر تريثا في تحديد عدد وأنواع المشروعات التي يوافقون عليها. وقد حصل القادة الأميركيون في العراق 747 مليون دولار في صورة تمويل تابع لبرنامج الاستجابة الطارئة خلال العام الحالي مقارنة بمليار دولار تم تخصيصها في عام 2008. وحتى الآن أنفق الجيش خلال العام الحالي 235 مليون دولار من مخصصات برنامج الاستجابة الطارئة في العراق. وقد قرر القادة الأميركيون إعادة 247 بعدما رأوا أنهم لن يمكنهم إنفاق الأموال الباقية بطريقة مسؤولة بنهاية سبتمبر (أيلول) حين ينتهي العام المالي. ويقول باير: «يتسم تطبيقنا بالحكمة والتريث».

ويشار إلى أنه تم بناء فندق كارافان، وهو مشروع وصلت تكلفته إلى 4.2 مليون دولار، في أغسطس (آب) 2008. وكان يرى المسؤولون العسكريون الأميركيون أنه استثمار له قيمته لأن هناك عددا قليلا من الفنادق في بغداد يمكن أن يراها المستثمرون الأجانب آمنة بقدر كاف. وعند نهب المعدات بعد مرور وقت قصيرة على افتتاح كارافان، استعمل الجيش متعهدا لإدارة الفندق الذي تصل الليلة فيه إلى 225 دولارا، خشية أن يقوم المسؤولون في وزارة المواصلات، التي يديرها أعضاء في كتلة الصدر السياسية، بإغلاقه وسرق الأشياء الثمينة به، حسب ما قاله مسؤولون من مكتب المفتش العام. وقال متحدث باسم الوزارة إنهم لم يكونوا على علم بمشروع الفندق أو بمزاعم أعمال السلب. ويقول باير إن الجيش يرى أن المشروع ناجح ويعكف على خطة لتسليمه للعراقيين. ويضيف باير: «في النهاية، عندما تسلم عقارا إلى شخص ما، يكون ملكه وله أن يستخدمه للأهداف التي يرى، هذا قرار تتخذه الحكومة العراقية».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»