مصادمات عنيفة في طهران.. والمتظاهرون يرددون: نجاد الخائن نريدك بلا مأوى

الشرطة تجبر موسوي على مغادرة أربعينية الضحايا.. وتهاجم مرافقي كروبي * مصادر إصلاحية لـ«الشرق الأوسط»: المطلوب رأس مدبري الانتهاكات.. وليس المنفذين

عناصر من الباسيج على دراجاتهم النارية في وسط طهران أمس حيث ترددت
TT

شهدت إيران «يوم غضب وحداد» أمس شارك فيه عشرات الآلاف من المتظاهرين في طهران ومشهد وأصفهان والأهواز وشيراز احتجاجا على مقتل متظاهرين في السجون الإيرانية واستمرار اعتقال المئات من قادة الإصلاحيين والمتظاهرين. وبالرغم من التحذيرات شديدة اللهجة من البريجادير جنرال عبد الله أراجي قائد الحرس الثوري في طهران الذي قال «نحن لا نمزح. سوف نواجه الذين يريدون محاربة المؤسسة الدينية»، إلا أن عشرات الآلاف تظاهروا أمس في أربعينة مقتل الشابة الإيرانية ندا أغا سلطاني التي تحولت إلى مظاهرة ضد إعادة انتخاب محمود أحمدي نجاد لولاية ثانية، ودعم الحركة الإصلاحية بقيادة مير حسين موسوي وتأبين ضحايا التظاهرات. وحاولت السلطات الإيرانية أمس مجددا نفى تورط عناصر الباسيج في قتل ندا. و اتهم الجنرال عبد الله الراقي، قائد وحدة محمد رسول الله في حرس الثورة المكلف أمن العاصمة، "أعداء البلاد" بالتخطيط لتلك الجريمة. وقال لصحيفة «سرمايه» إن «هذا الحادث وقع في شارع صغير كانت قوات الشرطة والباسيج غائبة عنه. وتدل الطريقة التي صور بها على أنه كان مخططا» من أعداء البلاد. إلا ان الاصلاحيين رفضوا هذه الروايات مؤكدين ضرورة محاسبة المتورطين في هذه الجرائم والكشف عن هويتهم بعض النظر عن مناصبهم أو أهميتهم في النظام. وهو المطلب الذي يؤيده كبار مراجع التقليد في قم. وقال شهود عيان أمس إن الشرطة حاولت منع تجمع المتظاهرين في المشاركة في تأبين قتلى المظاهرات بنشر المئات من عناصرها وسد الطرق المؤدية إلى مقبرة «جنة الزهراء» التي دفن فيها قتلى الاحتجاجات على نتائج الانتخابات. وأجبرت الشرطة موسوي على مغادرة المقبرة، كما ضغطت على والدة ندا سلطاني كي لا تشارك. وبحسب الشهود فإن موسوي نجح في الخروج من سيارته وسلوك الممر المؤدي إلى قبر ندا. وقال شاهد «لكنهم لم يسمحوا له بتلاوة الآيات القرآنية كما هي العادة في هذه المناسبة وتم تطويقه مباشرة من شرطة مكافحة الشغب التي ردته إلى سيارته». كما منعت الشرطة كروبي من المشاركة وحاصرته واضطرته للمغادرة فيما هاجمت عددا من مرافقيه. إلا أن المتظاهرين بالرغم من فرض السلطات حصارا على مقبرة «جنة الزهراء» تمكنوا من مواصلة التظاهرات إلى قلب طهران حيث شهد ميدان «والي عصر» تجمع الآلاف منهم مرددين: «يا حسين ـ ومير حسين نحن نؤيدك ـ والله أكبر». بينما تجمع آخرون في مترو طهران وهم يرددون: «ندا حية.. أحمدي نجاد ميت» و«الموت للديكتاتور» و«أحمدي نجاد الخائن نريدك بلا مأوى». وبحسب شهود عيان فقد اعتقلت الشرطة مؤيدين لموسوي، كما حطمت نوافذ سيارات كان سائقوها يطلقون الأبواق لإظهار تأييدهم له، وأطلقت الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين. وفي مصلى طهران الكبير، حيث تجمع الآلاف للصلاة على أرواح القتلى، هتف المصلون: «مجتبى خامنئي لن تكون خليفة والدك»، مشيرين إلى ابن المرشد الأعلى لإيران آية الله على خامنئي الذي يعتقد أن دوائر مقربة من الحرس الثوري تريده أن يخلف والده. وتعد مظاهرات أمس هى الاولى منذ مظاهرات 9 يوليو الجاري، التي شارك فيها الالاف ايضا، وهى دليل على أن الحركة الاصلاحية تعتزم تشديد ضغوطها السياسية على أحمدي نجاد قبل ان يقسم اليمين الدستورية يوم 5 أغسطس المقبل. وكان موسوي قد أكد أن الحركة الاصلاحية ستصدر خلال أيام ميثاق لعملها يتضمن إحياء لمبادئ في الدستور الإيراني أهملت بحسب ما يرى قادة الحركة الاصلاحية. وقالت مصادر اصلاحية لـ"الشرق الاوسط" ان قادة الاصلاحيين موسوي وكروبي والرئيس الإيراني الاصلاحي السابق محمد خاتمي يعتزمون اعلان تجمعهم السياسي الجديد في وقت متزامن مع تنصيب أحمدي نجاد.

وحول اشتباكات أمس، قال شهود عيان إن الشرطة الإيرانية اعتقلت مؤيدين لموسوي خلال التظاهرات وقال أحد الشهود: «رأيت شرطة مكافحة الشغب تقبض على بعض المحتجين في شارع عباس آباد. حطموا أيضا نوافذ سيارات كان سائقوها يطلقون الأبواق لإظهار تأييدهم لموسوي». فيما قالت مواقع إنترنتية إيرانية إن شرطة مكافحة الشغب أطلقت الغاز المسيل للدموع لتفريق مؤيدي موسوي. وقال موقع «موجكامب» الإيراني: «وقعت الاشتباكات العنيفة بين المحتجين وشرطة مكافحة الشغب في وسط طهران. ضرب ضباط بملابس مدنية وشرطة شغب المتظاهرين بالعصي وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع». كما قال شهود عيان إن الشرطة الإيرانية اعتقلت عددا من المجتمعين في حفل التأبين الذي أقيم في مقبرة طهران لإحياء ذكرى المتظاهرين. وأجبرت الشرطة موسوي على مغادرة المقبرة، في حين رشق متظاهرون إيرانيون بالحجارة عناصر الشرطة الذين طوقوا زعيم حزب «اعتماد ملي» مهدي كروبي بعيد وصوله إلى المقبرة في طهران لتحية ضحايا التظاهرات. وقال شاهد عيان لـ«رويترز» «تجمع المئات حول قبر ندا أغا سلطان لإحياء ذكراها وذكرى ضحايا آخرين... واعتقلت الشرطة بعضهم... وصل العشرات من شرطة مكافحة الشغب وحاولوا تفريق التجمهر». وبعيد الرابعة عصرا (11.30 ت غ) تجمع أكثر من ألفي شخص في المكان مرددين هتافات مؤيدة لموسوي. وقال شاهد العيان لاحقا «أجبرت الشرطة موسوي على العودة إلى سيارته ومغادرة المقبرة. كما أنذرت الشرطة الحاضرين بمغادرة المكان أو مواجهة العواقب». وبحسب الشهود فإن مير حسين موسوي نجح في الخروج من سيارته وسلوك الممر المؤدي إلى قبر ندا أغا سلطان، الشابة التي قتلت بالرصاص في 20 يونيو (حزيران) وأصبحت رمزا للاحتجاجات. وقال شاهد «لكنهم لم يسمحوا له بتلاوة الآيات القرآنية كما هي العادة في هذه المناسبة وتم تطويقه مباشرة من شرطة مكافحة الشغب التي ردته إلى سيارته». وأضاف «كان الناس يهتفون يا حسين ـ ومير حسين نحن نؤيدك ـ والله أكبر». وتابع «في الوقت نفسه طوق المتظاهرون سيارته كي لا يغادر المكان، فبدأت الشرطة بدفع المتظاهرين، وبعدها غادر موسوي». ووصل مهدي كروبي في وقت قصير لاحق إلى المقبرة حيث بدأ أنصاره برشق الحجارة على قوات الشرطة وفق شهود عيان عندما حاولت الشرطة مهاجمته وتطويقه ومنعه في الدخول، وهاجمت مرافقيه.

وكان قادة المعارضة قد قالوا إنهم سيحضرون حفل التأبين في تحد لتهديد الحرس الثوري بتفريق أي تجمعات. وقبل موسوي وكروبي دعوة والدة ندا للاحتفال بذكرى الأربعين عند قبر ابنتها في تحد لقرار المؤسسة الإيرانية بحظر التجمعات.

وقد طوق نحو 150 عنصرا من مكافحة الشغب، إضافة إلى عناصر من قوات الشرطة، المربع الذي دفن فيه ضحايا تظاهرات الأسابيع الأخيرة في مقبرة جنة الزهراء جنوب طهران.

وتجمع نحو ألف شخص في المكان عند الرابعة بعد الظهر وفق الشهود. كما أفاد شهود أن الشرطة الإيرانية أوقفت عددا من الأشخاص الذين أتوا إلى المقبرة، وقال شاهد لـ«رويترز» «تجمع مئات حول قبر ندا أغا سلطان إحياء لذكراها هي وضحايا آخرين... اعتقلت الشرطة بعضهم... ووصلت أيضا قوات الأمن وهي تحاول الآن تفريق الحشد». كما تم اعتقال المخرج الإيراني البارز جعفر بناهي وعائلته في المقبرة. وقالت مصادر إيرانية إن «بناهي وزوجته طاهرة سعيدي وابنتهما سولماز قد أوقفوا اليوم في مقبرة بهشت الزهراء». وفاز بناهي بجائزة الأسد الذهبي في مهرجان البندقية سنة 2000 عن فيلمه «الدائرة» وجائزة الدب الفضي سنة 2006 في مهرجان برلين لفيلمه «خارج اللعبة». كما اعتقلت المخرجة السينمائية بهناز محمدي أيضا خلال التجمع، وهى معروفة بأفلامها الوثائقية. وقال شهود العيان إنه برغم اعتقال العشرات ومحاولة فض التظاهرة، فإن المتظاهرين رددوا «ندا حية.. أحمدي نجاد ميت» و«الموت للديكتاتور» و«أحمدي نجاد الخائن نريدك بلا مأوي»، فرد عدد من قوات الباسيج بالملابس المدنية: «الموت لمن يعارض الولي الفقيه». وقتلت ندا، 26 عاما، التي تدرس الموسيقى بالرصاص يوم 20 يونيو (حزيران) عندما اشتبك أنصار موسوي مع شرطة مكافحة الشغب ورجال ميليشيا الباسيج في طهران. وشاهد الآلاف موتها في تصوير وضع على الإنترنت. وقالت السلطات الإيرانية إن ندا لم تقتل برصاص من النوع الذي تستخدمه قوات الأمن الإيرانية، قائلة إن الحدث كان مدبرا لتشويه سمعة المؤسسة الحاكمة وتحدثت والدة ندا أغا سلطاني عن تعرضها لضغوط لعدم حضور أربعينية ابنتها، موضحة في حوار مع «بي.بي.سي فارسي» أن مهدي كروبي زارها في منزلها، كما زارتها أمهات عدد من الشباب الذين قتلوا خلال التظاهرات. وأوضحت «لم ألتق مير حسين موسوي، لكن السيد كروبي جاء إلى منزلنا ليل الاثنين. كانت زيارته مهمة بالنسبة لي. كان داعما لنا وقد وجدت الطمأنينة. قال إن ندا بريئة وإنها شهيدة، وقاتلها يجب أن يمثل للعدالة». وتابعت «أريد أن أزور والدتيْ سهراب أعرابي واشكان سهراب، كانا شابين في مطلع العمر عندما قتلا، كما أن والدة كل منهما زارتني في المنزل للتعزية في ندا.. نفسيا كلنا محطمون. ماذا يمكن أن نقول لبعضنا البعض؟ أولادنا كانوا صغارا جدا على الموت. ماذا يمكن أن تقول 3 أمهات في نفس المأساة لبعضهن؟ كل ما يمكن أن نفعله أن نجلس معنا.. ونبكي.. موتها كان مؤلما جدا.. الكلمات لا تعبر عما أشعر به. لكن معرفة أن العالم بكى عليها معي يريحني. أنا فخورة بها وسعيدة أنها أصبحت رمزا».

وبعد انتهاء الصلاة على أرواح الضحايا في مقبرة جنوب طهران، خرج المتظاهرون إلى وسط طهران حيث تجمعوا في شارع «والي عصر»، إلا أن الشرطة ضربت هؤلاء المتظاهرين واستخدمت الغاز المسيل للدموع في محاولة لتفريق المسيرة. وعندما كان المتظاهرون يسيرون في ميدان «والي عصر»، أحد الشوارع الرئيسية في العاصمة طهران، أطلق مئات السائقين العنان لأبواق سياراتهم. واعتاد السائقون استخدام أبواق سياراتهم كإشارة دعم لموسوي. وأدان الرئيس الإيراني السابق الإصلاحي محمد خاتمي «الجرائم» ضد الذين أوقفوا خلال التظاهرات، حسبما ذكر موقع مؤسسة باران التابعة له على الإنترنت. وقال خاتمي «لا يكفي إغلاق مركز اعتقال والقول إنه لا يطابق المعايير. ماذا يعني (لا يطابق المعايير)؟ هل يعني ذلك أن نظام التهوية والمراحيض لا تعمل؟ لا». وأضاف أن «جرائم ارتكبت وهناك أناس فقدوا حياتهم». وكان مرشد الجمهورية آية الله علي خامنئي أمر بإغلاق مركز كاهريزاك (جنوب طهران) للاعتقال لأنه «لا يطابق المعايير»، حسبما ذكرت وسائل الإعلام الإيرانية الاثنين.

وأقر قائد الشرطة بوقوع تجاوزات خلال التظاهرات التي شهدتها إيران. وقال إسماعيل أحمدي مقدم، الذي نقلت تصريحاته وكالة «مهر» أن «بعض الشرطيين تصرفوا بقسوة خلال الأحداث وكبدوا الناس خسائر (جسدية ومادية) بمطاردة المشاغبين». إلا أن الإصلاحيين أعربوا عن عدم الرضاء عن اعترافات مقدم. وقال مصدر إصلاحي لـ«الشرق الأوسط» إن الإصلاحيين لا يريدون أن يلقوا اللوم على «بعض عناصر الشرطة»، موضحا «التصدي للمتظاهرين بهذه الطريقة كان قرارا سياسيا وليس أمنيا لأن المظاهرات كانت سلمية، إلا أن هناك رؤوسا دبرت طريقة المواجهة هذه لمنع المتظاهرين عندما ظهر بعد أيام من الانتخابات أن ملايين الإيرانيين يمكن أن يخرجوا للشارع». وتابع المصدر الإيراني «أشخاص مثل وزير الداخلية صادق محصولي ومسؤولين في الحرس الثوري ومكتب أحمدي نجاد يجب أن يمثلوا أمام القضاء للمساءلة. قوات الشرطة والباسيج لم تستخدم كل هذا العنف في الشوارع والسجون إلا بعد قرار من شخصيات نافذة في الحكومة. من هم؟ الشعب يريد مساءلتهم ومحاكمتهم؟»