قبل أن تنتهي فصول قضية الصحافية لبنى: صحافي سوداني يقاضي الشرطة بتهمة الابتزاز

مدير شرطة النظام لـ «الشرق الأوسط» : أكثر من 41 ألف شخص كتبوا تعهدات بعدم ارتداء لباس فاضح

TT

فيما لم تنته فصول قضية الصحافية السودانية لبنى أحمد حسين، التي تواجه عقوبة الجلد والغرامة، في حال إدانتها بواسطة محكمة سودانية، بتهمة «ارتداء سروال» وسط اهتمام محلي ودولي كثيف، بدأت محكمة أخرى النظر في قضية صحافي، اتهم شرطيين أحدهما منسوب إلى شرطة «النظام العام»، المعروفة بشرطة «أمن المجتمع»، اتهمها بمضايقته و«ابتزازه»، هو وزوجته أثناء عودتهما بسيارتهما من زيارة عائلية، عندما شكك في طبيعة رفقتهما باعتبارها غير شرعية، واقتادهما إلى قسم الشرطة، رغم أنه شرح للشرطيين بأنهما زوجان.

ودافع مدير شرطة أمن المجتمع في الخرطوم في تصريح لـ«الشرق الأوسط» عن عملهم، وقال إنهم «يكفون المجتمع من شرور كثيرة»، بينما اعترف بوجود تجاوزات من قبل رجال الشرطة «تتم معالجتها»، كما شدد على أن عملهم «محفوف بكثير من الحساسية ويحتم حفظ الأسرار».

وروى الشاكي، وهو الصحافي الدكتور محمد شرف الدين، رئيس قسم الأخبار في صحيفة «العاصمة» السياسية اليومية، تفاصيل ما جرى لقاضي المحكمة، قائلا إن الشرطيين وكانا يستقلان دراجة بخارية، اعترضا سبيله حينما كان يقود سيارته وإلى جانبه زوجته وطفله في شارع عام في مدينة أم درمان، واتهمهما بارتكاب مخالفة ضد قانون أمن المجتمع لسيرهما في رفقة غير شرعية في مكان طرفي مع امرأة «غريبة»، ولكن شرف الدين قال لهما إن المرأة التي يتحدثان عنها هي زوجته، وأخبرهما بأن معهما، أيضا، طفلهما، وأشار إليه وهو نائم على المقعد الخفي للسيارة، ولكنهما لم يصدقاه واقتاداهما إلى مركز شرطة في حي أبو سعد، وسجلا بلاغا ضده، وطلب منه الضابط المسؤول في القسم، بعد التحقيق معه إحضار شهادة الزواج «القسيمة»، قبل أن يخلي سبيلهما، فأحضرها في اليوم التالي، واخلوا سبيله باعتبار أن الأمر قد انتهى. لكن شرف الدين قال للضابط إن الأمر بالنسبة له قد بدأ، وتقدم بدوره بشكوى ضد الشرطيين إلى جهاز يعنى بضبط عمل الشرطة، باعتبار أن ما قام بها الشرطيان يعتبر مخالفة تنتهك حريته في التنقل هو وأسرته في أي مكان يرغبان الذهاب إليه، وفيه شبهة ابتزاز.

كما استمعت المحكمة الشرطية إلى الشرطيين اللذين ذكرا بأنهما شكا في أن يكون شرف الدين وزوجته ليسا زوجين، وقال أحدهما إن الزوجين كانا يتحدثان لغة غريبة مما سبب لهما استفزازا دفعهما إلى توصيل القضية إلى مركز الشرطة. وسأل القاضي شرف الدين عن تلك اللغة فقال إنهما كانا يتحدثان اللغة الروسية، ولم ير القاضي في حديثهما بلغة أجنبية شيئا غير طبيعي. وتضاربت في المحكمة أقوال الشرطيين، حيث قال أحدهما: كان يتكئ عليها، فيما قال الآخر: كان يضع يده عليها. ورفعت المحكمة، التي رأسها ضابط حقوقي، جلستها على أن تواصل الأسبوع المقبل. من جانبه، دافع العقيد أبو بكر أحمد الشيخ، مدير شرطة أمن المجتمع بولاية الخرطوم، عن عمل شرطة أمن المجتمع، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن جميع الحملات التي تقوم بها شرطة أمن المجتمع تخرج بعد أن تتلقى بلاغا من مواطن أو مجموعة من المواطنين، بشأن ممارسة ما مخلة بأمن المجتمع. وشرح حزمة الممارسات الواقعة في نطاق عملهم الخاص بأمن المجتمع، بأنها جرائم الزنا والتعامل بالخمور واللواط والأفعال المخلة بالآداب والأفعال الفاحشة، التي عرفها بأنها الأفعال دون الزنا، مثل الزي الفاضح وصور الفيديو كليب الفاضحة، وغيرها من الأفعال. وكشف أن عملهم يقوم على القانون الجنائي وقانون أمن المجتمع لعام 1996، وقال إن من مهامهم حماية الأسرة والمرأة والطفل من الانتهاكات، التي قد تقع ضدهم.

وحول كيفية تنفيذ حملات الشرطة الخاصة بأمن المجتمع، قال العقيد أبو بكر إن الحملات تتم في العادة بعد أن يتلقوا بلاغات من السكان أو من شخص حول وجود ممارسات يرون أنها تخل بأمن المجتمع» فيخرج فريق من الشرطة بقيادة ضابط لتنفيذ الموضوع محل البلاغ. وحول الحملة التي أسفرت عن ضبط الصحافية لبنى وأخريات في حفل في ناد بحي الرياض بالخرطوم لأنهن كن يرتدين سراويل، قال المسؤول في شرطة أمن المجتمع: إن الحملة نفذت بعد أن تلقت الشرطة بلاغا بأن هناك حفلة تخطت الزمن المسموح بها للحفلات في العاصمة السودان «الحادية عشرة ليلا» وأنها تسببت لهم في الحي بالإزعاج، فنفذت الشرطة الحملة بقيادة ضابط. وقال إن الصحافية لبنى لم توضح أثناء القبض عليها بأنها صحافية.

وبشأن اتهام موجه لهم بأنهم يعاملون الناس في هذه الحملات بعنف، قال «نحن نعامل الناس برفق.. إلا في حال إصرار من يتم إلقاء القبض عليه في مكان الحملة على نكران ما يتهم به في تلك اللحظة»، وشدد على أن شرطة أمن المجتمع عملهم في المقام الأول يقوم على نصيحة من يشتبه فيه خاصة فيما يختص بالزي الفاضح وبعض الأعمال الفاضحة، دون الزنا.. وإذا لم يستجب من يلقى القبض عليه للنصح يفتح فيه البلاغ وتمضي الإجراءات الأخرى».

وحول معيارهم للزي الفاضح، قال «لدينا منشور في الشرطة يحدد الزي الفاضح وهو الزي الضيق والشفاف والمثير للشهوة الجنسية»، وحول المعيار لما هو مثير للشهوة الجنسية، قال مدير شرطة أمن المجتمع إنهم يقدرون ويحيلون الأمر إلى وكيل النيابة فهو إذا ما رأى أن في البلاغ قضية رفعها إلى المحكمة وإذا لم ير ذلك، يقوم بشطب البلاغ.

وحول الإحصائيات التي توافرت لديهم بشأن بلاغات الأعمال المخلة بالمظهر العام، كشف العقيد أبو بكر أن شرطة أمن المجتمع ألقت القبض على 34 ألفا و668 شخصا في الحملات، وجرى فتح البلاغات من جملة هذا العدد في ألفين و672 شخصا. وقال إنه لا يتوافر لديه إحصائية عن عدد الذين تعرضوا للجلد، وقال «هذا في المحكمة»، وكشف أن 41 ألفا و50 شخصا كتبوا تعهدات خلال عام 2008 بعدم تكرار مخالفة لبس الزي الفاضح. وقال إنهم يحرصون كل الحرص على أن لا تذهب أية امرأة أو فتاة يلقى القبض عليها إلى القسم لأنها كانت ترتدي زيا فاضحا أو حتى مخالفات أخرى، وقال «إذا كنا نقدم كل شيء إلى قسم الشرطة فإن الأمر سيخلق مشكلات اجتماعية كثيرة»، وكرر مرة أخرى «نحرص على النصائح والتعهدات بعدم تكرار المخالفة». وقال إن التوجيهات التي تعطى لمن ينفذون الحملات هي أن تحل الكثير من الحالات في مكانها بالنصائح قبل الوصول إلى قسم الشرطة. واعترف العقيد أبو بكر بوجود مخالفات يرتكبها رجال الشرطة في الحملات، «ولكن يتم معالجتها دائما من الضابط الأعلى عبر اتصال». وقال إن شرطة أمن المجتمع لديها خبرة تراكمية تستطيع من خلالها التفريق بين من يتم إلقاء القبض عليه والحالات الأخرى. ونفى بشدة الاتهام بأن شرطة أمن المجتمع تتفادى إلقاء القبض على الفتيات الجنوبيات في مسألة الزي الفاضح وتركز على الشابات الشماليات، وقال «نحن نتعامل مع كل الحالات، شمال وجنوب وغيره.. نحن ننفذ القانون».

يذكر أن شرطة أمن المجتمع في السودان تأسست مع قيام حكومة الرئيس عمر البشير 1989، وهي تتعرض من وقت لآخر إلى هجوم عنيف من قبل الناشطين في مجال حقوق الإنسان والمرأة باعتبار أنها تنتهك الحقوق الأساسية للمجتمع، وتمارس التجسس عليه، غير أن المسؤولين في الحكومة يرون أنه لولا هذه الشرطة لحدث انفلات في النظام العام في الشارع السوداني. ويرى ناشطون في مجال حقوق الإنسان والمرأة أن قانون أمن المجتمع الحالي، الذي صدر في عام 1996، مخالف للدستور واتفاق السلام وروح المرحلة الحالية وفيه عقوبات مهينة للمرأة مثل الجلد. وكانت صدامات وقعت بين الشرطة والعشرات من الصحافيين والمحامين والناشطين في مجال حقوق الإنسان والمرأة في العاصمة السودانية الخرطوم أول من أمس، أثناء محاكمة الصحافية لبنى التي تتهمها السلطات بارتداء ملابس فاضحة «أثناء حضورها حفلا غنائيا في ناد في الخرطوم قبل أسابيع». واعتقلت الشرطة عددا من الصحافيين وممثلي وكالات الأنباء والقنوات الفضائية كانوا ضمن الشهود الذين جاءوا لحضور المحاكمة، لوقت قبل أن تفرج عنهم، ولم تسجل إصابات بسبب الصدامات. اشتهرت الصحافية لبنى أحمد حسين «30» عاما، بمقالات ضد سياسات الحكومة عبر عمودها الصحافي المعروف بـ«كلام رجال». وجاءت المحاكمة رغم أنباء نشرت الأسبوع الماضي أن الرئيس عمر البشير سيصدر إعفاء عن الصحافية لبنى عن التهم الموجهة إليها. وحضرت الصحافية السودانية إلى قاعة المحكمة مرتدية الملابس نفسها التي ضبطتها الشرطة بها، وهي عبارة عن سروال فضفاض، ووشاح تقليدي يخفي معظم ملابسها، وأكدت أنها غير مذنبة، معتبرة أن ملابسها لائقة، وترتديها الآلاف غيرها، كما أنها ترفض معاقبتها بالجلد.

وجرت المحاكمة في جلسة مفتوحة في قاعة بمحكمة الخرطوم شمال «وسط الخرطوم»، ولم تسع قاعة المحكمة الحضور، مما اضطر حشدا مِن مَن جاءوا لحضور المحاكمة إلى «التجمهر» خارج قاعة المحكمة وحول مبني المحكمة، فيما ضربت الشرطة طوقا أمنيا صارما حول المبنى وداخل الجلسة التي حضرها أيضا ممثلون للسفارات الأجنبية في الخرطوم، وممثلين للبعثة الخاصة للأمم المتحدة «يونمس»، حيث تعمل الصحافية، المتهمة بارتداء الزي الفاضح، «لبنى أحمد حسين» في مكتبها الإعلامي في الخرطوم.

وإذا ما أدينت لبنى فإنها ستتلقى عقوبة الجلد تصل «40» جلدة، وغرامة، وكانت لبنى ألقي القبض عليها وهي ترتدي بنطلونا وسترة رأس «طرحة» في ناد شهير في حي الرياض الفاخر في الخرطوم تقام فيه الحفلات الليلية تحضرها مجموعات من سكان العاصمة من أسر وشباب وشابات، وشمل القبض نحو «10» فتيات أخريات يرتدين بنطلونات، ووجهت إليهن تهم ارتداء الزي الفاضح، قبل أن يوضعن في الحبس، حيث أفرج عن بعضهن بالضمانة ومن بينهن لبنى. وربط معارضون في الخرطوم محاكمة لبني، ومقال نشرته في موقع سوداني إلكتروني أخيرا، عارضت فيه قيام الرئيس عمر البشير افتتاح أول مصنع «للإيثانول» في السودان في ضاحية «كنانة» معقل إنتاج السكر في السودان، ووصفت المصنع بـ«الخمارة»، ويعتقد المعارضون أن إلقاء القبض عليها بمثابة تعبير عن غضب السلطات الحكومية من مقال الصحافية المحسوبة على صف المعارضة، غير أن الحكوميين والمسؤولين في الشرطة ينفون بشدة علاقة اتهام لبنى بارتداء أزياء فاضحة والمقال الذي نشرته في الموقع ضد خطوة إنشاء مصنع الإيثانول.

من جانبه، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عن قلقه إزاء ما تتعرض له الصحافية السودانية، وقال إنه ملتزم باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لحماية الموظفة بالمنظمة الدولية ومنع تعرضها للخطر، معتبرا أن عقوبة الجلد «ضد المعايير الدولية لحقوق الإنسان».