ملك المغرب يوجه نداء ملحا للجزائر لفتح الحدود وتطبيع العلاقات

دعا في خطاب عيد الجلوس إلى حل «سياسي وتوافقي ونهائي» لنزاع الصحراء

الملك محمد السادس وعلى يساره اخيه مولاي رشيد وإلى يمينه ولي عهده وابنه مولاي الحسن خلال القائه خطابا بمناسبة الذكرى العاشرة لتوليه الحكم (أ.ب)
TT

وجه العاهل المغربي الملك محمد السادس نداء ملحا للجزائر لتطبيع العلاقات بين البلدين وفتح الحدود، والتوصل إلى حل «سياسي توافقي ونهائي» لنزاع الصحراء. وشدد العاهل المغربي على رغبة بلاده الصادقة في تطبيع العلاقات المغربية الجزائرية، والالتزام ببناء اتحاد للمغرب العربي «مستقر ومندمج ومزدهر». وانتقد تمادي السلطات الجزائرية في إغلاق الحدود بين البلدين، ووصف هذا الموقف بأنه «متقادم ومتناقض مع الروح الانفتاحية للقرن الواحد والعشرين» مشيرا كذلك إلى أنه «موقف مؤسف يتنافى مع الحقوق الأساسية لشعبين جارين شقيقين في ممارسة حرياتهم الفردية والجماعية في التنقل والتبادل الإنساني والاقتصادي».

وظلت الحدود بين البلدين مغلقة منذ صيف عام 1994، حيث اتهمت السلطات المغربية يومئذ الجزائر بالتورط في هجوم شنه شبان من أصول جزائرية على فندق «أطلس أسني» في مراكش، وهو الهجوم الذي أدى إلى مقتل وجرح عدد من السياح الإسبان. وسبق أن دعا العاهل المغربي أكثر من مرة إلى فتح الحدود البرية بين البلدين، بيد أن السلطات الجزائرية تجاهلت تلك الدعوات.

وقال العاهل المغربي في خطاب ألقاه أمس بمناسبة الذكرى العاشرة لتوليه مقاليد الحكم (عيد الجلوس) إن قيام اتحاد المغرب العربي «خيار استراتيجي يحقق تطلعات الشعوب الخمسة (المغرب والجزائر وليبيا وموريتانيا وتونس) للتنمية المتكاملة ومتطلبات الشراكة وعصر التكتلات». ويضم اتحاد الدول الذي تأسس في فبراير (شباط) 1988 الدول الخمس، بيد أن نزاع الصحراء أدى عمليا إلى تجميد فعالية هذا الاتحاد.

وحول نزاع الصحراء، أكد العاهل المغربي تشبثه بمبادرة منح حكم ذاتي موسع للصحراء، وقال إن تطبيق هذا الحل سيضمن «لم الشمل بين كافة أبناء الصحراء وضمان التقدم والرفاهية لسكانها». يشار إلى أن الأمم المتحدة تسعى حاليا لعقد جولة جديدة من المفاوضات بين المغرب وجبهة البوليساريو خلال الشهر المقبل، تردد أنها ستكون في العاصمة النمساوية فيينا، وكانت الأمم المتحدة نوهت باقتراح المغرب حول الحكم الذاتي. كانت أربع جولات من المباحثات بين المغرب والبوليساريو في ضاحية مانهاسيت بنيويورك فشلت في التوصل إلى حل النزاع، وكان مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى الصحراء، كريستوفر روس، قام بجولة في المنطقة، ويرجح أن يقدم روس خلال المفاوضات المقبلة اقتراحات جديدة لتحقيق تقدم في المفاوضات المباشرة.

وفي إطار التمهيد للحكم الذاتي، أعلن العاهل المغربي عزمه تطبيق نظام جهوي لا مركزي متقدم في البلاد، وقال إن هذا النظام يجب أن يشكل «نقلة نوعية في مسار الديمقراطية المحلية»، مشيرا إلى أنه سيعين قريبا لجنة استشارية لتقدم اقتراحات خلال أشهر حول اللامركزية، على أساس التفكير في جعل الأقاليم الصحراوية نموذجا لهذا النظام بما يؤهلها لممارسة صلاحيات أوسع. وبموازاة ذلك، حث الحكومة على الإسراع بإعداد ميثاق للامركزية الإدارية «وتجاوز العقليات المركزية المتحجرة» على حد قوله. وتطرق العاهل المغربي في خطابه إلى نزاع الشرق الأوسط وقال إنه سيواصل عمله كرئيس للجنة القدس من أجل صيانة هوية المدينة باعتبارها عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة، مشيرا إلى إن بلاده ترحب بالتزام إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما بحل الدولتين. ولم يتطرق العاهل المغربي إلى تكهنات أشارت إلى أن الرباط ربما تتخذ خطوة باتجاه إعادة فتح مكتب الاتصال الإسرائيلي، وكانت واشنطن أطلقت مؤخرا عدة إشارت حول ضرورة اتخاذ الدول العربية خطوات للتطبيع مع إسرائيل من أجل التقدم على طريق حل الدولتين. وكان لافتا قول العاهل المغربي إن الحل العادل يقتضي «مستلزمات وتوافقات». وأكد العاهل المغربي أن بلاده ستواصل تعاونها مع الدول الأفريقية وإقامة «شراكة حقيقية معها «والحرص على تعاون جنوب جنوب». وحول الأوضاع الداخلية، قال العاهل المغربي إن الإنتاج الزراعي الجيد الذي تحقق هذه السنة أتاح تخفيف تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية على بلاده، خاصة في القرى والبوادي. مشيرا إلى أن البرامج الإصلاحية والتضامن الاجتماعي جعل البلاد تواجه نسبيا التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للأزمة المالية العالمية. ودعا في هذا السياق إلى التركيز على المشروعات الصغرى التي توفر وظائف جديدة. وفي موضوع آخر، طلب العاهل المغربي من الحكومة إعداد «مشروع ميثاق وطني شامل للبيئة» يستهدف الحفاظ على مجالاتها ومحمياتها ومواردها الطبيعية.. ويتوخى صيانة معالمها الحضارية ومآثرها التاريخية باعتبار البيئة رصيدا مشتركا للأمة ومسؤولية جماعية لأجيالها الحاضرة والمقبلة، على حد قوله. وشدد على ضرورة المحافظة على البيئة في جميع المشروعات الجديدة. كما دعا إلى إقرار ميثاق اجتماعي جديد، وتنشيط «المجلس الاقتصادي والاجتماعي» ليناط به بلورة هذا الميثاق. تجدر الإشارة إلى أن هذا المجلس مؤسسة دستورية تمثل فيه شرائح المجتمع المغربي كافة وكذلك الجاليات المغربية في الخارج. وفي هذا الصدد، أشاد العاهل المغربي بالمغاربة في الخارج «لتشبثهم الراسخ بوطنهم الأم، في السراء والضراء» على حد تعبيره.