واشنطن تدرس فرض عقوبات جديدة على طهران إذا رفضت المحادثات

تتضمن وقف واردات طهران من الغازولين والمنتجات النفطية المكررة الأخرى

TT

تجري إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما محادثات مع حلفاء الولايات المتحدة وأعضاء الكونغرس بشأن إمكانية فرض عقوبات اقتصادية قاسية ضد إيران حال إخفاقها في الاستجابة لعرض الرئيس أوباما بعقد مفاوضات بشأن برنامجها النووي. وتدور العقوبات المقترحة حول وقف واردات البلاد من الغازولين والمنتجات النفطية المكررة الأخرى. وتناولت الإدارة الأميركية مع حلفائها الأوروبيين وإسرائيل خيار اتخاذ إجراءات ضد الشركات العالمية التي تمد طهران بـ40% من احتياجاتها من الغازولين، حسبما أوضح مسؤولون ينتمون إلى تلك الدول. ويحظى القانون الذي من شأنه منح أوباما هذه السلطة برعاية 71 عضوا بالفعل داخل مجلس الشيوخ، ومن المتوقع تمرير تشريع آخر مشابه بمجلس النواب.

وخلال زيارة لإسرائيل الأسبوع الماضي، نوه مستشار الأمن القومي الأميركي جيمس جونز، بإمكانية فرض مثل هذه العقوبات خلال لقائه بمسؤولين إسرائيليين، حسبما أضاف المسؤولون. من جهته، رفض البيت الأبيض، الأحد تأكيد أو نفي محتوى المناقشات التي عقدها جونز. لكن مسؤولين آخرين بالإدارة أعربوا عن اعتقادهم بأن هدف جونز كان تعزيز حجة أوباما حول ضرورة توقف الحكومة الإسرائيلية عن التلميح إلى إمكانية شنها هجوما عسكريا ضد المنشآت النووية الإيرانية حال عدم إحراز تقدم هذا العام، ومنح الإدارة الأميركية بعض الوقت لفرض ما وصفته وزيرة الخارجية، هيلاري رودهام كلينتون، بأنه «عقوبات معطلة» يمكن أن تجبر طهران على التفاوض. يذكر أن إدارة بوش سبق أن درست ورفضت محاولة تنفيذ خطة لقطع إمدادات الغازولين عن إيران، التي رغم إنتاجها النفط، تفتقر إلى قدرة تكرير كافية لسد احتياجاتها من الغازولين. بيد أن فرض ما يرقى لمستوى حظر للغازولين ضد إيران شكل منذ أمد بعيد خطة تنطوي على مخاطر وصعوبات بالغة، ذلك أنها تتطلب مشاركة روسيا والصين وعدد من الدول الأخرى التي تستفيد من التجارة مع إيران. في المقابل، هددت إيران بالاستجابة لمثل تلك العقوبات بوقف صادراتها النفطية وإغلاق مضيق هرمز، في وقت يعاني الاقتصاد العالمي ظروفا عصيبة. من ناحيته، لم يتحدث أوباما علانية عن هذه الإمكانية منذ المناظرة التي عقدت بينه والسيناتور جون ماكين في إطار الحملة الانتخابية الرئاسية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. أثناء المناظرة، قال أوباما: «إذا تمكنا من منعهم من استيراد الغازولين الذي يحتاجونه، والمنتجات النفطية المكررة، فإن ذلك سيبدل تقديرهم للتكاليف والمنافع (المتعلقة بسياساتهم). وسيشكل ذلك بداية ضغط بالغ عليهم».

وحاليا لا ينوي البيت الأبيض مناقشة القضية على الإطلاق. من جهته، صرح دينيس مكدونو، نائب مستشار الأمن القومي، بأن الإدارة لا تنوي التعليق على أي من المحادثات الخاصة التي تجريها مع حلفائها. إلا أن دبلوماسيين أوروبيين أكدوا خلال الأسابيع الأخيرة عقدهم محادثات خاصة مع مسؤولين من الإدارة الأميركية حول ما إذا كان ينبغي إقرار مثل هذه العقوبات حال تجاهل طهران الموعد الزمني النهائي الذي حدده أوباما للشروع في محادثات وذلك مع افتتاح دورة انعقاد الأمم المتحدة الجديدة في منتصف سبتمبر (أيلول). والواضح أن تقدير مدى فاعلية قطع إمدادات الغازولين عن إيران ـ حتى حال موافقة روسيا والصين ومعظم الدول الأوروبية عليها ـ ازداد تعقيدا جراء الفوضى السياسية المشتعلة داخل إيران. وأعرب بعض المحللين عن اعتقادهم بأن فرض عقوبات جديدة من شأنه تفاقم حالة انعدام الاستقرار داخل النظام الإيراني الضعيف بالفعل، بينما حذر آخرون من إمكانية إقدام الرئيس محمود أحمدي نجاد على استغلال العقوبات الجديدة لتحويل الأنظار بعيدا عن نتائج الانتخابات المتنازع حولها باتجاه المواجهة بين إيران والغرب. في هذا الإطار، قال آر. نيكولاس بيرنز، الذي تولى قيادة جهود إدارة بوش لصياغة استراتيجية للتعامل مع طهران أثناء عمله وكيلا لوزارة الخارجية لشؤون السياسات: «العقوبات القاسية لم تكن منطقية عامي 2005 و2006. لكن بالنظر إلى الضعف والهشاشة الجديدة التي طرأت على حكومة أحمدي نجاد، تبدو مسألة فرض عقوبات أكثر صرامة منطقية الآن، لكن بشرط واحد». واستطرد موضحا أنه يجب أن يمنح الكونغرس أوباما مرونة كاملة لتهديد أو فرض أو إلغاء عقوبات، إذا كان لديه أمل في قدرته على حشد ائتلاف من الدول. خلال جلسة استماع عقدتها لجنة الشؤون المصرفية بمجلس الشيوخ الأسبوع الماضي، أدلى بيرنز وخبراء آخرون معنيون بالشأن الإيراني بشهاداتهم. من جهته، أعلن رئيس اللجنة، السيناتور كريستوفر جيه. دود، من ولاية كونيكتيكيت، أن «مهمتنا تتمثل في تسليح الرئيس بمجموعة شاملة من العقوبات المصممة بهدف تعزيز الضغوط على النظام الإيراني». من ناحية أخرى، يرى بعض الأعضاء الذين شاركوا في رعاية مشروع القانون الجديد بشأن إيران داخل مجلس الشيوخ، ويحمل اسم «قانون عقوبات المنتجات البترولية المكررة ضد إيران»، أنه يشكل سبيلا أكثر حكمة للتعامل مع البرنامج النووي الإيراني عن التصريح للرئيس باستخدام القوة العسكرية إذا دعت الضرورة، مثلما فعل مجلس الشيوخ مع الرئيس جورج دبليو. بوش خلال مواجهته مع صدام حسين. جدير بالذكر أن هناك تشريعا آخر مشابها داخل مجلس النواب. وقالت النائبة جين هارمان، عضو الحزب الديمقراطي عن كاليفورنيا والنشطة بمجالي الاستخبارات والأمن القومي، في تصريح أدلت به خلال عطلة نهاية الأسبوع إن «غالبية الأفراد يعتقدون أن هذا هو السبيل الذي يمكنك من خلاله إلحاق الألم بإيران بالفعل». وتوقعت أن يمر التشريع بسلاسة عبر مجلسي الشيوخ والنواب. إلا أن التمرير السهل لا يزيد بالضرورة من سهولة تطبيق التشريعات، فمثلما اكتشفت إدارة بوش عندما عملت على تمرير ثلاثة قرارات لفرض عقوبات متوسطة الشدة ضد إيران داخل الأمم المتحدة، فإن إيران تتمتع بنفوذ هائل لدى الشركات والدول المعتمدة على إنتاجها النفطي. ومثلما حذر بيرنز، فإنه «إذا كان الأميركيون وحدهم من يفرضون العقوبات، فإنها لن تنجح». من جهتها، حذر أحد الخبراء المعنيين بالشؤون الإيرانية، سوزان مالوني من «معهد بروكنغز» الأسبوع الماضي من أن حدود إيران لا تخضع لسيطرة محكمة، ما يجعلها قادرة على الالتفاف على أي عقوبات نفطية مفروضة عليها، الأمر الذي سيزيد مخاطرة اندلاع مواجهة. وأضافت مالوني «الإيرانيون يفتقرون إلى مهارة الاستسلام. إنه نظام يميل للاعتقاد بأن الهجوم خير وسيلة للدفاع». يذكر أن التشريع المقترح حاليا من شأنه فرض عقوبات ضد أي شركة تبيع أو توصل غازولين إلى إيران، تتمثل في حرمانها من بيع النفط إلى الحكومة الأميركية، إضافة إلى بذل مساع لتجميد تأمينها المالي أو المرتبط بالشحن. إلا أن العديد من الخبراء يخشون من أن الفرض الحقيقي لهذه العقوبات يستلزم تسيير دوريات خارج السواحل الإيرانية، ما قد يسفر عن اندلاع مواجهات مع الحرس الثوري الإيراني. الملاحظ أن البيت الأبيض أبدى قدرا غير عادي من التحفظ حيال استراتيجيته إزاء طهران، ولم يناقش علانية التشريع المطروح بشأنها. إلا أن ذلك لا يمنع أنه بات مشاركا في مناورات تجري خلف الكواليس مع إسرائيل. على الجانب الآخر، أشار مسؤولون إسرائيليون خلال الأسابيع الأخيرة إلى أن عدم استعداد واشنطن لمواجهة كوريا الشمالية بقوة أكبر بشأن برنامجها النووي يعد دليلا على أن البيت الأبيض ربما يبدي استعدادا للتساهل إزاء بناء طهران قدرات لإنتاج أسلحة نووية. في المقابل، يساور القلق مساعدي أوباما حول إمكانية أن يحاول الإسرائيليون اتخاذ عمل عسكري في وقت مبكر للغاية من خلال تقليصهم للفترة الزمنية التي قد تستغرقها طهران لتصنيع سلاح نووي. في الواقع، لا أحد يعلم على وجه التحديد متى ستتمكن إيران من ذلك، لكنها تغلبت بالفعل على الكثير من المشكلات الفنية في هذا الصدد. في هذا الإطار، قال أحد الدبلوماسيين الأميركيين: «السؤال الذي يتعين علينا مواجهته ما إذا كانت أي عقوبات عند هذه النقطة بإمكانها ردعهم بالفعل بالنظر إلى مدى اقترابهم الآن من إنتاج سلاح نووي».

* خدمة «نيويورك تايمز»