خامنئي يصدق على رئاسة نجاد.. ورفسنجاني يقاطع والآلاف يتظاهرون

موسوي وكروبي وخاتمي يقاطعون وغياب أى ممثل عن أسرة آية الله الخميني

أحمدي نجاد يقبل خامنئي على كتفه خلال تصديقه على إنتخابه امس (رويترز)
TT

صدق المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي رسميا أمس على فوز محمود أحمدي نجاد بفترة رئاسة ثانية في احتفالات قاطعها كبار المسؤولين بالنظام وعلى رأسهم رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام ورئيس مجلس الخبراء على أكبر هاشمي رفسنجاني الذي يغيب لأول مرة منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية عام 1979 عن مراسم تنصيب رئيس جديد للبلاد، في دلالة على عمق الانقسامات في إيران بعد أسوأ أزمة تشهدها إيران منذ الثورة الإيرانية. كما قاطع احتفال التصديق على انتخاب أحمدي نجاد الرئيس الإيراني الإصلاحي السابق محمد خاتمي والزعيم الإصلاحي مير حسين موسوي وكلاهما كانا قد حضرا حفل التصديق على انتخاب أحمدي نجاد عام 2005. أيضا غاب عن المناسبة زعيم حزب «اعتماد ملي» مهدي كروبي واى ممثل عن أسرة مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله روح الله الخميني. وبعد ساعات من التصديق على تعيين الرئيس الإيراني خرج الآلاف في شوارع المدن الإيرانية احتجاجا على الانتخابات ونتائجها، مرددين هتافات «الموت للديكتاتور» و«حرية» و«أحمدي نجاد استقِلْ».

وقال خامنئي في كلمته للتصديق على تعيين أحمدي نجاد رئيسا لولاية ثانية: «أنا أقر رئاسة هذا الرجل الشجاع المجتهد الحكيم لجمهورية إيران الإسلامية»، مشيدا بأحمدي نجاد الذي سيؤدي اليمين أمام البرلمان غدا. كما أشاد خامنئي بتصويت الإيرانيين «غير المسبوق» لأحمدي نجاد الذي وصفه بأنه «عامل مجدّ وذكي» وفقا لتلفزيون الدولة الإيرانية. وقال المرشد الأعلى في نص مرسوم التصديق على انتخاب أحمدي نجاد الذي قرأه التلفزيون إن «تصويت الإيرانيين الحاسم وغير المسبوق للرئيس هو تصويت تهنئة على أداء الحكومة المنتهية ولايتها». وأضاف: «أحيي انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد ثم الشعب الإيراني وأصدق على تصويته وأعين هذا الرجل الشجاع لرئاسة الجمهورية». وتابع خامنئي في كلمته: «إنه تصويت للمقاومة في مواجهة القوى المهيمنة النزعة، تصويت على مكافحة الفساد والتمييز والأرستقراطية. تصويت من أجل الذين يعيشون حياة متواضعة وللقرب من الشعب والمحرومين»، مقدما بذلك دعما قويا للرئيس أحمدي نجاد الذي دخل معه في مواجهة الأسبوع الماضي على خلفية أزمة تعيين أحمدي نجاد لصهره إسفنديار رحيم مشائي في منصب النائب الأول للرئيس. وانتقد خامنئي خصوم أحمدي نجاد خلال حفل التنصيب قائلا: «بعض أعضاء الصفوة أخفقوا في الاختبار السياسي الخاص بالانتخابات». وأضاف محذرا: «هناك المنافسون الغاضبون والمجروحون الذين سيتصدون في السنوات الأربع المقبلة للحكومة، وهناك أيضا من لديهم مواقف منتقدة لكنهم ليسوا أعداء للرئيس»، معتبرا أنه «ينبغي أخذ وجهات نظرهم في الحسبان».

كما استخدم خامنئي لغة متشددة حيال الدول الغربية قائلا: «ينبغي أن لا يظن الأعداء (الغرب) أن بمقدورهم تركيع الجمهورية الإسلامية. لا بد لهم أن يتعاملوا مع الحقائق في إيران». من ناحيته جدد أحمدي نجاد هجومه على الغرب قائلا إن بعض الدول الغربية كانت «أنانية وتدخلية» في ما يتعلق بالانتخابات، ودعاها إلى تصحيح أسلوبها «الوحشي». وقال خلال كلمة قصيرة في الاحتفال: «بمقدورهم أن يجدوا وسيلة للدخول في دائرة الصداقة مع الأمة الإيرانية. نحن لا نتسامح أبدا مع عدم النزاهة والأنانية وعدم اللياقة». وتابع: «أقول للحكومات ذات النزعة التدخلية، لقد ارتكبتم ظلما حيال الشعب خلال هذه الانتخابات وأسأتم استخدام وسائلكم السياسية والمالية». وحاول أحمدي نجاد طمأنة كل الإيرانيين أنه سيكون رئيسا للجميع، قائلا: «سأكون رئيس سبعين مليون إيراني، وأنا خادم لمن اختاروني ومن لم يختاروني». وفي معرض الإشارة إلى استعداده للمصالحة مع المعارضة قال الرئيس الإيراني: «إننا على أعتاب مرحلة جديدة، ولذا علينا العمل معا يدا في يد لجعل إيران نموذجا يُحتذى في كل العالم».

وسادت تساؤلات أمس حول «امتناع» أو «منع» أحمدي نجاد من تقبيل يد خامنئي خلال مراسم تصديق المرشد على تعينه رئيسا لولاية ثانية. ففيما قالت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية «إرنا» إن خامنئي منع محمود أحمدي نجاد من تقبيل يده، قالت مواقع إيرانية إن أحمدي نجاد لن يقبل يد المرشد بسبب إصابته بالزكام.

وبثت قناة «العالم» الإيرانية المشاهد الأولى لحفل التصديق على إنتخاب أحمدي نجاد، كما بثه التلفزيون الإيراني الرسمي. وشوهد في اللقطات التي عرضت الرئيس أحمدي نجاد جالسا على الأرض بجوار رئيس السلطة القضائية آية الله محمود هاشمي شهرودي وإلى يسار المرشد الأعلى الجالس على مقعد. وعلى الجانب الآخر جلس رئيس البرلمان علي لاريجاني ورئيس مجلس صيانة الدستور آية الله أحمد جنتي رئيس مجلس صيانة الدستور. وتلا رئيس مكتب المرشد الأعلى آية الله محمد قلبيقاني مرسوم التصديق على انتخاب أحمدي نجاد. وسيكون أمام الرئيس الإيراني بعد ذلك أسبوعان لتقديم تشكيل وزارته للبرلمان الذي يهيمن عليه المحافظون والذي يمكن أن يعترض إذا ما عين أحمدي نجاد أشخاصا من دائرته الداخلية فقط. ويواجه الرئيس بالتالي مهمة عسيرة متمثلة في تشكيل حكومة مقبولة لدى البرلمان لأن الكثير من أعضاء الحكومة الحالية يريدون المغادرة، فيما تعهد تكنوقراط آخرون بمقاطعة الحكومة. وكان البرلمان قد رفض في السابق بعضا من اختيارات أحمدي نجاد لشغل مناصب وزارية.

ودون دعم خامنئي يمكن أن تلاقي اختيارات أحمدي نجاد للمناصب الوزارية مشكلات كبيرة، ومع أن الرئيس الإيراني يحتاج إلى دعم المرشد، فإنه بدا قريبا من تحدي رؤية خامنئي من خلال تأخره أسبوعا قبل أن يمثل لأمره باستبعاد مشائي، ولكنه عينه كبير موظفين لديه. كما عزل أحمدي نجاد وزير الاستخبارات محسني اجئي الذي انتقد تلكؤ أحمدي نجاد في المثول لأمر خامنئي وإقالة مشائي، ثم استقال وزير الثقافة في حكومته صفار هرندي مما دعا مسؤولين محافظين ونواب بالبرلمان إلى انتقاد أحمدي نجاد. ورغم تشديد الإجراءات الأمنية لمنع المظاهرات، قال شهود عيان إن الآلاف تظاهروا في مدن إيرانية من بينها طهران احتجاجا على التصديق على رئاسة أحمدي نجاد رغم انتشار العشرات من أفراد شرطة مكافحة الشغب وميليشيا الباسيج الذين تجمعوا في ميدان بوسط طهران عقب حفل التصديق لمنع أنصار موسوي من حضور احتجاجات كانت مقررة في الساعة 13:30 بتوقيت غرينتش. وأوضح شهود العيان أنه بعد ذلك بساعات خرج الآلاف على الرغم من الطوق الأمني حول العاصمة طهران وباقي المدن الإيرانية الأساسية مرددين: «الموت للدكتاتور» و«الحرية» و«أحمدي نجاد استقِل.. استقِل.. استقِل».

وقال مسؤول إصلاحي إيراني ان المعارضة الإصلاحية في إيران ستواصل تحديها لنتائج الانتخابات ولن تعترف بشرعية رئاسة محمود أحمدي نجاد. وأعترف ذللك المسؤول الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» بشرط عدم الكشف عن هويته بأن تولي احمدي نجاد مهام الرئاسة رسميا سيصعب عمل الاصلاحيون، موضحا: «عندما يتولى مهام الرئاسة سيزداد سعى السلطات لمنع اى مظاهرات أو أشكال للإعتراض. غير ان الامر يعود على المسؤولين وقادة الإصلاحيين. فكل شخص منهم سيأخذ القرارات المناسبة فيما يتعلق بمواصلة التصدي لنتائج الانتخابات». ويأتي تصديق المرشد على تنصيب أحمدي نجاد كخطوة متوقعة وربما لا مفر منها بالرغم من أنها لن تنهي الازمة السياسية في إيران. وقال مصدر إيراني اخر مقرب من معسكر رفسنجاني أن المرشد الاعلى «محاصر بسبب خياراته»، موضحا لـ«الشرق الاوسط»:«ليس من الممكن أن يتراجع الأن. لابد ان يسير في الطريق مع هذه الحكومة لاربع سنوات اخرى. لا أعتقد ان مرتاح للوضع الحالي. لكن خياراته محددوة جدا. والتطورات باتت أكبر من قدرته على السيطرة». ومن المتوقع أن يعلن مير حسين موسوي خلال الأيام المقبلة التشكيل السياسي الاصلاحي الذي قال أنه سيضم مسؤولين كبار بالحركة الاصلاحية وعدد من آيات الله النافذين في قم. وكان مقربون من موسوي قد قالوا انه سيعلن ذلك التنظيم بشكل يتزامن مع قسم احمدي نجاد اليمين الدستورية غدا. وقال موسوي الأسبوع الماضي أنه يريد من ذلك التنظيم السياسي ان لا يعمل كحزب سياسي ضيق، بل كحركة سياسية واسعة تعيد إحياء مواد في الدستور الإيراني تم أهملها خلال السنوات الماضية. وتردد على نطاق واسع ساعتها انه يسعى مع رفسنجاني وخاتمي وكروبي الى تطبيق البند الذي يتحدث عن مساءلة المرشد الاعلى أمام مجلس الخبراء إذا تصرف بطريقة يرى غالبية أعضاء مجلس الخبراء أنها تتعارض مع دوره الدستوري.