جنبلاط يريد برنامجا جديدا لـ«14 آذار».. بعد أن تحقق كل ما طرحه حول المحكمة وسورية

يطفئ شمعته الـ60 اليوم على أمل انحسار عاصفة مواقفه الأخيرة

TT

أمران يعرفهما اللبنانيون عن الزعيم الدرزي، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، النائب وليد جنبلاط: الأول أنه «متقلب المواقف»، والثاني أنه صاحب «رادارات» تجعله أهم من يستشعر ويرصد الأحداث والتحولات. ولهذا يقوم كثيرون بمحاولة «استشعار» ما وراء مواقفه ومجاراته في «النظر إلى البعيد».

وعلى الرغم من وجود بعض «التململ الطبيعي» داخل الحزب وقياداته ونوابه في البرلمان، خاصة من الذين يرون أنه «لا بد من المزيد من الانتظار» في ضفاف الأكثرية قبل الانتقال إلى الوسط، فإن هذه الزوبعة الأخيرة لم تؤثر في جمهور وليد جنبلاط الدرزي الذي يراه على أنه الزعيم شبه الوحيد للطائفة. كما لم تؤثر هذه التقلبات في الآراء بالبنية الحزبية، على الرغم من سريان شائعات عن وجود «تباين» داخل الحزب، خاصة مع تخلف عدد من نواب كتلة جنبلاط المقربين جدا منه عن مواكبة حركته الأخيرة، وصمتهم الذي فسر على أنه «انزعاج» من خطوات رئيسهم. كما تردد أن بعض هؤلاء أبدى أمام قيادات في الأكثرية «عدم ارتياحهم» لهذه الخطوات.

وتقول مصادر في الحزب التقدمي لـ«الشرق الأوسط» إن الحزبيين لا بد أن يلتزموا قرارات قيادتهم بعد اتخاذها، وفي النتيجة، فإن من لا يلتزم يخرج، محاولة التقليل من «دقة» هذا الكلام. وتشير المصادر إلى أن ممثل الحزب في الأمانة العامة لقوى «14 آذار» لن يعود إلى الاجتماعات قريبا، لكن الحزب سيناقش مع هذه الأمانة صورة الواقع الجديد. فالنائب جنبلاط يرى أن ما رفعته «14 آذار» من شعارات قد تحقق في غالبيته، سواء في ما يتعلق بالمحكمة الدولية أو في العلاقات مع سورية أو في موضوع السلاح الذي يبقى في عهدة حوار يقوده رئيس الجمهورية. وبالتالي لا بد من أن يجدد التحالف برنامجه السياسي لمواكبة تطورات المنطقة المقلقة بالنسبة لجنبلاط، خاصة في ما يتعلق بالملف الإسلامي ـ الإسلامي، مشيرة إلى أن الموقف النهائي لجنبلاط لن يتخذ قبل ذلك.

وفي خضم كل ذلك، يطفئ جنبلاط اليوم شمعة عيد ميلاده الـ60 على أمل أن تنطفئ معها الزوبعة السياسية التي أثارتها مواقفه الأخيرة، التي أدت إلى «جفاء» مع حلفائه في «14 آذار» الذين لم يفهموا تماما ـ مع غيرهم ـ توقيت الموقف الجنبلاطي الذي كانوا يتوقعونه منذ ما قبل الانتخابات النيابية كسياق طبيعي لمواقفه «المتطورة» منذ أحداث «7 أيار» (مايو) 2008، التي كان هو أحد أسباب اندلاعها عندما وقف ذات يوم حاملا بيده خريطة شبكة اتصالات «حزب الله» وصورة كاميرا المراقبة «التي ترصد المدرج 17 في مطار بيروت» الذي تستعمله الشخصيات المهمة إقلاعا وهبوطا. قيل يومها إن جنبلاط كان المحرض الرئيسي على هذا القرار، ما دفع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في كلمته الشهيرة التي أعطت «أمر العمليات» لـ«7 أيار» أن يتهم جنبلاط مباشرة بالوقوف وراء القرار. وقد خرج نصر الله عن «أدبيات» الحزب في التعامل مع جنبلاط التي تجنبت مهاجمته مباشرة طوال سنتين ليصف نصر الله الحكومة اللبنانية بـ«حكومة السيد جنبلاط». يومها نزل «السلاح لحماية السلاح» في بيروت أولا، قبل أن يتجه إلى الجبل من 3 محاور انطلاقا من الضاحية الجنوبية غربا والبقاع شرقا ومن بلدتي كيفون والقماطية في قلب الجبل. في بيروت حوصر جنبلاط من دون أن يتم التعرض إليه، وفي الجبل جرت معارك استعملت فيها المدفعية. قيل كثير عن تلك المعارك، وكيف أن أنصار جنبلاط أوقفوا المد العسكري للحزب وأوقعوا الخسائر.. لكن «جنبلاط الواقعي» الذي ولد ليلة «7 أيار» (مايو) كانت له وجهة نظر أخرى. فهو بدأ يتصرف منذ ذلك الحين على أساس أن الوجود الدرزي في لبنان في خطر، وأن عليه العمل لحمايته. ومنذ ذلك التاريخ انطلق في مسار جديد. فالزعيم الدرزي الذي كان يقول قبل «7 أيار» (مايو): «سوف نحرق الأخضر واليابس»، أصبح يقول إن «التفاهم الإسلامي ـ الإسلامي» ضرورة ليس قبلها ضرورة، ما أثار حفيظة حلفائه من المسيحيين. قرأ جنبلاط نبض التغيير الأميركي مسبقا بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، أدرك بعد ذلك التاريخ أن المنطقة مقبلة على تغييرات، وأن التفويض الأميركي لسورية سوف تنتهي مفاعيله قريبا. حاول أن «يعقلن» الأداء السوري في لبنان لحمايته من العواصف المقبلة، فانتهج سياسة «الانتقاد البناء» وفاجأ الجميع عندما وقف في مجلس النواب في 6 نوفمبر (تشرين الثاني) داعيا إلى تقليص موازنة الجيش والأجهزة الأمنية، وإلغاء الخدمة العسكرية، وتنظيم الوجود العسكري السوري في لبنان بسحب الجيش السوري من بعض المناطق، وعدم تدخل الأجهزة السورية في الشؤون اللبنانية. قوبل جنبلاط بالتخوين من قبل بعض حلفاء سورية، وبدأت حملة من الاتهامات تشن عليه. لم يتخل جنبلاط عن «يساريته» الاشتراكية بسهولة، ظل معاندا، وكان في طليعة منتقدي الغزو الأميركي للعراق حتى إنه تمنى ذات يوم للمبعوث الأميركي بول وولفيتز الموت، فسحبت منه التأشيرة الأميركية، قبل أن «يضطر» إلى ركوب الموجة الأميركية عام 2005 مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري، محافظا على تمايزه مع بقية قوى «14 آذار» على الرغم من أن هذا التمايز كان يظهر أحيانا كأنه مزيدا من التطرف عن زملائه في الأكثرية.