الانتخابات الأفغانية: التحالفات الجديدة مع المجاهدين.. ورقة الفوز في الرئاسة

مقتل 7 في هجوم انتحاري بينهم موظفون في الأمم المتحدة.. واعتداء صاروخي على القصر الرئاسي عشية بدء التصويت

صبي يمسك بحمار يحمل صناديق انتخابية في مقاطعة باجنشير في شمال كابل (رويترز)
TT

اختتمت الحملة الانتخابية الرئاسية في أفغانستان أول من أمس، حيث عزز المرشحون لانتخابات الرئاسة والولايات جهودهم لإقناع الناخبين بالتوجه إلى صناديق الاقتراع، وسط توتر شديد تغذيه تهديدات بهجمات انتحارية قد يشنها المتمردون من عناصر طالبان في كابل والمدن الداخلية. وقد عزز ذلك بالفعل استهداف المقر الرئاسي للرئيس حميد كرزاي، ومقر للشرطة في كابل، بصواريخ فجر أمس، لم تنجم عنها أي إصابات. كما استهدف هجوم انتحاري أحد الطرق الرئيسية الواقعة شرق العاصمة، أدى الى مقتل 7 أشخاص بينهم موظفين اثنين في الامم المتحدة، وجرح 52 آخرين, وقالت مصادر في الشرطة وشهود عيان، إن انتحاريا يقود سيارة مفخخة، استهدف رتلا للقوات الأجنبية كان يمر على الطريق العام بين كابل ومدينة جلال آباد. وتعرض قصر الرئاسة والمنطقة المحيطة به وسط كابل لهجومين صاروخيين في وقت مبكر من صباح أمس، حيث سمع دوي انفجار الصاروخين في أنحاء المدينة. وأفادت تقارير بأن حركة طالبان أعلنت مسؤوليتها عن الهجومين، اللذين جاءا تنفيذا لتهديدات سابقة. وقد حاولت السلطات الأفغانية التقليل من الهجوم الصاروخي على قصر الرئاسة، باعتبار أنه لم يسقط ضحايا في الهجوم. ويتوجه نحو 17 مليون ناخب أفغاني إلى صناديق الاقتراع غدا؛ لاختيار رئيسهم للمرة الثانية في تاريخ البلاد، وكذلك لاختيار 420 مسؤولا في 34 ولاية في عملية ضخمة يخيم عليها انعدام الأمن ومصاعب لوجستية. ويبدو كرزاي، الذي حملته الأسرة الدولية إلى السلطة في نهاية 2001 وانتخب في 2004، المرشح الأوفر حظا للفوز في الاقتراع الرئاسي.

وتحالفات كرزاي الجديدة مع أمراء الحرب هي التي تمهد بقوة لفوزه. فعندما كان محمد قاسم فهيم نائبا للرئيس الأفغاني، ووزيرا للدفاع في الحكومة التي أعقبت الغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001، كان ينظر إليه كثيرون على أنه أكثر قوة من كرزاي. وعندما أتيحت الفرصة للشعب الأفغاني لانتخاب رئيسه للمرة الأولى عام 2004، أقصى كرزاي فهيم، أمير الحرب الطاجيكي، وفاز بالانتخابات. وقد أثار هذا الأمر استحسان الحكومات الغربية التي أعربت عن قلقها من احتمالية إصدار فهيم أوامر لدباباته بالتحرك إلى شوارع كابل للاستيلاء على السلطة. بيد أنه في إطار استعداداته للانتخابات الرئاسية الثانية اتخذ كرزاي منحى مختلفا. فبناء على طلب مسؤولين غربيين، اختار كرزاي فهيم كنائب أول له في حملته. ويقول منتقدون من الطاجيك إن هذه الردة في موقفه، تشير إلى أن حملة كرزاي للحفاظ على السلطة، دفعته إلى التحالف مع ستة من أمراء الحرب السابقين، الذين ضمنوا له دعما سياسيا مقابل صفقات خلفية.

وعلى الرغم من الجهل بطبيعة وثمن تلك الصفقات، إلا أن مسؤولين غربيين وسياسيين أفغان ومنظمات غير حكومية، قالوا إنها تحمل وعودا بالحماية من التعرض لملاحقات قضائية، وتكوين أقاليم لصالح مجموعات عرقية، وإطلاق سراح كبار تجار المخدرات. ومن بين أمراء الحرب الداعمين لكرزاي، الجنرال عبد الرشيد دوستم القائد الأوزبكي، الذي اتهم رجاله بقتل المئات من أسرى الأفغان العرب وطالبان عام 2001، الذي تعهد الآن باستعادة المزيد من السلطة على الشمال الأفغاني، وقد عاد مرة أخرى من منفاه في تركيا إلى العاصمة كابل لتأمين أصوات الاوزبك لصالح كرزاي. ودوستم الزعيم الاوزبكي فاز بعشرة في المائة من الأصوات في الانتخابات التي جرت عام 2004.

وأبلغت واشنطن الحكومة الأفغانية، أنها «قلقة بشكل كبير من الدور الذي يمكن أن يلعبه دوستم في أفغانستان، خصوصا خلال هذه الانتخابات التاريخية»، حسب السفارة الأميركية في كابل.

ومن أمراء الحرب أيضا محمد محقيق وكريم خليلي نائبه الحالي أميرا الحرب من أبناء الأقلية الهزرية الشيعية، وعبد رب الرسول سياف، الذي قتلت ميليشياته المئات من المدنيين الهزاره غرب كابل عام 1993. وهناك أيضا أمير الحرب غول أغا شيرازي، الذي تورط في عمليات فساد تتعلق بتجارة المخدرات، ويشغل حاليا حاكم إقليم ننغارهار، ويحتمل أن يصبح حاكم قندهار أو وزيرا. ورغم ذلك، فان خبراء الشأن الأفغاني على يقين أن من كان من يدعمه المجاهدون فسيربح الانتخابات مثل الدكتور عبد الله عبد الله وزير الخارجية الأفغاني الأسبق، رجل المجاهدين الذي يحظى بدعم «جبهة مللي متحدة» التي يرأسها البروفيسور برهان الدين رباني والذراع اليمنى لأحمد شاه مسعود زعيم التحالف الشمالي، الذي اغتالته القاعدة قبل يومين من هجمات سبتمبر (أيلول). وقبل نهاية الحملة الانتخابية في استاد كابل الرئيسي، الذي كانت تستخدمه طالبان لتنفيذ الحدود الشرعية بعد صلاة كل جمعة، حمل حشد من المؤيدين عبد الله عبد الله على الأعناق وهتفوا باسمه واسم زعيمهم الراحل أحمد شاه مسعود، الذي قاتل القوات السوفيتية وحركة طالبان، واعتبرته الحكومة بطلا قوميا. وقال الكوماندر مسلم حياة، المستشار العسكري السابق في سفارة الأفغان بلندن، عقب لقائه في العاصمة كابل، لـ«الشرق الأوسط»، إن الدكتور عبد الله «مرشح عموم الأفغان، وهو وليس مرشح الأميركيين، ويحظى بقبول واسع من قيادات المجاهدين السابقة».

وفي مول صافي لاند بوسط كابل، الذي يملكه المجاهد الشيخ عبد القدوس من مزار شريف، ويملك أيضا فندقا يحمل الاسم نفسه، وشركة خطوط طيران تتنقل بين كابل ودبي وأبو ظبي وفرانكفورت ومختلف المدن الداخلية، كانت آراء الشباب الذين جاءوا لتناول القهوة، تتضارب حول التصويت لكرزاي أم عبد الله.

وقال نور الله، وهو شاب في الخامسة والعشرين من العمر، صاحب متجر يبيع الملابس النسائية ليس بينها شادور أو برقع بل اغلبها ملابس تناسب المحجبات، ويبيع أيضا أحذية بكعب عال وباشمينا بألوان براقة تخطف العين من حسنها وجمال ملمسها: «لولا كرزاي لما كنا في هذا المكان ولما خرجت السيدات من منازلهن يتبضعن من دون محرم كما كان في عهد طالبان». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «كرزاي امن لنا الكثير من الحرية فهناك 17 محطة تلفزيونية، هناك نهضة معمارية وثقة بين الناس في التعامل ولا عودة إلى الوراء، وكرزاي غير محسوب على احد وهو محبوب من المجتمع الدولي، على عكس عبد الله الجهادي القديم».

ويؤكد منافسا كرزاي، عبد الله عبد الله، وأشرف غاني مسؤول البنك الدولي السابق، على فكرة أنه حان وقت التغيير، وهي الرسالة التي تجد صدى قويا لدى الشعب، الذي يشعر بخيبة الأمل بسبب بطء عمليات إعادة الإعمار منذ الغزو الأميركي، منذ نحو ثمانية أعوام، ويشعر بالغضب من ثقافة الفساد المتفشية.

لكن الكثير من المراقبين الأفغان الأجانب يساورهم القلق من الصفقات السرية التي أبرمت لتأمين فوز كرزاي بولاية رئاسية أخرى، يمكن أن تعيد زعماء الجماعات المسلحة إلى مواقع المحسوبية والسلطة، وتؤدي إلى انتكاسة لجهود تحسين إدارة البلاد. ورفض أكثر من وزير وقاض من المحكمة العليا الحديث صراحة إلى «الشرق الأوسط»؛ لأنه غير مخول لهم التدخل في الشؤون الانتخابية لصالح مرشح ضد آخر. ويقول كرزاي الذي تولى الحكم من خلال اتفاق تم التوصل إليه بوساطة دولية بعد سقوط حكم حركة طالبان عام 2001، وفاز بسهولة في أول انتخابات ديمقراطية أجرتها البلاد بعد ذلك بثلاث سنوات، إن تواصله مع عناصر الجماعات المسلحة السابقة لا يهدف إلى تقسيم السلطة بين الإقطاعيين بل إلى تكوين «شراكة وطنية». ومواهب كرزاي في المصالحة أحد العناصر الرئيسية في حملته الانتخابية. وهو يستقبل في مؤتمراته الانتخابية عادة بالتهليل، إذ يتعهد بالسعي إلى اتفاق للسلام مع مقاتلي حركة طالبان. وفي الآونة الأخيرة استطاع كرزاي الحصول في اللحظة الأخيرة على تأييد إسماعيل خان وزير الطاقة، وهو قائد سابق للمسلحين استدعاه كرزاي إلى كابل قبل سنوات ليقيله من منصبه، الذي وفر له نفوذا كبيرا كحاكم لإقليم هرات بغرب البلاد. لكن الحملات النشطة لخصوم كرزاي، لا سيما عبد الله، قد تؤدي إلى تنظيم جولة ثانية من الانتخابات، حسبما يؤكد مراقبون في العاصمة كابل. وشارك حوالي عشرة آلاف أفغاني من أنصار عبد الله في تجمع حاشد الاثنين الماضي، في اليوم الأخير من الحملة. وتدفق الآلاف إلى استاد كابل الرياضي، الذي كان يستخدمه نظام طالبان السابق لتنفيذ عمليات الإعدام، وهم يعتمرون قبعات زرقاء ويحملون صورا لعبد الله عبد الله ويهتفون باسمه.

وفي مشهد تندر رؤيته في أفغانستان، حلقت مروحية فوق المشاركين في التجمع وألقت بمئات الأوراق التي تحمل صورة عبد الله ورمزه ورقمه الانتخابي المدرجين على بطاقات الاقتراع؛ لتسهيل عملية الاقتراع على الأغلبية الأمية من الأفغان. وكتب على الأوراق «أيها الرفاق استيقظوا، لقد حان الوقت لتغيير كبير». وكتبت تلك العبارة باللغات الثلاث الأكثر انتشارا في أفغانستان، وهي الداري والباشتو والاوزبك. وهتفت الحشود مقاطعة كلمة عبد الله، التي زخرت بالإدانات لكرزاي «مرشحنا المفضل، عبد الله عبد الله» و«مستقبلنا الجيد، عبد الله عبد الله». وقال عبد الله الذي كان يحيط به عدد كبير من المصورين «هل تريدون التصويت لرئيس يفرج عن قتلة من السجون، ويفرج عن تجار أفيون من السجون؟، سأعمل بجد من أجلكم».