«القاعدة» تستهدف مساند التائبين

حضر مناسباتهم وقوّى الصلات المجتمعية معهم ودعم أسرهم

الأمير محمد بن نايف («الشرق ألوسط»)
TT

«من مأمنه يؤتى الحذر»، مقولة عربية أثبتتها واقعة استهداف الأمير محمد بن نايف، مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية، وهو الرجل الذي وُصف بأنه «صديق المطلوبين أمنيا التائبين»، نظرا إلى ما قدم ويقدم لهم من خدمات لتسهيل عودتهم إلى ديارهم وإلى صوابهم، متخطيا كرمه كل ذلك إلى استقباله لهم في منزله.

كان من المفترض أن تجعل الأحداث الأمنية في السعودية، منذ سلسلة الضربات الناجحة والموجعة في العمق التنظيمي للجماعات المتطرفة التي بدأت عام 2003، الأمير محمد بن نايف العدو الأول والأقوى للجماعات الإرهابية في البلاد، بيد أنه أضحى «الصديق والقريب والمعين» لكل المجموعات التي تراجعت عن أفكارها الضالة والعدوانية، وابتعدت عن الشبكات التي تورط أفرادها بشكلٍ منظم في استهداف السعودية بمرافقها العسكرية والمدنية.

يوصف مساعد وزير الداخلية بأنه الرجل المتابع للقضايا الاجتماعية والإنسانية كافة للحفاظ على أسر الموقوفين من التشرد والضياع، وما تبنيه لطفلي المطلوب عبد الرحمن المتعب، رغم تواري والدهما عن أنظار أجهزة الأمن، إلا مثال آخر من أمثلة «العفو عند المقدرة».

سبق للأمير محمد بن نايف أن استقبل قبل ذلك كلا من المطلوبين علي الفقعسي الغامدي المدرج في القائمة الأولى للمطلوبين أمنيا، والتي ضمت 19 مطلوبا عرفوا بـ«خلية أشبيليا»، وعبد الله بن عطية بن حضيض السلمي، كما ساعد في تيسير إجراءات تسليم المطلوبين لأنفسهم إلى الأجهزة الأمنية. سعى الرجل الذي قلم أظافر الإرهاب بامتياز، جاهدا نحو تعزيز الوشائج المجتمعية للمطلوبين الذين سلموا أنفسهم، فكرس وقته لحضور مناسباتهم والتواصل معهم، بل وصل به الاهتمام أن اعتمد لهم ولأسرهم معاشات مالية شهرية لينخرطوا في التركيبة المجتمعية شأنهم شأن بقية أفراد المجتمع السعودي.

وأوضح الدكتور علي النفيسة مدير عام التوجيه والإرشاد بوزارة الداخلية السعودية، لـ«الشرق الأوسط» أن استهداف مساعد وزير الداخلية السعودية في الشهر الفضيل يعكس عدة جوانب الأول منها الاستجابة للفتاوى التحريضية التي انطلقوا منها وهي الفتاوى التكفيرية وفلسفة تكفير الدولة ورموزها، في شكل تكفيري ممنهج ابتدأوه بجواز العمليات الانتحارية وبلورتها على أساس أنها استشهادية، واستهداف رجال الأمن أيضا من منطلق كتبهم «هدي الساري في جواز استهداف رجال الطواري» و«الباعث على جواز استهداف رجال المباحث» وغيرها من الكتب المؤلفة في هذا الشأن التي تصب في جانب عدواني تجاه رموز الدولة بالدرجة الأولى وأمن الوطن بشكلٍ شمولي.

وأشار مدير عام التوجيه والتوعية بوزارة الداخلية السعودية إلى أن نجاح الأمير محمد في حربه للفئة الضالة «كان دافعا لاستهدافه شخصيا، وبالتالي تم استهدافه نتيجة تخطيط استخباراتي، ويبقى أن استهداف شخص الأمير، جاء باستغلال إنسانيته والدليل في حديثه للملك عبد الله بن عبد العزيز حين قال إنه منع رجال المباحث والحرس من تفتيشه انطلاقا من إنسانية وطيب مساعد وزير الداخلية وإيمانا من سموه أن تلك الجوانب الإنسانية هي مؤثرة جدا لعقلية المسلم، بيد أن الفتاوى التي نخرت في عقل ذلك الشاب، أعمته عن طريق الحق والأمن فلم تؤثر فيه تلك المعاملة الطيبة والراقية من شخص الأمير محمد بن نايف».

من جهته، استهل يحيى الأمير، الكاتب والمحلل السياسي، حديثه لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «خسروا ألطف شخص يتعامل معهم»، مؤكدا أن هذه المجموعات المتطرفة «وأدت كل أحلام التوبة والرجوع المزعوم، وبرهنت للجميع أن كل ما يقال من قبلهم حول الرجوع عن أفكارهم وتطرفهم مجرد أفكار دعائية وليست حقيقية».وأضاف «إن الأمير محمد بن نايف رجل يستوعب كل مناطق التأثير في شخصية الإنسان السعودي، من قبول التائبين، ومساعدة جميع أفراد أسرهم، ما جعلهم ينخرطون في التركيبة الاجتماعية السعودية، والقدرة على احتوائهم».

وأوضح الكاتب الأمير أنه بعد جميع الجولات الماراثونية في ضرورة أن يسلم الإرهابيون أنفسهم ويتحرروا من أفكارهم الظلامية، والجهود المضنية التي قام بها مساعد وزير الداخلية السعودي، في التعامل الكريم والاستقبال الأكرم للمطلوبين، واستعادة آخرين منهم موقوفين في الخارج، فإن بعض عناصر القاعدة لم يأبهوا وقابلوا الحميمية والأخوّة بالغدر، والأمن بالخيانة.

وأشار في السياق ذاته إلى أن أحدا لم يكن يتوقع أن يصل الغدر بهذا التنظيم إلى ما وصل إليه أخيرا، وقال: «فاجأنا الإرهاب مرات عدة في الوطن ابتداء من استهداف القوات الأجنبية بزعم ضرورة خروجها من جزيرة العرب، متعللين بالحديث النبوي الشريف «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب» وهم منه براء، وأيضا استهدافهم للمراكز الأمنية والمجمعات السكنية، فهو تنظيم لا يقيم وزنا للترابط الاجتماعي، ولا للقيمة المجتمعية، يفتقر إلى العمل الوطني والحس الناجح».

ولفت الكاتب الأمير إلى أنه «في المقابل وعلى مستوى الإنجازات، فإنه لا يوجد شخص في دول العالم أجمع، ممن يتابعون ملفات الإرهاب أنجز ما أنجزه الأمير محمد بن نايف، ولا يوجد ثمة شخص فكك ما فككه طوال السنوات التي مضت في عراكه مع الإرهاب، فهو رجل الضربات الاستباقية التي ضربت القاعدة في الصميم، وكسرت بنية التنظيم من الداخل، وأنهكت الإرهاب في جميع فصوله وأشرس مناطقه، واشتغل ضد جميع جبهاتها من التمويل والقيادات والأذرع الإعلامية، وهم يدركون ـ القاعدة بشكلٍ خاص ـ أنه الرجل الذي قلم أظافرها ظفرا ظفرا بكل صرامةٍ وهدوء منذ عام 2003».

وأبان الكاتب الأمير أن المتابع لتصريحات الأمير محمد بن نايف لا يجد تصريحا شديد اللهجة ضد «الفئة الضالة»، ولم يعرف من وسائل الإعلام أنها كتبت أو نقلت عنه تصريحات استعراضية، على رغم قوة الإنجاز الذي حققه، بل قدم عوضا عن ذلك حالة من الكرم الشديد والمساعدة والتعاون مع كل من يلوح بالتوبة أو العودة والتراجع. وعدد الكاتب والمحلل السياسي خسائر المتطرفين فكريا والمنضوين في التنظيمات الإرهابية الراغبين في «التوبة» عن ماضيهم، وقال: «خسروا المسؤول في التعاون وكان يتعامل معهم بشكل يجرد الفرد من إحساس المنبوذ اجتماعيا، فكان يساعدهم ويحضر مناسباتهم، كان سخيا معهم قوي الكرم والإخاء، ولكنها عقيدة التطرف المخاتلة والمخادعة والتي اتسمت كذلك بالجنون الآيديولوجي التي لا تؤثر معها كل قيم التسامح والكرم والتقدير».

ولفت الكاتب الأمير إلى أن الكرم والأمن والإخاء لا ينفع إلا من كانت لديه معايير متزنة للحياة، ترى في المناسبات الإسلامية مناسبات إيجابية للتواصل مع الحياة، فيما المجرمون يتعاملون معها على أنها مناسبات مهيئة للهجوم، وأوقات إيجابية للغدر والخيانة، مدللا على ذلك «بحادثة المحيا الشهيرة والمعروفة بغزوة بدر الرياض في أدبياتهم المهترئة، وقد حدثت في الشهر الفضيل، شهر الحب والإخاء والتسامح». أما حماد السالمي، الكاتب والإعلامي، فأوضح أن العمل الإرهابي، الذي وقع في مجلس الأمير محمد بن نايف واستهدف شخص الأمير نفسه «هو عمل جبان وحقير، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فالشخص الذي نفذ العملية الإرهابية، واحد من المطلوبين أمنيا طلب مقابلة الأمير لتسليم نفسه ـ كما جاء في البيان الرسمي ـ فهو إذن من زمرة الخلايا الإرهابية التي تستظل بأمن هذه البلاد، وترتع في خيراتها، ثم تنهش فيها ليل نهار، وهي التي تظهر الولاء زيفا وكذبا، وتبطن العداء للدين والدولة والوطن».

وأضاف: «هذه الشراذم التي تحتمي بشيوخ الفتنة، ستظل شوكة في خاصرة وطننا وشعبنا حتى نتمكن من استئصالها، ولن تُستأصل حتى يُقطع دابر الذين يفتون لها ويحمونها، ويموّلونها ويحرضونها. هذا واجبنا جميعا في المستقبل». وأعرب السالمي عن دهشته الشديدة تجاه الحادثة، وقال: «إني مندهش حقيقة، من استهداف الأمير الشاب، الذي ظل طوال سنوات خلت يقابل إساءات الظلاميين والإرهابيين بالحسنى، متى ما أظهروا التوبة وحسن النية.. الأمير الذي يفتح مجلسه ـ بل قلبه قبل مجلسه ـ لكل من أراد أن يسلم نفسه، ممن بطش واعتدى وأرهب وأرعب وكفّر وفجّر، ومنهم من عاد من أرض العراق أو غوانتانامو، فلا يجد أحد منهم عنده إلا الترحيب والتكريم وحفظ ماء الوجه، حتى إنه يجزل لهم ولأمثالهم العطايا والهدايا بعد العفو والصفح عنهم، فكم من واحد منهم حصل على منزل وسيارة ودار وزوجة أيضا، حتى لربما استقر في أذهان مريضي النفوس منهم، أن في هذا الموقف ضعفا من الدولة، أو خوفا منهم، أو مكافأة لهم على أفعالهم الشائنة، سواء داخل الوطن أو خارجه، وما ظن بعض المرضى، أن الصفح والعفو، هو شيمة من شيم الكرام، ودلالة على القوة لا على الضعف، وأن العطاء هو للإصلاح وحفظ كرامة من وراء هذا وذاك منهم، من أب وأم وزوجة وأبناء وعشيرة وغيرهم».

واختتم الكاتب السالمي حديثه بالقول: «إنه من المؤلم جدا أن يقابَل كل هذا الكرم وهذا العفو وهذا الصفح والتسامح، الذي تبديه الدولة تجاه من ضل وسفل من أبنائها، بهذا الغدر وهذه الخيانة. واستهداف الأمير محمد بن نايف، مساعد وزير الداخلية، الذي يدير ملف الحرب على الإرهاب، عمل جبان حقا، لكنه يحمل رسالة مفادها أن سقوط خلية الـ44 الإرهابية، ليس نهاية المطاف، وأن القاعدة وطالبان، تفرخان كل يوم قنابل إرهابية موقوتة، وحتى نقف هذا التفريخ الكريه، وجب أن نبدأ العمل من المسجد والمدرسة».

من جهته، أشار يحيا الزايدي الخبير الأمني، إلى أن هذا العمل السوداوي الإجرامي هو نتيجة تراكمات كبيرة جدا ولها تاريخ طويل من العمل الإجرامي المنظم، والسعودية هي أول من تصدى لهذه المجموعات السوداوية، وكانت هناك مجموعات كرست جل وقتها وكل استعداداتها لغسل أدمغة صغار السن وزرعهم كعبوات ناسفة في كل مكان، مضيفا أن أجهزة الأمن أثبتت كفاءتها للتصدي للفكر الضال التخريبي وأن التصدي لهم ظل على طول سنوات عديدة مبنيا على الخطط الأمنية للسعودية بكامل جغرافيتها وخرائطها الأمنية. وأبان أن «البلاد بقيادة مليكها ومسؤوليها الأمنيين، أحبطت كل المحاولات الإجرامية الفاشلة، والحادثة الأخيرة التي تعرض لها الأمير محمد بن نايف أثبتت عجز وعقم التنظيم الذي ما فتئ يقابل الأمن بالغدر، والكرم بالخيانة، والصدق بالتدليس والزور والكذب. أرادوا أن يغتالوا رجل الأمن في البلاد فأرداهم الله خاسئين، أرادوا اغتيال رجل المهمات الناجحة والصعبة ورجل الخطط النيرة، رجل كرس الجانب الأمني بمهارة ومعرفة عالية، حيث أفنى جل وقته محاربا للأفكار الظلامية والسوداوية».