قضية السطو على المصرف: 4 أحكام بالإعدام.. لكن التساؤلات تبقى عن «الجهات النافذة» وراءها

مصادر: بسبب علاقاته القوية الكل أراد خروج مدبر العملية الهارب من الصورة

TT

لم يكن على عصابة اللصوص الشعور بالقلق من الشرطة، داخل هذه المنطقة، لأنهم كانوا الشرطة هناك، فالكثير منهم كانوا حراسا شخصيين لإحدى أقوى الشخصيات في العراق وهو نائب الرئيس عادل عبد المهدي. كانت خطتهم بسيطة وغبية، حيث قاموا بإحكام وثاق ثمانية حراس، البعض منهم يعرفونهم، داخل فرع مصرف الرافدين في منطقة الزوية وأطلقوا الرصاص عليهم من مسافة قريبة باستخدام مسدسات بها كاتم صوت. وبعد ذلك رحلوا على عجل ومعهم سيارتان على الأقل محملتان بأموال تصل إلى 4.3 مليون دولار. لكن، هؤلاء اللصوص نسوا الكاميرات الأمنية، والشمس التي أشرقت قبل أن ينهوا عمليتهم في 28 يوليو (تموز)، وعندما غادروا المكان أتاح ضوء النهار للمواطنين الموجودين في المنطقة أن يروهم وأن يلاحظوا ملابسهم الرسمية والسيارات التي استخدموها في الهروب. وأول من أمس وبعد محاكمة قصيرة، قضت محكمة في بغداد بالإعدام على أربعة من التسعة المشتبه في ضلوعهم في السرقة. وحُكم ببراءة أحد المتهمين، ولا يزال هناك أربعة آخرون هاربين. لكن الأحكام لم تنه القضية التي أضحى لها صدى كبير داخل العراق بسبب ما تظهره من فساد وطريقة تطبيق القانون غير السوية داخل العراق. وفي هذه القضية، سوف يتم إعدام تابعين لشخصية بارزة، لكن زعيميْ العصابة المشتبه فيهما اللذين لهما علاقات معروفة مع النخبة السياسية الشيعية أفلتا. وتلقي عملية مصرف الزوية الضوء على مؤسسات العراق الناشئة مثل القضاء ووسائل الإعلام الإخبارية وعلى الساحة السياسية التي تتخذ منحى ديمقراطيا متزايدا، وتجعل من الصعب حتى على الشخصيات الأقوى داخل العراق التستر على قضية مخزية كهذه. ومع ظهور مزيد من التفاصيل، فإن نائب الرئيس وحزبه، المجلس الأعلى الإسلامي العراقي الذي يعد الحزب الشيعي الأكبر داخل البلاد، تلقيا ضربة قوية سيكون لها أثرها على طموحات عبد المهدي ومساعيه لأن يكون رئيس الوزراء المقبل بعد الانتخابات المزمع إجراؤها في يناير (كانون الثاني). ويقول أحمد عبد الحسين، وهو صحافي وصلته تهديدات بسبب مقال كتبه حول القضية: «أنا متأكد من أن عبد المهدي لم يكن متورطا في هذه القضية، ولكن على المواطنين العراقيين أن يفكروا فيما إذا كانوا يريدون زعيما حرّاسه الشخصيون يقومون بسرقة المصارف وممارسة القتل؟» وعلى عكس الوضع الذي كان سائدا إبان صدام حسين، كانت هناك محاكمة مفتوحة ومسموح لأي شخص بأن يوجه انتقادات خلالها، حتى وإن اتخذت أحكام الإعدام خلال يومين ونصف اليوم. ويقول غالب الربيعي، وهو أحد محامي المتهمين: «هذه هي القضية الأولى التي تتم بهذه السرعة».

وقد اكتسبت هذه القضية صعوبات خاصة وصعب غض الطرف عنها بسبب الوحشية التي نفذت به الجريمة، وإعدام الحراس الذين لا حيلة لهم. وبعد ثلاثة أيام من وقوع السرقة، أعلن وزير الداخلية جواد البولاني أن السلطات حددت هوية المجرمين واستعادت المال. وأشار إلى أن «جهات نافذة» ضالعة في الجريمة. وكانت هناك رسالة ضمنية واضحة مفادها أن من قاموا بالجريمة ينتمون حتما إلى هيئات أمنية. ويشار إلى المنطقة بالكامل كانت تحت حماية مجموعة من الحراس الشخصين التابعين للفوج الرئاسي المكلف بتوفير الحماية لعبد المهدي وعائلته ومساعديه. وقامت العصابة في البداية بإخفاء الأموال في منزل قريب تملكه صحيفته، ومن الواضح أن ذلك كان على أساس أنه لن يجرؤ شخص على البحث هناك. وقال البولاني: «لدينا اتصالات مكثفة مع بعض الأطراف، وسوف يسلمون الأشخاص المتورطين».

وقد أدى ذلك إلى ظهور اتهامات غير عادية، حيث امتزجت عملية سرقة البنك بالساحة السياسية الشيعية وعلى المستوى الوطني وتدخلت صلات القرابة، علما بأن العراق لا يزال يحتفظ بطابعه القبلي بدرجة كبيرة. وتحدو البولاني طموحات كبيرة هو الآخر في أن يصبح رئيسا للوزراء، وخلال اليوم الذي تلا أعلن المتحدث باسمه أن السلطات ألقت القبض على ثلاثة أشخاص، وصف اثنين منهما بأنهما من زعماء العصابة، وتوقع إلقاء القبض على اللصوص كافة. ورد عبد المهدي على ذلك، وقال إنه تحدث على الفور بعد أن علم بشأن السرقة إلى رئيس الوزراء نوري المالكي، الذي أصدر بيانا قال فيه إن عبد المهدي أعاد الأموال ولكنه لم يسلم جميع المجرمين. وكان المالكي قد تفوق على عبد المهدي بهامش بسيط في سباق للفوز بمنصب رئيس الوزراء عام 2006، كما أنه ينوي الاحتفاظ بمنصبه. وأرجع عبد المهدي لنفسه بعض الفضل، وقال إن المسؤولين عن تطبيق القانون من بين مجموعة الحرس الشخصيين قاموا بحل القضية، وأشار إلى أن البولاني يقوم بلعبة سياسية. وقال في بيان له: «لقد قوضت السياسة من النجاح في تنفيذ واجب وقف الجريمة المنظمة».

وبعد ضغوط، أصدرت وزارة الداخلية توضيحا أثنى على عبد المهدي لأنه ساعد على توقيف «عصابة من الحرس الشخصيين». ورد على ذلك بالشكر، ولكنه أصر على أن واحدا فقط من الجناة ينتمي إلى حرسه الشخصي. ولكن، قالت شهادة داخل المحكمة إن خمسة من التسعة الذين اتهموا في النهاية كانوا في الواقع من الحرس الشخصيين لعبد المهدي. واختفى أربعة آخرون.

وقيل إن الرجلين اللذين وصفا بأنهما زعيما العصابة هما النقيب جعفر لازم والملازم أمين كريم، وكلاهما من المجموعة الأمنية التابعة لعبد المهدي وأعضاء في الفوج الرئاسي النخبوي. وحسب ما قاله مسؤول في الشرطة، رفض عدم ذكر اسمه، وشهادة أمام المحكمة، فإن لهما صلة قرابة بالعقيد علي لازم، مسؤول مقر الخدمات الأمنية المشتركة في الكرادة، وهي المنطقة التي وقعت فيها الجريمة. ويشرف هذا الجهاز على الخدمات الأمنية العراقية كافة في هذه المنطقة. ولم يتسن الوصول للعميد لازم للحصول على تعليق. وبعدما خفت حدة المساجلات بين السياسيين تبين أن النقيب لازم والملازم كريم لم يعودا موجدين داخل السجن. وزعم موقع «كتابات»، وهو موقع عراقي شهير على شبكة الإنترنت ينشر تعليقات على الأخبار، أنه أطلق سراحهما في إطار صفقة بين نائب الرئيس ووزارة الداخلية. وقال مكتب عبد المهدي إنهما هربا خارج البلاد. وأشار الموقع إلى أن الجميع كانوا يرغبون في خروج النقيب لازم من الصورة بسبب علاقاته القوية، وخوفا من أن يزعم أنه كان يقوم بذلك نيابة عن حزب عبد المهدي بهدف جمع المال لحملة الحزب السياسية القادمة. وداخل قاعة المحكمة كان رد فعل أفراد عائلات الحراس القتلى غاضبا عندما رأوا المشتبه فيهم، وحاول أخو أحد الضحايا القفز إلى داخل قفص المتهمين ليضرب المتهمين، وقامت والدة أحد الضحايا بالبصق عليهما. وطبقا لإحدى الشهادات، فإن اثنين من المتهمين وهما أحمد خالد وعلي عيدان، كانا يعملان في السابق حراسا في مصارف، ويشتبه في أن أحدهما كان هو من أطلق النار مع الملازم كريم. وقال أخو الضحية وهو يصرخ: «كيف قمت بذلك، نمت معهم وأكلت معهم، كيف قمت بقتلهم؟».

وقال كلا الحارسين إنهما أدليا بالاعترافات تحت وطأة التعذيب على يد العميد المسؤول عن مجموعة الحراس الشخصيين التابعة لعبد المهدي. ولم يقبل القضاة ذلك، وقالوا إن المسدس الذي استخدم في القتل يعود إليهما. ولم يكن هناك محام يدافع عن خالد أو عيدان، ولذا فإنه في نهاية اليوم الثاني من المحكمة، طلب القاضي من أحد محامي الدفاع الآخرين أن يتحدث بإيجاز، فقال: «لتأخذ العدالة مجراها»، ولم يزد على ذلك شيئا.

*خدمة «نيويورك تايمز».