إيران: دعوة علنية نادرة لإنهاء الأزمة الداخلية.. للتركيز على «تصدير الثورة» للخارج

رسالة خامنئي لأحمدي نجاد: تدخلي أنقذ 9 وزراء.. وبدوني حكومتك لم تكن لتمر

سولانا وميليباند خلال اجتماعات ستوكهولم أمس والتي ناقشت المباحثات النووية مع إيران (ا ب)
TT

في سابقة نادرا ما تحدث من كبار المسؤولين الإيرانيين، حث آية الله محمد أمامي كاشاني رجل الدين الإيراني البارز التيارات المختلفة في إيران أمس على إنهاء النزاع الداخلي الذي أعقب الانتخابات، والتركيز بدلا من ذلك على محاولة «تصدير الثورة» الإيرانية للخارج. وصك قائد الثورة الإيرانية آية الله روح الله الخميني مفهوم «تصدير الثورة» بعد الثورة مباشرة، لكن مثل هذا التعبير نادرا ما يستخدمه المسؤولين بشكل علني.

ويأتي ذلك فيما ظهر أمس أن المعسكر المحافظ في إيران منقسما بشكل واضح بعد أزمة الانتخابات. فبعد يوم واحد من تمرير البرلمان الإيراني لـ18 وزيرا في حكومة الرئيس محمود أحمدي نجاد ورفض 3 وزراء فقط، ظهر من وراء الكواليس أن المرشد الأعلى لإيران آية الله على خامنئي ودائرته الضيقة عمدت إلى إحراج أحمدي نجاد بكشف نائب رئيس البرلمان الإيراني محمد باهنر أن تدخل المرشد الأعلى لدى نواب البرلمان هو الذي أدى إلى تمرير حكومة نجاد الثانية، وأنه بدون رسالة خامنئي كان البرلمان سيرفض 9 وزراء من الحكومة المقترحة.

ويعد ذلك الكشف محرجا جدا لأحمدي نجاد من ناحية، كما أنه يعد محرجا أيضا للمرشد الأعلى، فتدخله يعد انتهاكا للقوانين الإيرانية، فلا يحق للمرشد أن يحث أو يدعو البرلمان من وراء الستار للتصديق على الحكومة، متجاهلا تحفظات البرلمان على بعض الوزراء لعدم تمتعهم بالكفاءة أو الخبرة اللازمة. ويعني الكشف عن الدور المحوري الذي لعبه خامنئي، بعد يوم من تصديق البرلمان على الحكومة، أن المرشد أراد إرسال رسالة للرئيس الإيراني مفادها: أنه السبب المباشر في التصديق على حكومته، ويأتي ذلك بعد تقارير أن أحمدي نجاد يريد أن يصبح في الولاية الثانية أكثر تشددا واستقلالا عن المرشد الأعلى. وكانت «الشرق الأوسط» قد ذكرت أول من أمس أن تمرير غالبية أعضاء حكومة أحمدي نجاد، جاء بعدما حث المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي نواب البرلمان على التصويت بالثقة للحكومة الجديدة لإنهاء حالة الاضطراب. وذكر موقع «خبراون لين» المرتبط برئيس البرلمان الإيراني على لاريجاني أن خامنئي أرسل ليلة الأربعاء رسالة إلى نواب البرلمان محتواها: أنه يود أن يرى الأعضاء المقترحين للحكومة ينالون الثقة من نواب البرلمان.

وقال باهنر أمس إن خامنئي حث البرلمان «من وراء الستار على التصديق على الحكومة المقدمة من الرئيس الإيراني»، مؤكدا أن المرشد الأعلى «أرسل رسالة» خاصة إلى أعضاء البرلمان طالبا منهم الموافقة على الحكومة.

وقال محمد رضا باهنر إنه بدون تدخل المرشد فإن 9 على الأقل من الوزراء الذين اقترحهم أحمدي نجاد لم يكونوا ليمرروا من تصويت البرلمان. وأوضح أن «حكمة المرشد حالت دون حدوث ذلك (رفض العديد من الوزراء) وغيرت نظرة البرلمان» للوزراء المرشحين. وتابع أنه «لولا رسالة المرشد لما كان حصل المرشحون لوزارات البترول والصناعة والتعاونيات والنقل والخارجية على الثقة» إضافة إلى الوزراء الثلاثة الذين رفض تعيينهم وهم فاطمة أجورلو (وزارة الضمان الاجتماعي) وسوسن كشوارز (التربية الوطنية) ومحمد علي ابادي (الطاقة). وقال محمد رضا باهنر «في النهاية سارت الأمور على ما يرام وكان لرسالة المرشد دور كبير» في هذا الشأن. ولم يوضح باهنر من أين حصل على هذه المعلومات، وما إذا كان تشاور مع رئيس البرلمان على لاريجاني أو مكتب خامنئي حولها، لكن تصرحات باهنر بثت على وكالة «فارس» الإيرانية للإنباء المقربة من الحرس الثوري الإيراني.

وكان البرلمان الإيراني قد صدق أول من أمس على الحكومة الثانية للرئيس محمود أحمدي نجاد بعد نحو 10 أسابيع من الانتخابات الرئاسية. وخلال نحو ساعتين صدق البرلمان بالثقة أمس على 18 وزيرا في الحكومة المقترحة من أصل الوزراء الـ21 الذين قدمهم الرئيس الإيراني. ووجوه الحكومة الجديدة تنتمي في غالبيتها للحرس الثوري والباسيج والدائرة الضيقة التي عملت مع أحمدي نجاد عندما كان عمدة لطهران من بينهم وزراء النفط والداخلية والدفاع والاستخبارات، إذ كلهم عملوا في الحرس الثوري الإيراني ومقربين من أحمدي نجاد. كما أن من بين الوزراء الجدد أول وزيرة في إيران منذ الثورة عام 1979 وهي مرضية وحيد دسترجردي التي عينت وزيرة للصحة، إلا أنها ليست بعيدة تماما بدورها عن الحرس الثوري أو المؤسسة العسكرية، إذ أن شقيقها الجنرال أحمدي وحيد رئيس الاستخبارات في مكتب المرشد الأعلى لإيران آية الله على خامنئي. وحصل معظم الوزراء على أكثر من 150 صوتا (من إجمالي أعضاء البرلمان الـ286 الذين شاركوا في التصويت) فيما عدا مسعود مير كاظمي وزير النفط الذي حصل على 147 صوتا فقط.

ومن أكثر الخيارات إثارة للجدل خارجيا في الحكومة الجديدة، اختيار أحمد وحيدي وزيرا للدفاع، فهو ينظر بعين الريبة للخارج، ومطلوب من الإنتربول على خلفية تفجير مركز يهودي في بوينس آيرس عام 1994 قتل فيه 85 شخصا.. وكان وحيدي الذي عمل في الحرس الثوري الإيراني أغلب حياته ورأس الاستخبارات في الحرس، مسؤولا عن قوة القدس التابعة للحرس الثوري، والتي تعتبر قوة النخبة أو الصفوة ومسوؤلة عن العمليات الإيرانية في الخارج. كما أن وحيدي كان أحد المسؤولين الإيرانيين في قضية «إيران كونترا» حيث تم الاتفاق سرا على أن تزود إدارة الرئيس الأميركي رونالد ريغان إيران بالأسلحة بسبب حاجة طهران الماسة لأنواع متطورة منها أثناء حربها مع العراق بين 1980 و1988، مقابل إطلاق سراح بعض الرهائن الأميركيين الذين اختطفوا في لبنان. وليس وحيدي الوجه الوحيد من الحرس الثوري في الحكومة الجديدة، فهناك أيضا مصطفي محمد نجار وزير الداخلية الجديد، والذي عمل كذلك غالبية عمره في الحرس الثوري والذي يثير تعيينه قلق الإصلاحيين في إيران الذين يرفضون أن يكون وزير الداخلية قادما من قبل مؤسسة الحرس الثوري. ومن التعيينات المثيرة للجدل أيضا في الحكومة الجديدة تعيين حيدر مصلحي وزيرا للاستخبارات، فهو لا يتمتع بالخبرة اللازمة في مجال الاستخبارات ولم يعمل به من قبل. أيضا يعد تعيين مسعود مير كاظمي وزيرا للنفط مفاجأة أخذا في الاعتبار كل الانتقادات التي تعرض لها عند ترشيحه.

ومن المقرر أن تعقد الحكومة اجتماعها الأول غدا الأحد. يأتي ذلك فيما حث آية الله محمد أمامي كاشاني رجل الدين الإيراني البارز التيارات المختلفة في إيران أمس على إنهاء النزاع الداخلي الذي أعقب الانتخابات، مقترحا أنهم يجب أن يركزوا بدلا من ذلك على محاولة «تصدير الثورة». وقال كاشاني للمصلين خلال صلاة الجمعة في طهران في إشارة واضحة إلى الخلاف السياسي الداخلي «في مجتمعنا الإسلامي إذا أردنا إهانة كبرياء شخص في حديثنا.. فسوف يؤدي هذا إلى نار تؤذي الجميع». وأضاف في خطبة أذيعت على الهواء مباشرة على الراديو الحكومي «حان الوقت الآن لتصدير الثورة.. إنه ليس وقت معاملة بعضنا بعضا هكذا». وقال «مثل هذه التصريحات تسبب الضرر للمجتمع الإسلامي وتمنع تصدير الثورة». وينظر إلى كاشاني باعتباره رجل دين معتدلا نادرا ما يدلي بتصريحات سياسية مثيرة للجدل مثل هذه. لكن كان لافتا أن تهنئة رئيس وزراء الحكومة الفلسطينية المقالة إسماعيل هنية المتأخرة لأحمدي نجاد والتي جاءت قبل 3 أيام فقط، دفعت البعض داخل إيران للتساؤل حول تأثير النزاع الداخلي على صورة إيران ومكانتها بين حلفائها في المنطقة والعالم. وصك قائد الثورة الإيرانية آية الله روح الله الخميني تعبير «تصدير الثورة»، لكن مثل هذا التعبير نادرا ما يستخدمه قادة إيران الآن بشكل علني لعدم إثارة مشاكل مع دول المنطقة. وكانت دعوة الخميني الصريحة في الثمانينات لتصدير الثورة الإيرانية عبر «حزب الله» من ناحية، ومراكز إيرانية ثقافية ودينية تتبع مكتب الخميني شخصيا سببا في توتر العلاقات بين طهران والكثير من دول المنطقة، إلا أنه بعد وفاة الخميني عمد القادة الإيرانيين إلى عدم استخدام ذلك التعبير بشكل علني. لكن لوحظ خلال ولاية أحمدي نجاد الأولى أنه أو المقربين منه استخدموا ذلك التعبير مرات عدة.

وقال مصدر إيراني مطلع لـ«الشرق الأوسط» إن تصريحات كاشاني قد تعكس توجها لدى القيادة الإيرانية بـ«التوجه إلى الخارج لحل أزمات الداخل». موضحا: «زاد الضغط بشكل كبير جدا خلال الأيام الماضية على قادة الإصلاحيين كي يكفوا عن حملتهم ضد نتيجة الانتخابات وحكومة أحمدي نجاد. وربما يكون ما قاله رفسنجاني حول تسوية الأزمة له دور. فهناك حالة من الهدوء في أوساط خاتمي وموسوي. جزء من الهدوء يعود إلى التنسيق مع رفسنجاني. وجزء آخر يعود على زيادة الضغوط بشكل هائل عليهما. رئيس الاستخبارات خص خاتمي وحده قبل أيام باتهام شديد الخطورة. والحرس الثوري تدخل لمنع خاتمي أيضا من التحدث كما هو معتاد عند ضريح الإمام الخميني يوم ليلة القدر». وتابع المصدر الإيراني: «الكثيرون داخل التيار المحافظ في الحقيقة سيرتاحون إذا هدأت العاصفة في الداخل، وتم التركيز على قضايا أخرى في الخارج. هذا سيخدم خامنئي ويعزز موقعه إلى حد ما».

وأمام الحكومة الإيرانية أيام قليلة كي تقدم المقترح النووي الجديد الذي أعلنت أنها تريد تقديمه للغرب. وشددت الرئاسة السويدية للاتحاد الأوروبي أمس لهجتها حيال إيران ونبهت إلى أن أوروبا مستعدة إذا اقتضى الأمر لـ«المواجهة» مع طهران حول الملف النووي، ووصفت تعيين أحمد وحيدي الملاحق من الإنتربول وزيرا للدفاع بأنه «استفزاز»، فيما وصفته الخارجية الأميركية بأنه «مثير للانزعاج وخطوة للوراء».

وقال وزير الخارجية السويدي على هامش اجتماع لنظرائه الأوروبيين في ستوكهولم «إذا كانوا مستعدين للتفاوض معنا، فنحن مستعدون. ولكن إذا قرروا الذهاب إلى المواجهة، فستحصل المواجهة». وانتقد رئيس الوزراء السويدي فريدريك راينفلت تعيين أحمد وحيدي وزيرا للدفاع. وأضاف في لقاء مع عدد من الصحافيين «في إيران غالبا ما نشهد خطوات استفزازية. بالتأكيد أعتبر أن هذا التعيين أحد أمثلة» الاستفزاز حيال الغرب. وحصل وحيدي على أعلى عدد من الأصوات لدى التصويت على الثقة بحكومة أحمدي نجاد في البرلمان.

وأضاف راينفلت «من المهم أن يبقى موقف الاتحاد الأوروبي موحدا في رده على إيران من خلال رفض طموحاتها النووية». وصرح وزير الدولة الألماني للشؤون الأوروبية غونتر غلوزر «لا نريد عقوبات، ولكن ينبغي ألا يحصل سباق على السلاح النووي في الشرقين الأوسط والأدنى». وأضاف «لا يمكننا إلا أن ندعوهم (الإيرانيون) إلى مد اليد»، مؤكدا أن بلاده تواصل «النظر إلى طهران بقلق حيث لا يزال أشخاص يتعرضون للاعتقال لأنهم استخدموا حقهم في حرية التعبير».

ومن جهته، تساءل وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير عن الفائدة من استمرار المفاوضات مع إيران حول الملف النووي إلى ما لا نهاية وقال «نتحاور مع إيران منذ ثلاثة أعوام، ولم يؤد هذا إلى شيء على الإطلاق. ونواصل الحوار». وأضاف كوشنير «إن الأمر الإيجابي كما أدرك هو أن الشعب الإيراني أظهر هذه الأيام تصميما للتوجه نحو شكل مختلف من الديمقراطية».

وأعلنت طهران أنها أعدت اقتراحات للدول الكبرى، الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، بغية استئناف المفاوضات حول برنامجها النووي. وكرر الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا لدى وصوله إلى ستوكهولم أنه لم يتلق شيئا. لكنه أمل في أن يتصل هاتفيا بالقادة الإيرانيين «في الساعات المقبلة».