صراع داخل حماس حول أسلمة غزة وهنية يلغي حجاب المحاميات

طالبات العائلات الثرية يتمردن على الزي المفروض ومتشددون يحذرون معتدلي الحركة

TT

بدأ يطفو على السطح صراع حاد داخل حركة حماس، التي تسيطر على القطاع الساحلي الفلسطيني، حول طبيعة هويتها الإسلامية. فقد حاول المتشددون، وآخرون من داخل الحكومة، فرض وجهات نظرهم في الشهور الأخيرة.

وقد نجح كبار مسؤولي الحكومة في زجرهم حتى الآن، لكن الشكوك لا تزال قائمة حول المدى الزمني لقدرة الحكومة على القيام بذلك.

الأمثلة على تلك المعركة كثيرة ومتعددة. لكن التهديد الأكثر خطورة ظهر في منتصف أغسطس (آب) عندما اغتصبت جماعة متطرفة تطلق على نفسها «جند الله» مسجدا في مدينة رفح الجنوبية ونعتت حماس بالنجسة والعميلة وطالبتها بتطبيق الشريعة الإسلامية، وقال مسؤول حماس إن عناصرها طوقوا المسجد وبعد معركة بالأسلحة دارت رحاها طوال الليل قُتل ما يقرب من 12 شخصا من بينهم زعيم الجماعة واعتُقل 155 آخرون. وتقوم وزارة الداخلية الآن بمراقبة المساجد وتقوم بالإشراف على دروس عامة لتوعية المسلمين بخطر التطرف.

لكن هناك بعض القضايا الأخرى التي لم يدخل فيها العنف بل كان حل الكثير من الإكراه. فعلى سبيل المثال أصدر رئيس المحكمة العليا قرارا يلزم المحاميات بارتداء الحجاب في المحاكم. وكذلك قامت لجنة شكلتها وزارة الشؤون الدينية بإرسال رجال إلى الشواطئ لتعليم المصطافين عدم مس بعضهم بعضا علنا وتغطية أجسادهم وأخبر عدد من المدرسات ومديرات المدارس الطالبات بضرورة ارتداء معاطف طويلة وحجاب بدلا من الجيبات الجينز التي كُنّ يرتدينها في السنوات السابقة. بيد أن كل تلك القواعد تم نقضها بالفعل، فقد أمر رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية رئيس المحكمة العليا عبد الرؤوف حلبي بإلغاء قراره الخاص بالمحاميات ورضخ لذلك.

فيما قال وزير التعليم محمد عسقول إن «الزي الموحد حرية شخصية وإن حكومة حماس لا علاقة لها بذلك وإنني أرفض مثل تلك الأوامر لأنه ما من حاجة إلى فرض الحجاب في مجتمع محافظ».

وقال خليل الحيا القيادي في حركة حماس: «لم تصدر الحكومة أو حماس أي قرار بذلك، فنحن حركة مقاومة إسلامية لن تجبر أحدا على التصرف على غير رغبته، فالنصيحة هي أفضل الوسائل».

فيما أشار إياد السراج الطبيب النفسي والمراقب عن كثب للأحداث إلى أن هناك شكوكا قليلة في الوقت الحالي بشأن ازدياد النزعة الدينية في غزة التي كانت على الدوام مجتمعا محافظا اجتماعيا ودينيا. فمن دون أي تعليمات من الحكومة فإن غالبية النساء يرتدين الزي الإسلامي وعدد كبير من الرجال ملتحون. ويعزو الدكتور السراج هذا التحول إلى العديد من التطورات لحقيقة أن هذا التعبير الظاهري عن الهوية يزداد بصورة عامة بين مسلمي الشرق الأوسط. وحماس تمتلك زمام السلطة منذ أكثر من عامين وأن أولئك الأفراد الذين يعملون في مراكز متوسطة في السلطة والطامحين في الحصول على وظائف يريدون لفت الانتباه إليهم والحصول على ترقيات.

الأمر الثاني: أن العجز الاقتصادي نتيجة لحصار غزة الذي تفرضه إسرائيل وعدم توفر الأعمال وانحسار الآمال كبيرة بإمكانية التقدم أو التطور يوفر أرضا خصبة للإرهابيين، غير أن حماس برغم تفضيلها الشريعة والأخلاق الإسلامية، لديها العديد من الأسباب التي تدفعها للإحجام عن تطبيقها، فغريمها منظمة فتح التي تحكم الضفة الغربية ستحاول استغلال أي إشارة إلى فرض الشريعة الإسلامية كدليل لإظهار حماس غير قادرة على إدارة حكومة مسؤولة وتواكب العصر. إضافة إلى أن حماس مصنفة كمنظمة إرهابية من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتسعى للحصول على الشرعية في أن تكون قائدة الحركة الفلسطينية.

على الطرف الآخر قال زعيم الخط المتشدد الذي طلب عدم ذكر اسمه: «إن حماس تغرر بنفسها إذا ما اعتقدت أن الاعتدال سيعزز من قبولها دوليا فإن العالم لن يعترف بنا ولن ينهي الحصار. وقد يخيفهم فرض الشريعة الإسلامية ويدفعهم ذلك إلى إنهاء الحصار».

لكن تلك المساعي باتجاه فرض حياة أكثر إسلامية في غزة تثير قلق تلك الزمرة من العلمانيين الفلسطينيين.

وقال أحمد شاوا، البالغ من العمر 18 عاما، عندما طلب من أصدقائه عمل مساج لظهره تدخل أحد الرجال الملتحين على الشاطئ والذي كان يرتدي زيا مدنيا قائلا: «لا مساس»، وطلب من أحمد ارتداء قميصه، وعندما طلب هو وأصدقاؤه تفسيرا لذلك قال الرجل: «الطريقة التي كنت تجلس بها شيطانية؛ إنك تدعو الشيطان للعب برأسك».

وأضاف أحمد الذي يمارس لعبة كرة السلة أيضا أنه وُقف لدى عودته من الاستاد إلى منزله مؤخرا من قِبل رجل يرتدي زي باكستانيا وطلب منه عدم ارتداء الشورت أو القمصان منزوعة الأكمام، وعندما ناقشة أحمد هدده الرجل بالقول: «في المرة القادمة سأستخدم أساليب أخرى». لجنة الأخلاق التي ترسل هؤلاء الرجال ليجوبوا الشوارع ترفض الاختلاط بين الجنسين وارتداء الرجال ملابس «مبتذلة» وبيع الملصقات والكتب والمجلات والأسطوانات المدمجة التي تنتهك القيم الصارمة. وقد قام الرجال بزيارات إلى المقاهي وطلبوا من مالكيها عدم تقديم الشيشة لروادها من السيدات.

ولدى بدء العام الدراسي الماضي أواخر أغسطس (آب) أجبرت العديد من طالبات المدارس الثانوية على العودة إلى منازلهن لتغطية رؤوسهن ولبس معاطف طويلة تُعرف بالجلباب، وقد ساد شعور بالامتعاض في أوساط الطبقة الثرية في مدينة غزة.

وقالت دموع العلي التي تبلغ من العمر 16 عاما: «تلك هي المرة الأولى التي أغطي فيها رأسي وأرتدي فيها الجلباب. إنني أشعر بالاختناق». وما إن خرجت دموع من المدرسة هي وصديقتها دينا نصر الله حتى قامتا بفك أزرار الجلباب وأبرزتا الجينز الضيق بفخر ثم حولتا الحجاب إلى وشاح حول رقبتيهما.

خارج مدرسة أحمد شوقي كانت حلقة أخرى من الفتيات تقودها عزيزة دغموش، التي تبلغ من العمر 16 عاما، وقد نقضت هي الأخرى حجابها ما إن خرجت من مدرستها واشتكت من مدرسها.

وفي الوقت الذي لم تلتزم فيه 20 طالبة من بين أكثر من 800 طالبة خلال الأسبوع الأول من المدرسة فإن العدد ارتفع في الأسبوع الثاني. لكن في المناطق الأكثر تحفظا والأقل ثراء في الجزء الشرقي من غزة ملتزمون حتى بعد رفع القانون رسميا.

* أساهمت تغريد الخضري في كتابة التقرير من غزة وإيثان برونر من القدس