أفغانستان.. الوجه الآخر.. الحلقة (الأخيرة): نخب كابل.. يعيشون في بيوت فخمة وخلف نوافذ مضادة للرصاص

أفغانستان: بلد الكر والفر والصبر والحذر والخوف من المجهول

فلل وقصور فخمة في حي شيربور حيث يقيم كثير من موظفي الوكالات الدولية («الشرق الاوسط»)
TT

في مبان فخمة ونوافذ مضادة للرصاص وبيوت فخمة تنتشر ما بين حي وزير أكبر خان وشارع شهرانو وغرف مجهزة بحمامات خاصة، يتمتع مسؤولو وعمال الإغاثة الغربيون في أفغانستان أو نخبة كابل كما يطلق عليهم، بحياة الترف بينما يئن معظم الأفغان تحت الفقر. وقال أحد أصحاب الشركات العقارية المختصة بتأجير العقارات للأجانب للتأجير في وسط كابل لـ «الشرق الأوسط»: «لقد أجرت مبنى مقابل 30 ألف دولار شهريا لإحدى منظمات الإغاثة». ولفت إلى أن المبنى «فخم للغاية لأنه يتكون من 24 غرفة، والغرف مجهزة بحمامات خاصة وأبواب مدرعة ونوافذ مضادة للرصاص». ويعيش كبار موظفي المنظمات الدولية في مجمعات خاصة محاطة بأسوار عالية وتحت حراسة مشددة في طريق كابل ـ جلال آباد. ويقول أحد أصحاب شركات التأجير العقارية في شارع شهرانو لـ «الشرق الأوسط»: «يصر معظم موظفي المنظمات غير الحكومية والمتعاقدون الأجانب على الإقامة في غرف مجهزة بحمامات خاصة داخل بيوت الضيافة أو في مجمعات سكنية». ويحظى عمال الإغاثة في أفغانستان بالحماية أيضا من قبل شركات الأمن عالية التكلفة، ويتحول كل منزل لهم أو بيت ضيافة إلى بناية مشددة الحراسة، وغالبا ما تستقطع تكاليف هذه المباني الفارهة والحماية الأمنية المشددة من المعونات المقدمة لهذا البلد الذي مزقته الحرب. وفي شارع شهرانو عدد من بيوت الضيافة التي توجد بدون لافتات معلقة عليها من الخارج، ولكن يمكن تمييزها من الحراسة المشددة على بواباتها الخارجية.

يقول الصحافي الأفغاني محمود عبد الرحمن، وهو من خريجي الجامعة الإسلامية في العاصمة إسلام آباد ومن المتحدثين بالعربية لـ «الشرق الأوسط» إن سبب ارتفاع الإيجارات في العاصمة كابل يعود أيضا إلى نواب البرلمان الذين جاءوا من مناطق مترامية الأطراف من أنحاء أفغانستان واستأجروا شققا في وسط العاصمة الأفغانية، مما أدى إلى قفزة كبيرة في أسعار الإيجارات.

وأضاف: «في البرلمان الأفغاني يوجد 249 عضوا وفي مجلس الشيوخ 200 عضو بالإضافة إلى حراستهم الخاصة وطاقم السكرتارية التابع لكل واحد منهم، كل ذلك يشكل عبئا إضافيا على شقق العاصمة. وأوضح أن هناك فللا صغيرة في حي النخبة بوزير أكبر خان، إيجارها في حدود ما بين 5 إلى 8 آلاف دولار في اليوم، وكان إيجار الفيلا الفخمة في عهد طالبان لا يتجاوز 200 دولار. وأوضح الصحافي الأفغاني أنه يسكن في حي ماكريان الذي بناه الروس في شقة من أربع غرف كان إيجارها 125 دولارا، ولكن الإيجار ارتفع خلال عامين إلى 350 دولارا».

ويعلق مراقبون في العاصمة كابل على حياة الترف لموظفي الإغاثة في أفغانستان قائلين: «إن ارتفاع تكاليف الإقامة والحماية لمسؤولي الإغاثة الغربيين في أفغانستان، يفسر سبب أن أفغانستان تصنف في المرتبة 174 من بين 178 دولة في قائمة الأمم المتحدة لمستوى الثراء في الدول». وبعد نحو ثمانية أعوام من الغزو الأميركي لا يزال معظم الأفغان يفتقرون إلى أهم متطلبات الحياة الأساسية. وقد أدى ظهور نخب كابل من مسؤولي وعمال الإغاثة الغربيين في أفغانستان إلى ظهور شركات الأمن الخاصة لحمايتهم وهم طائفة لم تكن معروفة من قبل في سنوات حروب المجاهدين، وكان في العاصمة الأفغانية نحو 280 شركة أمنية خاصة حصلت على رخص من وزارة الداخلية، ووفرت تلك الشركات حراسا للبنوك وبيوت الضيافة ومحطات الإذاعة والتلفزة الخاصة، ومقرات المنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية، وكان أمام فندق «صافي لاند مارك» الذي أقامت فيه «الشرق الأوسط» على ناصية شارع شهرانو لمدة عشرة أيام متواصلة عدد من الحراس الأفغان الأشداء أغلبهم من الطاجيك من وادي بانشير، منهم الحارس وليد شير زاده. وقالت مصادر الداخلية الأفغانية لـ «الشرق الأوسط» إنه بسبب تورط بعض تلك الشركات الأمنية في حوادث سرقة واغتيالات، أغلق عدد كبير منها وتقلص عددها إلى نحو 50 شركة. وتعتبر أفغانستان دولة فقيرة تفتقر إلى أدنى معالم التقدم، ومعظم السكان لا تتوافر لديهم وسائل تدفئة أو كهرباء على مدار الساعة أو مياه صالحة للاستخدام الآدمي. وهناك نسبة تزيد على 70% من الأفغان تعاني من سوء التغذية المزمن، ونسبة تقل عن ربع السكان هم الذين تتوافر لديهم إمدادات لمياه الشرب الآمنة، طبقا لإحصاءات مجلس «سنليز» الكندي المعني بشؤون التنمية الدولية. ويشير المراقبون في العاصمة الأفغانية إلى أنه ما يتراوح بين 35 و40% من المعونات المخصصة لأفغانستان «يتم إنفاقها بشكل عشوائي»، وقال إن ثمة إهدارا كبيرا جدا لأموال المعونات.

وبالرغم من تكاليف الإقامة المرتفعة، فإن عمال الإغاثة لا يستطيعون تلبية احتياجات الأفغان بسبب القيود الذي يفرضها الوضع الأمني على حرية تحركاتهم.

وتشتكي سيدة تعمل لدى إحدى منظمات الإغاثة الأجنبية قائلة: «لا يسمح لي حتى بالذهاب إلى أفضل فنادق كابل».

ويقول المراقبون «معنى ذلك أن الكثير من العمال الأجانب الذين أرسلوا إلى أفغانستان للمساعدة في إعادة إعمار البلاد وأجهزة الدولة نادرا ما يلتقون المواطنين الأفغان، ولا يعمل معهم سوى قلة من الأفغان». وخلافا لعمال الإغاثة الذين يعيشون حياة مترفة يعيش معظم الأفغان في ظل ظروف مأساوية.

والحق أن المواطنين الأفغان لا يعانون بشكل رئيسي من مرض نقص الديمقراطية، بقدر ما يعانون من أمراض فقر الدم وغياب الخدمات الأساسية التي تصلح لحياة البشر، وهي أمراض لم تعالجها ولن تعالجها صناديق الاقتراع. ويقول خبراء أفغان ليست هناك قوى أجنبية واحدة ظلت مُرحبا بها لمدة طويلة في أفغانستان. وعندما حاول البريطانيون والروس تحدي هذه الحقيقة، فإنهم دفعوا ثمنا باهظا لمحاولتهم تلك. والأميركيون يقولون اليوم: «لم يكن هدفنا أبدا هو الهيمنة على أفغانستان وإنما فقط تدمير ملاذات «القاعدة» وتمكين الأفغان من حكم بلدهم بما يتفق مع مصالحهم». وكان العام الماضي هو العام الأكثر دموية بالنسبة للناتو منذ دخول أفغانستان عام 2001، وقد حذر أحد القادة العسكريين الأميركيين الكبار أخيرا من أن «احتمالات تفاقم الوضع تفوق احتمالات تحسنه».

ويفيد محللون وخبرا ء في العاصمة كابل أن عددا كبيرا من الأفغان الفقراء المحافظين يتقبلون دعوة المتمردين لتوحيد الصفوف للجهاد. ويشير خبراء إلى أن كل حرب تحتاج لقضية أكبر من السلاح، لدى طالبان قضية وهي «الإسلام»، وأضاف إن الإفراج في الآونة الأخيرة عن أفغاني ارتد عن الإسلام واعتنق المسيحية أثار تساؤلات عن شرعية الحكومة من منظور إسلامي إذ اعتقد كثيرون أنه كان ينبغي معاقبته لارتداده عن الإسلام. وفي الوقت نفسه يشيع الاستياء من الأساليب العنيفة للقوات الأجنبية في ملاحقة المسلحين، بينما لم ير كثير من الأفغان أي تحسن في معيشتهم بعد ثمانية أعوام من الإطاحة بطالبان. وبعد الإطاحة بالحركة الأصولية راود الناس الأمل في أن تتحسن الأوضاع اقتصاديا وأن يعاد بناء أفغانستان، لكن يبدو «أن الآمال لم تتحقق»، كما أن جهود الحكومة التي يدعمها الغرب للقضاء على زراعة الأفيون خدمت مصالح طالبان، وقال «بدلا من القبض على المسؤولين المتورطين في عمليات التهريب، لجأت الحكومة لمعاقبة المزارعين الفقراء مما أثار حالة من الغضب». وقال محللون «إذا جمعت كل هذه العوامل ستحصل على صورة تبرر نجاح طالبان في زيادة هجماتهم وتجنيد مقاتلين»، إن الميزة المهمة الأخرى التي تتمتع بها طالبان هي وجود ملاذات آمنة على الجانب الباكستاني من الحدود الذي لا يطاله حكم القانون، ومن حيث يتدفق السلاح والمقاتلون.

وفي حين تعد أفغانستان واحدة من أفقر الدول في العالم وتعتمد على مساعدات أجنبية بمليارات الدولارات كل عام، فإن درجة الفقر تتفاوت من منطقة إلى أخرى. وبعض المناطق أفضل كثيرا من غيرها.

وأظهر تقرير للأمم المتحدة عام 2008 أن إقليم هلمند بجنوب أفغانستان حيث ينتج أكثر من ثلثي إنتاج البلاد غير المشروع من الأفيون والذي يوجد به التمرد الأقوى على مستوى البلاد من بين أغنى ثلاثة أقاليم وفق معظم المؤشرات، إلا أنه يوجد بهلمند أعلى معدل لامتلاك السيارات على مستوى البلاد. غير أن الأقاليم الجنوبية مثل هلمند تحصل على معظم المساعدات على الرغم من ثرائها النسبي ودورها بوصفها مركزا لصناعة الاتجار بالمخدرات غير المشروعة في أفغانستان والتي تقدر قيمتها بنحو ثلاثة مليارات دولار. ووكالة التنمية الدولية الأميركية هي أكبر مانح للمساعدات لأفغانستان حتى الآن وقد ضخت ملايين الدولارات إلى هلمند. ولو كان إقليم هلمند دولة لأصبح خامس أكبر متلق للتمويل من الوكالة الأميركية. وذكرت وكالات إغاثة أنه كان قد تم التعهد بتقديم مساعدات قيمتها 403 دولارات للفرد في هلمند بين عامي 2007 و2008 مقابل 153 دولارا في بلخ. بينما كان وضع إقليمي ساري أي بول وقندوز أسوأ كثيرا حيث تراوح المبلغ بين 53 و55 دولارا للفرد. وتقول اللجنة الدولية للصليب الأحمر، إن نحو 280 ألف أفغاني في شمال البلاد يعانون من الجفاف الأسوأ خلال عشر سنوات ولا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية. وعلى الرغم من أن هذا ليس جزءا من تفويضها بطبيعة الحال فقد قامت اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتوزيع الأغذية بالاشتراك مع الهلال الأحمر الأفغاني على بعض أكثر المناطق تضررا، وهو الأمر الذي لا يعكس نطاق الأزمة فحسب بل أيضا نقص المساعدات في هذا الجزء من البلاد. ونجا الأفغان من الجفاف والمجاعات لقرون. لكن بدون تنمية طويلة المدى من المستبعد أن يكسر ملايين الأفغان دائرة الفقر، ومن الممكن أن يصبحوا عرضة للتأثر بالجماعات المسلحة التي تستغل استياء الأفغان الفقراء.

ولن يعني قرار الولايات المتحدة إرسال آلاف القوات الإضافية إلى أفغانستان شيئا يذكر لسكان قرية سانج أي خيل بشمال البلاد الذين يخوضون قتالا ليس ضد عناصر طالبان ولكن ضد الجوع. وفي الشمال الذي يتسم بالهدوء النسبي يواجه الأفغان صراعا مختلفا. فقد ترك الجفاف الشديد وارتفاع أسعار الأغذية مئات الآلاف من الأشخاص ليواجهوا معركة يومية للبقاء على قيد الحياة في فصل الشتاء. ويقول خبراء الشأن الأفغاني، جاءت أميركا إلى أفغانستان منذ ثماني سنوات، ومعها حشد من الوعود البراقة، لكن شيئا لم يتغير على الأرض، بل ازداد الوضع سوءا في واقع الحال، فالمخدرات ازدهرت، بينما تعزز نفوذ تجارها، ومعهم أمراء الحرب الملطخة أيديهم بدماء الأفغان، أما المرأة التي جاءوا لتحريرها من البرقع فما زالت تلبسه باستثناء نخب محدودة في كابل، ولم تزدهر المدارس ولا المستشفيات، أما الأهم فهو أن الأمن الذي وفرته حركة طالبان للناس في الشوارع ومدن الداخل لم يعد موجودا في ظل حكومة كرزاي وأمراء الحرب اليوم. وقتل 23 شخصا بينهم 19 مدنيا إضافة إلى نائب رئيس الاستخبارات وعدد من المسؤولين وأصيب العشرات في تفجير انتحاري أمام مسجد في شرق أفغانستان الأسبوع الماضي، في وقت تراجع التأييد الشعبي الأميركي للحرب في أفغانستان إلى أدنى مستوياته، وتحدث مسؤولون عسكريون أميركيون عن أن حركة «طالبان» باتت عدوا قويا لأنها تقوم بتحسين تكتيكاتها والعثور على الثغرات في اللعبة العسكرية الأميركية، معربين عن ذهولهم من الانطلاقة الجديدة للحركة. وأثار اغتيال هذا المسؤول البارز في الأجهزة الأمنية الأفغانية المدعومة من الغرب شعورا بالصدمة في البلاد بعد أسابيع من الانتخابات الرئاسية والمحلية. وقال حاكم ولاية لغمان لطف الله مشعل إن «عبد الله لاغماني كان من بين القتلى» في التفجير الانتحاري. وقتل في التفجير 23 شخصا بينهم 19 مدنيا والأربعة الآخرون مسؤولون حكوميون هم عبد الله لاغماني نائب رئيس الاستخبارات الأفغانية، ورئيس مجلس الولاية والرئيس التنفيذي في الولاية والرئيس السابق للشؤون الدينية في الحكومة المحلية، حسب مشعل. وأضاف مشعل أن «19 مدنيا قتلوا من بينهم ثلاث نساء». وأعلنت حركة طالبان على لسان المتحدث باسمها ذبيح الله مجاهد مسؤوليتها عن الهجوم، وقالت إنها كانت تستهدف نائب رئيس الاستخبارات الأفغانية عبد الله لاغماني. واعترف جوردون براون رئيس الحكومة البريطانية في مؤتمر بمعهد الدراسات السياسية والاستراتيجية بلندن الأسبوع الماضي أن طالبان غيرت تكتيكاتها وخططها في هلمند. وأوضح براون أنه يرى أن الأهداف البريطانية في أفغانستان واقعية ويمكن تحقيقها في أفغانستان. وقال براون إن طالبان غيرت من تكتيكاتها، حيث أصبحت تعتمد حرب العصابات باستخدام الألغام التي جرى تفكيك ألف منها خلال هذا الصيف. وتجنب براون الحديث عن جدول زمني لانسحاب القوات البريطانية من أفغانستان، وقال إنه مقتنع أن ضمان الأمن في بريطانيا يتطلب تحقيقه في أفغانستان أولا. وقال براون إن الإنفاق على العمليات العسكرية في أفغانستان قد ازداد ليصل إلى 390 ألف جنيه إسترليني سنويا لكل مقاتل بينما كان المبلغ لا يتجاوز 180 ألفا عام 2006. وهناك ثلاثة أحداث هامة شهدها شهر أغسطس (آب) الماضي، ارتبطت بالحرب التي تقودها الولايات المتحدة في أفغانستان منذ ما يقرب من ثماني سنوات. أولها: كانت الانتخابات الرئاسية التي تمت في العشرين من أغسطس (آب)، باعتبارها الأولى التي تشهدها البلاد منذ أكثر من ثلاثين عاما. هذه الانتخابات اعتبرت بمثابة اختبار هام لمدى استقرار الأوضاع هناك ومدى نجاح الجهود الأميركية والدولية لإعادة الاستقرار إلى هذا البلد الذي ظل تحت حكم حركة طالبان وتنظيم القاعدة لفترة طويلة من الزمن. أما ثاني هذه الأحداث فهو: صدور التقرير الذي عكف قائد القوات الأميركية في أفغانستان ستانلي ماك كريستال عن الأوضاع داخل أفغانستان، في ظل كثير من التكهنات حول توصيات بزيادة عدد القوات هناك، واتباع استراتيجية جديدة لمواجهة هذه الأوضاع. أما ثالثها: فكانت التقديرات التي أكدت أن شهر أغسطس هو الأكثر سوءاً بالنسبة للقوات الأميركية، منذ أن قامت بغزو هذا البلد في أواخر عام 2001، حيث تعرضت القوات الأميركية لكثير من أحداث العنف وعمليات القتل بين صفوف جنودها. واشتد التمرد في أفغانستان وامتد جغرافيا منذ سنتين وبلغت أعداد القتلى خلال الأشهر الأخيرة أرقاما قياسية منذ أن أطاح بنظام طالبان تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة في نهاية 2001. وباتت السنة الجارية الأعنف منذ سقوط طالبان في نوفمبر (تشرين الثاني) 2001، بالنسبة للقوات الدولية المنتشرة في أفغانستان ويبلغ عددها مائة ألف رجل، وكذلك بالنسبة للمدنيين الذين لا يزالون أكبر ضحايا النزاع. وتضاعفت في السنتين الأخيرتين هجمات حركة طالبان التي أطاح بها من السلطة تحالف دولي قادته الولايات المتحدة عام 2001. وبلغت هذه الهجمات مستويات قياسية في الأشهر الأخيرة جاعلة العام 2009 الأكثر دموية في أفغانستان بالنسبة للمدنيين والعسكريين على حد سواء. ومع وقوع ضحايا بشكل شبه يومي في صفوف قوات حلف شمال الأطلسي بأفغانستان، تثار أسئلة جديدة حول الطبيعة النفسية للأفغان الذين يبدون بين الحين والآخر قدرة على المواجهة رغم حروبهم غير المتكافئة مع قوى عظمى منذ نهاية السبعينات. وشنت الولايات المتحدة عقب هجمات سبتمبر (أيلول) 2001 حربا أسقطت حركة طالبان الأصولية التي كانت تؤوي تنظيم القاعدة في البلاد. ومنذ ذلك الحين تواجه قوات حلف الأطلسي العاملة هناك سلسلة من الهجمات بالقذائف والسيارات الملغومة. وحسب خبراء الشأن الأفغاني، فإن كثرة الحروب على أرض أفغانستان أورث أهلها الصبر والكر والفر وفنون المفاجأة في الضرب والتخفي على طريقة حرب العصابات غير مبالين بعنصر الزمن معتمدين على استنزاف أعدائهم وإرهاقهم وهذا ما جعل أحمد شاه مسعود زعيم التحالف الشمالي الذي اغتالته «القاعدة» قبل يومين من هجمات سبتمبر (أيلول) يقول «فاجأنا الروس بخروجهم السريع من بلادنا بعد عشر سنوات». ورغم أن تقرير للأمم المتحدة ذكر الأسبوع الماضي أن إنتاج الأفيون في أفغانستان تراجع بنسبة عشرة في المائة بينما تراجعت المساحة التي يزرع فيها الأفيون في أفغانستان بنسبة 22 في المائة في عام2009. غير أن أفغانستان التي تمزقها الحروب والتي ما زالت أكبر مورد في العالم للمخدرات، تنتج 6900 طن من الأفيون الذي يستخرج منه الهيروين. إلا أنه وفقا لتقارير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإن أفغانستان تتصدر الدول المنتجة للأفيون خلال السنوات القليلة الماضية، حيث تشكل وحدها 93% من المعروض العالمي من الأفيون (العنصر الرئيسي الذي يستخدم في تصنيع الهيروين). رغم التقدم غير المسبوق الذي أحرز في الشهور الأخيرة في مكافحة المخدرات في البلاد باعتقال العديد من المهربين. وتبلغ قيمة تجارة المخدرات في أفغانستان نحو 2.8 مليار دولار، وهي تعادل 60% من النشاط الاقتصادي القانوني في البلاد. يذهب نحو ربع هذا المبلغ إلى مزارعي نبات الخشخاش، فيما يخصص الباقي للضرائب وللمسؤولين المحليين ولقادة المتمردين ومهربي المخدرات. وأكثر من 80% من الأفيون الأفغاني يتم تكريره وتحويله إلى هيروين داخل أفغانستان، بدلا من تصديره كمادة خام إلى الخارج.

ويتركز محصول الأفيون في الجنوب والجنوب الغربي للبلاد، حيث ينحصر أكثر من 80% منه في خمسة أقاليم جنوبية تسيطر عليها حركة طالبان، هي: (قندهار، أرزوغان، فراه، زابول، هلمند) ويتصدر هلمند القائمة إذ تتم زراعة 60% من الأفيون في هذا الإقليم (ما يقدر بربع مخدرات العالم). وتساعد تجارة المخدرات بشكل أساسي في تمويل الأعمال الإرهابية لحركة طالبان، الأمر الذي يعيق العمليات الإنسانية في البلاد. مئات الآلاف من الأشخاص يعملون في زراعة الأفيون والعوائد الناتجة تشكل 40% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وفي آخر مسح دولي صدر في أغسطس (آب) 2008، فإن الحوادث المتعلقة بأنشطة اجتثاث المخدرات في أقاليم «هلمند وقندهار وهيرات ونمروز وكابيسا وكابول ونانجارهار» قد خلفت 78 قتيلا على الأقل عام 2008، معظمهم من رجال الشرطة، وهو ما يشكل زيادة بنسبة 75% مقارنة بعدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم في مثل هذه العمليات عام 2007 (19 شخصا).