الحريري «المحاصر» برفض المعارضة تشكيلته الحكومية يتجه للاعتذار في انتظار إعادة تكليفه

فتفت لـ «الشرق الأوسط»: الرئيس سليمان يرى أن ما تضمنته حصة عون «عادلة جدا»

الرئيس اللبناني ميشال سليمان لدى استقباله أمس الوزير السابق أحمد فتفت في قصر الرئاسة الصيفي في بيت الدين (دالاتي ونهرا)
TT

اتخذت الأزمة الحكومية اللبنانية منحى جديدا أمس مع بروز مؤشرات إضافية على نية رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الاعتذار عن تشكيل الحكومة إذا استمر رفض المعارضة لتشكيلته التي قدمها إلى رئيس الجمهورية أول من أمس، بالإضافة إلى ملامح سيناريو آخر في حال اعتذاره لا يتضمن عند إعادة تكليفه الصيغة نفسها التي تم التوافق عليها في تقاسم مقاعد الحكومة بين المعارضة والموالاة، وبالتالي يصبح معها قيام حكومة «وحدة وطنية» أمرا مستبعدا.

وبدا من خلال تطورات الساعات الأخيرة أن الاعتذار هو الأرجح كفة حتى الساعة في ظل محاصرة الرئيس المكلف برفض المعارضة تشكيلته من جهة، والتململ داخل فريق الأكثرية من «كرمه» مع المعارضة ورفضه لأية تنازلات جديدة.

وفيما أبلغت مصادر لبنانية مطلعة «الشرق الأوسط» أن سليمان تحرك لدى الطرفين طالبا منهما «عدم اتخاذ خطوات دراماتيكية» مشددا على ضرورة عدم التسرع على الرغم من فشل اجتماعه الثاني مع وفد المعارضة في التوصل إلى حلول، قالت مصادر في الأكثرية البرلمانية لـ«الشرق الأوسط» إن الحريري قد يقبل بإجراء «تعديلات طفيفة» على تشكيلته، لكنه لن يقبل بالتأكيد «تعديلات جوهرية تمس رؤيته لهذه الحكومة التي سيعمل معها، والتي يريد لها الحد الأدنى من الانسجام والإنتاج». وأشارت إلى أنه إذا وصلت الأمور إلى هذا الحد، فإن الاعتذار عن تأليف الحكومة سيصبح واقعا، خالصة إلى القول بأن الحريري لن يقدم على أية خطوة قبل استدعائه من قبل رئيس الجمهورية وإبلاغه ما تم التوصل إليه.

والتقى رئيس الجمهورية أمس وفدا من قوى المعارضة ضم وزير الاتصالات جبران باسيل والمعاون السياسي لرئيس مجلس النواب نبيه بري والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين خليل. وفيما غادر الوفد من دون الإدلاء بأي تصريح، علم أن هذا الوفد لم يقدم اقتراحات عملية في ما خص التشكيلة ما خلا الإصرار على توزير باسيل «لأن القضية تحولت إلى محاولة استضعاف للمعارضة»، علما أن الرئيس المكلف كان رفض توزير باسيل انطلاقا من مبدأ عم توزير الخاسرين في الانتخابات الذي تبناه منذ تكليفه تشكيل الحكومة.

وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية أن وفد المعارضة «لم يحمل ورقة مطالب أو شروط، إنما قدم أفكارا شفوية». وأشارت إلى أن المشاورات والاتصالات واللقاءات ستبقى مستمرة ومفتوحة برعاية سليمان لإيجاد صيغة ترضي الجميع، خاصة أن «الاقتراحات غير منعدمة، لا بل متوافرة، ورئيس الجمهورية يسعى إلى تسهيل الأمور، وهو طلب من الفريقين عدم اتخاذ قرارات حاسمة تطيح بتأليف الحكومة، وأكد عليهما ضرورة الاستمرار بالحوار والنقاش».

وكان عضو كتلة «المستقبل» التي يرأسها الحريري النائب أحمد فتفت زار رئيس الجمهورية صباح أمس ناقلا عنه أنه يحاول «تدوير الزوايا» ويحاول تقريب وجهات النظر لتلمّس مدى إمكان قبول المعارضة بالصيغة المطروحة، «إلا أنه إذا تبين أن المعارضة لم توافق وستظل على مواقفها، فإنه لن يوقع مرسوم التشكيل، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى اعتذار الحريري». وقال فتفت لـ«الشرق الأوسط» إن الحريري قد يضطر للاعتذار وتجري بعدها استشارات نيابية جديدة ستفضي إلى إعادة تكليف الحريري، لكنها لن تكون وفقا لصيغة «15+10+5» التي تم التوافق عليها سابقا، بل ستكون «انطلاقة من مكان آخر ومحادثات جديدة»، معتبرا أن إعادة تكليف الحريري بعد اعتذاره «رسالة سياسية مهمة جدا لمن يعرقلون».

ونقل فتفت عن سليمان أنه «مرتاح للطرح الذي قدمه الرئيس الحريري، وأن هذا الطرح ينسجم مع الاتفاق السياسي القائم»، مشيرا إلى أن الرئيس سليمان يرى أن حصة «تكتل التغيير والإصلاح» الذي يرأسه العماد ميشال عون «عادلة جدا». وقال فتفت إنه أبلغ سليمان أن تيار «المستقبل» يرى أن «رئيسه (الحريري) ذهب بعيدا في كرمه في ما أعطاه لتيار عون، لكننا قبلناه انطلاقا من المصلحة الوطنية، ومع هذا فهناك من لا يقبل به».

وكشف النائب مروان فارس بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري أن «الحريري أراد الاعتذار ولكن رئيس المجلس النيابي أصر على إمهاله يومين أو ثلاثة قائلا: إذا اعتذرت فسوف نعيد تكليفك». وقد شدد بري، كما نقل عنه النواب أمس، على أهمية الاستمرار في الحوار، مؤكدا «ضرورة تخفيض حدة التشنج والتصعيد لأن ذلك يؤثر سلبا على البلاد وعلى تشكيل الحكومة». ونقل النواب عن بري أيضا أنه «يقوم بجهود حثيثة بالتعاون مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط لمعالجة الوضع والتوصل من خلال الحوار إلى نتائج إيجابية في الشأن الحكومي».

وأكد المعاون السياسي لرئيس المجلس النائب علي حسن خليل أن «بري يدعو إلى استمرار الحوار، ويأمل في أن يكون الحوار المفتوح حول الحكومة فرصة كبيرة للوصول إلى نتيجة». وبدوره، شدد جنبلاط على «التروي للوصول إلى الحل المناسب ما دمنا قد اتفقنا على حكومة شراكة وطنية»، ودعا الجميع «لتقديم التنازلات». وردا على سؤال حول من يجب أن يقدم تنازلات، قال: «جميعنا علينا أن نقدم تنازلات، وكما فهمت أو كما قرأت من كلام السيد حسن (نصر الله) ومن كلام المعارضة ومن كلام رئيس الجمهورية، الأبواب ليست مغلقة والجميع ينصحون بالتروي، وببعض الصبر نستطيع أن نصل إلى نتيجة. والشيخ سعد (الحريري) الذي صحيح عانى مدى 70 يوما، لا بأس إذا كانت مصلحة البلاد تقضي بمعاناة إضافية بضعة أيام فلا مشكلة من أجل الوصول إلى حل مناسب لقضية تشكيل الوزارة، وإيانا أن نخطئ الحساب. لا نستطيع كما يدعي البعض أن نلغي الحسابات أو بالأحرى التأثيرات الإقليمية، وهنا أشدد، كما يشدد صديقي دولة الرئيس نبيه بري، أنه لا بد من التركيز وتأكيد أهمية العلاقة بين «س ـ س» أي السعودية وسورية، وهذا لا يعني تجاهل العامل المؤثر للجمهورية الإسلامية. لاحقا، وكما قال أيضا الأمين العام لجامعة الدول العربية، أعتقد أنه في الخليج، لا بد للعرب أن يجلسوا للتواصل والحوار مع الجمهورية الإسلامية حول الخلاف والاتفاق على المصالح. لن أقبل ولا نقبل بأن بعض الأوساط الأميركية تجعل أو تحاول أن تقيم حلفا عربيا ـ إسرائيليا في مواجهة إيران، هذا مرفوض ومدان».

وفي موقف لافت جدا دعا النائب آغوب بقرادونيان (حزب الطاشناق الأرمني المنضوي في تكتل عون) إلى الصبر والهدوء «لأنه يجب أن نستفيد من الصيغة التي قدمها الرئيس المكلف سعد الحريري لنخدم البلد والمواطن».

بدوره، قال عضو كتلة حزب الله النائب علي عمار إن «حزب الله منفتح لإخراج تشكيلة منسجمة تواجه تحديات خطيرة، وعلى رأسها التهديدات الإسرائيلية». وأكد عضو تكتل «التغيير والإصلاح» النائب إبراهيم كنعان أنه «لم تتم تلبية أي مطلب من مطالب تكتل (التغيير والإصلاح) في تشكيلة الحريري الحكومية؛ إن في موضوع الأسماء أو في موضوع الحقائب السيادية أو غيرها من المطالب». ولفت إلى أن «نية الحريري ليست نية تأليف حكومة وحدة وطنية، فهو قدم تشكيلة إلى رئيس الجمهورية وكان يعرف مسبقا أن المعارضة سترفضها»، مشيرا إلى أن «هناك عملية تحميل مسؤولية لرئيس الجمهورية وهناك تجاوز لصلاحياته ووضعه أمام خيارين كليهما مر». وأردف: «إذا لم ينجح الحريري ندعوه للاستقالة». مضيفا: «نحن لا نطلب من الحريري الاعتذار، بل عدم إدخال البلد في حالة تصادم».

ولم تقتصر «الاعتراضات» على فريق المعارضة وحده، بل انضم إليه عدد من القوى المسيحية في «14 آذار» التي اعترضت على «الإجحاف» بحقها على الرغم من تأكيدها عدم رفضها للتشكيلة.

وزار وفد من الأمانة العامة لقوى «14 آذار» الحريري على أثر الاجتماع الأسبوعي الذي عقدته. وتحدث النائب السابق فارس سعيد باسم الوفد، مشيرا إلى أنه «لم يعد مخفيا على أحد بأن الصبر الذي مارسه دولة الرئيس والمرونة أيضا، وهي تقابل من قبل الفريق الآخر بعراقيل ثم بعراقيل أخرى، تفسح في المجال للقول إن هناك عرقلة إقليمية يقوم فريق 8 آذار بلبننتها فقط على المستوى الداخلي».

وفيما أشار وزير السياحة إيلي ماروني إلى أن «المشاورات التي أجريت في قريطم في ما يتعلق بالتشكيلة الحكومية، غير التي نشرت في الإعلام، وحزب (الكتائب) اعترض على التشكيلة ولكن لم يرفضها».

كذلك، عقد النائب نقولا فتوش مؤتمرا صحافيا استغرب فيه «التنكر الكامل لدور زحلة، وعدم تمثيلها في الحكومة، وتجاهل حقوقها ومصالحها الحيوية، ومواقفها الوطنية، كونها عاصمة الكثلكة وأكبر مدينة مسيحية في الشرق». وتوجه إلى الحريري بالقول: «تجاهلكم الكامل، وتعاميكم عن موقف زحلة، ونتائج انتخاباتها، حول هذا الانتصار إلى هزيمة».

ورأت النائبة السابقة نايلة معوض أن التشكيلة التي قدمها الرئيس المكلف «هي فعلا مجحفة بحق الأكثرية، وهي تعطي كل الامتيازات لقوى المعارضة». وقالت: «هنا ينطبق القول المأثور: نحن قبلنا بالمصيبة والمصيبة لا تقبل بنا. وهذا ما يجعلنا نتأكد ونؤكد، أن العرقلة التي نشهدها حاليا حول تشكيل الحكومة، ليست مصنوعة في لبنان، بل هي موضوع إقليمي وتدخل إقليمي في الشأن اللبناني بامتياز».