روسيا تتخلى عن مشروع نشر صواريخ إسكندر في كالينينغراد ردا على مبادرة أوباما

توقيت إعلان واشنطن التخلي عن الدرع الصاروخية يطرح تساؤلات حول تفاهم بخصوص طهران

TT

رحب رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين أمس بقرار الولايات المتحدة بالتخلي عن مشروع الدرع المضادة للصواريخ في أوروبا، معتبرا أنه قرار «شجاع». وكانت روسيا نددت بالمشروع الأميركي لنشر رادار مضاد للصواريخ في الجمهورية التشيكية ومنصات صواريخ اعتراضية في بولندا بموجب الخطط التي وضعها الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، وهددت بنشر صواريخ قصيرة المدى ردا على ذلك.

وفيما رحب بوتين بقرار أوباما، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن موسكو تخلت عن مشروع نشر صواريخ إسكندر في كالينينغراد بعد تخلي الولايات المتحدة عن مشروعها لنشر عناصر من الدرع الصاروخية في أوروبا الشرقية.

وقال بوتين إن «قرار الرئيس الأميركي باراك أوباما الأخير الذي يلغي فيه مشروع إقامة نظام دفاعي مضاد للصواريخ في أوروبا يوحي لنا بأفكار إيجابية، وآمل فعلا في أن تتبع هذا القرار الصائب والشجاع قرارات أخرى».

وأضاف بوتين أن خطوة أوباما يجب أن تتبعها إجراءات أخرى من واشنطن لرفع القيود المفروضة منذ الحقبة السوفياتية على واردات التكنولوجيا الحساسة إلى روسيا ومساعدتها في مساعي الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية.

إلى ذلك، نقلت وكالة «إنترفاكس» عن مصدر دبلوماسي قوله إن «الإجراءات المتخذة (من قبل روسيا) ردا على مشروع الدرع الأميركية المضادة للصواريخ ستجمد، وقد يتم التخلي عنها بالكامل»، في إشارة إلى المشروع الروسي لنشر صواريخ إسكندر في كالينينغراد.

وكان الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف أكد في مطلع يوليو (تموز) أن روسيا ستنشر صواريخ إسكندر في كالينينغراد، الجيب الروسي الواقع بين بولندا وليتوانيا، إذا قامت الولايات المتحدة بنشر الدرع المضادة للصواريخ في أوروبا الشرقية. وقد بدأت العلاقات بين موسكو والغرب بالتحسن ببطء منذ أن تولى أوباما مهامه في البيت الأبيض.

وفي براغ أعلن وزير الخارجية التشيكي يان كوهوت أن جمهورية تشيكيا تود من واشنطن أن «تملأ الفراغ» الناتج عن تخليها عن مشروع الدرع الصاروخية، الذي كان يتضمن نصب رادار على الأراضي التشيكية. وقال كوهوت متحدثا لشبكة التلفزيون العام «سي تي 2»: «سوف يسرني أن يتم ملء هذا الفراغ هنا بمشاريع ملموسة».

وأوضح أنه قدم «مبادرتين عمليتين» خلال لقاء مع وفد أميركي وصل إلى براغ للاجتماع مع مسؤولين تشيكيين بشأن الدرع. وقال «اقترحت.. إقامة فرع لكلية وست بوينت العسكرية في أوروبا الوسطى يخصص لدول أوروبا الوسطى والبلقان الأعضاء في الحلف الأطلسي، وإرسال عالم تشيكي إلى محطة الفضاء الدولية على متن مكوك فضائي أميركي».

وعلق بشكل مقتضب على إعلان واشنطن عزمها على نشر صواريخ «إس ام ـ 3» مضادة للصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى في بولندا والجمهورية التشيكية في إطار نظامها الجديد المضاد للصواريخ. وقال «لا أستبعد ذلك، لكن الأمر ما زال بعيدا ومن الصعب التكهن بما سيكون عليه الوضع بحلول هذه السنة»، مشيرا إلى «التكامل العملاني» لهذا النظام الأميركي الجديد مع أنظمة الحلف الأطلسي. وأثار التوقيت الذي اختاره الرئيس الأميركي باراك أوباما لإعلان التخلي عن مشروع الدرع المضادة للصواريخ، تفسيرات عدة، تراوحت بين عمل صائب من وجهة النظر العسكرية وصولا إلى القيام بمناورة استراتيجية مع روسيا. وتأتي هذه القطيعة المدوية مع السياسة التي كان يعتمدها الرئيس السابق جورج بوش في ظروف دبلوماسية مضطربة وتتعلق مباشرة بروسيا وريثة الاتحاد السوفياتي السابق العدو الأول سابقا للولايات المتحدة، وإيران «عدوتها اللدودة» الجديدة.

وبذلت إدارة أوباما جهودا جبارة لتبديد الشبهات بأنها تخلت عن المشروع الذي دافعت عنه إدارة بوش بقوة من أجل إرضاء روسيا التي كانت تعارضه بشدة وحتى لا يشتبه في أنها قللت من شأن الخطر الإيراني. وأوضحت أنها فضلت مشروعا معدلا أقل كلفة، لأنه أعيد تقييم التهديد الإيراني، ولأنه تم إحراز تقدم تقني في الدفاع المضاد للصواريخ. وقال نائب الرئيس الأميركي جو بايدن «إنني أقل قلق بكثير حيال القدرات الإيرانية.. ليست لديهم قدرة إطلاق صاروخ يمكن أن يصل إلى الولايات المتحدة». وسارعت المعارضة الجمهورية إلى انتقاد تصريحات نائب الرئيس الذي يرتكب هفوات في بعض الأحيان. وقال البرلماني روي بلانت إن بولندا التي كان يفترض أن ينشر فيها جزء من المنظومة، كانت قبل سبعين عاما محتلة من قبل الاتحاد السوفياتي.

وأضاف بلانت «في الوقت نفسه يدافع نائب الرئيس عن قرار طائش، مدعيا أن إيران لا تشكل تهديدا لأمننا أو لأمن حلفائنا». واتهم إدارة أوباما «بمحاولة إرضاء العدو». ورد روبرت غيبس، الناطق باسم أوباما بالقول إنه لا أحد يقول إن التهديد الإيراني زال، لكن التهديد يخضع فقط لإعادة نظر، والتوصيات التي أدت إلى المشروع الجديد أعدها الرجلان اللذان عرضا في 2006 التوصيات التي أدت إلى اعتماد المشروع من قبل بوش.

وأضاف أن الولايات المتحدة لا تزال تأخذ هذا التهديد «على محمل الجد»، مشيرا إلى سلسلة من اللقاءات ستكون إيران محورها، مثل زيارة أوباما للجمعية العامة للأمم المتحدة وقمة دولية الأسبوع المقبل والمحادثات مع الإيرانيين في الأول من أكتوبر (تشرين الأول).

وبرنامج العمل هذا عزز التكهنات وأثار تساؤلات حول ما إذا كان أوباما يسعى إلى الحصول على دعم روسي أكبر في إطار الملف النووي الإيراني، أو أنه يسعى إلى تشجيع إنهاء المفاوضات الصعبة حول خفض الترسانتين النوويتين الأميركية والروسية بحلول نهاية 2009. وقال غيبس «بالتأكيد لا، الأمر لا يتعلق بروسيا هنا».

وقال مسؤول كبير طلب عدم الكشف عن اسمه إنه إذا كان القرار أعلن في وقت قريب جدا من هذه الاستحقاقات فذلك لأن إعادة النظر في مشروع الدرع المضادة للصواريخ قد انتهت. من جهته أوضح الخبير جون إيساكس، من مركز مراقبة التسلح وحظر انتشار الأسلحة، إن القرار «يستند إلى الوقائع التكنولوجية وليس على آيديولوجيات متشددة». ونقلت صحيفة «كومرسانت» الروسية عن مصدر دبلوماسي روسي أن واشنطن تريد مقابل التخلي عن مشروع الدرع المضادة للصواريخ، أن تتبنى موسكو موقفا أكثر حزما من البرنامج النووي الإيراني المثير للجدل. وقال دبلوماسي رفيع المستوى لوكالة الأنباء الفرنسية إن «الأميركيين يشددون على مسألتين أساسيتين. فهم يطلبون منا وقف تسليم إيران صواريخ (إس ـ 300) ودعم قرار في مجلس الأمن الدولي ينص على فرض عقوبات على طهران». إلا أن ديمتري روغوزين، السفير الروسي لدى الحلف الأطلسي، قال «لا مجال للمساومة (الأمر يتمثل في أأأن) الأميركيين يصلحون خطأ ارتكبوه بأنفسهم».

وجدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف معارضته لفرض أي عقوبات إضافية على إيران. وقال إن «هناك فرصة حقيقية لإنجاز مباحثات» معتبرا أن «عدم انتهاز هذه الفرصة من خلال المطالبة بعقوبات يشكل خطأ كبيرا».

غير أن القرار الأميركي بإقامة درع تستهدف صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى وليس طويلة المدى، بسبب تراجع في مستوى التهديد الإيراني، سيتيح مع ذلك تحقيق تقدم خصوصا في مستوى خفض الترسانتين النوويتين الروسية والأميركية.

ويتعين على موسكو وواشنطن التوصل إلى اتفاق حول التسلح النووي قبل انتهاء معاهدة ستارت نهاية 2009. وكانت روسيا تلح في سبيل ذلك، على ضرورة التخلي عن مشروع الدرع الصاروخية الذي رأت فيه تهديدا لها. وقال المحلل الروسي ألكسندر غولتز «تخلى الأميركيون عن الدرع، وهو ما كان يمثل مطلبنا الأهم، وبإمكاننا من جهتنا تقديم تنازلات في مفاوضات ستارت». غير أن المحلل لم يستبعد أن تختار موسكو عدم تقديم أي تنازل لواشنطن. وقال إن «مفاوضات بلا نهاية مع القوة الأولى تعزز مكانتنا». وكان روغوزين أشار إلى أن أي «فرح» سابق لأوانه، إذ إنه «لا أحد في واشنطن، حتى في صلب إدارة أوباما الديمقراطية، يريد التخلي عن خطط الولايات المتحدة للهيمنة على العالم».