شهر عسل أوباما انتهى داخليا.. وشعبيته لم تثمر خارجيا

تقدم بطيء على جميع الجبهات وخطابه في الأمم المتحدة سيحدد رؤيته للتعاون الدولي

ترقب لخطاب أوباما في الجمعية العامة للأمم المتحدة (إ.ب.أ)
TT

بعد مرور ثمانية أشهر على توليه منصب الرئاسة في الولايات المتحدة، أصبح باراك أوباما شخصية مشهورة عالميا تحظى بشعبية خارج الولايات المتحدة تفوق شعبيته داخلها، بل إنها تبز في بعض الأحيان شعبية زعماء دول أخرى بين شعوبهم. وقد عمل أوباما على استثمار شهرته في محاولة لإصلاح صورة أميركا أمام العالم، وبسط «يدا مفتوحة» خلال خطابات عدة أدلى بها في رحلات قام بها إلى أكثر من اثنتي عشرة دولة. واستأنف الرئيس الأميركي الحديث عن الحد من الأسلحة النووية، وبدأ نهجا للتواصل مع الخصوم، وساعد على صياغة الطريقة التي يتعامل بها العالم مع الانهيار المالي، وغيّر من سياسات تعود إلى حقبة بوش أغضبت بعض حلفاء أميركا وأقصت الولايات المتحدة عن المجتمع الدولي. ولكن، من الواضح أن شهر العسل لأوباما داخل الولايات المتحدة انتهى وقد أظهرت أحداث على الساحة العالمية حدود جاذبية أوباما. ويوم الأربعاء عندما يتقدم الرئيس الأميركي لإلقاء كلمة أمام اجتماع للأمم المتحدة لأول مرة، سيكون أوباما أمام زعماء دوليين بينهم أعداء وحلفاء تذكر انتقاداتهم للرئيس الأميركي الجديد بأن خلافات العالم مع الولايات المتحدة لا تقف عند من يكون داخل البيت الأبيض. وقد رفضت دول غربية إرسال أعداد كبيرة في صورة قوات إضافية للمساعدة في الحرب التي تقودها الولايات المتحدة داخل أفغانستان. ووافق عدد قليل من الدول على قبول معتقلين من بين هؤلاء المحتجزين داخل السجن العسكري الأميركي في خليج غوانتانامو. وتجاهل مسؤولون اسكوتلنديون طلب أوباما بالإبقاء على مفجّر لوكربي داخل السجن، ولم تفلح الجهود الأميركية بهدف منع انقلاب في هندوراس، وما زالت كوريا الشمالية مستمرة في تطوير أسلحة نووية، وربما تقوم إيران بنفس الشيء، ورفض زعماء بمنطقة الشرق الأوسط جهود أوباما لتحقيق السلام. ومن جانبه قال ليزلي غيلب، وهو الرئيس السابق لمجلس العلاقات الخارجية: «عندما تولى مهام منصبه، كان هناك شبه صيحة ارتياح في مختلف أنحاء العالم لأنه لم يكن مثل بوش. ولكنهم لم يكونوا يعرفون ما كان سيقوم به لحل هذه المشاكل».

وقال مستشارون بارزن لأوباما في السياسة الخارجية إن شعبية الرئيس في الخارج ساعدت على تمهيد الطريق لإنجاز هام في مجال السياسة عن طريق البدء في مرحلة جديدة تحظى فيها الولايات المتحدة بالاحترام داخل دول أخرى. وقالت سوزان رايس، السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، خلال مقابلة أجريت معها، إن قرار الإدارة المتعمد بالانفصال عن الماضي، وتحديدا عن رئاسة جورج دبليو بوش، أدى إلى تغير في ديناميكيات الساحة السياسية العالمية. وتضيف: «إنه شيء محسوس في كل يوم على ضوء حالة جديدة من الانفتاح ورغبة جديدة في الاستماع واحترام مواقفنا وسياساتنا واستعداد للتعاون حتى فيما لقينا له في الماضي معارضة. إنه ليس تغييرا في النبرة وفي رد الفعل ولكنه تغيير في سياسة لوحظت وكانت معروفة».

ويقر حتى أشد المدافعين عن أوباما مثل رايس، بأن الآمال على الرئيس في الخارج كانت كبيرة بصورة مفرطة. وتقول: «ماذا تتوقع؟ ينتخب الرئيس وفجأة نصل إلى مرحلة مثالية في وقت قصير؟ أعني أن ذلك مثير للسخرية بعض الشيء». وقد ساعد أوباما على تشكل تطلعات لتحقيق سلام في منطقة الشرق الأوسط خلال الأشهر الأولى من رئاسته ورفع من مستوى الطموحات بدرجة أكبر بخطابه خلال شهر يونيو (حزيران) في القاهرة الذي تعهد فيه بأشياء ملموسة. وطلب أوباما من إسرائيل أن تخفف من الحصار الذي تفرضه على قطاع غزة وتجميد بناء المستوطنات في الضفة الغربية. وطلب من الدول العربية أخذ خطوات تجاه «تطبيع» العلاقات مع إسرائيل. وجعل إعادة بدء محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين أولوية كبرى وأعلن عن خطط لإصلاح العلاقات مع سورية وقال إنه سوف يتواصل مع إيران، بدلا من أن يواجهها. وفي يوم السبت، أعلن البيت الأبيض أن أوباما يخطط لعقد اجتماع ثلاثي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في نيويورك يوم الثلاثاء. وسيكون هذا أول اجتماع بين الاثنين منذ أن تولى نتنياهو مهام منصبه. ويقول المبعوث الأميركي لمنطقة الشرق الأوسط جورج ميتشل: «إنه يريد أن يدخل شخصيا في هذا الأمر وهذه إشارة أخرى على التزام الرئيس الشديد بتحقيق سلام شامل». ولكن، ثمة تقدم بطيء وحالة من الإحباط على جميع الجبهات، فمن جانب يرى المسؤولون الإسرائيليون أن أوباما ركز على توجيه طلبات إليهم علنيا. ويشعر العرب، وخاصة الفلسطينيين، بالإحباط لأنه لا يستطيع انتزاع التنازلات من إسرائيل. ومن ناحية ثالثة يقول ناشطو حقوق الإنسان إن مثاليته لم تتحول إلى أفعال. ويقول مارك هيلر، وهو زميل بحثي بارز في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب: «أعتقد أن هناك تقديرا ضعيفا جدا للواقع واعتقادا كبيرا في قوة الخطابات والإيماءات الجيدة».

وتقول رايس إن أوباما حقق «تقدما هاما في عدد كبير من القضايا» ذات الصلة بعملية السلام في منطقة الشرق الأوسط، وأشارت إلى أن ذلك كان يمثل مشكلة صعبة أمام «كل إدارة سابقة». ولكن، يقول مسؤولون في البيت الأبيض إنهم لا يتوقعون اتفاقا على تسويات يعلن عنه خلال الاجتماع الثلاثي المزمع عقده خلال الأسبوع المقبل. وقالت حركة حماس في قطاع غزة إن عجز ميتشل عن مناقشة هذا الاتفاق مع إسرائيل يدلل على أوجه العجز لدى أوباما. وقال المتحدث باسم حركة حماس فوزي برهوم في تصريح له، إنه دليل على «فشل إدارة أوباما في مساعدة الشعب الفلسطيني»، وهو ما يعكس شكوكا كبيرة بين العرب بخصوص ما إذا كان عرض أوباما الذي قدمه للعالم الإسلامي سوف يؤدي إلى اختلاف على أرض الواقع. وفي الوقت نفسه، أعرب مسؤولون إسرائيليون عن خوفهم من أن سياسة التواصل إزاء إيران سوف تسمح بمضي وقت كبير جدا دون اتخاذ أي إجراءات لوقف برنامج طهران النووي. وتقول إسرائيل ودول أخرى إنها تشك في أن إيران تنوي تطوير سلاح، ولكن تقول إيران إن البرنامج للأغراض السلمية. وقد وافقت الولايات المتحدة على إجراء جلسات نقاش مع إيران ودول أخرى في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) وهو ما عزز من المخاوف داخل إسرائيل وبين منتقدي الإدارة من أنه سينتج هذا التأخر في النهاية. ويقول هيلر: «لم تواجه الإدارة الواقع في هذه القضية وحدها، ولكنها استخدمت كلمات لطيفة وحاولت أن تتواصل.. ولكن لا يوجد في الوقت نفسه شيء يذكر بخصوص كوريا الشمالية ولا جديد فيما يتعلق بالرئيس الفنزويلي هوغو شافيز ولا يتم الدفع بإصلاحات داخل كوبا».

وفي مقال نشر مؤخرا في «لو فيغارو» الفرنسية البارزة، عرض بيير روسلين، وهو أحد المحررين البارزين في الصحيفة، تقييما يمكن أن ينظر إليه على أنه شيء جديد داخل أوروبا، حيث قال: «باراك أوباما ليس هو المخلص المنتظر».

وقد جعل كفاح أوباما السياسي داخل البلاد وأداؤه على الصعيد الدولي بعض المراقبين في الخارج يشيرون إلى أن القيادي الكاريزمي الذي كان يبدو وكأنه يمشي على مياه خلال الماضي مجرد إنسان عرضة لنفس المعارك السياسية الطاحنة مثل أي شخص آخر. وأشارت شخصيات عدة إلى أن جهده من أجل تحسين العلاقات مع روسيا أثمر مساعدة ملموسة من جانب روسيا مع مواجهة إيران وإلى أنه حتى الآن لا تزال إسرائيل تراوغ في وضع نهاية للمستوطنات اليهودية. وقد أبلى أوباما بلاء حسنا فيما يتعلق بوعده بخفض وتيرة الحرب العراقية وأخذ خطوات من أجل إغلاق معتقل غوانتانامو. ولكن في نفس الوقت، زاد من وتيرة الحرب الأميركية في أفغانستان وهي نقطة حرجة بالنسبة للعديد من الأوروبيين وقضية سياسية صعبة لنظراء أوباما في مختلف أنحاء العالم. وعلى الرغم من السياسة الأميركية المتغيرة إزاء التغير المناخي، فإنه لا يحتمل أن يرى الرئيس اتفاقا بخصوص التغير المناخي في قمة كوبنهاغن نهاية العام الحالي. ويشير مسؤولون أميركيون إلى نجاحهم في الحصول على دعم روسيا والصين لعقوبات جديدة شديدة على كوريا الشمالية كدليل على نجاحهم في الساحة العالمية. ومن المحتمل أن يظهر خلال الأشهر المقبلة الاختبار الحقيقي للمواقف داخل العواصم الأوروبية ولا سيما إذا فشل أوباما في تحقيق تقدم في الأهداف الرئيسية لسياسته الخارجية أو إذا تسببت حرب أفغانستان في إصابات وقتلى بمعدلات غير مقبولة بين الجنود الأوروبيين التابعين لقوات المساعدة الأمنية الدولية بالناتو، حسب ما يقوله خبراء أوروبيون. ويقول ديفيد باسكو، أستاذ السياسات الدولية في الجامعة الأميركية ومؤلف كتاب جديد عن مجلس الأمن: «لا شك في أنه ستكون هناك حالة من الإحباط ستنمو عالميا حيث إن المصالح الأميركية مستمرة بدرجة أكبر مما يقدره الكثير من الناس. ولكنه لا يزال يحظى بشعبية في الخارج ويعلم زعماء الدول الأخرى ذلك».

وتظهر استطلاعات الرأي بصورة مستمرة أن أوباما لا يزال يحظى بشعبية بين الشعوب في مختلف أنحاء أوروبا، وكانت نسبة القبول التي أظهرها استطلاع رأي جديد قام به «صندوق مارشال الألماني» تبلغ 77 في المائة في مختلف أنحاء أوروبا و92 في المائة داخل ألمانيا.

وقال مسؤول بارز في إدارة أوباما: «لست أنتقد الإدارة السابقة لأن الدوافع واحدة، ولكن أعتقد أن وجهة نظر (الحكومات الأخرى) أن التعاون بصورة كبيرة مع الأميركيين في ذلك الوقت سوف يشوههم. وعليه، أشعر أن هناك مقدارا أكبر من التجاوب في الوقت الحالي في عملية المشاركة مع الولايات المتحدة بسبب بعض القرارات التي اتخذها الرئيس أوباما».

وفي أميركا اللاتينية، كانت الأشياء التي ترتبت على الانقلاب في هندوراس خلال يونيو (حزيران) سببا في انتقادات نالت من سياسات أوباما. وعلى الرغم من أن الإدارة أدانت عملية الإطاحة بالرئيس مانويل سيلايا وقالت إنها لن تعترف بالحكومة التي حازت السلطة فقد كانت عاجزة عن إعادته إلى منصبه. وقد رحبت بعض القيادات الأكثر تأثيرا في أميركا الجنوبية بانتخاب أوباما، وكان من بينهم الرئيس البرازيلي لويز إناسيو لولا دا سيلفا. ولكن هدأت العلاقات الدافئة الأولية في أنحاء أخرى مع استمرار الولايات المتحدة في سياسة تعود إلى حقبة بوش تعتمد على تعزيز الوجود العسكري الأميركي في كولومبيا، التي تعتبر أقرب حليف للولايات المتحدة في أميركا الجنوبية. وخلال خطابه أمام الجمعية العامة يوم الأربعاء، سوف يحدد أوباما «رؤيته للتعاون الدولي في القرن الحادي والعشرين ويؤكد الحاجة إلى تجاوز الخلافات القديمة»، حسب ما قالته رايس أمام صحافيين يوم الجمعة. وتوقع السفير السابق لدى الأمم المتحدة جون بولتون أن يكون هناك ترحاب بالرئيس الأميركي الجديد. وقال بولتون: «إنه انتصار لأوباما شخصيا، ولكني لم أر شعبيته الشخصية تترجم إلى خطوات ملموسة للتحرك للأمام».

وعلى الرغم من الترحاب الدافئ، ربما يتحول اهتمام وسائل الإعلام، وبالتبعية اهتمام العالم، إلى أشياء أخرى، حيث سيتحدث الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بعد أوباما. وفي استعراض لخطابه يوم الجمعة، قال أوباما لحشد معاد لإسرائيل في طهران إن الهولوكوست كانت «ذريعة زائفة لتأسيس إسرائيل» وقال إن مواجهة النظام الحاكم «واجب ديني ووطني».

وسوف يلقي هذا النوع من الكلام الضوء بصورة مباشرة على سياسة التواصل التي يتبناها أوباما والمحادثات المقبلة بين مسؤولين أميركيين وإيرانيين في اسطنبول. وتقول رايس إنها لا تعتقد أن هناك احتمالية كبيرة لأن يكون هناك شيء بين الرئيسين، وأنه لم يتم التخطيط لعقد اجتماعات ولا أي شيء من هذا النوع».

وبعد ذلك بيوم، سوف يترأس أوباما اجتماعا لمجلس الأمن الذي يبلغ عدد أعضائه 15 عضوا، وسيكون حاضرا الزعيم الليبي معمر القذافي الذي استقبل مفجّر لوكربي استقبال الأبطال. وسيكون حدوث أي موقف بين الاثنين في غرف المجلس الصغيرة شيئا غير ملائم. ويتوقع غيلب، الرئيس السابق لمجلس العلاقات الخارجية، أن يرحب معظم زعماء العالم بزيارة أوباما للأمم المتحدة. ويضيف: «يريد معظمهم له النجاح، وهم يتطلعون أن يقدِم على أشياء طيبة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»