إف. بي. آي: تحقيق كول توقف بسبب رفض اليمن توسيعه

الدكتور القربي وزير الخارجية: التحقيقات الإضافية التي يطلبها الأميركيون ستمثل خرقا لسيادة اليمن

TT

بعد اكثر من عشرة اشهر من قيام انتحاريين يتحدثان اللغة العربية، بمهاجمة المدمرة كول بميناء عدن، مما ادى الى قتل 17 بحارا اميركيا، اشرف التحقيق الذي بدأه مكتب التحقيقات الفيدرالي، اف. بي. آي، على التوقف تماما والوصول الى طريق مسدود، بعد ان رفض اليمن طلبات اميركية عديدة لتوسيع التحقيق ليشمل مجموعات اصولية هناك. وكانت نتائج القرار اليمني افشال جهود الاف بي اي، لربط التفجير، بصورة حصرية، باسامة بن لادن.

بعد الهجوم الذي تم في 12 اكتوبر (تشرين الاول)، سارع مكتب التحقيقات الفيدرالي (اف. بي. اي) الى اتهام بن لادن بانه يقف وراء هذا الهجوم، من مخبئه بأفغانستان، ان لم يكن قد اداره بصورة مباشرة، ولكن كل المحاولات الاميركية والنداءات التي اطلقها كبار المسؤولين، ومنهم من طار الى اليمن للتحدث مباشرة الى الرئيس علي عبد الله صالح، لم تجد صدى. ويقول كبار المحققين بـ«اف بي اي» ان السلطات اليمنية حالت بينهم وبين استجواب شخصيات يمنية هامة يريد الاميركيون استجوابها لربط الهجوم بشبكة بن لادن باليمن ويقولون انه اصبح قاعدة اساسية لنشاطاته منذ اوائل التسعينات. ويقول كبار المسؤولين اليمنيين انهم يريدون ان يسدلوا الستار على القضية بمحاكمة 6 اشخاص تم اعتقالهم بعد التفجير مباشرة.

وقال وزير الخارجية اليمني، الدكتور ابو بكر القربي في مقابلة خاصة «اليمن ملتزم بمحاربة الارهاب التزام الولايات المتحدة. وذلك لان الدمار الذي ترتب على الهجوم على كول لم ينحصر في المدمرة الاميركية وطاقمها بل امتد الى الامن اليمني. ولذلك من مصلحتنا ملاحقة الهجوم حتى مصادره النهائية، ولا اعتقد ان عاقلا يمكن ان يظن ان اليمن يحجب معلومات. ولكن المستوى الذي تمت به التحقيقات يشير الى انها اكتملت، وقد آن الاوان لاعطاء الملفات كلها للمحققين».

واضاف الدكتور القربي ان التحقيقات الاضافية التي تقترحها الاف بي اي، ستمثل خرقا لسيادة اليمن، لانها لن تشتمل على قضايا داخلية بحتة. وقال ان التحقيقات التي اجراها اليمن، بما فيها تلك التي تمت مع اشخاص وردت اسماؤهم في سجلات الاف بي اي، توضح بصورة مقنعة انه لا يوجد متورطون في حادثة الهجوم بخلاف اولئك المقبوض عليهم بعدن.

وقال « ان تكون لدى الشخص بعض الارتباطات الاسلامية لا يعني ان له علاقة بحادثة الهجوم على كول».

وظلت الحكومة منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تعلن انها بصدد عقد المحاكمة، ولكنها تؤجلها تحت الضغط الاميركي. وكان موقف الاف بي اي، ان الرجال المحتجرين باليمن ليسوا سوى لاعبين صغار، وان محاكمتهم في اليمن ستؤثر على اي محاكمة لاحقة تعقد بأميركا لاولئك الذين خططوا للهجوم ومولوه.

وترجع جذور الوضع الحالي الى الايام الاولى من التحقيق، عندما شكت وكالة اف بي اي، من محاولات العرقلة اليمنية.

ولكن بعد ان طلب الرئيس كلينتون «اجراء تحقيق مشترك وامين»، سمح للاميركيين بحضور التحقيقات مع المتهمين والشهود الذين احضرهم اليمنيون، كما سمح لهم بتوجيه الاسئلة، ولكن بعض المصادر داخل اف بي اي، صرحت بأن كثيرا مما قام به المحققون اليمنيون كان يبعث على القلق.

جوهر النزاع كان حول احتمال صلة المجموعات الاصولية المقاتلة بهذا الهجوم، وكان بن لادن، وبتشجيع من الاميركيين، قد قام اواخر الثمانىنات، باعمال تجنيد واسعة وسط الشباب اليمني للمشاركة في الحرب الافغانية ضد السوفيات.

وتشتمل قائمة الاشخاص الذين تود اف بي اي استجوابهم، على شخصية دينية اسلامية ذات قدرة كبيرة على التحريض والاثارة، ولواء في الجيش له علاقة ممتدة بابن لادن، واخرين ذوي علاقات مشابهة، بما في ذلك زعيم قبلي تلقى تدريبا على حرب العصابات بمعسكرات بن لادن.

عندما انتهى الصراع بافغانستان، قام بعض هؤلاء بمساعدة بن لادن لانشاء منظمة باليمن، مستفيدين من الاف المحاربين الافغان الذين قاتلوا جنبا الى جنب مع قوات الرئيس علي عبد الله صالح، في حرب عام 1994.

يقول محققو اف بي اي انهم واثقون بأن الرجال الستة الذين يحتجزهم اليمن، في قلعة حصينة ومضاءة قبالة الساحل بعدن، اشتركوا بالفعل في الهجوم على المدمرة كول فهم قد ساعدوا في جلب الزورق البخاري من الالياف الزجاجية، والشاحنة الرباعية الدفع، وهم الذين وضعوا القنابل بالزورق وحصلوا على وثائق مزورة استخدمها المتآمرون. ولكن الاميركيين يقولون ان هؤلاء الرجال منفذون فقط، ولا علاقة لهم بالتخطيط.

وما دام بن لادن بعيدا عن قبضتها، هناك في افغانستان فإن اف بي آي، تعتقد ان توسيع التحقيقات باليمن له دور حاسم في معرفة الطريقة التي فجرت بها المدمرة كول، ومعرفة المناهج التي يتبعها بن لادن في العمل، والبنية الداخلية لمنظمته الارهابية، المسماة القاعدة.

وفي فيلم فيديو صوره بن لادن ونشر من خلال الانترنت، هذا الصيف، ادعى انه المسؤول عن تدمير كول، وذلك عندما قال «نصرنا الله يوم دمرنا السفينة في البحر». ولكن الفيلم لا يحتوي على اية ادلة تثبت صحة هذا الزعم.

والمح الدكتور القربي الى ان رفض اليمن السماح بتحقيقات موسعة كان في جزء منه خطأ مكتب التحقيقات لرفضه ابلاغ اليمن بالمعلومات التي حصل عليها بخصوص العلاقة ما بين حادث المدمرة كول وبن لادن.

وذكر «ربما يوجد عنصر من عدم الثقة في عدم رغبتهم في تقديم المعلومات الينا بخصوص بن لادن، في حال اساءة استخدام المعلومات. كما ان المحققين الاميركيين اعتقدوا ان بعض المشتبه فيهم والشهود الذين سمح لهم بالتحقيق معهم، تم توجيههم من قبل المسؤولين في السجون اليمنية قبل لقاء رجال مكتب التحقيقات». وهو الامر الذي رفضه تماما الدكتور القربي الذي قال «مثل هذه الاتهامات تقضي على اي نوع من التعاون بين الجانبين».

وفي ما يتعلق بإصرار اليمن على عقد المحاكمة قريبا ذكر وزير الخارجية ان تحويل المتهمين للمحكمة بعد الشهور الطويلة التي قضوها في السجن هو «حق انساني».

واوضح «ان بعض الناس ينتقدون تأخرنا في عقد المحاكمة، لانها تتعلق بدولة تطالب دائما بحماية حقوق الانسان.

وكان المسؤولون اليمنيون قد ذكروا ان علاقة بن لادن الوحيدة بنسف المدمرة كول التي تمكنوا من اكتشافها تتعلق بمحمد الحرازي الذي اعلن اليمن انه الرجل الذي اشرف على الاعداد لنسف المدمرة كول ثم ترك اليمن قبل الحادث.

وذكر المسؤولون في مكتب التحقيقات الفيدرالية ان حرازي الان في افغانستان، وانه على علاقات ليس فقط بحادث نسف المدمرة ولكن ايضا بنسف السفارتين الاميركيتين في دار السلام عاصمة تنزانيا ونيروبي عاصمة كينيا في عام 1998 وهو الحادث الذي ادى الى مقتل 224 شخصا.

وكان قد ظهر دليل اخر في اوائل العام الحالي على ان اليمن ربما لا يكون على استعداد لمساعدة مكتب التحقيقات في ربط حادث المدمرة بابن لادن.

فقد نشر المسؤولون الاميركيون اعلانات على صفحات كاملة في الصحف اليمنية يعرضون فيها مبلغ خمسة ملايين دولار مكافأة لمن يدلي بمعلومات تؤدي الى القبض على المسؤولين عن الحادث. ولكن وزارة المواصلات غيرت رقم الهاتف المنشور مع الاعلان ـ وهو الرقم الخاص بالسفارة الاميركية في صنعاء ـ مرتين في شهر واحد. وفي كل مرة كان على المسؤولين الاميركيين نشر الاعلان مرة اخرى بالعنوان الجديد.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الاوسط»