الغربيون متحدون سياسيا بشأن إيران ومخابراتهم منقسمة حول بدء طهران التسلح النووي

خبراء قالوا إن إيران استفادت من تجربة تدمير إسرائيل لمفاعل العراق.. بنشر منشآتها في أنحاء البلاد

TT

عندما وقف الرئيس أوباما الأسبوع الماضي مع قادة كل من بريطانيا وفرنسا لكي يعلنوا إنشاء إيران لمفاعل نووي سري، كانت كل القوى الغربية تظهر على نفس الصفحة.

وخلف استعراضهم لوحدة موقفهم بشأن جهود إيران السرية لإنتاج وقود نووي، كان الجدل مستمرا بين عملاء الاستخبارات الأميركيين، والأوروبيين، والإسرائيليين حول أحد المكونات المنفصلة لبرنامج إيران النووي، وجهودها السرية لتصميم رؤوس نووية.

فيقول الإسرائيليون الذين هددوا بطريقة غير مباشرة بشن هجمات عسكرية إنهم يعتقدون أن إيران قد بدأت جهود «التسلح» التي تعد الخطوة الأخيرة للحصول على سلاح نووي. ويقول الألمان إنهم يعتقدون أن إيران لم توقف أبدا العمل على تطوير السلاح النووي، بينما يرجح الفرنسيون أن يكون لدى المفتشين الدوليين المستقلين معلومات بشأن العمل على تطوير السلاح النووي أكثر مما أعلنوا عنه.

وفي نفس الوقت، وفي المناقشات السرية، أصرت وكالات التجسس الأميركية على قناعتها بأنه في الوقت الذي تسعى فيه إيران لامتلاك قنبلة، توقفت الدولة عن العمل على تطوير الأسلحة في 2003 ولم تعاود على الأرجح ذلك النشاط؛ وهو التقدير الذي أشارت إليه لأول مرة تقديرات الاستخبارات القومية في 2007.

ويمثل ذلك الجدل في جوهره مرآة عاكسة لخلاف الاستخبارات عشية الحرب العراقية، وتقدم وكالات الاستخبارات التابعة للولايات المتحدة هذه المرة تقييمات أكثر حذرا بشأن برامج إيران السرية أكثر مما يقدمه شركائها الأوروبيين.

وتهيمن وجهات النظر المختلفة على الطريقة التي تنظر كل دولة من خلالها للتهديد الإيراني، والطريقة التي ستتعامل بها معه في الشهور القادمة بما فيها مفاوضات الأسبوع الجاري في جنيف ـ أول محادثات مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران منذ ما يقرب من ثلاثين عاما.

ففي حالة المفاعل خارج مدينة «قم» والمخصص لتخصيب اليورانيوم، يرى بعض الخبراء النوويين أن ذلك ليس إلا جزءا من شيء أكبر. ولكن بعض المسؤولين الأميركيين المطلعين على الملف الإيراني بالاستخبارات الأميركية، قالوا إنهم يعتقدون أن المفاعل السري كان في حد ذاته «حدثا كبيرا»، ولكنهم حذروا من أن إيران «بلد كبير».

وذلك التمييز له عواقب سياسية ضخمة، فإذا استطاع السيد أوباما أن يقنع إسرائيل بأن الكشف عن مفاعل قم قد أحدث نكسة كبيرة للجهود الإيرانية، فربما يكسب بعض الوقت من الإسرائيليين. وقد تحدث المسؤولون شريطة عدم الإفصاح عن هويتهم لأنهم كانوا يناقشون تقديرات سرية للاستخبارات. وليست عملية تخصيب اليورانيوم ـ العملية التي يتم فيها تحويل اليورانيوم الخام إلى وقود نووي ـ إلا إحدى مراحل عملية بناء مفاعل نووي رغم أنها الخطوة الأكثر صعوبة. والخطوتان التاليتان هما بناء رأس نووي وبناء نظام نقل موثوق به مثل الصواريخ الباليستية.

ويقول المسؤولون الأميركيون إن إيران قد أوقفت جهود بناء رؤوس نووية في عام 2003، وهو استنتاج توصلوا إليه بعد اختراق شبكات الكومبيوتر الإيرانية والاطلاع على اتصالات الحكومة الداخلية. وقد أصبحت تلك القناعة هي حجر الأساس في تقرير الاستخبارات في عام 2007 والذي ووجه بانتقاد حاد من جانب أوروبا وإسرائيل وما زال موضوعا للجدال الصاخب حتى الآن.

ويقول المسؤولون بالاستخبارات الإسرائيلية والمختلفين مع الأميركيين، إنهم يعتقدون أن إيران قد بدأت في العمل على تصنيع الأسلحة في 2005 بأوامر من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، ويرد عليهم الأميركيون بأن ما يطرحونه هو ادعاءات هشة تفتقر إلى الأدلة. ويتخذ المسؤولون بالاستخبارات الألمانية موقفا أكثر تشددا بشأن إيران؛ فهم يقولون إن العمل على تطوير الأسلحة لم يتوقف أبدا وهو الرأي الذي أعلن العام الماضي في أحد المحاكم خلال قضية تتعلق بشحن بعض التكنولوجيا المحظورة إلى طهران. وفي اللقاءات الأخيرة، رفضت الاستخبارات الألمانية أن تعلق على الموضوع.

يقول رولف مووات لارسن الرئيس السابق لقسم الاستخبارات بوزارة الطاقة والخبير في الطاقة النووية والذي كان يعمل مع الاستخبارات الأميركية، إن الاختلافات الواضحة في الرأي بين الهيئات الاستخباراتية العالمية ربما تنتهي إلى أن تصبح مجرد خلاف في التفسير أو ما يطلق عليه «التحليلية».

ويضيف في أحد اللقاءات التي أجريت معه: «إن ما يثير الجدل في العادة هو التحليل. فيمكن تفسير نفس المعلومات بطرق مختلفة، كما يمكن أن نطلع على نفس المعلومات ونتوصل لاستنتاجات مختلفة».

ويقول بعض المسؤولين الإسرائيليين والأوروبيين إن الأميركيين حذرون للغاية؛ حيث إنهم ما زالوا يعانون من كارثة الاستخبارات في العراق. وينفي الأميركيون ذلك ويصرون على أنهم يتخذون موقفا منفتحا. فيقول أحد المسؤولين بالاستخبارات إن الرأي المتعلق ببرنامج الأسلحة النووية الإيرانية، «يماثل أي رأي تحليلي؛ حيث تتم مراجعته باستمرار وإعادة تقييمه في ضوء المعلومات الجديدة التي تتوافد طوال الوقت».

وتؤسس كل دولة وجهة نظرها بناء على خليط من صور الأقمار الصناعية، وتقارير عملاء الاستخبارات، بالإضافة إلى التجسس الإلكتروني. ولا تشارك الدول تلك المعلومات مع بعضها بعضا أو مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وهذا هو ما خلق حالة من العداء مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وقد قال محمد البرادعي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية مؤخرا، إن قضية ضرورة اتخاذ إجراء عاجل ضد إيران «مبالغ فيها». ومع ذلك فقد أقر بأن إيران رفضت لمدة عامين الإجابة عن أسئلة المحققين بشأن وجود أدلة تشير إلى أنها تخطط لامتلاك سلاح نووي.

وتضغط بعض القوى الأوروبية التي كانت تحارب مع الرئيس جورج بوش وفقا لوجود أدلة بشأن العراق ـ وقد أخفقوا في النهاية في العثور على أسلحة غير تقليدية ـ على البرادعي لكي يعلن عن ما جمعته وكالته من خلال المفتشين العاديين في إيران. فيقول برنارد كوشنير وزير خارجية فرنسا «لماذا لا يعطينا ملاحق تقريره؟» في إشارة إلى بعض المواد التي يعتقد أن مفتشي الأمم المتحدة قد جمعوها من أجل الإطلاع الداخلي. وأضاف السيد كوشنير أن هذه الملاحق تحتوي على «عناصر تمكننا من أن نطرح أسئلة حول حقيقة القنبلة النووية. وهناك قضية الرؤوس النووية أو الناقلات».

ويريد مسؤولو الاستخبارات الغربيون حاليا أن يحددوا ما إذا كانت هناك مواقع أخرى سرية لتخصيب اليورانيوم. وقد أثار وزير الدفاع روبرت غيتس سؤالا حول ما إذا كانت هناك مواقع إضافية خلال ظهوره التلفزيوني في الإجازة الأسبوعية. وقالت واشنطن إنه ربما يكون هناك أكثر من 12 موقعا في ذلك البرنامج النووي، بالرغم من عدم وجود أي إشارات علنية عن استخداماتها.

ويقول غراهام أليسون مؤلف كتاب «الإرهاب النووي» والأستاذ بجامعة هارفارد والذي يركز على «الانتشار» إنه غير مقتنع بأن إيران كانت تشيد موقعا واحدا. مضيفا: «ما هو احتمال أن تكون منشأة قم هي المنشأة الوحيدة هناك؟ لا يوجد. فالمدير الحذر لبرنامج بمثل تلك الخطورة يجب أن ينشئ أكثر من موقع». وفي النهاية، يقول السيد أليسون إن الدرس الذي أخذته إيران من تدمير إسرائيل لمفاعل العراق قبل 25 عاما كان هو ضرورة نشر المنشآت النووية في كافة أنحاء البلاد.

*خدمة «نيويورك تايمز»