انطلاق مؤتمر خادم الحرمين الشريفين لـ «حوار أتباع الأديان» في جنيف

وسط تفاعل عالمي يقوده رجال دين وعلماء ومفكرون

جانب من جلسة افتتاح أعمال المؤتمر في جنيف أمس (واس)
TT

انطلقت في العاصمة السويسرية جنيف أمس، أعمال مؤتمر «مبادرة خادم الحرمين الشريفين لحوار أتباع الأديان والثقافات وأثرها في إشاعة القيم الإنسانية»، وسط تفاعل عالمي قاده رجال دين وعلماء وأكاديميون وخبراء، من مختلف الشعوب والثقافات، مشكّلين بذلك صورة حية للانسجام والتوافق بين مختلف شعوب الأرض على اختلاف ألوانهم وأجناسهم.

ومن أجل الحوار وأهميته في بناء جسر التواصل وإشاعة السلام ومكافحة ثقافة الكراهية والعنف والإقصاء، وأهمية العدل في التعامل مع القضايا المختلفة بين شعوب المعمورة، أتى المشاركون أمس إلى مؤتمر جنيف الذي تنظمه رابطة العالم الإسلامي، وذلك لسبر أغوار مبادرة خادم الحرمين، وإظهار آثارها في إشاعة القيم النبيلة.

وقال الدكتور عبد الله التركي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، إن انعقاد هذا المؤتمر يأتي في سلسلة الجهود التي تبذلها الرابطة في موضوع الحوار والتي تعطيها أولوية واهتماما خاصا في برامجها وأعمالها استجابة للدعوة التي وجهها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، إلى أتباع الأديان والحضارات والثقافات لمد جسور الحوار في ما بينهم في مجال المشترك الإنساني العام والتعاون في بحث سبل معالجة المشكلات التي تعاني منها شعوب العالم ومواجهة التحديات التي تؤرقها وتهدد أمنها في مختلف المجالات.

وثمن الدكتور التركي لخادم الحرمين الشريفين الرعاية التي حظي بها هذا المؤتمر، مبينا أن رابطة العالم الإسلامي تتطلع إلى أن تتحول هذه المبادرة إلى مشروع إنساني يتم تنفيذه من خلال سلسلة من المؤتمرات والندوات والبرامج تشترك في إنجازه الهيئات والشخصيات التي تسعى إلى سعادة الأسرة البشرية وتحرص على إسداء الخير إلى الإنسانية جمعاء دون تمييز وبلورة قيم ومبادئ مشتركة تخدم التعاون والتفاهم بين دول العالم وشعوبه ومنظماته. وركز التركي خلال كلمته التي ألقاها أمس في جلسة الافتتاح على أهمية التجاوب العالمي الذي وجدته مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار على المستويين الرسمي والشعبي تمثل في الأصداء المشجعة للمؤتمر العالمي للحوار الذي نظمته الرابطة في مدريد كما تمثل في الجلسة الخاصة التي عقدتها الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة، مما يبرز أهمية هذه المبادرة والتعبير عن تأييدها وإشادة المجتمع الدولي بها.

وأوضح لتركي أن من أبرز جوانب مبادرة خادم الحرمين الشريفين دعوة المجتمعات الإنسانية إلى الاهتمام بالقيم الإنسانية التي دعت إليها الرسالات الإلهية من العدل والتعاون والأمن والاستقرار وأداء الحقوق والواجبات بدءا بحق الله على عباده في عبادته وطاعته وفق ما شرع والحفاظ على الأسرة ومواجهة الصراع بين البشر وتحكيم الأهواء والمصالح والانهماك في الملذات والأهواء دون ضوابط مشروعة.

وأشاد أمين عام رابطة العام الإسلامي بخطاب باراك أوباما رئيس أميركا للعالم الإسلامي الذي ألقاه في جامعة القاهرة وتأييده لمبادرة خادم الحرمين الشريفين المتمثلة في حوار أتباع الأديان، متأملا أن يسهم ذلك في تهيئة الأجواء إلى مزيد من التفاهم بين أتباع الأديان والثقافات. وبيّن التركي أن لجنة متابعة قرارات وتوصيات مؤتمر مدريد عقدت اجتماعا لها في النمسا أوصت فيه بتجديد الالتزام بمبادرة خادم الحرمين الشريفين مشيدة بما تضمنته من دعوة مخلصة لاحترام كرامة الإنسان والحوار بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات وأكدوا في الاجتماع أن الترحيب العالمي الذي نالته المبادرة يحملهم مسؤولية العمل المشترك لمتابعتها حتى تكون منطلقا للاهتمام بالقيم الإنسانية وترسيخها في الشعوب.

من جهتها أبدت نافانثيم بيلاي المفوضة السامية لحقوق الإنسان، أملها في أن ينجح مؤتمر مبادرة خادم الحرمين الشريفين لحوار أتباع الأديان والثقافات وأثرها في إشاعة القيم الإنسانية، من خلال أعماله في التصدي لمظاهر التمييز والعنصرية التي من شأنها خلق الصراعات والأزمات بين وداخل المجتمعات، مؤكدة على أن هذه المبادرة تتيح الفرصة للحوار بين بني الثقافات المختلفة بهدف التثقيف وتأمين المزيد من التفاهم بين الأديان.

وقالت المفوضة السامية لحقوق الإنسان، خلال مشاركتها في حفل الافتتاح، إن القيم الإنسانية واحترام حقوق الإنسان والحياة بكرامة تشكل الأساس في جميع الأديان، ملفتة إلى أنه وعلى الرغم من القيم المشتركة بين الشعوب فإنه ما زال هناك الكثير من الشك والجهل وسوء الفهم وعدم التسامح بين الناس مما يخالف القيم الإنسانية المشتركة ويولد انقسامات مصطنعة. وخلال كلمته التي ألقاها بمناسبة الافتتاح أكد الدكتور صمويل كوبيا الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي، أن الحوار يعد بداية الطريق لعلاقات أفضل بين مجتمعات العالم بثقافاته وحضاراته كافة، مشيرا إلى إدراك مجلس الكنائس لأهمية الحوار بين الكنائس وكذلك مع أتباع الأديان الأخرى والثقافات وتبادل وجهات النظر لتوحيد وجهات النظر.

وأوضح صمويل أن الحوار يقوم على التفاهم المشترك حيث إن كل مشارك يعترف بإخلاص الآخر واحترام ما لديه من رؤى وأفكار وثقافة، مشددا على ضرورة الحوار مع الآخرين وتطبيق المبادئ المشتركة والتفاهم، وما يعنيه الحوار من احترام للاختلاف بين ثقافات المجتمع الإنساني وقيمه، والاعتراف بالفروقات والاختلافات.

من جانبه لفت الدكتور بندر العيبان رئيس هيئة حقوق الإنسان في السعودية خلال جلسة الافتتاح، إلى أن الظلم وغياب العدل يتنافى مع قيم الإنسان ومثله العليا في السعي لتحقيق الأمن والسلام، وصور انتشار الظلم متعددة في العالم ومن أبرزها ما يتعرض لـه الشعب الفلسطيني من عدوان واحتلال وغياب لأبسط حقوق الإنسان مما يتعارض مع أبسط القيم الإنسانية، ويدفع بالمنطقة إلى مزيد من العنف والابتعاد عن السلام العادل.

وأكد العيبان على أن مبادرات خادم الحرمين الشريفين تسعى لإنهاء النزاعات والحروب والصراعات وبؤر التوتر التي تهدد السلام الإقليمي والعالمي ومواجهة الأزمات الحادة التي تهدد أسس التنمية والاقتصاد العالمي، مبينا أنه قرن الأقوال بالأفعال من خلال إيجاد أرضية مشتركة بين أتباع الديانات لمساعدة العالم على التخلص من حالة التوتر التي يعيشها والعمل على حل الاختلافات والخلافات بروح الإنسانية بعيدة عن التعصب والتطرف وبمزيد من التعاون لمواجهة الأزمات المتلاحقة وحماية البشرية مما يتهددها من أخطار تمس مصالح شعوبها وبلدانها، والسعي إلى عالم تسوده قيم العدالة والإنسانية.

وزاد أن الحوار هو الأساس لتطور الحضارات الإنسانية وقيامها من خلال منجزاتها التراكمية وأن الحوار بين أتباع الأديان والثقافات المختلفة أصبح ضرورة حتمية وليس ترفا فكريا، مشددا على أهمية الحوار ومحبة الخير للناس يمهد الطريق لعصر جديد من العلاقات يحل فيها الحوار بدلا من الصراعات والنزاعات والحروب.

وكان مؤتمر «مبادرة خادم الحرمين الشريفين لحوار أتباع الأديان والثقافات وأثرها في إشاعة القيم الإنسانية»، قد بدأ أمس جلسته الأولى الذي شهدت حضورا وتفاعلا ثقافيا فكريا كبيرا، حيث تمحور موضوع الجلسة في المبادرة وآثارها في إشاعة القيم النبيلة، إذ تطرق المتحدثون إلى قراءة أخلاقية في المبادرة الملكية، وموضوع حوار الحضارات الذي شهد تفاعلا من أطياف مختلفة، بجانب تطرق المجتمعين إلى القيم الحضارية في دعوة خادم الحرمين الشريفين إلى الحوار بين أتباع الأديان.

وفي الجلسة الثانية التي خُصصت لـ«الحوار والإنسان والمجتمع» ذهب المشاركون إلى الحديث عن موضوعات تمثلت في الحوار بمفهومه العام وموقف الإنسان منه والمجتمع، كما تمت مناقشة موضوعات الدين والثقافة وأثرهما في الحوار الإنساني، والحوار والسلام والتعايش في المجتمع الإنساني المعاصر، قبل أن يختتم اليوم الأول فعالياته في آخر جلسة التي تناولت الإعلام ودوره في تعزيز الحوار والقيم الإنسانية.