مؤتمر «مبادرة خادم الحرمين» يدعو القيادات الدينية في العالم إلى التأمل والتفاعل مع المبادرة

دعوات لإشراك الشباب في المؤتمرات ونشر ثقافة التعايش وتثقيف رجال الدين

TT

أصدر المشاركون في ختام أعمال مؤتمر «مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار وأثرها في إشاعة القيم الإنسانية» أمس فـي مدينة جنيف بسويسرا بيانا ختاميا، استعرض أصداء المبادرة، وتأكيد المشاركين أن الرسالات الإلهية كلها جاءت لتحقيق عبادة الإنسان الخالصة لخالقه، وفق ما شرعه، وتخليص البشرية من آفات الظلم والتمييز العنصري والاستعلاء العرقي، وأنها دعت إلى إرساء القيم الإنسانية التي ترسخ السلم الاجتماعي. وأن التأثير الكبير للأديان في الثقافات والحضارات يوجب على القادة الدينيين التعاون في تعزيز الالتزام بالقيم الإنسانية التي تشكل إرثاً إنسانياً مشتركاً، يتفق مع الفطرة السوية.

كما أكد البيان أن مبادرة خادم الحرمين الشريفين الصادرة من قلب العالم الإسلامي ومنطلق رسالة الإسلام، تستلهم مبادئ الإسلام التي تدعو إلى عالم تسوده العدالة والأمن والسلم، وتعبر عن رغبة المسلمين في التعايش السلمي والتفاعل الإيجابي مع مختلف أتباع الأديان والحضارات الإنسانية. ودعا المؤتمر القيادات الدينية والحضارية في العالم إلى مزيد من التأمل والتفاعل مع المبادرة، لما تتضمنه من منطلقات تدعو إلى التفاهم الإيجابي بين شعوب العالم وتسعى إلى مستقبل عالمي أفضل، ومن أهم المنطلقات، رفض التمييز العنصري والاستعلاء العرقي، فالناس متساوون في الكرامة الإنسانية، لا يتفاضلون بأعراقهم وألوانهم وأجناسهم، وأن الواجب على العقلاء من البشر تلمس المشتركات الإنسانية والتعاون الذي يحقق التفاهم والاحترام المتبادل لإسعاد البشرية، ومواجهة التحديات الاجتماعية المشتركة من طغيان الحياة المادية وتفكك الأسرة وانحلال القيم الأخلاقية، وتبادل التجارب والخبرات التي تسهم في الحلول الناجعة لها.

وأوضح البيان أن المؤتمر استعرض العلاقات السائدة بين الحضارات الإنسانية المختلفة، وأكد أهمية تصحيح سوء الفهم الذي يكدر صفوها، موضحاً أن الأديان ليست مصدراً للأزمات التي تعكر العلاقات بين المجتمعات، ودعا الدول والمؤسسات المعنية إلى تطبيق المواثيق الدولية، وأكد دعمه إنشاء مركز عالمي للحوار، يعنى بالمبادرة التي وصفها بـ«التاريخية»، وينفذ مزيداً من البرامج، سعياً للوصول إلى مجتمع إنساني يسوده التفاهم والاحترام المتبادل.

كما أكد أهمية تنفيذ ما جاء في «نداء مكة المكرمة» من تكوين هيئة إسلامية عالمية للحوار، تضم الجهات الرئيسة المعنية به، وذلك للسير وفق استراتيجية موحدة للحوار مع مختلف أتباع الأديان والثقافات، والتنسيق والتعاون في ذلك مع الجهات المعنية.

ولأهمية الإعلام وتأثيره في العلاقات بين مختلف المجتمعات الإنسانية، دعا المؤتمر الوسائل الإعلامية إلى أداء دورها في نشر ثقافة الحوار وتعزيز أهدافه ومؤسساته، والابتعاد عن الترويج لثقافة العنف، والعمل على إيجاد بدائل تعزز القيم الدينية التي تحقق التعايش السلمي، وترسخ ثقافة الحوار، والامتناع عن حملات التهجم على الأديان ورموزها، لما لذلك من أثر سلبي على السلم الاجتماعي بما تسببه من تصاعد موجات العداء والعنف.

كذلك دعا المؤتمر رابطة العالم الإسلامي إلى عقد مؤتمر عالمي حول «مهمة الإعلام العالمي في الحوار بين أتباع الأديان والحضارات»، ولفت نظر المؤسسات الثقافية إلى مضامين المقررات الدولية التي تمنع نشر الكراهية والتمييز العنصري، والتعاون الجاد لمواجهة التحديات المعاصرة، وبخاصة الفقر والجهل والمرض والكوارث الكونية.

إلى ذلك اعتبر السيناتور الأميركي لاري شو في مداخلته خلال الجلسة السادسة للحوار، أن المؤتمر يعد فرصة لتجديد مبادرة خادم الحرمين الشريفين للسلام وهدفها قيام دولتين «فلسطينية وإسرائيلية» حسب ما أقرته قمة بيروت العربية في عام 2002.

وكانت قد برزت على سطح جلسات المؤتمر اهتمامات مثلت رغبة صادقة لتحقيق اختراق عالمي على مستوى العلاقات بين حضارات وأديان العالم، الأمر الذي قاد دفة الحوار في جميع الجلسات إلى النقاش الإيجابي، والتركيز على أهمية العمل المشترك، وتعزيز القيم المشتركة بين الديانات، لتكوين رؤية مشتركة تجمع أبناء الحضارات المختلفة، وتضمن مستقبلا مشرقا للبشرية.

وكانت الجلسة الرابعة ليوم أمس ناقشت محور القيم الدينية وأثرها في إصلاح المجتمع، وطرحت ثلاثة بحوث، الأول عن مشكلة الفقر العالمية للدكتور روبرت ادغار، الأمين العام لمجلس الكنائس الوطنية في أميركا، الذي تناول تجربته التي عاشها في بلده وسعى فيها لخدمة قيم العدل والخير والمساواة وخدمة الإنسانية، والتي انطلقت من شعور بالرحمة والمحبة للجميع.

فيما دعا المشاركون خلال نقاشاتهم لإشراك الجيل الجديد من الشباب في مؤتمرات حوار الأديان والحضارات، لضمان استمرار الحوار والعلاقات بين أبناء المجتمعات الإنسانية في المستقبل، وأن ينبثق عن المؤتمر إطلاق مبادرات تنشر ثقافة التعايش من خلال برامج تبادل طلابية وبرامج جامعية مشتركة، تجمع بين الشباب، وتساعدهم على إدراك أن ما يجمع الإنسانية أكثر بكثير مما يفرقها، إضافة لمطالبتهم بـتثقيف رجال الدين في كل حضارة وتعريفهم بالآخر، لأنهم يشكلون ثقلا دينيا فكريا في كل المجتمعات ويملكون تأثيرا قويا داخلها.

ودعا المجتمعون إلى استخدام لغة عالمية مشتركة بين أبناء الطوائف العالمية المختلفة من دون التنازل عن المعتقدات، كتلك اللغة التي تحدث بها الملك عبد الله خلال كلمته في مؤتمر مدريد لحوار الأديان، حيث جعل من قيمه ومبادئه الإسلامية لغة إنسانية واضحة يفهمها الجميع، مؤكدا أن المبادرة تحتاج لجهود عالمية مشتركة ومتواصلة من قبل أتباع الأديان والحضارات.

واتفقوا على أهمية العمل الاجتماعي المشترك، والتركيز على القوائم المشتركة المتمثلة في دعم المؤسسات المدنية الاجتماعية، والمبادئ والقيم الأخلاقية بين أبناء المجتمعات، مؤكدين أن تعزيز القيم المشتركة بين الديانات من شأنه مواجهة التحديات العالمية.

وبين المشاركون أن مبادرة خادم الحرمين ظهرت بعد ظهور حالة الاختلال الكبيرة في منظور آيديولوجيا التطرف في العالم، التي تمثلت في السعي إلى التصادم مع الآخر والانعزال عنه ورفض كل شكل من أشكال الاندماج معه، وجاءت المبادرة لتتجاوز انقسام العالم، مؤكدين على أن المبادرة تساعد على فهم الآخر والتعرف عليه، بل تشجع على اكتشافه مجددا وبصورة مغايرة عن كل الصور النمطية الموروثة.