اجتماع جنيف: ردود متباينة بعد موافقة إيرانية «مبدئية» على نقل أغلب اليورانيوم للخارج

مباحثات جليلي وبيرنز الثنائية استغرقت 45 دقيقة * اجتماع «خبراء فنيين» يوم 18 أكتوبر.. والبرادعي يبدأ زيارة لطهران * متقي: لا منشآت سرية أخرى لدينا

إيرانيات خلال صلاة الجمعة في طهران أمس (رويترز)
TT

بينما لم يغادر الوفد الإيراني مدينة جنيف السويسرية بعد والتي شهدت عقد أول لقاء مباشر بين إيران وأميركا حول الملف النووي منذ نحو 03 عاما، ظهرت تباينات في رؤى الغربيين والإيرانيين حول نتائج ذلك الاجتماع المهم الذي كان الهدف منه تمهيد الطريق أمام بدء سلسلة محادثات على مدار الأسابيع المقبلة وحتى منتصف ديسمبر (كانون الأول)، أي قبل عطلة أعياد الكريسماس التي ستعمل الإدارة الأميركية خلالها على وضع تقييم مفصل للتعاون الإيراني.

فبينما أعربت أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا عن الارتياح للموافقة الإيرانية المبدئية على نقل اليورانيوم منخفض التخصيب لديها و تخصيبه في بلد ثالث، غالبا روسيا، وهي خطوة من شأنها تخفيف حدة القلق الدولي من الأنشطة الإيرانية إذ أن طهران في هذه الحالة لن تكون مضطرة لتخصيب اليورانيوم لمستويات التخصيب العالية في أراضيها، قال مسؤولون إيرانيون إن نقل التخصيب لبلد ثالث لا يعني موافقة طهران على وقف أو تجميد تخصيب اليورانيوم على أراضيها. ووصف مسؤولون أميركيون وبريطانيون تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» مقترح تخصيب اليورانيوم الإيراني في دولة ثالثة بـ«تقدم طيب لكن هناك الكثير من التفاصيل التي تحتاج إلى مناقشة»، موضحين أن إيران ودول 5 زائد 1 لم تتدخل في أي تفاصيل حول هذا المقترح وانه ليس واضحا ما إذا كانت إيران ستوافق على تجميد التخصيب في مرحلة لاحقة». وإذا نفذت إيران اقتراح تخصيب اليورانيوم في بلد ثالث الذي أعلنت الموافقة المبدئية عليه، فسيكون هذا أهم تقدم في الملف الإيراني مع الغرب منذ سنوات. فتخصيب اليورانيوم الإيراني في بلد ثالث يترتب عليه عدة نتائج منها أن إيران التي تمتلك بالفعل نحو طن ونصف الطن من اليورانيوم منخفض التخصيب ستقوم بموجب ذلك الاتفاق بالتخلي عن نحو ثلثي تلك الكمية وارسالها لروسيا كى تقوم موسكو بتخصيبها من نحو 4% الى 91% وهى نسبة التخصيب اللازمة كل تشغل إيران مفاعل الابحاث الذي لديها والذي تستخدمه في انتاج النظائر الطبية. ثانيا يعني هذا أن اليورانيوم منخفض التخصيب لدى إيران ستنخفض كمياته لدرجة الصفر، وهذا سيؤدي لارتياح دولي لأن تراكم اليورانيوم منخفض التخصيب يمكن أن يقود لاحقا إلى إنتاج يورانيوم عالي التخصيب وبالتالي استخدامه عسكريا. إلا انه على الجانب الآخر ستشعر الدول التي تتخوف من نوايا إيران بالقلق لانه لا دليل على ان إيران ستلتزم بالاتفاق، كما لا توجد ضمانة مؤكدة أن طهران لن تسعى إلى الاستمرار في التخصيب. ولوحظ انه لم يصدر عن طهران اى تأكيد رسمي على لسان مسؤول كبير حول موافقة إيران على ارسال مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب للخارج. ومفاعل الأبحاث الإيراني يعمل منذ عقود وهو ينتج النظائر الطبية تحت إشراف وكالة الطاقة الذرية. وآخر إمدادات وقود لهذا المفاعل سوف تنفد العام المقبل. وطلبت إيران من وكالة الطاقة الذرية أن تزودها بإمدادات وقود جديدة، فتقدمت روسيا وأميركا إلى وكالة الطاقة بعرض لتزويد إيران بالوقود النووي الجديد الذي تحتاجه إيران، لكن بشرط أن ترسل إيران اليورانيوم منخفض التخصيب الذي لديها الى دولة ثالثة لمعالجته. ووصف مصدر أميركي مطلع لـ«الشرق الأوسط» المقترح الذي تقدمت به وكالة الطاقة الذرية منذ 3 سنوات ولم يرد عليه الإيرانيون حتى اجتماع جنيف بـ«بخطوة إيجابية مؤقتة لبناء الثقة تمهد الطريق لمزيد من الخطوات الدبلوماسية لإقناع إيران بالالتزام بقرارات مجلس الأمن وتنفيذ التزاماتها بموجب معاهدة الحد من الانتشار النووي للاستجابة للقضايا الأكثر جوهرية في برنامجها النووي». فيما قال مسؤول غربي لـ«الشرق الأوسط» إنه «بين الحد الأدنى من توقعاتنا والحد الأعلى، نعتقد أننا نقف في مكان ما في الوسط. وافق الإيرانيون على التعاون في بعض القضايا. والزمن وحده سيوضح إن كانوا سيلتزمون».

وقالت مصادر أميركية وبريطانية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن الاجتماع في جنيف بدأ بـ«مداخلة طويلة جدا لسعيد جليلي استمرت لأكثر من ساعة طرح فيها بالتفصيل حزمة المقترحات الإيرانية، من دون أن يذكر الملف النووي». وأوضحت المصادر، التي لا تريد الكشف عن هويتها بسبب عدم تخويلها الحديث للصحافة أن «المدراء السياسيين استغلوا باقي النهار للتركيز على القضية الأساسية للاجتماع وهي الملف النووي. وان خلال مداخلات المدراء السياسيين من دول 5 زائد 1 تدخل جليلي في المناقشة بشكل حيوي وبحث معهم القضايا النووية». وأشاروا إلى أن الاجتماع بدأ رسميا ثم انفرج على استراحة الغداء (سمك وسلطة خضراء)، حيث عقد جليلي وبيرنز لقاء ثنائيا استمر 54 دقيقة. وقالت مصادر اميركية إن بيرنز بحث مع جليلي الملف النووي الإيراني بالأساس، كما تطرق إلى قضايا حقوق الإنسان. ويعتقد أن بيرنز طلب من جليلي أن تعمل على إطلاق سراح 3 أميركيين معتقلين في إيران دخلوا لها بطريق الخطأ. وقال مسؤولون غربيون شاركوا في اجتماع جنيف إن الاجتماعات استغرقت إجمالا 7 ساعات ونصف لم تذكر خلالها كلمة «عقوبات» ولا مرة واحدة. وبعد انتهاء الاجتماع عقد جليلي مؤتمرا صحافيا مع سولانا جاء فيه أن إيران وافقت من حيث المبدأ على إرسال جزء من اليورانيوم المخصب إلى روسيا كي تقوم موسكو بتخصيبه نيابة عنها لاستخدامه لاحقا كوقود نووي لتشغيل مفاعلاتها النووية. وأشار الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى هذه النقطة كأحد نتائج الاتفاق، إلا أن سفير إيران في بريطانيا مهدي سفاري، الذي شارك أيضا في محادثات جنيف، قال لوكالة «اسوشييتدبرس» الأميركية حول هذا الاتفاق: «الموضوع لم يناقش بعد»، وعند سؤاله ما إذا كانت إيران وافقت على الفكرة رد قائلا: «لا. لا». وفصل مسؤول أميركي شارك في اجتماعات جنيف محتوى الفكرة، قائلا أنه بموجب هذا الاتفاق المبدئي، سترسل إيران القسم الأكبر من مخزونها المعلن من اليورانيوم المخصب بنسبة متدنية تقارب 4% إلى روسيا حيث يستكمل تخصيبه بنسبة نحو 91%، وهي نسبة لا تزال بعيدة جدا عن النسبة المطلوبة للاستخدام العسكري.

وبحسب المسؤول الذي طلب عدم كشف اسمه نظرا إلى حساسية المسألة، فإن فنيين فرنسيين سيقومون بعدها بتحويل اليورانيوم المخصب في روسيا إلى قضبان وقود ترسل إلى إيران لإمداد المفاعل الذي تقول إيران انه سينفد من الوقود في غضون 12 أو 18 شهرا. وقال المسؤول إن «المكسب المحتمل من هذا (الاتفاق) في حال تنفيذه هو انه سيخفض إلى حد بعيد مخزون إيران من اليورانيوم المنخفض التخصيب الذي يشكل بحد ذاته مصدر قلق في الشرق الأوسط وفي أماكن أخرى من العالم».

وتابع أن إيران قدمت طلبا «قبل بضعة أشهر» إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أجل تجديد إمدادات مفاعل طهران النووي بالوقود، بعد آخر إمدادات قدمتها الحكومة الأرجنتينية في مطلع التسعينيات. كما قبلت إيران خلال اجتماع جنيف أن تسمح لمفتشي وكالة الطاقة الذرية بزيارة معملها لتخصيب اليورانيوم في قم في خطوة يعتقد أن طهران تهدف من ورائها إلى خلق حالة من الارتياح في أهداف برنامجها النووي، ومع الإعلان الإيراني أعلنت وكالة الطاقة الذرية في فيينا أن مديرها العام محمد البرادعي سيتجه اليوم إلى إيران في زيارة تستغرق عدة أيام يعتقد انه سيتم الاتفاق خلالها على فتح عدد من المنشآت الإيرانية للتفتيش، كما سيتم على الأرجح وضع جدول زمني لزيارة موقع «قم» الجديد.

وشدد وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي في مؤتمر صحافي في نيويورك على أن إيران لا تخفي منشآت سرية أخرى غير «قم»، موضحا أن اجتماع جنيف «كان بناء» وان إيران تعهدت مواصلة الحوار مع الدول الغربية، مشيرا إلى إمكانية لقاء قمة على مستوى الرؤساء، غير انه شدد في الوقت ذاته على أن طهران لن تخضع للضغوط حول وقف تخصيب اليورانيوم.

وأثارت مباحثات جنيف حالة من الارتياح في الغرب، فقد وصفها باراك أوباما بأنها «بداية بناءة»، قائلا إن إيران يجب أن تنفذ على الأرض ما تقوله على الورق، فيما قال خافيير سولانا إن الإيرانيين وافقوا على «التعاون الكامل» مع وكالة الطاقة الذرية لتفتيش موقع «قم»، موضحا أن الأمر قد يتم خلال أسبوعين. في دلالة على السرعة التي قد تتحرك بها المفاوضات، ذكرت وكالة فارس للأنباء أن مساعدي المفاوض الإيراني سعيد جليلي والممثل الأعلى لسياسة الاتحاد الأوروبي الخارجية خافيير سولانا سيجتمعون «خلال الأيام المقبلة» لبحث المرحلة التالية من المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني. وقال علي باقري أحد مساعدي جليلي كما نقلت عنه وكالة فارس أن «المفاوضات، على مستوى الخبراء، ستحصل خلال الأيام المقبلة بين أحد مساعدي جليلي وروبرت كوبر». ولم توضح الوكالة ما إذا كان باقري سيتولى بنفسه التفاوض مع كوبر.

وقال باري مارستون المتحدث باسم الخارجية البريطانية مسؤول قضايا الشرق الأوسط وإيران لـ«الشرق الأوسط» إن المباحثات «خطوة أولى في الاتجاه الصحيح. ونريد مواصلة المحادثات بكثافة في الأشهر المقبلة لاختبار جدية نوايا إيران». وتابع: «هناك فرصة مهمة جدا إذا تعاونت إيران». فيما قال اندرياس بشكه المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية للصحافيين إن «ذلك يعني مواصلة المحادثات هذا الشهر كما تم الاتفاق عليه، وكذلك اتخاذ خطوات عملية تظهر استعداد إيران لتبديد مخاوف المجتمع الدولي المبررة». وأضاف «على المدى الأبعد، يجب التأكد من أن إيران تفي بالتزاماتها تجاه المجتمع الدولي».

إلا أن رد الفعل في إيران كان مختلفا، فقد وصف رجل دين إيراني أمس المنشأة النووية الإيرانية الجديدة لتخصيب اليورانيوم التي كشف وجودها أخيرا، بأنها «مصدر فخر» مؤكدا أن إيران لن تتخلى أبدا عن برامجها النووية. وقال كاظم صديقي في خطبة الجمعة في جامعة طهران إن «موقع قم هو مصدر فخر للجمهورية الإسلامية.. تستخدمه القوى المتغطرسة مبررا جديدا لإثارة القلاقل» في إشارة إلى الدول الغربية. وأضاف أن «أعداء الجمهورية الإسلامية يجب أن يعلموا أن إيران لن تتراجع» عن برنامجها النووي.

واعتبر النائب العضو في اللجنة البرلمانية للشؤون الخارجية والأمن القومي حسن صبحنينيا أن الدول الكبرى تراجعت في مواجهتها مع طهران خلال محادثات جنيف. ونقلت وكالة ايسنا عن النائب قوله «لقد خلصوا إلى أن إيران تتعاون مع الوكالة، وأنهم إذا أرادوا فبإمكانهم التفاوض إذا قبلوا هذا الوضع». من جانبه، أعلن حشمة الله فلاح تبيشاه العضو في اللجنة البرلمانية أيضا، انه «إذا تراجعت القوى الكبرى عن مطالبها بتعليق برنامج تخصيب اليورانيوم.. وشددت على التزام إيران بالوكالة الدولية للطاقة الذرية فإننا نقول إنها سائرة نحو التوافق مع إيران». وتابع «لكنها إذا تحدثت عن وقف البرنامج النووي (الإيراني) على الرغم من ايجابية المفاوضات ورأت في تعليق (التخصيب) وسيلة لإضعاف إيران، فإن ذلك يعني أنها لا تريد اتفاقا وإنها تحاول تمديد الأزمة».