تنامي الجدل حول «تقرير غولدستون».. وسط دعوات لمحاكمة الرئيس الفلسطيني

الأحمد اعتبر رد فعل حماس «انتهازيا».. ودمشق ترجئ زيارة عباس لها

TT

في ما بات يُعرف بـ«تسونامي غولدستون»، تعاظمت الدعوات الفلسطينية في الداخل والخارج للمطالبة بتقديم الرئيس الفلسطيني محمود عباس ومساعديه للمحاكمة، وعزلهم من مناصبهم لمسؤوليتهم عن الحيلولة دون التصويت على تقرير «غولدستون»، الذي دعا إلى تقديم مجرمي الحرب الإسرائيليين لمحكمة العدل الدولية.

وفي سياق ذلك، شرعت منظمات أهلية فلسطينية في الإعداد لجمع توقيعات من الجمهور الفلسطيني على عريضة تدعو إلى محاكمة وعزل كل من يثبت تواطؤه في القضية. وتدل كل المؤشرات على أن قرار عباس بتشكيل لجنة تحقيق في ما جرى أسفر عن نتائج عكسية إذ أن عددا من أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وقادة في حركة فتح رفضوا قراره، مشددين على أن قرار التأجيل تم بعلم المستوى السياسي الذي يقف على رأسه عباس.

وقال قدورة فارس القيادي في حركة فتح إن عباس وفياض يتحملان مسؤولية ما حدث، مشددا على أنه لا يمكن أن يتخذ مثل هذا القرار دون الرجوع إلى عباس وفياض. من ناحيته قال عبد الرحيم ملوح عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وعضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، إنه وعددا من زملائه في اللجنة التنفيذية استهجنوا أن يتم الإعلان عن قيام اللجنة بتشكيل لجنة للتحقيق لأن اللجنة لم تلتئم أصلا. وفي خطوة تروم تقليص هامش المناورة أمام عباس، قال ملوح في تصريحات صحافية إن أي لجنة تحقيق يجب أن تخطئ أي دور للمستوى السياسي الفلسطيني سواء في حال أن هذا المستوى هو الذي بادر إلى طلب تأجيل التصويت على التقرير أو في حال قبل اقتراحا من هذا القبيل. من ناحيتها، كشفت وكالة الأنباء الفلسطينية المستقلة «صفا» النقاب عن أن القيادات الفلسطينية التي تورطت في طلب تأجيل التصويت على تقرير «غولدستون» هم: الرئيس عباس، ورئيس وزرائه سلام فياض، ومسؤول ملف المفاوضات صائب عريقات، وأمين سر اللجنة التنفيذية ياسر عبد ربه، وأكرم هنية مستشار عباس. ونقلت الوكالة عن مسؤول كبير في حركة فتح أن الذي صاغ بيان اللجنة المركزية لحركة فتح للتعقيب على قرار السلطة سحب التقرير هو حسن عصفور، المفاوض الفلسطيني السابق الذي لا ينتمي إلى حركة فتح، حيث نوه المسؤول بأن جهات في حركة فتح رفضت التعقيب على القضية. وأشار المصدر ذاته أن فياض بادر بالاتصال بوسائل إعلام فلسطينية لتأكيد أنه لا علاقة له بالقضية التي فجرت غضبا عارما غير مسبوق في الشارع الفلسطيني. وذكر المصدر أن ممثل السلطة في الأمم المتحدة إبراهيم خريشة، أصيب بالذهول من اتصال الرئيس عباس به، وطلبه تأجيل بحث التقرير في مجلس حقوق الإنسان. من ناحيتها، قالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية في عددها الصادر أمس إن إسرائيل تعمدت فضح الرئيس عباس والكشف عن قيام السلطة بطلب تأجيل التصويت على تقرير غولدستون.

ونقلت الصحيفة عن مصادر رفيعة في السلطة قولها أن إسرائيل توصلت مع السلطة إلى تفاهمات سرية وهادئة حول طلب عدم التصويت على التقرير، إلا أن الممثل الإسرائيلي بادر إلى الإعلان أمام وسائل الإعلام الإسرائيلية أن السلطة بادرت إلى طلب تأجيل التصويت على التقرير.

وتباهى الممثل الإسرائيلي في حينه بأن هذا يؤكد صوابية السياسة التي اتبعتها إسرائيل تجاه السلطة. ووصفت الصحيفة قرار عباس بتشكيل لجنة تحقيق بأنه قرار «سخيف»، ويهدف إلى التملص من المسؤولية.

من ناحية ثانية، طالبت عشرات المنظمات الفلسطينية في أنحاء القارة الأوروبية بعزل الرئيس عباس والتحقيق معه أمام لجنة حقوقية عربية مستقلة، وذلك على خلفية تأجيل مناقشة تقرير غولدستون. واعتبرت المنظمات التي تضم 35 منظمة في بيان صادر عنها سلوك السلطة إزاء التقرير بأنه «بمثابة منح غطاء لما ارتُكب من مجازر بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وتنكر لدماء أكثر من ألف وأربعمائة ضحية ولمعاناة آلاف الأسر في القطاع المحاصر، بل إنه مثّل سابقة لا تقل خطورة عما ارتكبه الاحتلال من فظاعات في غزة قبل تسعة أشهر»، على حد تعبيرها. وقال أمين أبو إبراهيم عضو «المنتدى الفلسطيني للحقوق والتضامن» في هولندا: «إن ما جرى جريمة لا تُغتفر في حق الشعب الفلسطيني وخيانة للأمانة، وعليه فإن التحقيق مع الرئيس عباس، باعتباره المسؤول الأول، هو أقل إجراء يمكن أن يُتخذ، بعد أن يتم تنحيته عن منصبه رهنا للتحقيق».

إلى ذلك، وبعد يوم من إعلان سورية أنها تستغرب موقف السلطة، أجّلت دمشق زيارة كانت مقررة أمس للرئيس الفلسطيني محمود عباس.

ورغم أن أي بيان رسمي لم يصدر حول ذلك، فإن مصادر في السلطة الفلسطينية رجحت أن يكون قرار سورية مرتبطا بموقف السلطة من تقرير غولدستون. ورفض مصدر مسؤول في حركة فتح التعليق على قرار دمشق تأجيل زيارة عباس، ونفى عزام الأحمد عضو اللجنة المركزية لفتح، علمه بأن يكون القرار السوري جاء احتجاجا على موقف السلطة من تقرير لجنة «غولدستون» الخاص بالحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. واعتبر الأحمد أن النقاش الدائر هذه الأيام بشأن الموقف من تقرير «غولدستون» هو نقاش «انفعالي»، قبل أن يضيف: «نحن ـ من حيث المبدأ ـ ضد التأجيل». وانتقد الأحمد موقف حماس من التقرير، ووصفه بأنه «انتهازي»، وقال: «حركة حماس أصدرت بيانا قبل أسابيع رفضت فيه التقرير، وقالت إنه سوّى بين الضحية والقاتل، والآن صاروا مع التقرير. هذا جزء من الأسلوب السياسي المتخلف، ولذلك بدل الاستمرار في هذا النقاش أعتقد أن الأولى أن نوحّد جهودنا من أجل تمرير التقرير».

وأعرب الأحمد عن أمله في أن لا يكون للجدل بشأن تقرير «غولدستون» أي أثر على جهود المصالحة الوطنية التي تقودها مصر لإنهاء الانقسام، وقال: «أتمنى أن لا يكون لهذا الجدل أي أثر سلبي على جهود الحوار الوطني». إلا أن حركة حماس شنت هجوما هو الأعنف منذ شهور على السلطة الفلسطينية بشأن موقفها من تقرير «غولدستون»، وأثارت شكوكا حول استئناف جلسات الحوار. واتهم رئيس الوزراء المقال إسماعيل هنية، الرئيس محمود عباس بأنه هو من أصدر قرار سحب تقرير غولدستون، وتأجيل التصويت عليه إلى مارس (آذار) 2010، وذلك بضغط من إسرائيل».

وقال هنية خلال جلسة طارئة للمجلس التشريعي الفلسطيني في غزة، إن تأجيل تقرير «غولدستون»، «قرار سياسي له أبعاد أمنية ومالية وسياسية ومرتبط بحركة الإدارة الأميركية ونشاطها بعملية التسوية». وقال هنية إن مسؤولين دوليين أبلغوه أنه في اللحظات الأخيرة حدثت اتصالات من رام الله بالمندوب الفلسطيني كي يطلب من مندوب منظمة المؤتمر الإسلامي تقديم طلب تأجيل التصويت على التقرير. وشدد هنية على أن ما جرى قرار سياسي يعبّر عن نهج بدأ منذ العدوان على غزة عندما أطلقت تصريحات تبرر الحرب والعدوان، وتوفر غطاء للاحتلال من أجل تنفيذها. ومضى هنية يقول: «إذا لم تُزَح هذه القيادة عن مسرح الفعل سنبقى في أتون الفتنة الفلسطينية الداخلية». وفي الضفة الغربية، ساد الهدوء، رغم خشية الأجهزة الأمنية من ردة فعل شعبية على تأجيل تقرير «غولدستون»، وهو ما دعا هذه الأجهزة إلى الانتشار في شوارع الضفة الغربية، لمنع أي مظاهرات ضد السلطة، أو أي مواجهات مع إسرائيل احتجاجا على الاعتداء على المسجد الأقصى.