بحث السلام في الشرق الأوسط على هامش مؤتمر حزب المحافظين البريطاني.. وغياب فياض

وزير في حكومة الظل لـ«الشرق الأوسط»: من أولويات سياستنا الخارجية رفع العلاقات مع حلفائنا التقليديين في العالم العربي

لافتة أمام مقر اجتماعات حزب المحافظين البريطاني في مانشستر تحمل شعار «مستعدون للتغيير» الذي يرفعه الحزب للانتخابات المقبلة (أ ب)
TT

على الرغم من أن الأزمة المالية والقضايا الداخلية في بريطانيا تشغلان معظم مساحة مؤتمر حزب المحافظين المعارض الذي يعقد في مانشستر منذ بداية الأسبوع، فإن قضية الشرق الأوسط والسلام في المنطقة لم يغيبا كليا عن النقاشات. وقد حاول حزب المحافظين الذي يتمتع بحظوظ كبيرة للفوز بالانتخابات المقبلة في بريطانيا، والمفترض إجراؤها خلال الأشهر السبعة القادمة، رسم صورة مبدئية لمقاربته لقضايا الشرق الأوسط في حال وصوله إلى السلطة.

وكان من المفترض أن يشارك في اللقاء رئيس وزراء السلطة الفلسطينية، سلام فياض، إلا أنه لم يحضر، ولم يبلغ الحضور قبل موعد اللقاء بذلك، وبقي اسم فياض مذكورا على إعلان اللقاء حتى اللحظة الأخيرة. واكتفى مدير الحوار النائب عن حزب المحافظين، هوغو سواير، بالقول في بداية اللقاء، إن «فياض في رام الله ولم يتمكن من الانضمام إلينا». وقالت مصادر لـ«الشرق الأوسط» إن فياض «أبلغ المؤتمر بعدم قدرته على الحضور الأسبوع الماضي، من دون أن يعطي سببا رسميا لذلك، إلا أنها أضافت أنه مع تأجيل التصويت على تقرير غولدستون، وانشغال الداخل الفلسطيني بقضايا الأسرى، قد يكون عباس وجد نفسه محرجا للتفسير لشعبه سبب وجوده هنا في هذا الوقت بالذات».

وفي ختام اللقاء الذي عقد على هامش المؤتمر، أكد وزير الدولة لشؤون القضايا الخارجية في حكومة الظل ديفيد ليدنغتون لـ«الشرق الأوسط» أن من أولويات السياسة الخارجية لحكومة محتملة يشكلها حزب المحافظين، سيكون رفع العلاقات «مع حلفائنا التقليديين في العالم العربي». وقد حاول ليدنغتون خلال كلمته عرض صورة عامة لوجهة نظر المحافظين حول قضية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، رغم افتقاده للدقة في بعض الأماكن. فقد وصف «حماس» مثلا بأنها حزب سلفي يسعى إلى تأسيس إمارة في غزة تكون بداية لإعادة الخلافة في المنطقة. وقد دفع ذلك بهنري سيغمن، أحد المتحدثين الرئيسيين في الجلسة ورئيس معهد أبحاث حول الشرق الأوسط في نيويورك، إلى تصحيح معلومات ليدنغتون علنا، ما تسبب في إحراج للوزير.

وقال سيغمن المتخصص في قضايا الشرق الأوسط وعملية السلام في المنطقة بعد أن أنهى ليدنغتون كلمته: «(حماس) لا تريد أن تقيم إمارة إسلامية في غزة، ولا تريد أن تؤسس لخلافة في المنطقة، فهي قالت بطريقة واضحة وصريحة إن هذا المبدأ غريب عن آيديولوجيتها، ولهذا تعتبرها (القاعدة) من بين الكفار». وأضاف سيغمن بطريقة شبه واعظة: «يجب أن نعرف أطر عملنا. هم ليسوا سلفيين، وهذا جناح مختلف كليا في الإسلام وهم لا يتبعونه».

وكانت مشاركة سيغمن إلى جانب السير جيريمي غرينستوك، وهو دبلوماسي بريطاني شغل منصب نائب حاكم العراق وكان سفيرا لبلاده في الأمم المتحدة، في اللقاء، لإعطاء رأيهما في الطريقة التي يجب أن تقارب فيها حكومة محتملة يؤلفها حزب المحافظين، قضايا الشرق الأوسط. وقدم الرجلان استنادا إلى خبرتهما الطويلة، نصائح شبيهة، أهمها حول ضرورة التواصل مع حماس عوضا عن عزلها، إلا أن هذه الفكرة لم تلق ترحيبا من قبل ممثل المحافظين، الوزير ليدنغتون.

واعتبر السير جيرمي أنه من دون وحدة بين الفلسطينيين لا يمكن الوصول إلى حل، ولكنه في المقابل نصح بالتحدث إلى «حماس»، وقال: «مؤسف أن الحكومات لم تقم باتصالات مع الجناح المعتدل في (حماس)، لأنه بحسب خبرتي المباشرة، فإن (حماس) مستعدة لقبول حل الدولتين وتحترم حقوق إسرائيل ضمن هذا الحل». وشكك في نوايا إسرائيل حول السلام، وقال إن رفضها لتجميد المستوطنات يعني أنها لا تريد التوصل إلى حل.

ودعا سيغمن من جهته إلى تشجيع الفلسطينيين على تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية تجلب «حماس» إلى السلطة، محذرا من أن الفرصة لتحقيق سلام بناء على حل الدولتين تقترب من نهايتها بسبب استمرار إسرائيل في بناء المستوطنات.

إلا أن ديفيد الذي وافق على طرح الرجلين حول وقف المستوطنات رفض رؤيتهما حول الحوار مع «حماس»، وقال: «من وجهة نظري، أريد أن أرى بوضوح أن حماس اقتنعت بأن عليها أن تحقق أهدافها بالطرق السياسية عوضا عن العنف، وأنها ترى نفسها كحركة وطنية فلسطينية، وليس حركة تسعى إلى إقامة إمارة إسلامية في غزة كبداية لتأسيس الخلافة في المنطقة». ولكنه في المقابل دعا إلى دعم جهود مصر حول مصالحة «فتح» و«حماس»، وقال: «إذا نجحت مبادرة المصريين، وتمكنوا من توحيد الفلسطينيين وتقديم الدعم لسلام فياض، فهذا سيكون جيدا لأنه لا يمكن استثناء غزة عند التوصل لحل». إلا أنه أيد فتح الحدود مع غزة لإدخال الإغاثة الإنسانية ومعدات البناء، وحتى أنه أبدى استعداده للموافقة على أن تشارك بريطانيا في قوات دولية في حال اقتضى الأمر لمراقبة البضائع الداخلة والخارجة إلى ومن القطاع.

ورغم إطرائه على المبادرة العربية للسلام، رأى وزير حكومة الظل أن القادة العرب عليهم أن يقوموا بخطوات إضافية. وقال: «أعتقد أن بريطانيا عليها أن تقول لأصدقائها التقليديين في العالم العربي، إن مبادرة السلام العربية الجريئة والخلاقة التي أعلن عنها في عام 2002، غير كاف، لا يمكن فقط الإعلان عنها ثم تركها. من الضروري أن تكون هناك متابعة لهذه المبادرة. يجب أن نذكر الإسرائيليين أن هذا العرض موجود، وهو عرض لتسوية في المنطقة وليس فقط مع الفلسطينيين».

وأكد ليدنغتون في ختام اللقاء لـ«الشرق الأوسط» إن المحافظين في حال وصولهم للسلطة لن يتخلوا عن القنوات التي تعتمدها الحكومة البريطانية الحالية للتواصل مع «حماس»، إلا أنه قال إن حوارا مباشرا معهم سيكون خطوة كبيرة. وأضاف أنه إذا تمكنت مصر من تحقيق المصالحة بين «فتح» و«حماس»، وإقناعهم بالمشاركة في حكومة وحدة وطنية، «عندها سنراقب كيف ستتصرف (حماس)».

وردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول مقاربة حكومة يؤلفها المحافظون لحزب الله في لبنان، وما إذا كانت ستعتمد طريقة الحكومة الحالية بالحوار مع الجناح السياسي، أم الطريقة الأميركية بمقاطعة الحزب الذي تصنفه إرهابيا، رد ليدنغتون بطريقة دبلوماسية، وقال: «ما سنفعله سيعتمد على الظروف في لبنان في حينه. أعتقد أن ما فعله حزب الله باحتلال بيروت في العام الماضي كان سيئا، ولكن رد فعل على خسارتهم نتائج الانتخابات، وفوز التحالف المضاد، هذا العام كان مشجعا أكثر. لذا سنقيم الأمور في وقتها». وأضاف: «نحن لم نلزم أنفسنا بعدم إذا كنا سنغير مقاربة الحكومة حول حزب الله... سنحافظ على القنوات غير المباشرة، ولكن يجب أن نزن ما هي الفوائد لبريطانيا من إجراء حوار مباشر».

لم تختلف رؤية حزب المحافظين التي عرضها ليدنغتون حول قضية السلام عموما كثيرا عن المقاربة التي يعتمدها حزب العمال الحاكم اليوم، لجهة تأييد حل الدولتين ودعوة إسرائيل لتجميد بناء المستوطنات وعدم الدخول في حوار مباشر مع «حماس»، إلا أن تاريخ الحزب في تأييد إسرائيل في معظم القرارات الدولية، لم يزل الشك لدى المشاركين في اللقاء، من سفراء عرب ومسؤولين بريطانيين مستقلين، من أن سياسة الحزب لن تختلف بشكل جذري في حال دخوله السلطة. وقد قال ليدنغتون ردا على سؤال في اللقاء حول الأمم المتحدة وقراراتها ضد إسرائيل: «بعض مؤسسات الأمم المتحدة انتقدوا إسرائيل بطريقة غير متساوية مع الانتقادات الموجهة لانتهاكات حقوق الإنسان في العالم».

وقال سفير فلسطين في لندن، مانويل حساسين، في ختام اللقاء، لـ«الشرق الأوسط»: «هم يقولون كلاما جيدا الآن لأنهم ليسوا في السلطة، ولكن متى ما أصبحوا في السلطة سيصبحون حماة إسرائيل، لذلك أنا أرى القليل من الخبث في الكلام هنا لأنهم في المعارضة. تاريخ المحافظين كان دائما مؤيدا لإسرائيل وهذا لن يتغير بشكل دراماتيكي مع وصولهم إلى السلطة». وأضاف: «إن عرض المحافظين للقضية الفلسطينية صحيح، ولكن لا يتطلب الأمر طريقة عبقرية لإيجاد حل... نعرف الحل ولكن ما ينقص الإرادة السياسية».

وعلق السير جيريمي على طرح المحافظين وقال لـ«الشرق الأوسط»: «أعتقد أنهم منفتحون ولكن حزب المحافظين مرتبطون بوفاء لإسرائيل من دون تفكير، لذلك هناك عمل كثير يجب القيام به... لا يمكن أن يحصل تغيير كبير الآن». أضاف: «لا أعتقد أنهم سيقومون بخطوات شجاعة في هذا الإطار إذا أصبحوا في الحكومة».