إيران تطلب مساعدة السعودية في الكشف عن ملابسات اختفاء عالم نووي.. ومصادر تتحدث عن علاقته بمنشأة «قم»

المسؤلون الإيرانيون يتجنبون الإشارة الى طبيعة عمله.. وأسرته تقول انه مسؤول بهيئة الطاقة الذرية الإيرانية * الحرس الثوري يستولي على 51% من الاتصالات الإيرانية

سيطرة الحرس الثوري على 51% من احدى اهم شركات الاتصالات في إيران تعزز قبضته الامنية (ا ف ب)
TT

اتهم وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي الولايات المتحدة الأميركية بالضلوع في اعتقال عالم نووي إيراني يُدعى شهرام أميري في السعودية خلال أداء العمرة، محملا الرياض مسؤولية وضع أميري. ونقلت وكالة أنباء «إرنا» الإيرانية الرسمية عن متقي قوله أمس: «نعتبر السعودية مسؤولة عن وضع شهرام أميري وأن الولايات المتحدة على ارتباط أيضا بهذا الاعتقال». وكانت وكالة «فارس» نقلت عن متقي في وقت سابق قوله إن الولايات المتحدة ضالعة في «اختفاء» شهرام أميري في السعودية. وأضاف: «سنتابع هذه القضية». وقد رفض المتحدث باسم الخارجية الإيرانية حسن قشقوي الرد على أسئلة الصحافيين عما إذا كان أميري خبيرا نوويا، غير أنه حمّل السعودية أيضا مسؤولية حمايته.

إلا أن وسائل إعلام إيرانية نقلت عن عائلة أميري قولها إنه يعمل في وكالة الطاقة الذرية الإيرانية وإنه خبير نووي في إحدى جامعات طهران متخصص في الاستخدام الطبي للطاقة النووية. وقال مصدر إيراني مطلع لـ«الشرق الأوسط» إن إيران «طلبت من السعودية المساعدة في تحديد مكان شهرام أميري وتوضيح ملابسات اختفائه»، إلا أنها لم تتلقَّ ردا بعد. فيما أشارت مصادر إيرانية أخرى إلى أن طهران تتجه لرفع الأمر إلى الإنتربول الدولي لمساعدتها في التحقيقات في اختفاء العالم الإيراني.

وأثار تجنب المسؤولون الإيرانيون الإشارة إلى أميري بوصفه خبيرا نوويا أو مسؤولا في هيئة الطاقة الذرية الإيرانية تساؤلات وألمح إلى الحساسية التي يكتسبها موضوع اختفائه. وجاء اختفاء أميري قبل 4 أشهر فقط من إعلان الاستخبارات الغربية الكشف عن موقع نووي سري تحت الأرض في مدينة قم الإيرانية مما أثار تساؤلات حول علاقة اختفاء العالم الإيراني بكشف المنشأة الجديدة في قم. وكان لافتا إشارة موقع «جانا نيوز» الإيراني، المقرب من المحافظين، الى إن أميري كان يعمل في منشأة قم وانه عندما توجه إلى السعودية للعمرة كان ذلك بنية الهروب للخارج، ولم يذكر موقع «جانا نيوز» مصدر معلوماته. وبينما رفض المسؤول الإيراني الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» الربط بين الاتهامات والشكاوي الإيرانية من اختفاء أميري، والتطورات الأخيرة في الملف النووي الإيراني، إلا أن مصادر أميركية وثيقة الصلة بالملف النووي الإيراني أعربت عن قلقها لـ«الشرق الأوسط» من أن تكون هناك «دوائر داخل المؤسسات الحاكمة في إيران» راغبة في «عرقلة مسار المباحثات النووية» تعمد لاستغلال تلك القضية لدواع سياسية. وحاولت «الشرق الأوسط» الحصول على رد رسمي من واشنطن حول الاتهامات الإيرانية لواشنطن بالضلوع في اختفاء شهرام أميري، إلا أن الخارجية الأميركية والبيت الأبيض ومجلس الأمن القومي الأميركي لم يردوا حتى موعد الطبع على أسئلة «الشرق الأوسط». وقالت الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط»: «لا تعليق فوريا لدينا على الموضوع». وكان مصدر إيراني في نيويورك كشف لـ«الشرق الأوسط» على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أسبوعين تفاصيل جلسة متوترة بين الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ووزير الخارجية الإيراني، قال خلالها متقي لبان كي مون إن إيران لديها شكوى دولية تتمثل في اختفاء 4 إيرانيين تعتقد طهران أنهم إما في السجون الأميركية وإما مروا عبر السلطات الأميركية خلال نقلهم إلى بلد آخر، بينهم شهرام أميري. وفيما كانت تصريحات وزير الخارجية الإيراني حول اختفاء أميري أمس مقتضَبة، استطردت وسائل الإعلام الإيراني في سرد المزيد من التفاصيل، موضحة أن السلطات الإيرانية تتهم الولايات المتحدة بالضلوع في اختفاء شهرام أميري، وأنه «أشيع أنه متورط في برنامج طهران النووي». وأشارت وكالة أنباء «الطلبة» الإيرانية إلى «بعض شائعات بأن شهرام أميري الذي اختفى خلال أداء العمرة في السعودية في يونيو (حزيران) كان موظفا بمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية وأراد أن يسعى لطلب اللجوء في الخارج». وقال الموقع الإلكتروني لقناة «برس تي في» التلفزيونية الحكومية دون الإدلاء بتفاصيل إن متقي أبلغ الصحافيين أمس: «عثرنا على وثائق تثبت تدخلا أميركيا في اختفاء الحاج الإيراني شهرام أميري في السعودية»، موضحة أيضا أن أميري كان باحثا في «جامعة مالك عشتار» التي تتبع للحرس الثوري الإيراني ولكنها لم تعطِ مزيدا من التفاصيل. فيما نقلت عن زوجته قولها إنه «لم يتصل بأسرته في ما عدا مكالمات قليلة في بداية رحلته»، موضحة بحسب ما نقلت عنها وكالة «اسنا» انه انه سافر للعمرة يوم 31 مايو (أيار) الماضي، وآخر مرة سمعت منه كانت يوم 3 يونيو (حزيران) عندما اتصل بها اتصالا عاديا للاطمئنان. وجامعة «مالك عشتار» تدار وتموَّل وتتبع للحرس الثوري الإيراني، وهي تنفذ «مشروعات بحثية خاصة» تطلبها المؤسسات العسكرية والدفاعية في إيران بحسب ما كشفت مصادر مطّلعة لـ«الشرق الأوسط» لا تستطيع الكشف عن هويتها بسبب حساسية الموضوع. وتتبع للجامعة كليات متخصصة في علوم الفضاء والهندسة الكهربائية والفيزياء النووية والطيران، وهى تقع في مدينة أصفهان التي بها مفاعل «ناتانز» النووي أول مفاعل تشغل فيه إيران أجهزة طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم. وكانت الأمم المتحدة قد أشارت إلى جامعة «مالك عشتار» في إطار ما أسمته بتجارب أجرتها إيران مرتبطة ببرنامجها النووي. وبحسب ما كشفت «الشرق الأوسط» قبل أسبوعين فإن متقي تقدم بطلب للأمم المتحدة للتحقيق في اختفاء شهرام أميري، وعلي رضا أصغري النائب السابق لوزير الدفاع الإيراني والمسؤول السابق البارز بالحرس الثوري الذي اختفي خلال زيارة إلى تركيا، أما الشخصية الثالثة التي أبلغت عنها إيران بان كي مون فتعرف باسم أردبيلي، وهو رجل أعمال إيراني يُعتقد أنه على علاقة بالحرس الثوري كان في جورجيا في مهمة شراء معدات عسكرية واعتقل هناك وما زال قيد التحقيق. وتحدث قشقوي في مؤتمره الصحافي في طهران أول من امس عن اردبيلي، موضحا أنه اختفى في جورجيا خلال رحلة عمل. وقال قشقوي للصحافيين إن إيران تتهم السلطات الجورجية باعتقاله وتسليمه للأميركيين. أما الشخصية الرابعة التي ذكرها متقي لبان كي مون فهو الدبلوماسي الإيراني نصر الله طاجيك الذي أوقعه عنصران في «إف بي آي» عام 2006 في لندن عندما أقنعاه أنهما تاجرا سلاح واتفقا معه على بيعه معدات للرؤية الليلية بـ50 ألف دولار مما أدى الى اعتقاله في لندن. وطاجيك (53 عاما) الذي عمل سابقا سفيرا لإيران في الأردن يعيش في بريطانيا متقاعدا، مع زوجته وأولاده. إلا أن تقارير تحدثت عن أنه لم يكن متقاعدا وكان يدير من لندن برنامجا إيرانيا للتسلح يعمل في عدة دول من بينها بريطانيا وتركيا والإمارات. وما زالت المحاكم البريطانية تنظر طلبا أميركيا لتسليمه لأميركا للمحاكمة.

ومن بين كل المختفين يُعَدّ علي رضا أصغري أكثرهم حساسية، فهو يعرف بسبب موقعه في الحرس الثوري وموقعه في وزارة الدفاع الكثير من المعلومات الحساسة. وقد عمل أصغري في حكومة الرئيس الإيراني الإصلاحي السابق محمد خاتمي، وتم إقصاؤه من منصبه الحكومي بعد تولي الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. وفيما ليس من المؤكد إذا كان أصغري قد فر بمحض إرادته أو اختُطف رغما عنه، إلا أنه من المؤكد أن استجوابه من قِبل أجهزة استخبارات غربية أدى إلى معرفة تلك الاستخبارات معلومات حساسة حول برنامج إيران النووي والحرس الثوري والبرنامج الصاروخي الإيراني. ووصف مصدر استخباراتي إسرائيلي في مارس 2007 أصغري بأنه «منجم ذهب من المعلومات الاستخباراتية»، وأن الاستخبارات الإسرائيلية تتعقبه منذ الثمانينات. وأشارت مصادر إيرانية مطلعة إلى «تشابه» بين الطريقة التي اختفى بها أميري وأصغري، موضحة لـ«الشرق الأوسط» أن استخبارات الحرس الثوري تُجري تحقيقات داخلية في المؤسسات العسكرية والأمنية والجامعات العلمية المتخصصة وهيئة الطاقة الذرية الإيرانية لمعرفة ما إذا كان هناك اختراق أو عمليات تجسس منظمة. وكانت وسائل الإعلام الإيرانية قالت إن أصغري اختفى لدى زيارة رسمية إلى تركيا، موضحة آنذاك أن عائلة أصغري توجهت إلى السفارة التركية في طهران وطلبت معلومات تفصيلية حول تحركاته قبل اختفائه، إلا أن السفارة التركية في طهران لم تكن لديها معلومات محددة. ونفت عائلة أصغري أن يكون تعاونا بمحض إرادته مع الاستخبارات الغربية، أو أن يكون خطّط لفراره بعد تهريب عائلته إلى الخارج.

وقالت زيبا أحمدي زوجة علي رضا أصغري لوكالة «مهر» الإيرانية للأنباء بعد شهر من اختفائه في مارس 2007: «عائلته في طهران، فكيف يكون هرّبنا ثم فر هو عبر تركيا؟»، موضحة أن 90% من الأدلة المتوافرة حول اختفاء زوجها تشير إلى تورط إسرائيل في «اختطافه»، ودعت السلطات الإيرانية إلى معالجة الأمر بسرعة طارئة. موضحة: «على الرغم من أن وزير الخارجية ووزير الدفاع قالا إن وزارتيهما تتوليان الأمر، فإنني حتى الآن لم أتلقَّ معلومات عنه».

وبحسب زيبا أحمدي وزهرة عبد الله بور زوجة أصغري الثانية، فإن كلا منهما طلبت مقابلة السفير التركي في طهران وأخذتا موعدا معه، وعندما توجهتا إلى السفارة التركية قال لهما رجال الأمن إن السفير التركي غادر طهران في إطار رحلة عمل. وقالت الزوجتان في تصريحات لوكالة «إيلنا» الإيرانية في مارس (آذار) 2007 إن: «الأمن التركي سلم أصغري إلى الإسرائيليين».

واختفى أصغري، أحد القادة البارزين في الحرس الثوري ونائب وزير الدفاع الإيراني، خلال زيارة إلى إسطنبول في 7 فبراير (شباط) 2007، وكان قادما من العاصمة السورية دمشق، حيث كان يبحث أمورا عسكرية. أما ملابسات الاختفاء فليست واضحة، إلا أن مصادر إيرانية قالت إنه اختفي من فندق «جيلان» في إسطنبول، مما يشير إلى أنه قد يكون خُدر بعد دخوله الغرفة وأُخفي ثم هُرّب، أو يشير إلى أنه كان لديه موعد من شخص ما حيث فر طواعية . وترفض السلطات الرسمية الإيرانية الكشف عن سبب زيارة أصغري لتركيا، إلا أنه من المعروف أن تركيا من الحلقات التي تنشط فيها إيران في ما يتعلق بأنشطتها العسكرية والتسليحية. وفيما لم يصدر عن تركيا أي بيان رسمي حول ملابسات اختفائه، قال مسؤولون إيرانيون في مارس من نفس العام إنهم يعتقدون أن أصغري تم اعتقاله واستجوابه من قِبل الاستخبارات الأميركية والغربية للحصول على «أسرار حساسة اطلع عليها خلال عمله نائبا لوزير الدفاع الإيراني». إلا أن مصادر استخبارات مطلعة قالت إن أصغري «فر بمحض إرادته» وتعاون مع الاستخبارات الغربية حيث كشف معلومات ووثائق وخرائط حساسة تتعلق بالحرس الثوري الإيراني وعلاقاته، وحزب الله والجهاد الإسلامي و«جيش المهدي» التابع لرجل الدين العراقي مقتدى الصدر و«فيلق بدر»، القوات العسكرية للمجلس الإسلامي الأعلى في العراق. وكان أصغري قد عمل في الثمانينات مسؤولا في الحرس الثوري في لبنان، وفي التسعينات أصبح المسؤول عن استخبارات الحرس الثوري الإيراني في لبنان.

كما كان علي رضا أصغري أحد المسؤولين الكبار المطلعين على تفاصيل ووثائق برنامج الصواريخ الإيرانية الباليستية، والدور الذي تلعبه كوريا الشمالية في تطوير الصواريخ الإيرانية، و«أحد الرؤوس» التي وضعت خطط إيرانية لمواجهة ضربات صاروخية أميركية على المواقع النووية الإيرانية.

وقد دشنت الاستخبارات المركزية الأميركية عام 2005 برنامجا تحت عنوان «تجفيف العقول» مخصص لتعقب العلماء النوويين الإيرانيين وإقناعهم بالهجرة للغرب والتعاون لإمداد الاستخبارات الغربية بمعلومات حول البرنامج النووي الإيراني. وفيما لا تكشف الاستخبارات الأميركية عن مسار برنامجها، فإنه بعد اختفاء علي رضا أصغري توصلت الاستخبارات الأميركية إلى معلومات حساسة حول برنامج إيران النووي. من بينها معلومات استُقيت من أجهزة كومبيوتر إيرانية تشير إلى أن طهران وقفت جانبا عسكريا من برنامجها النووي. ثم معلومات أخرى أكثر حساسية خرجت للعلن عام 2008 تتحدث عن رسوم ومخطوطات إيرانية لتطوير رأس نووي، وهى الوثائق التي وصلت إلى الاستخبارات الأميركية وطلبت وكالة الطاقة الذرية في فيينا من طهران إيضاحها.

إلا أن إيران ردت بأن الوثائق مزورة، وهو ما دفع الدول الغربية إلى الحفر أعمق في برنامج إيران النووي. أما آخر الاكتشافات فهو منشأة قم لتخصيب اليورانيوم التي قال خبراء نوويون لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يمكن الكشف عنها دون عنصر «استخبارات بشري» بسبب صعوبة التقاط الأقمار الاصطناعية للأنشطة تحت الأرض.

ويأتي ذلك فيما قالت مصادر لـ«الشرق الأوسط» إن الحرس الثوري الإيراني أحكم سيطرته على أحد أكبر شركة اتصالات إيرانية في مسعى لتعزيز الرقابة على الاتصالات لإسباب أمنية. وأوضحت المصادر أن الحرس الثوري بات يمتلك 51% من شركة «توسي اعتماد مبين» بعدما دفع 5 مليارات دولار للاستحواذ على 51% من أسهم الشركة الخاصة في إطار قوانين الخصخصة في إيران، مشيرة الى أن شركات أخرى تم استبعادها من المنافسة «لاعتبارات أمنية». وبحسب المصادر فإن سيطرة الحرس الثوري تضع غالبية الاتصالات في إيران تحت رقابة عسكرية مباشرة،