الفصل العشائري.. تقليد قديم لفض النزاعات ينتقل إلى مدن العراق

بعد إعطاء العشائر حيزا في العملية السياسية

TT

أصبح عقد «راية العباس»، وهو موروث عشائري قديم وشائع بين العشائر في القرى والأرياف لحل المنازعات ضمن تقليد «الفصل العشائري»، شائعا ومعتمدا في مدن جنوب ووسط العراق، بعد إشراك مكون العشائر في العملية السياسية ودعمها من قبل الأحزاب والتيارات الدينية. وقال الشيخ حاتم الفهد رئيس عشيرة آل أزيرج في البصرة لـ«الشرق الأوسط» إن تسمية «راية العباس» جاءت باسم العباس وهو أحد أبناء الإمام علي بن أبي طالب وحامل لواء أخيه الإمام الحسين. وأضاف أن «عقد الراية يعد الحلقة الأخيرة في فض المنازعات بين العشائر المتخاصمة بعد تدخل عشيرة أخرى مقربة من العشيرتين المتنازعتين التي تقوم بجمع شيوخها والوجهاء منهما في اجتماع يتم فيه تحديد تداعيات المشكلة وأسبابها ومن ثم الاتفاق على تقديم مبلغ من المال أو زفاف امرأة أو أكثر من العشيرة المعتدية إلى المعتدى عليها بعدها يتم عقد أو «شد» راية العباس التي هي عبارة عن قطعة قماش معينه أو منديل أو أي شيء آخر يتفق عليه الطرفان، على اعتبار أن شد راية العباس هو بمثابة أداء اليمين أو اعتبار العباس هو الكفيل بين العشيرتين لأداء ما بذمتها إلى الآخر».

وأوضح الفهد أن «من مميزات شد الراية الالتزام الشديد بالاتفاق وتخفيض نسبة من المبلغ (الفصل) المتفق عليه»، مشيرا إلى أن «من شروط عقد الراية أنه إذا اعتدت العشيرة المذنبة مرة ثانية بعد الاتفاق يعاد الفصل وتغرم العشيرة المعتدية التي خرقت اتفاقية شد الراية بدفع المبلغ بما يعادل أربعة أضعاف الفصل الأول». وأضاف: «أما إذا لم تلتزم العشيرة المعتدية بدفع المبلغ المتفق عليه كاملا كأن تدفع جزءا منه ولم تلتزم بدفع المبلغ المتبقي فهنا يتقرر إعادة شد الراية ويطلب منها دفع الفصل المقرر من جديد إضافة إلى ما دفعته سابقا على اعتبار أنها لم يلتزم بشروط الاتفاق».

ويرى الشيخ صالح الكرمشي «أن من أسباب انتقال هذا الموروث العشائري القديم الذي كاد يضمحل إلى المدن بعد الاحتلال غياب السلطة ووجود مشكلات اجتماعية من مخلفات النظام السابق، فلجأ البعض إلى عشائرهم لحل تلك المنازعات، وهي غالبا ما تكون حلولا توافقية»، مستدركا أن الجانب السلبي فيها هو تعنت بعض العشائر وطلب مبلغ كبير وزفاف امرأة أو أكثر لتزويجهن بأبناء العشيرة الثانية وعادة ما تكن من إخوة أو أبناء عمومة المجني عليه والتي يطلق عليها «المرأة الفصلية» التي غالبا ما تكون مكسورة الجناح محتقرة لا حقوق لها».

وتشير أوساط شعبية في البصرة إلى وجود نوع آخر من عقد «راية العباس» وهو الذي يتم بين الإخوة والأقارب على أن تكون ابنتهم وهي حديثة الولادة عندما تكبر زوجة لفلان وهو الطفل الآخر لابن الأخ أو الأخت بغية تقارب صلة الرحم، لكن المشكلة تظهر بعد أن يبلغ الطفلان سن الرشد ولا خافق يجمع بينهما. وترى سميرة الخفاجي (ناشطة في مجال منظمات المجتمع المدني) أن هذا العقد هو من الأعراف الاجتماعية الموروثة التي يعاني منها المجتمع وبخاصة بين أوساط الفتيات، وقالت: «اطلعت على الكثير من المشكلات من هذا النوع، وإن كان هدف هذا العقد في البداية سليما ومن الممكن أن يتم دون مشكلات، لكن معظمه ينتهي إلى تباعد هذه الأسر وتؤزّم علاقتهما ومنها ما يتحول إلى عداوة، لرفض الفتيات تلك الزيجات، للفارق بالمستوى إما التعليمي وإما السلوكي». وأكدت أن «بعض الفتيات تدخل العنوسة بسبب قيام ابن العم أو الخالة بتهديد من يتقدم للزواج بهن على اعتبار أنها له ومعقود عليها براية العباس، وفي بعض الحالات يتدخل الأهل والأقارب لحلها بمبالغ من المال أو إبدال زوجة أخرى بها».