مصادر أميركية: أوان توجيه ضربة جوية لإيران ربما فات.. والوقت للحل الدبلوماسي

مخططون عسكريون قالوا إن مهمتهم بعد كشف منشأة قم باتت أكثر صعوبة إن لم تكن مستحيلة

TT

أدت موافقة إيران على فتح المنشأة النووية الإيرانية السرية أمام المفتشين الدوليين إلى خفض المناقشات المتعلقة باتخاذ إجراءات عسكرية ضدها، وسمحت بإعادة فتح قنوات الدبلوماسية مرة أخرى، على الأقل لبعض الوقت. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تحاول تأسيس ضغط دولي، فإن التفاصيل الجديدة التي ظهرت مؤخرا ترجح أنه قد يكون أوان توجيه ضربة جوية إلى إيران فات.

فكل المعلومات المتعلقة بالمنشأة النووية التي تم الكشف عنها مؤخرا والتي تقع على مقربة من مدينة قم أسهمت في جعل مهمة المهاجمين المحتملين، أي الولايات المتحدة أو إسرائيل، أكثر صعوبة. ومن جهتهم، أكد المسؤولون الإيرانيون أن ذلك بالضبط هو ما دفعهم إلى بناء المنشأة في قاعدة عسكرية محصنة بالصلب والأسمنت، بالإضافة إلى كونها مدفونة تحت الأرض. وبعد أقل من أسبوع من إعلان الرئيس أوباما عن معرفة الولايات المتحدة بشأن الموقع، وافقت إيران على فتحه لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وفي زيارة لاحقة لطهران، قال محمد البرادعي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن المفتشين سوف يزورون المنشأة في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري. ومن جهة أخرى، فإن إدارة الرئيس أوباما وحلفاءها لديهم مخاوف ـ على الرغم من نفي طهران ـ من أن برنامج إيران النووي قد يكون مجرد قناع لإخفاء الجهود الإيرانية لبناء أسلحة نووية. ومع ذلك، أعرب أوباما عن تفضيله لسياسة التقارب على سياسة المواجهة. ويعكس ذلك في جزء منه نفور أوباما من اتخاذ إجراء عسكري استباقي. ولكنه ـ من جهة أخرى ـ يرجع للمخاوف المتعلقة برد الفعل الإيراني، فما زالت القوى العسكرية الأميركية تتعرض لهجوم عنيف في العراق وأفغانستان. كما أنه هناك احتمال أن تعرقل تلك الهجمات مراقبة الإصلاح السياسي داخل إيران.

وعلى الرغم من أن إسرائيل تتعامل مع إيران باعتبارها خطرا وجوديا، فقد أشار المسؤولون الإسرائيليون إلى أنهم على استعداد لأن يمنحوا فرصة للدبلوماسية. ومع ذلك، يصر أوباما على أنه لا يستبعد أي خيارات، كما أن المسؤولين بالإدارة الأميركية يقولون إنهم لن ينتظروا إلى الأبد لكي يكتشفوا إن كانت إيران جادة بشأن التعاون أم لا.

يُذكر أن المخططين العسكريين، سواء في الولايات المتحدة أو إسرائيل، الذين كانوا يعملون على وضع سيناريوهات محتملة لضرب المواقع النووية الإيرانية، كانوا يعانون طوال الوقت من افتقارهم إلى المعلومات الاستخباراتية الدقيقة، بالإضافة إلى المعلومات المتعلقة بعدد ومواقع المنشآت المتفرقة والمسافة التي يجب على قواتهم أن تقطعها كي تتمكن من الوصول إلى تلك المنشآت، وأسهمت المعلومات التي تكشفت مؤخرا والخاصة بمفاعل قم في جعل مهمتهم أكثر صعوبة، إن لم تكن قد أصبحت مستحيلة.

ومن جهته، يقول وزير الدفاع روبرت غيتس إن أي هجوم يمكنه في أفضل الأحوال أن يعطل إنشاء القنبلة النووية إذا كانت إيران تعتزم بناء واحدة. يُذكر أن الجهود العسكرية لعرقلة برنامج إيران النووي تتطلب شن عشرات الهجمات الصاروخية، ليس فقط على المنشآت الأساسية ولكن كذلك على المنشآت البحثية ومنشآت الطرد المركزي وغيرها من المنشآت اللازمة لعمليات التصنيع والتخزين، وذلك وفقا لمسؤولين حاليين وسابقين بالإدارة الأميركية.

بالإضافة إلى أن تلك الهجمات قد تتطلب عمليات إنزال بري للجنود، فيقول مسؤول سابق بالاستخبارات الأميركية كان مشاركا في إعداد تلك السيناريوهات والذي تحدث حول شريطة عدم الإفصاح عن هويته: «إذا كنت تفكر في شن حملة فعالة كي تدخل وتطيح ببرنامج إيران النووي سنوات إلى الوراء، فأنت تتحدث عن جهود هجمات هائلة، هائلة للغاية».

وتشتمل المنشآت الأساسية لبرنامج إيران النووي على منشأة لتخصيب اليورانيوم في نطنز ومفاعل للمياه الثقيلة بآراك ومصنع لتحويل اليورانيوم بأصفهان والموقع الجديد الذي أعلن عنه مؤخرا والذي يقع على مقربة من قم. وقبل ذلك كانت الهيئات الاستخباراتية التابعة للولايات المتحدة تواجه صعوبة في تقييم البرامج النووية للدول الأخرى، ففي العراق أدركت الولايات المتحدة بعد حرب الخليج 1991 أنها لم تنتبه إلى الإشارات التي تفيد بمحاولات بغداد تصنيع القنبلة. وبعد ذلك باثني عشر عاما افترضت الولايات المتحدة خطأ أن بغداد قد استأنفت العمل على ذلك البرنامج، ولكنها اكتشفت بعد غزو العراق الذي قادته الولايات المتحدة في 2003 أن ذلك التقييم كان خاطئا.

ومن جهة أخرى، لم توضح قط إدارة الرئيس أوباما ما الذي يمكن أن يدفعها إلى شن هجمة جوية والخروج من غرفة المناورات الدبلوماسية. ولكن مسؤولين سابقين وخبراء أميركيين يقولون إن هناك عدة أسباب محتملة، فيقول ليونارد سبكتور مدير مركز جيمس مارتن لدراسات منع الانتشار في واشنطن إن الولايات المتحدة سوف تتخذ رد فعل «إذا ما علمنا أنهم ينتجون يورانيوم عالي التخصيب أو أن إيران عادت للعمل على تصميم وتصنيع السلاح النووي». وعلى الرغم من أن إيران تخصب فعليا اليورانيوم في نطنز، فإن تلك المنشأة لم يتم تصنيفها باعتبارها منشأة تنتج مواد تصلح لتصنيع القنبلة.

ومن جهته، قال البرادعي في طهران خلال الشهر الجاري إنه لا يوجد «أي دليل ملموس» على أن إيران لديها برنامج للسلاح النووي. بالإضافة إلى أن وكالات الاستخبارات الأميركية تعتقد أن عمل إيران على تصميم رأس نووي قد تم وقفه في عام 2003، وذلك على الرغم من أن المسؤولين بالاستخبارات الإسرائيلية والبريطانية يشككون في ذلك.

ومن جهة أخرى، يعتقد بعض الخبراء أن الولايات المتحدة قد تحجم عن شن أي هجوم على إيران حتى تجري إيران تجربة على جهاز نووي. وفي أحد السيناريوهات الأخرى، قد تشن الولايات المتحدة هجمة صاروخية واحدة على منشأة قم، وهي خطوة سوف يكون الدفاع عنها دوليا أكثر سهولة ولكنها لن يكون لها تأثير قوي في تعطيل جهود إيران النووية.

وإذا ما صدرت الأوامر بشن الهجمات، فسوف تحظى الولايات المتحدة بمزية عسكرية كبرى. فمن المعروف أن الدفاع الجوي الإيراني هو نظام بدائي. ومع ذلك فإن الولايات المتحدة سوف تستخدم ـ على الأرجح ـ الطائرات المتسللة (الشبح) وسوف تنشر أنظمة إلكترونية لإغلاق الرادار الإيراني والصواريخ الأرض ـ جو. يُذكر أنه عندما قامت إسرائيل بشن هجوم على منشأة عسكرية تحت التأسيس في سورية في عام 2007، تم تغذية الرادارات السورية بمعلومات مغلوطة، وبالتالي لم تعرف الحكومة في دمشق أنها قد تعرضت لهجوم حتى سقطت القنبلة الأولى.

ومن جهته، يقول جون ويلر المسؤول السابق بالقوات الجوية إن الولايات المتحدة يمكنها اللجوء إلى الحرب الإلكترونية لإضعاف الدفاعات الإيرانية وتعطيل الشبكة الكهربائية والبث الإذاعي وأبراج الهواتف الجوالة.

ومن جهة أخرى، قال مسؤول سابق بالدفاع إن دس قوات العمليات الخاصة على الأرض في إيران قد يعزز دقة الهجمات الجوية. كما أن مثل تلك القوات يمكنها وضع متفجرات على مداخل المستودعات السرية. ويضيف المسؤول: «وسوف يكون رجال العمليات الخاصة آمنين لبعض الوقت، مما يمكّننا من تحديد أهدافنا بدقة».

يُذكر أن المسؤولين بالولايات المتحدة يعملون على تطوير سلسلة من الرؤوس النووية المصممة للاندفاع داخل الأرض واختراق طبقات الأسمنت قبل أن يتم تفجيرها من خلال صاعق بفعل متأخر. ومن أحدث أجهزة الاختراق التي ابتكرها الجيش كان قنبلة «جي بي يو ـ 28» التي يصل وزنها إلى خمسة آلاف رطل، المعروفة باسم «مدمرة الملاجئ»، ولكن يتم العمل حاليا على نوع جديدة ذي قوة تدميرية أعلى هو قنبلة «مخترق الأجسام الضخمة» التي يصل وزنها إلى 30 ألف رطل والقادرة على اختراق التحصينات الضخمة وإن كان بعض الخبراء يؤكدون أنه تم إنتاج بعض النسخ الأولية منها بالفعل. ومن جهة أخرى، فإن القوات الجوية لديها قنبلة يصل طولها إلى 30 قدما ويتجاوز وزنها 21 ألف رطل، وعلى الرغم من أن تلك القنبلة غير قادرة على اختراق الأرض، فإنها قادرة على تدمير الهيئات الخارجية مثل المداخل، والأجزاء الداخلية من الأبنية. وتقتضي مثل تلك الهجمات التي تستخدم ذلك النوع من الذخيرة شن هجمات أخرى حيث تركز الهجمات الأولية على تدمير المداخل وأنظمة الدفاع الخارجية، ثم تعقبها ضربة صاروخية تستهدف التوغل إلى الأعماق أي إلى مركز الهدف.

ولن يكون تحديد مركز المنشآت أمرا سهلا، فالصور التي التقطتها الأقمار الصناعية للمنشأة التي تقع على مقربة من قم تُظهِر مداخل ومخارج لأنفاق منتشرة على قمة الجبل ولكنها لا تُظهِر الكثير من الأشياء الموجودة داخل تلك الأنفاق. فيقول المسؤول السابق بالاستخبارات الأميركية العسكرية: «ما لم يكن لديك استخبارات بشرية جيدة، فلن يكون لديك فكرة واضحة عن مكان تلك المنشأة بداخل الجبل». ويضيف المسؤول أنه لهذا السبب «من المحتمل أن تكون هناك منشآت لا نستطيع الوصول إليها».

وتستطيع الرؤوس النووية أن تدمر حتى المباني المخبأة تحت الأرض على أعماق بعيدة ولكنه خيار غير مطروح بالنسبة إلى واشنطن، فعلى الرغم من انهيار الخيار الدبلوماسي الواضح، تحمل جميع الخيارات العسكرية العديد من المخاطر. بالإضافة إلى أن شن هجوم على إيران سوف يُضعِف حركة المعارضة التي وقفت ضد إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد في يونيو (حزيران) الماضي حيث سيتوحد المحافظون والإصلاحيون ضد التهديد القومي. ومن جهة أخرى، قد تمنح تلك الهجمات السلطات الفرصة لاتخاذ إجراءات أقوى ضد هؤلاء الباحثين عن المزيد من الديمقراطية.

وبفرض أن الهجمات العسكرية لم تتمكن من القضاء على البرنامج النووي بأكمله، فإنها سوف تزيد العراقيل التي تواجه إيران من أجل الحصول على القنبلة، حتى إن لم تكن إيران تعمل على برنامج للتسلح النووي قبل ذلك.

*خدمة «لوس أنجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»