في قبضة طالبان (الحلقة 3): الصحافي الأميركي: أجبرت على قراءة القرآن نهارا ومناقشة قائد المختطفين حوله ليلا

غنيت مع الحراس «إنها تحبك» للبيتلز.. و«لديكم قنابل ذرية.. ولدينا انتحاريون» لطالبان

جمع من المواطنين في الشريط الحدودي مجبرون على مغادرة المركبات عند مرور شاحنات الجيش الباكستاني («نيويورك تايمز»)
TT

يواصل صحافي نيويورك تايمز في الحلقات، التي ينشرها عن فترة الاختطاف لمدة 7 أشهر و10 أيام لدى طالبان، سرد حياته مع مختطفيه بعد نقله إلى باكستان، وذلك قبل أن ينجح في الهرب. وفي حلقة اليوم يروي كيف كانت قوات الشرطة التابعة لـ«طالبان» تقوم بدوريات في شوارع وزيرستان، ويجول قادة شبكة حقاني ومقاتلون أجانب بحرية أسواق ميرام شاه ومدنا أخرى. وحديثه مع شاب في العشرين يستعد لان يكون انتحاريا، قال له إن الحياة في هذا العالم عبء على أي مسلم حق. كما روى قسوة بعض جماعة حقاني التي تختلف عن طيبة المسلمين العاديين.

أواخر يناير (كانون الثاني)، صوب جندي باكستاني بدت عليه أمارات التوتر سلاح «آر. بي. جي» نحو الشاحنة التي تقلنا. وعليه، جهز الحارس التابع لجماعة «طالبان» الجالس إلى جواري سلاحه وأمرني بتغطية وجهي بوشاح. وعمدت مجموعة من المدنيين الباكستانيين إلى التحرك بعيدا عن الطريق، لتوقعهم قرب اندلاع قتال بالأسلحة النارية. كان بدر الدين حقاني، قائدا بارزا في شبكة حقاني، أحد أكثر فرق «طالبان» تشددا، وهي الجماعة التي كانت تحتجزني وأسيرين آخرين أفغانيين داخل المناطق الباكستانية القبلية، يتولى قيادة الشاحنة. بناء على أوامر الحارس، غطيت وجهي. كان الجندي المدجج بـ«آر. بي. جي» في المركبة الأولى من قافلة إمدادات تتبع الجيش الباكستاني تتحرك في شمال وزيرستان. بعد تفقده الطريق، عاد الجندي إلى شاحنته، وبدأت القافلة في المضي قدما. ورغم أن الأمل راودني في أن يتمكن الباكستانيون بصورة ما من إنقاذنا، راقبت وكلي شعور بالفزع بدر الدين يخرج من الشاحنة ويقف في هدوء على جانب الطريق. ومرت أمامنا شاحنات تعج بجنود حكوميين مدججين بالأسلحة، بينما وقف بدر الدين يبتسم ويلوح لهم بيديه. وبعدما اختفت القافلة عن الأنظار، بدا بدر الدين سعيدا. وسألني: «هل تدري من كان هذا؟»، وأجبت: «لا»، محاولا الظهور بمظهر الأخرق. فأجاب: «كان ذلك الجيش الباكستاني». وشرح أنه في ظل اتفاق لوقف إطلاق النار بين «طالبان» والجيش، يتعين على جميع المدنيين الخروج من سياراتهم عند اقتراب قوافل تتبع الجيش الباكستاني. إلا أنه بالنسبة للمركبات التابعة لـ«طالبان»، يتعين على السائق فقط الخروج من السيارة، الأمر الذي سمح للجماعة بإخفاء ضحاياها المختطفين والمسلحين الأجانب عن أنظار الجيش الباكستاني. ذلك الصباح، وصل بدر الدين إلى المنزل القائم في ميرام شاه، الذي احتجزت فيه مع طاهر الدين، صحافي أفغاني، وأسد مانغال، سائقنا. كنا قد اختطفنا خلال مهمة صحافية جنوب كابل، في أفغانستان، في نوفمبر (تشرين الثاني)، وتم نقلنا إلى المناطق القبلية في باكستان. أعلن بدر الدين أنه سيأخذنا إلى خارج المدينة إلى أحد التلال المغطاة بالجليد من أجل تصوير المشهد الأخير في مقطع مصور، سيجري توزيعه على وسائل الإعلام. وبدا عاقدا العزم على جعلنا نبدو وكأننا محتجزون في جبال أفغانستان الوعرة، وليس داخل مدينة باكستانية تعج بالحركة. مع مضينا قدما في رحلتنا، مررنا عبر ما يقرب من ست نقاط تفتيش تخلت عنها قوات «فيالق الشمال»، ميليشيا عملت بمثابة القوة الأمنية الرئيسة التي اعتمدت عليها الحكومة الباكستانية داخل المناطق القبلية حتى عام 2001. من جهته، قال بدر الدين، إنه في ظل اتفاق وقف إطلاق النار، بات مسموحا فقط لأعضاء الميليشيا غير المسلحين بالوقوف في نقاط التفتيش. أثناء مضينا بالشاحنة، شاهدت من حين لآخر أعضاء الميليشيا يقفون على جانبي الطريق من دون أسلحة، وقد دخل بعضهم في حديث مع أبناء القبائل المحلية. أكدت هذه الرحلة على الشكوك التي ساورتني لسنوات عديدة أثناء عملي مراسلا صحافيا، وهي أن أعضاء شبكة حقاني تولوا الإشراف على دولة صغيرة آخذة في الاتساع تقودها «طالبان» في المناطق القبلية، بتغاضٍ ضمني من قبل المؤسسة العسكرية الباكستانية. لقد كان الحقانيون على ثقة كبيرة من سيطرتهم على المنطقة لدرجة أنهم اصطحبوني ـ رغم أنني شخص يعتبرونه أسيرا على درجة استثنائية من الأهمية ـ في جولة بالشاحنة امتدت ثلاث ساعات في وضح النهار لتصوير مشهد خارجي. عبر مختلف أرجاء وزيرستان، قامت قوات الشرطة التابعة لـ«طالبان» بدوريات في الشوارع، وتولت فرق من الجماعة تنفيذ مشروعات تشييد وبناء. وجال قادة شبكة حقاني ومقاتلون أجانب بحرية أسواق ميرام شاه ومدنا أخرى. الملاحظ أن أعضاء «طالبان» من الشباب الأفغاني والباكستاني يكنون احتراما بالغا تجاه المقاتلين الأجانب، الذين علموهم كيفية صنع العبوات الناسفة. على امتداد الشتاء، أدركت الواقع الذي خلقه الحقانيون. في بعض الليالي، زار قادة ومقاتلوهم المنازل التي كان يجري احتجازنا بها. وهيمنت على المحادثات التي جرت إيمانهم الكامل بأن الولايات المتحدة تشن حربا ضد الإسلام. لقد كان عالما مليئا بالمتناقضات، حيث شن المسؤولون عن أسري هجوما شديدا ضد الغرب لقتلهم المدنيين، بينما احتفوا في الوقت ذاته بالهجمات الانتحارية التي دبرتها «طالبان»، وأسفرت عن مقتل عشرات المسلمين الأبرياء. وقد نددوا بشدة بالقوافل التبشيرية، بينما ألحوا علي لاعتناق دينهم. واشتكوا من احتجاز الولايات المتحدة لمسلمين أبرياء، في الوقت الذي ظلوا يحتجزوننا كرهائن. على الجانب الآخر، خلال تعاملاتنا اليومية، عندما كان القادة يغيبون، كان بعض حراسنا يبدون بصيصا من الإنسانية. وقد خلقت هذه اللحظات بداخلنا الأمل في التمكن بصورة ما من النجاة من أسرنا عبر الحديث بالمنطق والحجة. في مطلع فبراير (شباط)، أخبرنا حراسنا أن بدر الدين بعث بالشريط المصور إلى وسائل إعلام أفغانية وأجنبية، لكن قناة «الجزيرة» فقط هي التي أذاعته. وجاءت هذه الأنباء مخيبة للآمال لكل من طاهر وأسد، اللذين أملا في أن يبث الشريط على نطاق واسع ويحفز الأطراف المعنية على الدخول في مفاوضات. أما أنا، فلم تساورني الدهشة، فقد سمعت قبل اختطافنا أن وسائل الإعلام الأفغانية والأجنبية أبرمت اتفاقا غير رسمي بعدم الإعلان عن حوادث اختطاف للصحافيين في أفغانستان، إذا طلبت المنظمة التي يعمل لديها المختطفون ذلك. على سبيل المثال، التزمت وسائل الإعلام الصمت حيال اختطاف صحافية كندية في كابل، ميليسا فنغ، في أكتوبر (تشرين الأول) 2008. وانعقدت الآمال على أنه من خلال الإبقاء على أخبار حوادث الاختطاف بعيدا عن دائرة الضوء الإعلامي، ستتضاءل توقعات مدبري عمليات الاختطاف بكسب دعاية واسعة النطاق، أو الحصول على فدية كبيرة مقابل الصحافيين. بعد رفض وسائل الإعلام عرض الشريط المصور، طلبنا من حراسنا الاتصال بأبوطيب، أحد قادة «طالبان» الذي اختطفنا إلى خارج كابل وأخفى هويته. وقد وافق على العودة إلى ميرام شاه، وقال إنه سيحاول التفاوض بشأن فدية مع أسرتي. تلقيت وكل من طاهر وأسد خطابات من عائلاتنا بثت الطمأنينة في نفوسنا من خلال «اللجنة الدولية للصليب الأحمر». لكنني لم أتحدث إلى زوجتي، كريستن، طيلة ثلاثة شهور. أخيرا، في 16 فبراير (شباط)، نقلني أبو طيب إلى موقع بعيد وسمح لي بالاتصال بها. وأمرني أعضاء في «طالبان» بأن أعطيها أرقام هواتفهم الجوالة كي تعاود هي الاتصال بهم. وكانوا يطالبون بفدية قيمتها 7 ملايين دولار في ذلك الوقت، ومع ذلك رفضوا تحمل تكاليف مكالمة هاتفية. خلال مكالمة هاتفية، أخبرت زوجتي: «هذه هي المرة الأخيرة التي أحدثك فيها. هذه هي فرصتنا الأخيرة»، مكررا بذلك العبارات التي أملوها علي. ووعد أبو طيب بالتوصل إلى تسوية مع أسرتي. لكنه هذه المرة، مثلما فعل كثيرا في مرات سابقة، رحل من دون أن يفي بوعده. وخلقت محادثاتي معه خلال زيارته القصيرة الشك بداخلي حيال إمكانية قبوله بحل وسط في قضية تتعلق بأميركي. صباح أحد الأيام، بكى أبو طيب لدى ورود أنباء حول شن قوات حلف «الناتو» ضربة جوية أسفرت عن مقتل نساء وأطفال في جنوب أفغانستان. وشرح لي أحد الحراس أن أبو طيب يمقت الولايات المتحدة بسبب قتلاها من المدنيين. مساء أحد الأيام، أعلن أبو طيب أن «طالبان» تعامل النساء أفضل من معاملة الولايات المتحدة لهن. وقال إن النساء في الولايات المتحدة يجبرن على ارتداء ملابس فاضحة وتصوير أنفسهن فقط ككيانات خلقت للمتعة الجنسية فحسب. أما «طالبان» فوفرت الحماية لشرف النساء من خلال عدم السماح لهن بالظهور في العلن ووجوههن مكشوفة. وقد نظر إلي من اختطفوني ـ وربما كانت تلك هي نظرتهم إلى جميع الغربيين ـ باعتباري فاسدا أخلاقيا، وينحصر تركيزي في السعي وراء المتع الدنيوية. وقالوا إن أميركا غزت أفغانستان كي تزداد ثراء، وليس لمساعدة الأفغان. تجاهلوا حقيقة أن الولايات المتحدة ساعدت على بناء طرق تمتد لمئات الأميال داخل أفغانستان وأكثر من ألف مدرسة ومركز صحي. ورفض المختطفون التقارير الصحافية المنتشرة التي تقول بأن حركة طالبان قامت بحرق عشرات المدارس التي بنيت أخيرا من أجل منع الفتيات من الحصول على التعليم. وقلتُ لهم إن الولايات المتحدة ليست بهذه الصورة المبالغ فيها، ولا تحمل التهديدات التي يعتقدون. وحاولت أيضا أن أرد على اعتقادهم بأن جميع الأميركيين أثرياء بصورة كبيرة. ومع ذلك لم يبدُ أن أياً مما قلته غيّر من قناعاتهم. وفي أحد الأيام، حصلت على نسخة من صحيفة «الفجر»، وهي صحيفة باكستانية تصدر باللغة الانجليزية كانت قد نشرت مقالا عن الظروف المالية الصعبة التي تعاني منها صحيفة «نيويورك تايمز». واحتفظت بالصحيفة إلى أن تأتي زيارات إلى القادة. وعرضتُ عليهم عنوانا رئيسيا يقول «نيويورك تايمز تقاتل من أجل البقاء»، وشرحت لهم كيف أن صناعة الصحف الأميركية، والاقتصاد الأميركي، يعانيان من تراجع كبير. وبعد أن استمعوا إلى ما أقول، تجاهلوه. وأبقي علينا خلال معظم فصل الشتاء داخل مبنى كانت الحكومة الباكستانية قد شيدته ليصبح مركزا صحيا، وكان جزءا من محاولة أميركية لكسب قلوب وعقول السكان المحليين. وقضى حراسنا أيامهم هناك يستمعون إلى الإذاعة ويصيحون بعبارة «الله أكبر!» عندما يسمعون أخبارا عن مقتل جنود أميركيين وأفغان. وكان معظم الحرّاس رجال أفغانيين في نهاية العشرينات وبدايات الثلاثينات، البعض منهم لاجئون نشأوا في باكستان، وجميعهم حصل على مستوى محدود من التعليم داخل مدارس حكومية ومؤسسات دينية تعرف باسم «المدارس». والبعض منهم لم يتعد المراحل الأولى من التعليم العالي، ولم ير أي منهم بلدا غير أفغانستان وباكستان، ولجميعهم أقارب أو أصدقاء قتلوا على يد القوات السوفياتية أو الأميركية. لقد نشأوا في ثقافة يصل فيها الأولاد المراهقون إلى الرجولة ويسطرون أسماءهم عن طريق إظهار شجاعتهم. وحاولت أن أتعرف على أحد الحراس، وكان يستعد إلى أن يكون انتحاريا. كان شابا في العشرينات من عمره نحيف الجسم وله عينيان بنيتان، وقال، إنه كان يدرس الهندسة في مدرسة عليا، ولم يذهب إلى الجامعة لكنه كان ذا تعليم جيد نسبيا مقارنة بباقي المقاتلين. وعندما سألته لماذا يريد أن يموت، قال إن الحياة في هذا العالم عبء على أي مسلم حق. وأضاف أن الدار الآخرة هي بغيته وأن العلاقات الدنيوية مع والديه وأقاربه لا تهم. وكان يتحدث انجليزية غير متقنة، وبدا أن معتقداتي تهمه وتدهشه، وخلال الأسابيع الستة الأولى التي قضيناها مع بعضنا، وجّه إليّ بعض الأسئلة وكان من بينها: هل حقا أن رابطة العنق رمز سري للمسيحية؟ وهل حقا أن المسيحيين يريدون أن يعيشوا ألف عام؟

وكان حراسي من حركة طالبان ينامون على فرش نوم صنعت في شركة نسيج باكستانية ومطرز عليها حروف من البرنامج التلفزيوني الأميركي «هانا مونتانا» وفيلم «الرجل العنكبوت». وكانت البطانية الخاصة بي عبارة عن لحاف وردي اللون. وانتقد المختطفون رذائل المجتمع العلماني. وفي مارس (آذار) احتفوا بهجوم انتحاري في مسجد داخل مدينة جامرود الباكستانية نجم عنه مقتل ما يصل إلى 50 مصلياً وهم يؤدون الصلاة. وقال إن هؤلاء الذين يعيشون في ظل الحكومة الباكستانية الملحدة يستحقون ذلك. وقال أحد القادة إنه لا يمكن لمسلم حق أن يعيش داخل دولة الدين الإسلامي ليس هو الدين الرسمي فيها. ورفض صراحة اقتراحا وسطا قدمته بأن يتم تطبيق الشريعة الإسلامية في المجتمع الريفي المحافظ جنوب أفغانستان ويتم تطبيق أنماط أكثر اعتدالا داخل الشمال الليبرالي نسبيا. وقال، مستشهدا بتفسير طالباني للإسلام، إنه واجب على كل مسلم أن يمنع الآخرين من ارتكاب المخالفات، وإذا ارتكب شخص في إحدى القرى ذنبا فإن الله يعاقب من شاهده ولم يمنعه من القيام بذلك. وبعد احتجازنا لعدة أشهر، طلب مني الخاطفون أن أتوقف عن غسيل أطباق المجموعة لأنهم لا يريدون أن تصيبهم الأمراض التي عندي. وكانوا يعتقدون أن المشاكل التي تعاني منها بطني سببها أني غير مسلم وغير نظيف وليس لأن المياه غير نظيفة. وكانت قسوتهم على النقيض من الأسلوب المتسامح الذي وجدته بين أغلبية المسلمين الذين قابلتهم في أفغانستان وباكستان. وفي محاولة للضغط عليّ كي أتحوّل إلى الإسلام، طلب مني أحد القادة أن أقرأ جزءا من القرآن كل يوم وأناقشه معه ليلا. ورفض قولي بأن تغيير الدين بالقسر لا يجوز. وبأدب أعرب القائد والحراس عن أسفهم عليّ، وقالوا إنه إذا لم أغيّر ديني فإنني سوف أعاني من نيران الجحيم. وفي أحد الأيام، طلب مقاتل زائر معرفة السبب الذي يقف وراء عدم تلبيتي لهذا الطلب، وقال إنه لو كان الأمر بيديه لأخذني للخارج وعرض علي فرصة أخيرة لتغيير ديني فإذا رفضت يطلق النار عليّ. وأدركت أنه ومعه مقاتلون آخرون ربما يبالغون في عرض آرائهم لإخافتي. وكشف لي مقاتل شاب عن جانب آخر، فقد رفض أن ينفذ أمر قائد بخطف أجنبي يعمل في أفغانستان. وفي إحدى الزيارات اقترح عليّ أن أقرأ جزءا من القرآن باللغة الانجليزية كي أهوّن على نفسي مما هي فيه وقرأت الجزء الذي فيه: «لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ». وخلال الأشهر التي قضيناها في ميرام شاه، ظهرت بعض الأشياء، فعندما كان يأتي قادة معينون للزيارة يكون الجو محتدا، وتتركز النقاشات حول ما يرون أنه ظلم غربي ضد المسلمين. وعندما كنّا لوحدنا مع الحراس الذين يعيشون معنا، يكون هناك بعض المرح. كانوا يبحثون عن طرق لكسر حدة الرتابة، وبعد تناول العشاء خلال الكثير من ليالي الشتاء كان الحراس يرددون أغاني بلغة البشتو لساعات. وكان صوتي والنطق بلغة البشتو شيئا مريعا لكن حثّني حراسي على الغناء. وكان هناك تنوع في الأغاني، ففي بعض الأمسيات كنت أجد نفسي أغني أناشيد لحركة طالبان تقول «لديكم قنابل ذرية، لكن لدينا تفجيريين انتحاريين». وفي ليال أخرى، وبعد أن حثني حراسي، تحولت إلى بعض الألحان الأميركية، وفي إحدى المرات قمت بغناء إصدار فرانك سيناترا لـ«نيويورك نيويورك» وقلت إنها قصة لأحد سكان القرى حاول أن يحقق نجاحا في المدينة وأن يقدم يد العون إلى عائلته. وغنيت أغنية لبروس سبرنغستين «بورن تو رن» وقلت إنها وصف لكفاح الأميركيين العاديين. وأدركت أن حراسي يرغبون أيضا في الاستراحة من الواقع الكئيب، لكني شعرت وكأني قرد استعراضي عندما طلبوا مني الغناء أمام قادة زائرين، فقد كنت أعلم أنهم يسخرون مني. وتجنبت متعمدا أغاني الحب الأميركية، كي أبدد فكرة أن جميع الأميركيين يريدون المتعة وحدها. وعلى الرغم من جهودي كانت الأغاني الرومانسية بغض النظر عن اللغة هي ما يفضل الحراس. وكانت أغنية فريق بيتلز «إنها تحبك» التي كانت تتردد في ذهني بمجرد أن حصلت على خطاب زوجتي عبر الصليب الأحمر هي أكثر ما يحبون. ولأسباب حيرتني، كان الحراس يستمتعون بغنائها معي. وبمجرد أن غنيت البيت الأول حتى ردد معي حراسي الثلاثة وطاهر وأسد. كنا نغني «إنها تحبك ـ نعم، نعم، نعم». بينما كانت رشاشات الكلاشنكوف على الأرض من حولنا.

* خدمة «نيويورك تايمز»

* الحلقة القادمة: هجوم طائرة من دون طيار وآمال تتلاشى