في قبضة طالبان (الحلقة 5) : ليلة الهروب من طالبان: بسلالم وحبل حصلت على حريتي بعد 7 شهور و10 أيام في الأسر

حراسنا كانوا يعتقدون أنهم سيحصلون على مسجونين لهم وملايين الدولارات إذا ما أبقوا علينا أحياء > أخبرني أحد قادة «طالبان» ممن كانوا يلحون علي كي أعتنق الإسلام أنه إذا قلت «اغفر لي يا الله» ألف مرة يوميا سينتهي أسري

قوات أمن باكستانية في مريام شاه بالشريط القبلي «نيويورك تايمز»
TT

وقفت داخل المرحاض الموجود داخل المنزل التابع لجماعة «طالبان» في انتظار ظهور رفيقي في الفناء بحيث نتمكن من الهرب معا. أثناء انتظاري، ظل قلبي يخفق بشدة. وعلى بعد بضعة أقدام مني، كان يزأر جهاز تبريد للهواء يعمل بالماء داخل الفناء، يشكل نسخة عتيقة من أجهزة تكييف الهواء الحديثة. وراودني الخوف من أن يستيقظ الحراس الذين يحتجزوننا ويمنعونا من الهرب. بل وساورني خوف أكبر من أن نقبع في الأسر لسنوات. كانت عقارب الساعة تشير إلى الواحدة صباحا من يوم السبت الموافق 20 يونيو (حزيران) في ميرام شاه، عاصمة إقليم شمال وزيرستان الباكستاني القبلي. بعد سبعة شهور و10 أيام في ظل الأسر على أيدي أعضاء «طالبان»، اتخذت قرارا مع طاهر الدين، الصحافي الأفغاني الذي تعرض للاختطاف معي، بمحاولة الفرار من الأسر. بحلول ذلك الوقت، كنا قد خلصنا إلى أن من يحتجزوننا ـ وهم أعضاء فرقة تتبع «طالبان» يتزعمها آل حقاني ـ لا يخوضون مفاوضات جادة حول إطلاق سراحنا. ومن بين أحدث الأكاذيب التي لا حصر لها التي ألقوها على مسامعنا إعلانهم أن الولايات المتحدة ستطلق سراح جميع الأسرى الأفغان في معسكر غوانتانامو في كوبا مقابل إطلاق سراحنا. من جانبنا، رأينا أن هذا الإعلان مهين ومثير للسخرية. ومثلما فعلوا عشرات المرات في السابق، ادعى من يأسروننا أنهم اقتربوا من إبرام اتفاق بشأننا. وبعد ذلك، لم يتحقق شيء. وعليه، اتخذت وطاهر قرارا بأن أستيقظ أولا في تلك الليلة وأتوجه إلى المرحاض من دون أن أطلب إذنا من الحراس. وإذا ظل الحراس نائمين، يتبعني طاهر. على بعد قرابة 20 قدما، على أحد أرفف المطبخ، كان هناك حبل لقطر السيارات خططنا لاستخدامه في النزول على الجدار البالغ طوله 15 قدما المحيط بالمنزل. كنت قد عثرت على هذا الحبل قبل أسبوعين وأخفيته وراء كومة من الملابس القديمة. مرت عدة دقائق ولم يخرج طاهر من الغرفة، بينما ظلت عيناي محدقتين بمدخل غرفة المعيشة التي كنا ننام بها جنبا إلى جنب مع الحراس ـ على مسافة حوالي 15 قدما من المرحاض القائم على الجانب الآخر من الفناء. وكنت قد سحبت قدميه قبل أن أنهض من الفراش كي أوقظه. وقد تأوه، وبالتالي افترضت أنه استيقظ. مع مرور الدقائق، لم أدر ماذا أفعل. وقفت متجمدا داخل المرحاض المظلم وراودتني التساؤلات حول ما إذا كان طاهر قد بدل رأيه وتخلى عن فكرة الهرب. في الواقع، إذا أمسك بنا الحراس ونحن نحاول الهرب، ربما يقتلونني، لكنهم بالتأكيد سيقتلون طاهر. ساد اعتقاد في جزء مني بأنه كان من الخطأ من الأساس الموافقة على مثل هذا الأمر. بعد سبعة شهور في الأسر، ساورني الشك في قدرتنا على اتخاذ قرارات عقلانية. حتى إذا نجحنا في النزول على الجدار، سيتعين علينا السير عبر شوارع ميرام شاه للوصول إلى قاعدة باكستانية قريبة. يذكر أن المدينة كانت تعج بأفغان وباكستانيين ومسلحين أجانب. وأيا من كانوا من سيلقون القبض علينا، فإنهم ربما يكونون أقل رحمة بكثير عن حراسنا الحاليين. بمجرد وصولنا إلى القاعدة الباكستانية، ربما نواجه مسؤولي الاستخبارات العسكرية الباكستانية أو أعضاء ميليشيا قبلية من المتعاطفين مع «طالبان» وسيسارعون بتسليمنا مجددا إلى الحقانيين. بيد أنه في الوقت ذاته، راودني حنين جارف لرؤية زوجتي وأسرتي مجددا. إضافة إلى ذلك، كانت تملؤني كراهية شديدة تجاه من يأسروننا لدرجة خلقت بداخلي رغبة شديدة في ألا يحصلوا على أي شيء مقابل فك أسري. وعليه، مضيت قدما في خطتي. سرت على درب خطة مساندة وضعتها وطاهر مساء ذلك اليوم، حيث خرجت من المرحاض والتقطت عمودا مصنوعا من خشب البامبو يصل طوله إلى خمسة أقدام موجود بجانب حائط مجاور. سرت حتى نافذة غرفة المعيشة وطللت برأسي بداخلها كي أتأكد من أن الحراس ما يزالون نائمين. بجانبي، كان جهاز التبريد العتيق يغطي بصوته العالي على الضوضاء الصادرة عن تحركاتي. فتحت النافذة، وحركت العمود باتجاه طاهر ودفعته به. وعدت مسرعا إلى المرحاض، وأعدت العمود إلى مكانه السابق بجوار الحائط. ورغم ذلك، لم يظهر طاهر. وتولدت بداخلي قناعة بأنه بدل رأيه. وساورني اعتقاد بأنه لم يكن من الإنصاف من جانبي أن أنتظر من رجل لديه سبعة أطفال أن يخاطر بحياته. وفجأة، بدأ جسد طاهر في الظهور تدريجيا من النافذة كما لو كان شبح، حيث خرجت ساقه، ثم الجزء الأعلى من جسده وبعدها ساقه الأخرى. وبينما كان واقفا خارج النافذة، هرعت إلى الخروج من الحمام لملاقاته واصطدمت بغير قصد بوعاء بلاستيكي يستخدم في الوضوء. انزلق الوعاء متدحرجا على الأرض، وانتابني الخوف من أن توقظ الضوضاء الحراس. وقفت وطاهر نحدق في بعضنا البعض في الظلام. ولم يخرج أي من الحراس من غرفة المعيشة. وبعد أن خطونا بضع خطوات نحو الأمام، همست في أذن طاهر قائلا: «لسنا مضطرين إلى الذهاب. يمكننا الانتظار». وأجابني: «اذهب واحضر الحبل». داخل غرفة المعيشة، بدا أسد مانغال، السائق الشاب الذي سقط في الأسر معي ومع طاهر، غارقا في النوم مع الحراس. منذ عدة أسابيع سابقة، قررت وطاهر أنه لم يعد بمقدورنا الوثوق بأسد، الذي شرع في التعاون مع الحراس وأصبح يحمل مسدسا معه. ذلك المساء، اتخذت وطاهر قرارا صعبا يقضي بأن نرحل من دون أسد، خشية أن يوشي بنا لدى الحراس ويكشف خطتنا للهرب ـ مثلما سبق وأن فعل. وبات انفصالنا عن أسد أكثر جوانب ملحمة وقوعنا في الأسر ظلاما. على امتداد شهور عديدة، تهرأت عرى التضامن بيننا التي تولدت فور اختطافنا في 10 نوفمبر (تشرين الثاني) تحت وطأة التهديد بالإعدام والحبس إلى أجل غير مسمى. في ديسمبر (كانون الأول)، أبدى طاهر وأسد غضبا شديدا تجاهي لمبالغتي فيما يمكن لمن يأسروننا الحصول عليه كفدية مقابل إطلاق سراحنا. بعد إخبارنا أن فريق عمل متخصص في طريقه إلينا لتصوير قطع رقابنا، تحدثت من غير قصد قائلا إن من يأسروننا بمقدورهم الحصول على مسجونين لهم وملايين الدولارات إذا ما أبقوا علينا أحياء. وقد اعتذرت مرارا لطاهر وأسد عن هذا الأمر، مبررا موقفي بأنني كنت أحاول إنقاذنا من القتل، لكنهم نعتوني بالحمق. على امتدا الربيع، قال طاهر إن أسد أخبر الحراس أن طاهر حرضه في وقت من الأوقات على الهرب بمفرده. وأضاف أن أسد قال للحراس إنني جاسوس أميركي.

وأخيرا، قال طاهر إنه همس إلى أسد قائلا «ينبغي أن نهرب» في إحدى الليالي منذ أسبوعين سابقين. ولم يجب أسد. وبعد عدة أيام، أعلن أحد الحراس أنه نما إلى مسامعه أن طاهر يحاول الفرار. إلا أنني كنت على علم أيضا بأن أسد يتعرض لضغوط كبرى، فباعتباره مجرد سائق، ربما كان سيصبح أول من تقدم «طالبان» على قتله. وكانت أمامه إمكانية التعاون مع الحراس كي يضمن نجاته من القتل. ومع ذلك، ظللت عاجزا عن الثقة به. لو كنت تحدثت أنا وطاهر مع أسد حول فكرة الهروب مجددا، ربما كان سيشي بنا لدى الحراس مرة أخرى. على الأقل، ربما كنا سنهدر فرصة قيمة قد لا نحظى بها ثانية قط. وفي أسوأ الأحوال، كنت سأتعرض أنا وطاهر للقتل. وصلنا إلى المنزل القائم في ميرام شاه في الأسبوع الأول من يونيو (حزيران). وكان هذا تاسع مكان ننتقل إليه داخل المناطق القبلية، بعد أن جرى نقلنا مرارا من جانب من يأسروننا عبر عدة منازل في شمال وجنوب وزيرستان. مثلما فعلت داخل كل مكان جديد كنا نفد إليه، قمت بكنس الأرضية وجمع القمامة لخلق شعور بالنظام. أثناء ذلك، عثرت على حبل قطر السيارات بجانب بعض الأغراض القديمة وزيت محركات. وراودني اعتقاد بأن هذا الاكتشاف كان بمثابة أول ضربة حظ تصادفني خلال فترة الأسر الممتدة لسبعة شهور. اعتقادا منا بإمكانية استخدام الحبل في الهروب، أخفيته تحت مجموعة من الملابس القديمة. خلال الأيام التالية، عمدت إلى التفكير في شتى السبل التي يمكننا الهرب من خلالها. عندما سمح لنا الحراس بالجلوس على الأرض معهم أول الليل، لاحظت أن المكان محاط بسور يبلغ ارتفاعه خمسة أقدام. وإذا تمكننا من الارتفاع إلى قمته، رأيت أنه ربما نتمكن من استخدام الحبل في النزول إلى الشارع. في الوقت ذاته، أجرى طاهر مسحا للمنطقة المحيطة بالمنزل عندما اصطحبه الحراس لشراء طعام ومشاهدة مباريات كريكيت مرة أو مرتين أسبوعيا. خلص طاهر إلى أن المنزل أقرب إلى القاعدة الرئيسة للميليشيا الباكستانية داخل ميرام شاه عن أي منزل آخر جرى احتجازنا بداخله. حرصت وطاهر على جعل محادثاتنا حول الفرار موجزة، خوفا من تنصت الحراس أو أسد علينا. مساء 19 يونيو (حزيران)، عادت الكهرباء إلى ميرام شاه للمرة الأولى منذ تسبب اندلاع أعمال قتال في الجوار إلى قطع خطوط إمدادات الكهرباء منذ أسبوع سابق. شكل ذلك تطورا ينبئ بحظ جيد، حيث كان من شأن عودة الكهرباء عمل جهاز تبريد الهواء العتيق ومروحة السقف، ما ساعد في التغطية على الضوضاء الصادرة عنا أثناء عملية الهرب. كان يساورنا الغضب بالفعل إزاء الأكاذيب الجديدة التي أخبرنا بها الحراس صباح ذلك اليوم حول المفاوضات. وعليه، اتفقنا على الهرب تلك الليلة. وعمد طاهر على الإبقاء على الحراس مستيقظين حتى وقت متأخر من الليل من خلال لعب النرد، ذلك أنهم إذا كانوا مجهدين، سيغطون في النوم بعمق أكبر. وحددنا بالفعل خطط تسلقنا السور. لكن للأسف اختلفنا حول ما ينبغي فعله بعد ذلك. قال طاهر إن رجال الميليشيات الباكستانية الذين يتولون حراسة القاعدة سيطلقون النار علينا إذا ما حاولنا الاقتراب منهم ليلا. وقال إنه ينبغي علينا الانتقال لمسافة 15 ميلا حتى نصل إلى الحدود الأفغانية. وأجبته بأنه من المستحيل أن نقطع كل هذه المسافة دون أن يتم إلقاء القبض علينا. ورأيت أن التوجه إلى القاعدة الباكستانية ينبغي علينا خوضه. وأخبرته أنه إذا سلمنا أنفسنا إلى ضابط بالجيش سيتمكن من حمايتنا. مع استمرارنا في الجدال، عاد الحراس في الغرفة، واضطررت أنا وطاهر إلى التوقف عن الحديث. على امتداد باقي المساء، لم نجلس بمفردنا قط ثانية. وبذلك، لم يعد لدينا خطة للنهاية. بالفعل، تمكن طاهر من الإبقاء على الحراس مستيقظين لوقت متأخر من الليل مثلما اتفقنا. في حوالي الساعة 11، كان الجميع نائمين. بقيت مستيقظا، محاولا الإنصات إلى أصوات الحراس وهم يتنفسون للتعرف على ما إذا كانوا قد غطوا في النوم. ظللت أحدق في الظلام لكن لم أر أي اختلاف عند إغلاق عيني أو فتحهما. بدا الأمر كما لو كنت كفيفا. وكنت أتحول بنظري في بعض الأحيان إلى الضوء الصادر عن جهاز التبريد العتيق الذي يصدر لونا برتقاليا للتأكد من أنني ما زلت قادرا على الرؤية. بعد أن سيطر علي القلق، حاولت بث الطمأنينة في نفسي من خلال الصلاة. في فبراير (شباط)، أخبرني أحد قادة «طالبان» ممن كانوا يلحون علي كي أعتنق الإسلام أنه إذا قلت «اغفر لي يا الله» 1.000 مرة يوميا سينتهي أسري. وقد فعلت تماما كما اقترح علي، دون جدوى. لكنني لم أعبأ بذلك. لقد ساعدتني الصلاة على تهدئة أعصابي وقتل الوقت. كل يوم، كنت أحدق في السقف وأقول «اغفر لي يا الله» 1.000 مرة بينما كان الحراس نائمين. وحسابا على أصابع يدي، استغرق الأمر قرابة 60 دقيقة كي أصل للعدد 1.000. في تلك الليلة، كنت في انتظار التأكد من أن الحراس غطوا في النوم، وسألت الله المغفرة 2.000 مرة. في الحقيقة، كنت أتوقع فشل محاولة الفرار سريعا. كنت أظن أحد الحراس سيستيقظ بمجرد محاولتي مغادرة الغرفة. كنت سأقول حينها أني متجه إلى المرحاض، وسأسير إلى دورة المياه بالفعل وأعود إلى النوم بعد بضع دقائق. وكنت سأشعر بشعور أفضل الصباح التالي لمجرد محاولتي الهرب. بيد أن الأمر الذي أثار دهشتي أنه بدلا من ذلك، نجحت خطتنا. وبعد أن تمكنت وطاهر من الوصول إلى الفناء، حصلنا على الحبل وصعدنا سلالم مؤدية إلى السطح.

ربط طاهر الحبل إلى السور المحيط بالسطح. وتسلق إلى أعلى السور ونظر إلى الشارع وهمس إلي قائلا:«الحبل قصير للغاية». وعليه، قمت بتعديل مكان العقدة في الحبل لمنحه مزيدا من الطول، ونظرت إلى أسفل نحو الشارع فوجدت أنه رغم عدم وصول الحبل إلى الشارع، فإنه كان على مسافة قريبة منه. أدرت عيني باتجاه السلالم خوفا من أن يظهر أحد الحراس في أي لحظة. وكررت قولي إلى طاهر بأننا «لسنا مضطرين إلى الذهاب. الأمر يعود إليك».

انكفأت على الأرض بيدي وقدمي بينما صعد طاهر على ظهري ورفع نفسه فوق السور. سمعت صوت ملابسه تحتك بالطوب. وعندما رفعت رأسي لأعلى أدركت أنه رحل. أمسكت الصندل الذي كان يرتديه وتركه وراءه وأخفيته تحت طيات ملابسي. وتسلقت السور، وتطلعت بنظري نحو الشارع فرأيت طاهر يسير بقديمه العاريتين، فنزلت وهرولت خلفه. للمرة الأولى منذ سبعة شهور سرت بحرية في شارع. عندما أدرت رأسي باتجاه المنزل الذي كنا محتجزين به، لم أر أي حراس يخرجون من المنزل والذي بدا من الخارج أصغر مما كنت أتوقع. سرنا عبر زقاق ضيق قذر تحيط به حوائط مصنوعة من الطوب اللبن. تدلت من فوق رؤوسنا بعض أسلاك الكهرباء، وبدا المكان برمته حيا سكنيا مرتفع الكثافة السكانية. تحولنا إلى مجرى نهر جاف ثم اتجهنا يمينا. ومضيت في السير على أحجار كبيرة تغطيها الرمال. وتمكنت من اللحاق بطاهر وناولته صندله. وقال وهو يرتدي الصندل: «كاحلي يؤلمني بشدة. لا يمكنني المضي أكثر». غطت بقعة كبيرة داكنة الجزء الأسفل من ساقه اليسرى، وساورني القلق من أنه ربما تعرض لإصابة أثناء هبوطه من على السور. في الوقت ذاته، شعرت بألم بالغ في يدي اليمنى. ولاحظت أن الحبل ترك أثرا غائرا في اثنين من أصابعي. وسألت طاهر بمجرد وصولنا إلى مجرى النهر الجاف: «إلى أين نتجه؟»، وخشيت من أن يسمعنا أحد. أجاب طاهر:«هناك قاعدة تتبع الميليشيا هناك»، مشيرا باتجاه اليسار. وأضاف:«لا أثق بهم». ولم أكن أنا أيضا واثقا بهم. في وقت سابق، كان طاهر قد أخبرني أنه كانت هناك نقطة تفتيش تخص ميليشيا تتبع الحكومة الباكستانية بالقرب من المنزل. لكن رأيت أن التوجه هناك سينطوي على مخاطرة كبيرة. وعليه، احتفظت بوجهة نظري أن أفضل فرصة أمامنا أن نسلم أنفسنا إلى ضابط عسكري في القاعدة الباكستانية في ميرام شاه. قلت:«يجب أن نذهب للقاعدة العسكرية الأساسية».

فقال طاهر وهو مستمر في هبوط مجرى النهر:«مستحيل» مضيفا:«لقد قال الحراس إن العرب والشيشان يراقبون البوابة الرئيسية على مدار الـ 24 ساعة في اليوم».

كان طاهر يعتقد أن طالبان يمكن أن تعاود اختطافنا قبل أن نصل إلى القاعدة العسكرية. وكنت قد بدأت أشعر بالرعب فقد تمكنا من القفز عبر الحائط ولكننا لا نعرف إلى أين نتجه.

وبالرغم من إصابة كاحله، كان طاهر مصمما على أن يسير 15 ميل حتى الحدود الأفغانية. وأثناء السير كنا نتجادل حول الاتجاه الذي يجب علينا أن نسلكه.

وقلت لطاهر:«يجب أن نذهب إلى القاعدة الباكستانية».

لم يجب طاهر واستمر في السير بخطى واسعة، وبدأت الكلاب تنبح من أحد المعسكرات المحصنة على يميننا. فقلت:«لن نستطيع الوصول إلى الحدود. يجب أن نصل إلى القاعدة».

استمر طاهر في السير ولكنه اشتكى من كاحله بعد عدة دقائق قائلا:«أشعر بألم شديد».

توقفنا ورفعت بنطاله. لم تكن ربلة ساقه مجروحة وكانت البقعة الداكنة على البنطال مجرد بقعة من خندق البالوعات الذي رقدنا فيه خارج المعسكر. قال طاهر وقد غير رأيه:«هناك بوابة أخرى. هيا بنا».

انتظرت أن يظهر مقاتلو طالبان من الظلام ولكن لم يحدث أي من هذا. وقد طلب مني طاهر أن أغطي رأسي بوشاح كنت أحمله. قائلا:«إذا ما أوقفنا أي أحد فسيكون اسمك أكبر واسمي تيمور شاه. وتصرف كمسلم».

كان إحساسي بالوقت قد أصبح غير دقيق ولكن يبدو أننا كنا نمشي في الظلام لمدة تتراوح بين 5 إلى 10 دقائق. لم أكن أشعر بالحرية. بل كنت أشعر بالخوف. وكنت أخشى أن نقع في أيدي مجموعة مسلحة أكثر وحشية.

تركنا قاع النهر وكنا نسير عبر أزقة ضيقة بين المعسكرات لمسافة 50 ياردة، ثم وصلنا إلى طريق ممهد من حارتين.

همس إلي طاهر:«هذا هو الطريق الرئيسي في ميرام شاه».

كانت على يسارنا مساحة شاغرة، وكان على يميننا محطة بنزين بها أربع مضخات وعدة محال. وكانت المصابيح الكهربائية ضعيفة الإضاءة تتدلى بالخارج وتضيء المنطقة. تساءلت بيني وبين نفسي لماذا يقودنا طاهر إلى وسط الطريق حيث يسهل رصدنا.

فجأة سمعت صياحا على يساري وسمعت أحدهم يحشو بندقية الكلاشينكوف. رفع طاهر يده وقال شيئا بلغة الباشتو. ثم سمعت رجلا يلقي بالأوامر بلغة الباشتو بصوت عال. رفعت يدي وكان قلبي يخفق بشدة. فقد أعادت طالبان اعتقالنا. وفي الإضاءة الخافتة، رأيت شخصا يحمل كلاشينكوف ويقف على سقف بناء مهدم من طابق واحد. وإلى جانب البناء كان يوجد مسجد حديث الطلاء. وأمام المسجد والبناء كان يوجد فناء ترابي وسلك شائك.

قال طاهر:«إذا تحركت سوف يطلقون الرصاص علينا».

ثم قال طاهر كلمات استطعت تصديقها بصعوبة.

«هذه هي القاعدة العسكرية».

لقد استطعنا الوصول إلى الباكستانيين.

رفعت يدي عاليا في الهواء ولم أجرؤ على أن أتحرك قيد أنملة. فيمكن أن يردينا حارس باكستاني متوتر قتلى أثناء وقوفنا في الطريق.

وكنت أبدو بلحيتي الطويلة والوشاح والملابس التي أرتديها كانتحاري أجنبي وليس كصحافي أجنبي.

ثم جاء صوت آخر من خارج المبنى. وبدا وكأن الحارس يحاول إيقاظ رفاقه. ثم ظهر شخص أو شخصان آخران على السقف ووجهوا المزيد من فوهات البنادق إلى رؤوسنا.

وكان الحارس الباكستاني يتحدث من وقت لآخر مع طاهر من فوق السطح بلغة الباشتو. وسمعت طاهر ينطق بكلمات مثل «صحافي»، «أفغاني»، و«أميركي».

كانت يداي تؤلماني بشدة وكنت أحاول جاهدا أن أتنفس بهدوء. وكنت أبذل محاولات يائسة كي لا أحرك يداي.

قلت لطاهر وأنا أفكر في أن الحراس الباكستانيين ربما تكون لديهم مخاوف من أن نكون انتحاريين نرتدي صدريات محملة بالمتفجرات: «أخبرهم أننا سوف نخلع قمصاننا».

قال طاهر شيئا ما بلغة الباشتو فأجاب عليه الرجال.

ثم قال طاهر: «اخلع قميصك»، وقد فعلت ذلك على الفور.

ثم تحدث الحراس مرة أخرى.

ثم قال طاهر:«إنه يسأل إذا كنت أميركيا».

فقلت بالإنجليزية:«أنا صحافي أميركي». وقد فوجئت بوقع صوتي في الهواء الطلق. ثم أضفت:«من فضلكم ساعدونا. من فضلكم ساعدونا».

وظللت أتحدث، متمنيا أن يدركوا أن الإنجليزية هي لغتي الأصلية. فقلت:«لقد اختطفتنا طالبان قبل سبعة أشهر، خارج كابول وتم اقتيادنا إلى هنا».

ثم قلت:«هل تتحدثون الإنجليزية؟» متمنيا أن يفهمني أحد الحراس الباكستانيين الذين يقفون على السطح.«هل تتحدثون الإنجليزية؟».

قال الحارس شيئا ما لطاهر.

ثم قال طاهر:«إنهم يتكلمون إلى قائدهم على اللاسلكي. فهم يطلبون تصريحا بدخولنا».

وقد توسل طاهر إلى الحراس أن نخضع لحمايتهم بموجب ميثاق شرف الباشتون الذي يفرض على الباشتون أن يمنحوا الملجأ لأي غريب يطلب اللجوء. وقد توسل إليهم أن يسمحوا لنا بالدخول إلى القاعدة قبل أن تتمكن حركة طالبان من العثور علينا.

مرت دقيقتان أو ثلاث، والحراس الباكستانيون يقفون خلف أكياس الرمل على السطح. وكانت النجوم تتلألأ فوقنا في السماء الصافية المسالمة.

ولأول مرة في تلك الليلة، شعرت أننا ربما نفلح في الهروب. فالهروب – نهاية لم أتوقعها أبدا – ربما يكون هو طريقنا للخلاص. أبقيت يدي ثابتتين وانتظرت.

مر بضع دقائق، وكنت وطاهر قد بدأنا نشعر بالتوتر. فقال طاهر:«من فضلكم اسمحوا لنا بدخول المسجد. من فضلكم اسمحوا لنا بالدخول».

ولكن الحارس الباكستاني الذي يقف على السطح قال إنهم ينتظرون وصول القائد. فسأل طاهر ما الذي يجب أن يفعلوه إذا ما ظهرت حركة طالبان على الطريق. فقال لهم الحارس إننا يجب أن نختبئ خلف السد الترابي لأنهم سوف يطلقون النيران على أي شخص يقترب. ولكنهم أصروا على عدم السماح لنا بالدخول.

اشتكى لي طاهر من الألم في ذراعيه وأنه لم يعد قادرا على إبقاء يديه مرفوعتين في الهواء، ثم اشتكى كذلك من ألم الكاحل.

فقلت لطاهر مشجعا إياه على إبقاء يديه مرفوعتين:«من فضلك انتظر يا طاهر. من فضلك انتظر. لقد أصبحنا قاب قوسين أو أدنى».

طلب طاهر إذنا بالجلوس على الأرض وقد وافق الحارس الباكستاني. فجلس طاهر وهو يئن. فكان يبدو متعبا للغاية.

ثم بعد ذلك بقليل، أخبرنا الحارس الباكستاني أننا نستطيع التوجه نحو المسجد، فعبرنا الفناء المترب ويدانا مرفوعتين في الهواء. وكانت الأرض الترابية تهتز تحت أقدامنا مما جعلنا نفقد توازننا. وكنت أخشى أن يطلقوا علينا النيران إذا ما تعثرنا وسقطنا.

فقال طاهر:«استلق على الأرض. فإذا تحركت فسوف يطلقون النيران علينا».

بعد ذلك بقليل، وصل ضابط باكستاني وطلب مني طاهر أن أقف. وقف الضابط على مبعدة عدة أقدام منا وعلى الجهة الأخرى من السلك الشائك. ثم تحدث إلى طاهر بنبرة بدت لي مطمئنة.

فقال طاهر:«إنه رجل مهذب للغاية. لقد أصبحنا تحت حمايتهم. لقد أصبحنا في أمان».

وفي دقيقة واحدة، تبدلت حالتنا تماما، فقد بدأ يتلاشى ذلك الإحساس بالعجز الذي كان يراودني لمدة شهور. فقد أصبحنا على وشك العودة إلى الوطن.

شكرت الضابط بلغة الباشتو وباللغة الأردية وبالإنجليزية فقد كنت أحاول يائسا كسب ثقته. فقال الضابط بالإنجليزية:«كيف حالك؟».

فأجبت:«كيف حالك أنت؟» في محاولة لتأكيد هويتي الأميركية.

وفي تلك اللحظة، كنت وطاهر نقف على الجانب الآخر من السلك الشائك لفترة تتراوح ما بين 15 أو 20 دقيقة. وكنا لا نزال بحاجة إلى دخول القاعدة.

عرضنا أن نخلع قمصاننا وقد طلب منا الضابط أن نفعل ذلك. وكنت أرى طاهر وهو يتوجه بخطوات غير منتظمة إلى السلك الشائك وإلى القاعدة.

ثم قال طاهر:«تعال. تعال».

اتبعت طاهر إلى الداخل، ثم ربت الضابط وعدد آخر من الحراس الباكستانيين على يدي. فقلت لهم بالإنجليزية:«شكرا لك. شكرا لكم».

وقد أدهشني دماثة خلق الحراس الباكستانيين، وكنت أعرف أنه ما زال هناك احتمال أن يتم تسليمنا إلى طالبان. ولكنني كنت أستمتع بالحنو الذي يمكن أن تحصل عليه من الغرباء. فلأول مرة منذ عدة أشهر لم أكن أشعر بالعداء.

سمحوا لنا بارتداء قمصاننا، وقادونا في سيارة نقل إلى مركز القاعدة العسكرية. حدقت بطاهر ثم ربت على ظهره.، فقد كان كلانا ما زال في حالة صدمة.

ثم قلت:«شكرا. شكرا».

طلبت من طاهر أن يخبر الحراس أنني أريد أن أجري اتصالا هاتفيا بزوجتي كريستين. فكنت أحتاج أن أتواصل مع العالم الخارجي بما أننا أصبحنا في القاعدة الباكستانية. فإذا ما استطعنا إرسال أي معلومات إلى المسؤولين الأميركيين، فسيصبح من المستحيل بالنسبة للباكستانيين أن يسلمونا مرة أخرى إلى الحقانيين. وصلنا إلى مركز القاعدة وخرجت من السيارة. وكنت أرى صفا من المباني التي يتكون معظمها من المباني ذات الدور الواحد جيدة الإضاءة والتي تقع على مبعدة 50 قدما من الجانب الآخر من المرج جيد التشذيب. كان ذلك هو أول عشب أخضر أشاهده منذ سبعة أشهر. مشيت عبره مستمتعا بالسير في مكان مفتوح وبالأمان كذلك.

وقد اصطحبنا الحراس إلى مكتب نظيف حديث بداخله مكتب كبير وآرائك إلى جانب الجدران.

وبعد عدة دقائق، قدم لي القائد الباكستاني الذي يتحدث الإنجليزية بطلاقة نفسه باعتباره قائد القاعدة العسكرية، وكان يبدو وكأنه استيقظ للتو من النوم. بعدما شرحت له مسألة الاختطاف والهروب، سألته إن كنت أستطيع التحدث إلى زوجتي. فتردد في بداية الأمر ثم قال إنه سوف يحاول أن يعثر على بطاقة تليفونية تسمح بإجراء اتصالات هاتفية على مسافات بعيدة.

وخلال انتظارنا، كان طاهر يتحدث بلغة الباشتو إلى أعضاء الميليشيات في القاعدة. وقام طبيب بتنظيف الجروح الموجودة في قدم طاهر وتضميدها وكذلك الموجودة في يدي. ضحك طاهر وكان يتحدث ووجهه مشرق. لم أكن قد رأيته قط بمثل تلك السعادة. ولكن بعد عدة دقائق، انقبض وجهه. ثم قال طاهر متحدثا حول سائقنا:«دايفيد، أشعر بالأسى تجاه أسد. ما الذي فعلناه؟».

نظرت من النافذة باتجاه ميرام شاه وتساءلت إذا كان الحراس الذين اختطفونا قد استيقظوا بعد. فهم قطعا سيستشيطون غضبا عندما يستيقظون.

وقلت:«لم يكن لدينا أي اختيارات». في محاولة لتبرير تخلينا عن أسد. وتساءلت إن كان هروبنا يمكن أن يدفع خاطفينا إلى قتله. ودعوت الله أن يكون الخاطفون رحماء به.

بعد ذلك بساعة، وصل جندي ومعه بطاقة هاتف، وكتبت رقم هاتف المنزل على قطعة ورق بيضاء. ثم طلب القائد الرقم من على مكتبه وأعطاني سماعة التليفون.

* خدمة «نيويورك تايمز»