شكوك متبادلة بين إيران والغرب.. حول لعبة الوقت

مساعدون لأوباما يخشون مصيدة مفاوضات لا تنتهي.. ومتشددون في طهران يحذرون من مؤامرة

TT

قبل أن يقوم المراقبون الدوليون للمرة الأولى بزيارة مفاعل نووي في إيران كان وجوده يعتبر سرا من أسرار الدولة الإيرانية حتى وقت قريب، حذّر رئيس البرلمان الإيراني مواطنيه وحثهم على أن يكونوا واعين للجهود الأميركية التي تهدف إلى «خداع» إيران ومنعها من حقها في الوقود النووي الذي أصبح الورقة التي تستخدمها الدولة للتأكيد على نفوذها.

وفي واشنطن توجد مخاوف من أن يحدث العكس، فبعض مساعدي الرئيس أوباما يخشون من أن إيران تضع لهم مصيدة وتحاول أن تجعل من عرض الإدارة بالتواصل سلسلة من المفاوضات لا نهاية لها. وهم واعون من حقيقة أن الساعة لا تتوقف، وأنه مع استمرار المحادثات تقوم إيران بتخصيب المزيد من اليورانيوم، وهو الوقود الذي سوف تحتاج إليه إذا قررت إنتاج قنبلة نووية مثلما فعلت إسرائيل والهند قبل 30 عاما، ومن بعدهما باكستان وكوريا الشمالية.

ويكمن هذا الصراع ـ المخاوف الإيرانية من السقوط في شباك مؤامرة غربية لتحييد «احتياطها الاستراتيجي» في مقابل مخاوف الغرب من الانجذاب إلى مصيدة إيرانية تهدف إلى استهلاك الوقت لصالح برنامج سري لإنتاج قنبلة نووية ـ في قلب مجموعة معقدة من الإجراءات والإجراءات المضادة في مختلف أنحاء العالم.

وقد تفصلنا أسابيع عدة قبل الكشف عن نتائج تفتيش لمفاعل قم الذي تم الكشف عنه أخيرا. وتقول إيران إنها سوف تعطي إجابة حاسمة قبل ذلك حول ما إذا كانت سوف تمضي في صفقة تقوم بموجبها بنقل كمية كبيرة من اليورانيوم المخصب لديها إلى روسيا للمزيد من التخصيب، وبعد ذلك يعاد إلى إيران للاستخدام في مفاعل ينتج نظائر طبية.

وتتناقش القيادة الإيرانية منذ أيام حول هذه الصفقة، علما بأن المناوئين السياسيين للرئيس محمود أحمدي نجاد يقولون إنه يتعرض لعملية خداع. ومن بين هؤلاء رئيس البرلمان علي لاريجاني، وهو المفاوض الإيراني السابق الذي كان مسؤولا عن الملف النووي. ويوم السبت نقلت الصحافة الإيرانية عنه قوله إن الغرب يحاول خداع إيران وإنه قد لا يعاد إليها اليورانيوم المخصب. وقال إنه وفقا لقواعد معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية هناك دول أخرى ملزمة ببيع وقود جديد إلى إيران. وحاول الرئيس أوباما أن يتجنب هذه الاحتمالية نهاية الأسبوع الجاري من خلال مكالمات مع حلفاء ومع الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف وطلب منهم الضغط على إيران كي تتخلى عن المخزون الذي لديها.

ويشير النقاش العلني الجاري في إيران حول كيفية التعامل مع المطالب إلى أن أوباما حقق أحد الأهداف الكبرى من استراتيجية التواصل التي تبناها، وهي إخراج الخلافات داخل القيادة الإيرانية إلى حيز العلن. ومثلما قال آر نيكولاس بيرنز، الاستراتيجي البارز بوزارة الخارجية المسؤول عن الشؤون الإيرانية خلال إدارة بوش، أمام الكونغرس خلال الصيف، كان رفض الرئيس جورج دبليو بوش للتفاوض مع إيران على مدى ثمانية أعوام يعني أن الولايات المتحدة لن تجبر الملالي الحاكمين في إيران على تبرير الإجراءات التي يتخذونها أمام شعبهم الذي يعاني من العقوبات وقد يفضل أن تكون له علاقات أفضل مع العالم أكثر من البرنامج النووي.

وقال بيرنز مؤخرا: «أعتقد أنه للمرة الأولى يجد الإيرانيون أنفسهم في موقف دفاع». وربما يجد القادة الإيرانيون أنفسهم في وضعية دفاع بدرجة أكبر خلال الأسابيع المقبلة، ويبدو أنهم اضطروا إلى الكشف عن وجود مفاعل التخصيب في قم بعد أن علموا أن هيئات استخباراتية غربية اكتشفته.

وخلال مقابلات أجريت الأسبوع الماضي في فيينا بمقر الهيئة الدولة للطاقة الذرية، أوضح دبلوماسيون يستعدون لتفتيش الموقع الموجود بالقرب من قم أن الغرب سوف يصر على أكثر من مجرد زيارات إلى المفاعل الذي يوجد بالقرب من قاعدة للحرس الثوري الإيراني. ويعتقد المراقبون أن مفاعل قم هو الجزء الظاهر من سلسلة من المواقع، ويخططون لفك هذه السلسة والكشف عن المواقع السرية الأخرى حال وجود أي منها. وقال دبلوماسي أوروبي بارز، شارك كثيرا في صياغة استراتيجية لمواجهة طهران، الأسبوع الماضي: «مرات كثيرة قال فيها الإيرانيون (كشفنا عن كل شيء)، وبعد ذلك يعودون ليقولوا إن هناك المزيد والمزيد».

ويؤكد الإيرانيون أنه لا يوجد قانون يلزمهم بالإعلان عن إنشائهم لمصنع لتخصيب اليورانيوم قبل أن يبدأ ذلك المصنع فعليا بالعمل، وهي الحجة التي رفضتها وكالة الطاقة الذرية ووصفتها باعتبارها قراءة خاطئة ومتمحورة حول الذات للقوانين. وذلك ليس سوى أحد الأمثلة على حجة إيران الرئيسية، وهي أنها تلتزم بمعاهدة حظر الانتشار النووي، حيث إنها كانت دائما تخفي جهودها لأن الغرب يتآمر كي يحرمها من حقها في تطوير التكنولوجيا النووية.

ولكن المسؤولين بالبيت الأبيض على وعي تام بنقاط الضعف السياسية أو الإجرائية في التعامل مع إيران، فقد تطور برنامج إيران النووي في السنوات الأخيرة، حيث لم تكن إيران تمتلك سوى عنصر واحد من الوقود النووي عندما قامت الولايات المتحدة بغزو العراق في مارس (آذار) 2003، وفي الوقت الذي ترك فيه الرئيس بوش منصبه كان لديها من الوقود ما يكفي لصنع سلاح واحد. وهناك خلاف بين الحلفاء حول ما إذا كانت إيران قد أوقفت أو استأنفت جهودها لتصميم سلاح نووي.

ولكنّ هناك عددا في البيت الأبيض يشك في الطريقة التي سوف يتم بها سرد الأحداث إذا ما امتلكت إيران بالفعل سلاحا نوويا في عهد السيد أوباما، وهذا هو الذي جعل وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ـ التي كانت ترفض كمرشحة للرئاسية سياسة التقارب مع إيران التي طرحها أوباما ووصفتها بالساذجة ـ تحذر الأسبوع الماضي من أن «عملية التقارب لن تستمر إلى الأبد». وكانت الاستراتيجية التي تقبع خلف المفاوضات التي تمت في فيينا الأسبوع الماضي واضحة للغاية. فإذا كانت إيران حقا مهتمة بالاستخدامات السلمية للوقود النووي، فيجب أن تقبل مساعدة الغرب في استغلال مخزونها في تزويد مفاعل طهران الذي ينتج النظائر الطبية المشعة بالوقود. وإذا رفضت إيران تلك الصفقة فسيصبح من السهل إقناع روسيا والصين بالمشاركة في فرض العقوبات.

ويعتقد الكثير من الجالسين على طاولة المفاوضات أن إيران تحاول إطالة أمد المفاوضات. بالإضافة إلى أنها حتى إن قبلت الصفقة فسيكون بغرض كسب بعض الوقت، ولكنه لن يحل المأزق النووي. فإذا ما غادرت 2600 طن من اليورانيوم المخصب البلاد ـ وفقا لما تطالب الخطة به ـ فسوف تحتاج إيران إلى عام لكي تعيد إنتاج نفس الكمية. وذلك ليس بالوقت الطويل، ولكن في ظل تقديرات الاستخبارات الأميركية التي تشير إلى أن إيران تستطيع إنتاج سلاح نووي بين عامي 2010 و2015، فإن مدة عام يمكن أن تشكل فارقا. ويقول الإيرانيون إن الوقت لصالحهم في ذلك الصراع، وكلما تمكنت الحكومة الإيرانية من الحفاظ على تماسكها في مواجهة الاحتجاجات المتصاعدة، فقد يكون الوقت فعليا في صالحهم.

* خدمة «نيويورك تايمز»