أمين عام «الناتو» يطالب العرب والمسلمين بمساعدة أفغانستان ويحذر: لا يمكن تركها مجددا

أكد في حوار خاص لـ«الشرق الاوسط» أن علاقات أوثق مع العالم الإسلامي أولوية له

أمين عام حلف «الناتو» أندرس فوغ راسموسن في مكتبه في مقر الحلف ببروكسل («الشرق الأوسط»)
TT

يتجه امين عام حلف الشمال الاطلسي «الناتو» اندرس فوغ راسموسن يوم غد الى ابوظبي في اول زيارة له الى الخليج منذ توليه منصبه في اغسطس (اب) الماضي. وزيارة راسموسن الى الامارات وعقده مؤتمر حول علاقة الحلف بدول الخليج، التي تحددها اتفاقية «مبادرة اسطنبول للتعاون»، تأتي ضمن جهود راسموسن لتقوية العلاقات مع الشرق الاوسط والعالم العربي. ومن خلال «مبادرة اسطنبول للتعاون» و«مباردة حوار المتوسط» التي تربط دول غير خليجية بشراكة مع الناتو يسعى الامين العام لتقوية العلاقات مع الدول الاسلامية التي قال راسموسن انها من بين اولوياته. وفي حوار خاص لـ«الشرق الاوسط» عشية توجهه من بروكسل للامارات، شدد راسموسن على المصالح المشتركة للدول العربية مع «الناتو»، وخاصة في ما يخص التطورات في افغانستان، داعيا الى مساهمة من دول اسلامية والعربية فيها، اما من ناحية المساهمة العسكرية او المالية. وحرص راسموسن على توضيح اهمية عدم النظر الى العمليات العسكرية في افغانستان على انها «حرب دينية»، بل حرب ضد التطرف والارهاب. ويأتي راسموسن الى «الناتو» بمهمة خاصة حددتها قمة قادة الناتو الاخيرة له في ابريل (نيسان) الماضي، وهي مراجعة شاملة لاهداف الحلف الذي احتفل اخيرا بعيده الـ60 ضمن «مفهوم استراتيجي» جديد. ويعتبر راسموسن ان هذه المهمة هي الاساسية له في منصبه الجديد. وفي ما يلي نص الحوار:

* نلتقي قبل توجهكم إلى أبوظبي فأردت أن أسألكم أولا عن المؤتمر الذي تعقدونه هناك يوم الخميس وأهمية التعاون مع العالم العربي من خلال مبادرة اسطنبول للتعاون وحوار المتوسط.

- أتطلع كثيرا لزيارة المنطقة بموقعي الجديد كأمين عام الناتو إذ جعلت من أولوياتي تطوير شراكاتنا مع الدول الأعضاء في مبادرة اسطنبول للتعاون وأيضاً الدول التابعة لحوار المتوسط. اعتبر تلك الشراكات جزءا مهما في خلق استقرار إقليمي، نحن نشترك بمصالح أمنية في عدد من المناطق، ونحن نواجه تحديات أمنية مشابهة في عدد من المناطق، (مثل) الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل والدول الفاشلة والقرصنة. ولذلك فإنه في غاية الأهمية أن يكون لدينا ليس فقط حوار بل تعاون ملموس، على سبيل المثال في تبادل المعلومات الاستخباراتية كي نطور كفاءة محاربتنا المشتركة ضد ويلات هذا الزمن. وسأوقع اتفاقية مع الإمارات العربية المتحدة خلال زيارتي للمنطقة حول تبادل المعلومات، فمن أجل تبادل المعلومات علينا أن نضع البنود الصحيحة والشروط الصحيحة وهذا فحوى الاتفاقية. ضمن مبادرة اسطنبول للتعاون، بادرنا بعدد من مشاريع التعاون والزيارات المتبادلة، وهذه الزيارات والاجتماعات عنصر مهم أيضا في شراكتنا من أجل تطوير التفاهم المتبادل ومنع أيضا سوء التصور.

* هناك الكثير من التصورات الخاطئة عن الناتو في العالم العربي، أو تصورات سيئة عنه، كيف يمكن لكم معالجة ذلك؟

- أعتقد أن حوارا مفتوحا وسيلة مهمة جدا لمنع سوء التصور. كما أنني سأقوم بكل جهدي لتقديم المهمة الأساسية والسبب وراء الناتو، ولهذا الغرض نريد أن نتواصل مع الدول الشريكة لنا في تطوير مفهومنا الاستراتيجي الجديد، وقد دعوت الدول في مبادرة اسطنبول للتعاون وأيضا ضمن مبادرة حوار المتوسط لإعطائنا أفكارا ومقترحات حول كيف يمكن لنا أن نطور مفهوم الناتو الاستراتيجي. والهدف من المفهوم الاستراتيجي هو وصف ما هو هدف الناتو، وهذه عملية شفافة جدا وشاملة نرغب في التواصل مع شركائنا فيها. وكجزء من هذه العملية، سنعقد عددا من المحاضرات وإحداها ستركز على شراكاتنا وستقام في يناير (كانون الثاني) وهذا يدل على الأهمية التي نربطها بالمزيد من التطور في علاقاتنا مع دول الخليج. ستكون لهم الفرصة لتزويد الأفكار والمقترحات لعمليتنا.

* ما هي أكبر التحديات التي يمكن للناتو والعالم العربي مواجهتها معا؟

- أرى عددا من المناطق التي نشترك فيها بمصالح، أعتقد أن الدول في مبادرة حوار المتوسط ومبادرة اسطنبول للتعاون يشاركوننا مصالحنا في جعل الأوضاع في أفغانستان مستقرة لأن أفغانستان إذا تركت مرة أخرى، تصبح مأوى للإرهاب، من السهل أن ينتشر التهديد إلى المنطقة، وهذا من دون التطرق إلى خطر زعزعة استقرار باكستان المجاورة، وهي دولة نووية. هذه من المناطق التي لدينا فيها مصالح مشتركة أساسية.

* ولكن الكثير من الدول في العالم العربي لا تعتبر حرب أفغانستان حربهم، على الرغم من تداعياتها في المنطقة، كيف يمكنكم إقناعهم بأهمية التطورات في أفغانستان؟

- أعتقد أن هناك ناحية مهمة في ذلك، وإذا أصبح من الواضح وظاهرا للجميع أن دولا بخلفية إسلامية أيضا ساهمت لعمليتنا في أفغانستان، ستكون الحقائق ظاهرة وهي أن هذه الحرب ليست حربا دينية، بل حرب ضد التطرف والإرهاب. حتى الآن، هناك دولتان ذات خلفية إسلامية تساهم في جهودنا في أفغانستان ولكن من المهم أن نشدد على أن هذه القضية بالتأكيد لا علاقة لها بالدين، بل هي معنية بحماية الشعب الأفغاني من الإرهاب والتطرف.

* هل ترون مشاركة قوات من دول إسلامية في أفغانستان، ما الدور الذي تريدون أن تلعبه الدول الإسلامية؟

- هناك عدد كبير من الاحتمالات، من المساهمة العسكرية إلى المساهمة المالية، وبشكل أخص أشير إلى أهمية دعم مهمتنا التدريبية في أفغانستان، لأن هذا هو العنوان لمهمتنا في أفغانستان، الانتقال إلى القيادة الأفغانية في المجالات كافة من الأمن إلى التنمية، نحن بحاجة إلى ملكية أفغانية أقوى. بالنسبة إلى الجانب الأمني، علينا أن نطور قدرات القوات الأمنية الأفغانية لتثقيف وتدريب قوات الجيش والشرطة الأفغانية حتى يصبح الأفغان قادرين على تولي المسؤولية القيادية لأمنهم، ومن ثم يمكننا تسليم المسؤولية محافظة تلو الأخرى للأفغان أنفسهم، هذا هو منظور واضح. ولهذا نحن بحاجة إلى مهمة تدريب قوية لتدريب رجال شرطة وجنود أفغان، ونحن بحاجة إلى مسؤولين للقيام بالتدريب ونحن أيضا بحاجة إلى الأموال لتمويل رفع عدد القوات الأفغانية. هذا هو المنظور البعيد الأمد، سنكون في أفغانستان للفترة المطلوبة، مهما يكون طولها، لإنهاء عملنا ولكن بالطبع (لن نبقى) للأبد. ستنتهي مهمتنا عندما يستطيع الأفغان تحمل المسؤولية أنفسهم، لهذا نحن بحاجة إلى زيادة جهودنا في ما يخص تدريب الأفغان.

* يبدو أن لديكم صورة واضحة حول الطريق إلى الأمام في أفغانستان ولكن نرى نقاشا مطولا في واشنطن لدى الإدارة الأميركية حول الأمر نفسه، هل تتصورون أن انتظار نتيجة ذلك النقاش الدائر يؤثر على الواقع اليومي في أفغانستان؟

- بالطبع، الولايات المتحدة هي الدولة القيادية للمهمة واكبر دولة مساهمة ولذلك من الواضح العالم بأسره ينتظر القرار الأميركي. ولكنني أيضا اعتبر انه من الطبيعي أن الرئيس والسياسيين في واشنطن بحاجة إلى وقت كاف للنقاش، لأن الأمر ليس سهلا، هناك نواح سياسية عدة في هذه القضية، وبأكبر دولة مساهمة للقوات من المهم أن تتخذ الولايات المتحدة القرار الصائب. من الأهم اتخاذ القرار الصائب بدلا من الاستعجال. لهذا إنني أتفهم الحاجة للتحليل الكثيف في واشنطن ولكن بالنسبة لي، لا يوجد شك حول الطريق إلى الأمام، وهو تأمين ملكية أفغانية أقوى، وقد تحدثت عن الجانب الأمني ولكن أيضا من المهم أيضا ملكية أفغانية أقوى في مجال التنمية المدنية. ولهذا الغرض، نحن بحاجة إلى حكومة تتمتع بمصداقية في كابل وعلينا أن نحاسب الحكومة الجديدة، بغض النظر عن نتيجة الانتخابات، وأن نتأكد أنهم سيكثفون محاربتهم للفساد وان يقدموا الحكم الرشيد واستخدام الموارد بشكل كفء وتقديم الخدمات الأساسية للشعب الأفغاني. المجتمع الدولي بحاجة إلى شريك يمكن الاعتماد عليه في كابل وأنا اعتقد أن هناك حاجة لعقد جديد بين المجتمع الدولي والحكومة الجديدة في أفغانستان، عقد جديد نوضح فيه أن هناك شرطا للالتزام الدولي في أفغانستان وهو أن الحكومة الأفغانية تقدم حكما جيدا في المعنى الواسع للمصطلح.

* هل ترغبون بمؤتمر دولي جديد حول أفغانستان لتوقيع مثل هذا العقد بين المجتمع الدولي وأفغانستان؟

- أعتقد ذلك، يمكن استخدام مؤتمر دولي كمنصة لتأسيس هذا العقد والاتفاق وتزويد المصادر المطلوبة لتنمية المجتمع الأفغاني. نحن بحاجة إلى أسلوب أوسع نركز فيه ليس فقط على الجهود العسكرية بل إعادة الإعمار المدني والتنمية بشكل أكبر بكثير. نحن بحاجة إلى ترسيخ التبادل بين الأمن العسكري والتنمية المدنية.

* عندما أعلن الرئيس الأميركي أوباما عن إستراتيجيته لأفغانستان وتعيين مندوبه لأفغانستان وباكستان ريتشارد هولبروك، أصبحت فكرة تنمية القدرات المدنية عاملا أساسيا لاستراتيجيته، فهل هذا الأمر ما زال حقيقيا أم يجب انتظار مراجعة البيت الأبيض للسياسة الحالية؟

- ببساطة لا أعتقد نحن بحاجة إلى استراتيجية جديدة، فمثل ما أشرت إليه، هذه هي الاستراتيجية الآن، أي الأسلوب الشامل والأوسع. ولكن نحن الآن بحاجة إلى التطبيق الواضح لهذه الاستراتيجية، مع عنوان الانتقال إلى القيادة الأفغانية. اعتقد هذا العامل الأساسي للأسابيع والأشهر والسنوات المقبلة، كي نتأكد من تطوير قدرات الأفغان المدنية والتنموية.

* الجميع يسأل، هل مستوى عدد القوات الأجنبية في أفغانستان بالمستوى المطلوب؟

- ما زلت أعتقد انه من المبكر اتخاذ قرارات نهائية حول عدد الجنود ولكن اعلم من الآن أننا بحاجة إلى المزيد من المصادر لمهمة التدريب التي قررنا تأسيسها. ونحن بحاجة إلى تمويل وتجهيز المهمة بشكل كامل، ومن هذه الناحية، إنني على علم بالحاجة للمزيد من المصادر.

* هل لديكم فكرة حول عدد القوات أو القيمة المالية التي تحتاجها مهمة التدريب؟

- لا، ليس بعد. نحن في مرحلة مراجعة تقييم (قائد القوات الأميركية وقوات الناتو في أفغانستان) الجنرال ماكريستال ووثيقته حول المصادر. إذن من المبكر اتخاذ قرارات نهائية، سنتخذها في مرحلة مقبلة. ولكن سررت بعد أن اتفق وزراء دفاع الدول الأعضاء في الناتو مع أسلوب مكافحة التمرد الذي يتبعه الجنرال ماكريستال. وبناء على ذلك، سنتخذ القرارات المناسبة حول المصادر.

* باكستان تشكل عنصرا أساسيا لاستقرار أفغانستان ولكن نرى تصاعد الهجمات فيها خلال الفترة الماضية، ماذا يمكن لكم القيام به في البلاد من دون وجود قوات لكم في باكستان وعدم التدخل في شؤونها الداخلية؟

- أتفق معك أن علينا أن ننظر إلى المنطقة بشكل كامل لأن الكثير من المشاكل والتحديات متداخلة وبالتأكيد لا يمكن لنا أن نحل المشاكل في أفغانستان من دون تواصل أقوى لباكستان. أولا أريد أن أشيد بالحكومة الباكستانية والجيش الباكستاني لمحاربتهم الإرهابيين في المنطقة الحدودية، إنها في غاية الأهمية. ثانيا، اقدر كثيراً تأسيس علاقة وتعاون بين باكستان وأفغانستان وقوات الايساف في إطار هيئة ثلاثية وأسسنا مراكز مراقبة حدودية في المناطق الحدودية بين أفغانستان وباكستان وسنرى المزيد من التعاون خلال السنوات المقبلة. مع ذلك، من المهم التشديد على أن المسؤولية الأولية للأمن في باكستان تقع على السلطات الباكستانية ولكن نحن على استعداد للمساعدة في حال تم الطلب منا بذلك.

* دارت الكثير من التساؤلات حول كفاءة القصف الأميركية للحدود الباكستانية ـ الأفغانية، بتقييمك هل كانت هذه وسيلة مفيدة لمواجهة التحدي الأمني هناك؟

- هذه ليست أعمالا للناتو أو سؤالا للناتو، مهمة الناتو والايساف في أفغانستان.

* لننتقل إلى العراق، لديكم مهمة تدريب ضباط عراقيين منذ سنوات. كيف تقيمون دوركم في العراق وهل ترون دورا أكبر للناتو فيه مع انسحاب القوات الأميركية؟

- أولا، دورنا هو مساعدة القوات العراقية في تطوير قدراتها وهذا أمر مماثل لما قلته حول أفغانستان، هدفنا التأكد من أن العراقيين قادرون على تولي مهمة الأمن بأنفسهم، ولهذا قمنا بمهمة التدريب في العراق وسنواصل مساعدة العراقيين طالما طلبوا ذلك. ولقد أسسنا إطارا للمزيد من التعاون مع العراق في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية بهدف مكافحة الإرهاب إذن لا أستثني مثل هذا النوع من التعاون مستقبلا. ولكن في الوقت الراهن، نحن نركز على مهمة التدريب.

* أريد أن أسالك عن قضية أزمة الكاريكاتيرات المسيئة التي نشرت في الدنمارك خلال توليك رئاسة الحكومة والضجة التي أثيرت، هل تؤثر على علاقاتك الآن مع دول إسلامية في منصبك الجديد؟

- حول قضية الكاريكاتير المحددة، اعتبرها أمرا في الماضي، أتطلع الآن إلى الأمام. لكنني أريد أن اشدد على أن لدي شخصيا أعمق احترام لمشاعر الناس الدينية وإنني مؤمن قوي بحوار مفتوح بين الأديان والثقافات بهدف تحسين التفاهم ما بين الأديان والثقافات بناء على الاحترام المتبادل، هذا موقع انطلاقي. كأمين عام جديد لـ«الناتو»، جعلت من أولوياتي تقوية الشراكات بين الناتو وعدد من الدول الإسلامية في إطار مبادرة اسطنبول للتعاون ومبادرة حوار المتوسط. أولوياتي واضحة، التقيت بسفراء كل تلك الدول للتناول معهم كيف يمكننا دفع شراكاتنا إلى الأمام وكانت لدي اجتماعات مفيدة جداً معهم، فأعتقد أن لدي منصة مثالية للسعي وراء هدفي لعلاقة قوية بين الناتو والدول الإسلامية.

* لقد توليت هذا المنصب قبل أشهر قليلة، كيف ترى دورك كأمين عام؟

- نيتي أن أجعل الناتو عصرية وان أتأكد من أن الناتو تتأقلم مع التحديات الأمنية للقرن الـ21. الناتو قصة نجاح، خلال 60 عاما لقد زودنا الأمن والاستقرار لأوروبا وأميركا الشمالية. اليوم نواجه تحديات جديدة مثل الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل والقرصنة والمخاطر من الدول الفاشلة، فهناك حاجة قوية لمنظمة عبر المتوسط في عالمنا اليوم. ولكن كي نواجه هذه التهديدات، علينا الانتقال والإصلاح وتطوير الناتو هذا سيحدث في الإطار الاستراتيجي الجديد وقمة الناتو الأخيرة في ستراسبورغ كلفتني بذلك العمل. باختصار، هكذا أرى دوري الجديد.