موسى: خلاف فتح وحماس من «أسخف» ما تعرض له الشعب الفلسطيني

قال لـ«الشرق الأوسط»: سأوصي بعقد أو عدم عقد القمة الاقتصادية العربية الثانية في ضوء عدم تنفيذ القرارات

عمرو موسى (تصوير: حاتم عويضة)
TT

زيارة عمرو موسى، أمين عام الجامعة العربية، إلى العاصمة البريطانية، لندن، زادت قليلا على 24 ساعة، وكان جزء كبير منها للتواصل مع الجاليات والفعاليات العربية في بريطانيا. فقد التقى موسى فيها ممثلي جمعيات عربية بريطانية تتلمس طريقا لتكون فاعلة سياسيا في المجتمع البريطاني، وكان متحدثا رئيسيا في المنتدى الاقتصادي العربي البريطاني الذي افتتح أمس، وذهب بعدها إلى لقاء في مجلس اللوردات في إطار جهد تبذله الجامعة العربية للتواصل مع الجاليات العربية في الخارج. وفي لقاء لـ«الشرق الأوسط»، أجرته معه بعد لقاء استضافته السفارة المصرية بينه وبين ممثلي جمعيات للعرب البريطانيين لم يخرج عن عادته التي أعطت حيوية لمنصب أمين الجامعة العربية في طرح أفكاره بلغة صريحة مغلفة بالدبلوماسية، اشتهر بها، تغضب البعض وترضي آخرين، لكنها في النهاية تحدث دوائر من الجدل المفيد.

من لقائه مع ممثلي الجمعيات العربية وما طرح فيه حول دعمها، ورؤيته في أن هذه الجمعيات يجب أن تعتمد على نفسها أولا، والحاجة إلى السماح بتغيير الوجوه، حتى يكون نجاحها حقيقيا انطلق حوار «الشرق الأوسط» معه حول اهتمام الجامعة حاليا بالجاليات وتشكيل لوبيات عربية في الخارج أكد عمرو موسى، في موضوع الجاليات العربية في الخارج ، أن الجامعة تعمل في هذا الموضوع بنشاط في الولايات المتحدة، وكذلك في أوروبا، وسيكون هناك مؤتمر للجاليات العربية في الخارج في الشهور الأولى من العام القادم.

قال: «سنبدأ في الشهرين القادمين في الاجتماعات التمهيدية، لذلك دعوت المجموعة هذه (التي التقاها مساء الأحد في لندن) وسنبعث إلى الجميع، ورئيس مكتب الجامعة العربية هنا مكلف بأن يجمع هذه الجاليات بزعمائها ورؤساء مجالس إداراتها.. هناك حركة، ليس هناك جدال في ذلك». ويكمل موسى بطرح سؤال «هل هي تكفي لإقامة لوبي عربي في الخارج؟» ويجيب: «لا.. أنا أقول إنها لا تكفي حتى الآن، ولكن الجامعة العربية بدأت حركة مع الجاليات، وأصبح هناك تفاعل بيننا وبين الجاليات في الخارج سواء في أوروبا أو أميركا، وتندهش أن كثيرين منهم عندما يأتون إلى الشرق الأوسط لا بد أن يأتوا إلى الجامعة العربية.. هناك روح جديدة، لكن أنا أقول إنها غير كافية لأمور كثيرة، منها أن نحن في البداية، وإن كنا قطعنا أشواطا في بلدان دون بلدان فقطعنا شوطا في أميركا وبدأنا في أوروبا، وسنبدأ في أفريقيا.. ونسعى إلى أستراليا وكندا، وهذه لها تبعات كبيرة جدا». وحول موعد عقد مؤتمر الجاليات العربية في الخارج قال إنه سيكون قبل القمة العربية المقبلة.

ومن القمة العربية العادية ذهب الحوار إلى القمة الاقتصادية العربية ـ العربية الأولى التي عقدت في الكويت في بداية العام، وماذا تحقق منها قبل القمة الثانية. قال: «هناك قرارات بدأ تنفيذها بطريقة جيدة، وهناك قرارات لم تنفذ، وأنا عند منعطف زمني معين سأعطي توصيتي بعقد أو عدم عقد القمة المقبلة.. إذا لم يتم تنفيذ معظم قرارات الاجتماع الأول الذي عقد في الكويت».. وشرح فكرته بصراحة قائلا: «المسألة ليست مسألة عقد قمة في حد ذاتها.. المسألة عند منعطف زمني معين سوف يخرج الأمين العام بالتوصية بعقد المؤتمر الثاني في موعده أو تأجيله أو عدم عقده على الإطلاق، وسيكون السبب عدم التنفيذ، وسأقدم تقريرا إلى كل العرب معلنا عن حالة التنفيذ»، وفي رأيه أنه لا يوجد إحراج في ذلك لأحد، فالإحراج هو في عدم التنفيذ.

القرارات التي لم تنفذ حددها موسى في: «قرار مهم جدا لأمير الكويت بإقامة صندوق لدعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة برأسمال 2 مليار دولار، والتزم بـ500 مليون، يعني ربع المبلغ، ولم تأت مبالغ أخرى».

وسط الحديث تلقى موسى مكالمة هاتفية لدقائق قال بعدها بارتياح: «هناك خبر جديد.. ينتظر أن تعقد الجمعية العامة للأمم المتحدة دورة خاصة يوم 4 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل للنظر في توصيات تقرير غولدستون حول حرب غزة وموضوع القدس انتظارا لخطوة تالية لعرضها على مجلس الأمن».

رد موسى على سؤال حول الجدل الذي أثير بعد إقرار تقرير غولدستون في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة من أنه جرى تعديله بالنفي قائلا: «التقرير جيد جدا، أقر على ما هو عليه، والمسألة هي في طريقة تعامل المجلس مع توصيات التقرير، والمفترض أن يذهب الآن إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبعدها إلى مجلس الأمن، وبالطبع في المجلس، فإن الهدف هو محاولة عرض الأمر على المحكمة الجنائية الدولية.. وذلك على أساس خطوة.. وراء خطوة».

عن إدانة التقرير لكل من إسرائيل وحماس بارتكاب جرائم حرب استخدم الكلمة المصرية بالعامية «معلهش» قبل أن يقول: «إن التقرير في 95% يلوم إسرائيل، وفي نهاية الأمر فإن حماس منظمة غير ملتزمة بالقوانين، ونحاول أن نلزمها بالقوانين، بينما إسرائيل دولة، وهي غير ملتزمة بشكل سياسي، أي أن هناك قرارا سياديا بعدم الالتزام بالقوانين».

حول تصريحه، حاد اللهجة، بعد طلب السلطة الفلسطينية في البداية تأجيل نظر تقرير غولدستون اعتبر أن الموضوع انتهى وحدث تراجع عن هذا الموقف وأقر التقرير.

عن تداعيات هذا الموقف والمصالحة الفلسطينية التي تأجلت بعد ملابسات تقرير غولدستون، وهل يعتبر أن هذا هو السبب الحقيقي، أم أن السبب يكمن في أنها مصالحة بين طرفين (فتح وحماس) من الصعب أن يتصالحا، أبدى استغرابا قائلا: «أستغرب.. لماذا من الصعب أن يتصالحا؟!».. طرفان مختلفان آيديولوجيًا؟ قال: «الاختلاف معناه أنك في بلد له سيادة، لكن دولة فلسطين نفسها لم تقم، والقضية لم تحل، وبدلا من الاتحاد للحصول على سيادة بلدهم نجد هذا يميني وهذا يساري وهذا له آيديولوجية مختلفة عن الآخر.. هذه مسألة غير مقنعة بالنسبة لنا وأغلبية العالم العربي، والعالم غير مقتنع ويرى أن المسألة من أسخف ما حدث للشعب الفلسطيني في نضاله كله». وقال إنه يستخدم تعبير «أسخف» عن قصد.

حول الحديث عن تدخلات خارجية وأجندات إقليمية تفسد المصالحة الفلسطينية، وأن حماس قرارها ليس معها قال: «لا أريد أن أدخل في هذا الكلام، أنا أريد الاثنين (حماس وفتح) أن يتحملا المسؤولية في خراب الموقف الفلسطيني، طالما أنهما متعاركان ومتخاصمان.. طالما أنهما متعاديان. وأكد أن الطرفين مسؤولان، ويجب أن يوقعا سريعا على المصالحة، لأن القضية الفلسطينية لا تحتمل مثل هذا الكلام».. الذي وصفه بـ«الدلع الفارغ».

ولأمين عام الجامعة العربية رؤية طرحها أكثر من مرة وآخرها في لقائه مع ممثلي الجمعيات العربية البريطانية، وهو ما عاد وأكده في الحوار مشددا: «نعم ليس هناك عملية سلام، ولكن هناك جهود لإحياء عملية السلام». وقال: «هناك نوع من عدم الرضا على الوضع العام لتحريك قضية فلسطين»، وأشار إلى جهود الإدارة الأميركية الحالية مؤكدا: «ما زلنا نعتقد أن الرئيس أوباما أعلن نية طيبة ويجب أن نساعده وهو يساعدنا في الوقت نفسه، لكن لا يصح أن يكون ضمن عناصر المساعدة تنازلات مجانية لإسرائيل، نحن على استعداد، ويجب أن نكون على استعداد، لدعم الرئيس أوباما لإحياء عملية السلام بشروط واضحة مفهومة.. إنما هذا الاستعداد لا يصح أن يكون من عناصره تنازلات مجانية إلى إسرائيل لأنها لا تستحق ذلك، ونحن عملنا الكثير من الخطوات وأهمها المبادرة العربية للسلام، ولم نقابل بشيء، لذلك يجب أن يقفل باب التنازلات المجانية لإسرائيل».

حول المبادرة العربية للسلام وما يطرح من الجانب المقابل من أن فيها شعارات عامة ولكن ليس بها تفاصيل.. قال: «لا، لا.. ليست شعارات عامة بها خطوط عامة تطرح طريقة للتعامل مع اللاجئين والقدس والأراضي المحتلة والمستوطنات إلى آخره، والالتزام بالاعتراف والتطبيع في مقابل كذا وكذا وكذا».

ويؤكد موسى أن الدول العربية مستعدة لمساعدة جهود إدارة أوباما، لكن في مقابل خطوات رئيسية واضحة. وشدد على ضرورة الوقف الدائم للاستيطان في القدس والأراضي المحتلة في الضفة الغربية، وأن يكون ذلك تحت رقابة دولية ومتابعة.. و«عندما يحدث هذا ويأتينا من الإدارة الأميركية أن ذلك ممكن سنجتمع ونرى ماذا نستطيع أن نفعل.. نحن أصحاب المبادرة العربية. ولكن، أن يطلب منا شيء مجانا من دون مقابل، فأنا آسف، خصوصا في ضوء التجارب السابقة مع إسرائيل».

ورفض موسى بشدة وجهة النظر التي تطرح المضي في التفاوض على حل وخريطة نهائية من دون وضع قضية الاستيطان كعقبة في الوسط، على اعتبار أن هذه المستوطنات لو جاءت ضمن الخريطة ستؤخذ في النهاية، مثل مصر عندما كانت تتفاوض على استعادة كل سيناء. وشرح موسى ذلك قائلا: «هذا شيء.. وهذا شيء، مصر كان فيها مستوطنة واحدة اسمها ياميت، وعلى الأطراف في نهاية سيناء وأزيلت.. لكن عندما يكون هناك مئات الألوف من المستوطنين وترى الخريطة مليئة بالثقوب مثل شخص لديه حصبة.. نقاط حمراء ومستمرة.. يعني لا فائدة في دولة فلسطين، ثم تقول لنتفاوض؟، هل من الممكن أن تتفاوض اليوم على خريطة ثم تأتي بعد أسبوع للتفاوض على خريطة أخرى لأنهم غيروا وأزالوا قرى ووضعوا قرى جديدة.. إذا كنت تتفاوض لإقامة دولة فلسطينية لماذا تبني اليوم وغدا.. إذا كنت جادا لا تبني.. عندما يقال إن ذلك سيحل عندما نتفق على الحدود إذا كان الأميركيون لم ينجحوا في جلب 9 شهور تجميد (الاستيطان)، فهل سيأتون بالحدود في 9 شهور.. وبعدما ننتهي من هذه الحدود يقولون هذا أمر واقع (المستوطنات) وبوش، سابقا، أرسل خطابا إلى شارون يعترف فيه بالأمر الواقع في 14 أبريل (نيسان) 2004. الصحيح إذا كان هناك واحد يريد أن يفاوض بدقة وبأمانة وبموضوعية، فهو لا يفاوض والمستوطنات تبنى».

ويرد موسى على سؤال عما إذا كان يعتقد بإمكانية الوصول إلى حل نهائي في هذا الجيل قائلا: «قد لا يكون.. لكن لا تعطي مشروعية لأي وضع غير دولة فلسطينية.. لا تعطي مشروعية لا للاستيطان ولا للاحتلال، ولا تستسلم.. طبعا من الأفضل أن تصل إلى شيء عادل.. لكن إلى شيء معوج على حساب العرب والفلسطينيين لماذا. ما الذي يجعلنا نفعل ذلك؟ إذا سلمت القضية الفلسطينية لن يكون هناك سلام ولا استقرار، والعكس هو الصحيح، الناس والرأي العام المتعلق بموضوع فلسطين، ولن يقول أحد الحمد لله خلصنا منها. مجموعة موظفين قد يقولون هذا الكلام، ولكن الشعب لن يقول هذا أبدا».

في موضوع آخر وهو الحساسية التي أصبحت غير خافية، والتي يشعر بها البعض تجاه الجامعة العربية ودورها وتفضيل الحلول الدولية، مثلما حدث في الخلاف الأخير بين العراق وسورية، حينما رفض التعريب قال: «الجامعة اشتغلت في العراق أكثر من أي طرف.. والمؤتمر الوحيد الذي جمع كل الناس الموجودين على الساحة السياسية الآن كان في القاهرة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2005، حيث عقد مؤتمر المصالحة، وقلنا من دون مصالحة لن يكون هناك عراق. وخربت أصابع أجنبية ذلك، لماذا؟ لأنهم لا يريدون حل المشكلة العراقية بأيد عربية، ونحن الآن نتعاون مع العراق علاقتنا جيدة بهم.. في السودان كنا أكثر منظمة دولية وإقليمية عملت من الدقيقة الأولى.. بالنسبة إلى فلسطين الحد الأدنى رسمته الجامعة العربية».

بالنسبة إلى قضية دارفور وما أثير حول انحياز الجامعة إلى طرف ضد طرف قال: «هذا كلام في بدايات مشكلة دارفور وكان الهدف إثارة العرب والأفارقة ضد بعضهم، ونجحنا في وأد المشروع من الشهور الأولى، وساعدنا في ذلك رئيس جمهورية نيجيريا، أوباسنغو، الذي نكن له كل احترام، وكان وقتها رئيسا للاتحاد الأفريقي، وقضينا على هذه النقطة قضاء مبرما.. وقد انخفضت درجة التوتر حاليا بشكل ملحوظ في دارفور، ولم يعد هناك سوى عصابات (بلطجية) وقطاع طرق، لكن لا قتال بين قبائل، والمباحثات التي تتم في الدوحة مهمة وستستمر. المباحثات مع تشاد مستمرة ونحن نعمل فيها». وأكد أن هناك ضوءا في نهاية النفق في ما يتعلق بدارفور بدأ بتغيير السياسة الأميركية هناك مع إدارة أوباما.

وتطرق إلى قضية جنوب السودان قائلا: «هناك استحقاقات كبيرة نيابية ورئاسية فيها مشكلات كثيرة»، مشيرا إلى لقائه، قبل وصوله لندن، في القاهرة مع سلفاكير، نائب الرئيس السوداني، وعدد المشكلات في قضايا التعدي، وتوحيد الجيش، مؤكدا أنه ممكن التغلب عليها، ولا بد من إنهاء مشكلة دارفور بسرعة للتغلب عليها. وبدا موسى متفائلا في قضية جنوب السودان، مؤكدا أنه لا يرى أن الانفصال مسالة محسومة.

وحول زيارته الأخيرة إلى اليمن والحساسية في مسألة سيادة الدولة تجاه التدخل في نزاعات داخلية من قبل الجامعة العربية، شدد على أن مسألة السيادة تحترم، ويجب يجب أن تحترم، وهناك وحدة يمنية يجب الحفاظ عليها، مستطردا: «نريد أن نساعد في مسألة الاستقرار، لذلك فإن أفضل شيء هو حوار وطني يشارك فيه الجميع، وهذا تحدثت فيه مع الرئيس علي عبد الله صالح، ولم يعارضه، بل على العكس، فهو الآن يتجه إلى المؤتمر الوطني للمصالحة، على أن يشارك فيه الكل». أخيرا لم يكن من الممكن تجاهل طرح سؤال عما أثير إعلاميا مؤخرا في مصر حوله، وماذا كانت لديه طموحات سياسية داخلية، لكنه رفض بشدة الخوض في ذلك قائلا: «لن أتحدث في شؤون مصرية خارج مصر».