لغز طبيب النساء المصري زكريا عويس وراء القضبان الأميركية

أصدقاؤه يؤكدون براءته من تهمة قتل زوجته في واشنطن

TT

منذ 10 أيام، وطبيب النساء المصري الشهير، الدكتور زكريا عويس، البالغ عمره 57 سنة، محتجز وراء القضبان في واشنطن بتهمة، تشير معلومات جديدة حصلت «الشرق الأوسط» عليها، بأنه قد يكون بريئا منها تماما، وهي قتله لزوجته بمنزل يقيمان فيه منذ 10 أعوام مع ولديهما الوحيدين، عمر وأمين، في حدث هز حي بوتاماك الراقي بالعاصمة الأميركية، ووصفته شرطة المدينة بجريمة شرف عبر القارات من الدرجة الأولى.

وكانت «الشرق الأوسط» قد نشرت السبت الماضي خبرا عن الدكتور المهاجر منذ 24 سنة في الولايات المتحدة، لخص تحقيقات أولية للشرطة الأميركية، وفيها أنه أراد غسل العار حين قتل زوجته الألمانية، ماريان عويس، لعلاقتها منذ زمن بعيد بشاب يجهل هويته في مصر، لذلك رصدها تنزل الى عيادة له أسفل البيت صباح الأربعاء الماضي، فتسلل وراءها وحدث شجار هناك، سدد لرأسها خلاله ضربة حاسمة قبل أن تأتي الشرطة لتقبض عليه عند باب الفيللا وعلى صدره خدش وثيابه ملطخة ببقع دم، وصل بعضها حتى الى نظارتيه، فنقلوها هامدة الى مستشفى قريب، وزجوه وراء القضبان لهذه الأسباب، ولتأكدهم من خلافات له سابقة مع الزوجة التي تصغره بثمانية أعوام، ومنعوا اطلاق سراحه بكفالة، بل حرمانه من المشاركة في دفنها يوم الأول من أمس، خشية فراره الى حيث عائلته في الاسكندرية، وتمهيدا لأول جلسة استماع بعد 3 أسابيع لايضاح ملابسات «جريمة» يواجه فيها ما وجهه اليه الادعاء العام، وهو القتل العمد مع سابق الاصرار.

ومما ورد في الخبر أيضا أن ابنه عمر، الأكبر بسنتين من شقيقه أمين، البالغ عمره 18 سنة، استيقظ على ضجيج شجار بين أبويه المتزوجين منذ 22 سنة، فاتصل بالشرطة التي أرسلت دورية اعتقلت الأب، النافي الى الآن قتله للزوجة، مع اعترافه في الوقت نفسه بخلافات معها ناتجة عن شكوكه بعلاقة غرامية لها بين واشنطن والاسكندرية.

وروى عويس في التحقيق الأولي معه أنه عرف من بعض الأصدقاء أن زوجته كانت في مصر منذ مايو (أيار) الماضي، ولم تكن تقضي الصيف مع والدتها بألمانيا، طبقا لما قالت له ولشركة عقارات تعمل فيها سمسارة بواشنطن، فطار الى الاسكندرية وراقبها أسبوعا، رأى خلاله بعينيه ما كان في السابق شكوكا، لذلك قرر كما تقول الشرطة التخلص منها، فعاد قبلها بيوم واحد الى واشنطن الاثنين الماضي، وانتظرها الى أن وصلت في اليوم التالي، ثم كان ما كان بينهما في الصباح الباكر، واعتقاله اثر رؤيته بثياب ملطخة بدم «القتيلة» مع خدش في الصدر واضح المعالم، وارتباك على سمات الوجه تثير الشكوك.

الا أن ما علمته «الشرق الأوسط» الآن، من قرائن وحيثيات جديدة، ألمت بها الشرطة الأميركية أيضا، يناقض تماما تحقيقاتها الأولية، وفق ما قاله أصدقاء للدكتور عويس في السعودية ومصر والولايات المتحدة، ومنهم الدكتور قصي عشقي، المنبري عبر الهاتف أمس ليزود «الشرق الأوسط» من العاصمة الأميركية بقرائن «تبرئ رجلا مسالما ورثت صداقته عن والدي» في اشارة لأبيه العامل بالمستشفى العسكري في جدة، وهو الدكتور أنور عشقي.

ويقول قصي: «الدكتور عويس لم يقتل زوجته بالتأكيد، انما هي احتياطات الشرطة التي اعتقلته أمام ما كانت تملك من قرائن أولية ساعة الحادث» على حد تعبيره. وقال إن الدم الذي كان على ثيابه ونظارتيه ساعة حضور الشرطة، وكذلك الخدش على صدره، ليس دليلا ضده، فالخدش بسيط وأقدم من الحادث بأيام، فهو من أغصان شجرة كان يقص فروعها في حديقة بيت العائلة بواشنطن، وقد عاينتها الشرطة، التي تحققت بعد تشريح الجثة من عدم وجود أي آثار من جلد الدكتور في أظافر زوجته، مما يعني أن الخدش ليس من أظافرها، بل من شيء آخر، هو أغصان الشجرة بالتأكيد. أما الثياب فتلطخت بالدم لأنه كان يفحص زوجته بعد أن وجدها ميتة من أثر صدمة في رأسها».

وقال قصي إن في أسفل بيت العائلة عيادة للدكتور زكريا، ومعها مستودع لأغراض متنوعة، وربما كانت تحاول زوجته النزول على الدرج، وهو بطول 3 أمتار تقريبا، الى المستودع السفلي، أو الى العيادة للاتيان بغرض ما، فانزلقت واصطدم رأسها أو شيء من هذا القبيل، فأسرع اليها زوجها ليعاين عن قرب ما حدث لها، وابنه البكر نائم في تلك اللحظة، فتلطخت ثيابه بدم كان يخرج من فمها، وربما سقطت نظارتيه على بقعة ما. كما أن رأس الزوجة كان به ورم عند العثور عليها «قتيلة» وهذا لا تحدثه ضربة حاسمة على الرأس بقصيب من حديد، لأن ما حدث لها هو نزيف داخلي، خرج الدم بعدها من فمها، لا من موقع الورم على الرأس «وعلى أي حال فان الشرطة لم تعثر على أي قضيب معدني في البيت، يصلح لأن يكون أداة للجريمة» كما قال قصي، البالغ عمره 28 سنة.

وأكد أن الدكتور زكريا لم يكن في البيت لحظة الحادث، بل كان في طريقه الى العمل، الا أنه نسي غرضا في عيادته بالفيللا، فعاد ليأخذه، وكانت الساعة الثامنة صباحا تقريبا، وهناك وجد زوجته طريحة أسفل الدرج وتنزف دماء من فمها وعلى رأسها «دملة» من أثر اصطدامه بشيء ما، فأقبل كطبيب يفحصها وهو متوتر في هذه الحالة، وربما قام بمساعدتها عبر التنفس الاصطناعي بفمه، لذلك وصلت بعض قطرات الدم الى نظارتيه والى ثيابه، وكل هذا ستوضحه التحقيقات.

ومن القرائن الجديدة أن الدكتور عويس تسلم رسالة مكتوبة مسجلة على هاتفه النقال من ممرضة في عيادة يملكها في حي آخر، تذكره بموعد له تلك الساعة مع احدى المريضات. وارسال الممرضة للكتابة عبر هاتفه النقال الذي كان لا يعمل تلك اللحظة، دليل على أنها اتصلت به في البيت، حين كان ابناه وزوجته نائمين. الا أن أحدا لم يرد على الجانب الآخر من الخط. كما اتضح أن ابنه عمر لم يتصل بالشرطة، بل بالاسعاف عند حضور والده الى البيت للاتيان بالغرض الذي نسيه، وعثوره على الزوجة ميتة عند أسفل الدرج. أما ظهور علامات الارتباك على وجهه عند حضور الشرطة «فهو أمر عادي لرجل فقد زوجته للتو» على حد تعبير قصي.

لكن قصي، الذي زار الدكتور زكريا مرارا في موقع احتجازه الآن، يعترف بتوترات كانت بين الزوجين، ويوافق مبدئيا أن شجارا قد يكون حدث بينهما في البيت عند رجوعه للاتيان بالغرض الذي نسيه، وأن يكون دفع زوجته باحدى يديه كيفما كان كتعبير عن حالة غضب أثناء الشجار «فوقعت قضاء وقدرا عن السلم المؤدي الى العيادة أسفل البيت، وبهذا لا يكون ما حدث جريمة من وجهة القانون» كما قال قصي. المؤكد أن الدكتور عويس مسالم بطبعه ومثقف الى درجة كبيرة، وحالته المادية فوق المتوسط، اذ يملك محطتي وقود في واشنطن، وكذلك بيته الذي يقيم فيه هناك، وآخر في الاسكندرية كبير، مع أملاك موزعة بين البلدين، وهو من النوع الذي لا يدع العاطفة تتغلب على منطق تصرفاته «لذلك فمن المستحيل أن يكون قد قتل زوجته، التي كان باستطاعته قتلها عندما كان يراقبها في مصر لأسبوع» وفق تعبيره. والمعروف عن الدكتور زكريا أنه شقيق للدكتور ابراهيم محمد عويس، المتولي في 1977 منصبا وزاريا بمصر، ورئيس مجلس العلاقات المصرية ـ الأميركية، وأستاذ الاقتصاد في جامعة جورج تاون بواشنطن، والذي استمع في خريف العام الماضي وبرفقته ابنته ياسمين وابنه كريم لأحدهم «على تعليمي دروسا في الاقتصاد لا أنساها». ذلك الرجل لم يكن سوى الرئيس الأميركي السابق، بيل كلينتون، الذي استقبله في البيت الأبيض.